- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠23برنامج ومضات قرآنية - قناة الرسالة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
حقيقة الزمن :
أيها الأخوة الكرام ، الصيام ثاني أكبر عبادة في الإسلام ، وهو في الحقيقة عبادة زمنية لأنه يتم في شهر رمضان ، ورمضان شهر من أشهر العام ، فلذلك يعد الصيام عبادة زمنية ، فما حقيقة الزمن يا ترى ؟
أيها الأخوة ، قالوا : الزمن هو البعد الرابع للأشياء ، وكل شيء له طول وعرض وارتفاع ، وله بعد رابع هو أثر الزمن فيه ، فالزمن في حقيقته يرد في سورة دقيقة جداً وهي قوله تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ﴾
يقسم الله بمطلق الزمن :
﴿ وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾
فالله جلّ جلاله يقسم بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول رتبة لماذا ؟ لأن الله عز وجل حينما عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال أبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ، لأنه قَبِل حمل الأمانة كان المخلوق الأول :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾
هذا الإنسان حينما قَبِل حمل الأمانة أعطاه الله مقومات هذه الأمانة ، والأمانة في أدق تعاريفها نفسه التي بين جنبيه :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا {9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)﴾
أثمن شيء في حياة الإنسان هو الزمن :
الإنسان الذي أقسم الله بعمره هو النبي صلى الله عليه وسلم ، هو الإنسان الأول ، قال تعالى :
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
في هذه السورة سورة العصر التي قال عنها الإمام الشافعي : " لو أن الناس تدبروا هذه السورة لكفتهم " .
كان أصحاب النبي ـ رضوان الله عليهم ـ لا يتفرقون إلا على هذه السورة ، قال تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ﴾
قسم :
﴿ وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾
فالله جلّ جلاله أقسم بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول رتبة ، الذي هو في حقيقته زمن ، والشيء الدقيق أن الإمام الجليل الحسن البصري عرف الإنسان تعريفاً جامعاً مانعاً قال: " هو بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه " .
" ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا بن آدم أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة ".
فيبدو أن أثمن شيء في حياة الإنسان هو الزمن ، وبمثل بسيط لو أن إنساناً ـ لا سمح الله ولا قدر ـ أصيب بمرض عضال ، وهذا المرض العضال يقتضي عملية جراحية تكلف ثمن بيته ، أنا متأكد أن هذا الإنسان لا يتردد ثانية واحدة في بيع بيته ، وإجراء العملية، متوهماً أنه سيعيش بعدها بضعة سنوات تزيد عن عمره الذي سينقضي بهذا المرض ، هكذا تصوره ، من أين انطلق هذا الإنسان ؟ من أنه قد ركب في أعماق أعماق أعماقه أن الوقت أثمن من المال ، هذا تمهيد لحالة جديدة ، إنسان أمسك المال وأحرقه بيده ، بماذا نحكم عليه ؟ نحكم عليه بالسفه قطعاً أو بالجنون ، فإذا كان إتلاف المال يعد سفهاً فكيف بإتلاف الوقت ؟
لذلك ، الإنسان بتعريف جامع مانع قال : " هو بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا بن آدم أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة ".
الزمن هو البعد الرابع للأشياء :
أيها الأخوة الكرام ، الزمن هو البعد الرابع للأشياء ، وقد اكتشف أنشتاين أن السرعة القصوى في الكون هي سرعة الضوء ، وهي ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية ، للتقريب ، أقرب نجمٍ ملتهبٍ إلى الأرض عدا الشمس يبعد عنا أربع سنوات ضوئية ، ما معنى أربع سنوات ضوئية ؟ الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر ، في الدقيقة ضرب ستين ، في الساعة ضرب ستين ، في اليوم ضرب أربع وعشرين ، في العام ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ، في أربع سنوات ضرب أربع ، هذا الرقم لو قسمناه على مئة بمعنى لو أن هناك طريقاً لهذا النجم ، ومعنا سيارة سرعتها مئة ، لعرفت كم ساعة تستغرق الرحلة إلى هذا النجم الملتهب ، لو قسمنا على أربع وعشرين كم يوماً ؟ لو قسمنا على ثلاثمئة وخمسة وستين كم عام ؟ هل تصدقون أننا من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض بمركبة أرضية نحتاج إلى خمسين مليون عام .
السرعة القصوى للضوء ثلاثمئة ألف كيلو متر ، فالله سبحانه وتعالى أقسم بمطلق الزمن لهذا الإنسان الأول رتبة ـ لأنه قبل حمل الأمانة ـ أنه خاسر لا محالة ، يا رب لماذا هو خاسر ؟ قال الله عز وجل :
﴿ وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾
خاسر لأن مضي الزمن يستهلكه ، سبت ، أحد ، اثنين ، ثلاثاء ، أربعاء ، خميس، مضى أسبوع ، أسبوع ثان ، ثالث ، رابع ، شهر ، شهران ، أشهر عديدة ـ اثنا عشر شهراً ، سنة ، عقد ، عقدان ، انتهى عمره ، هو بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، لذلك أقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن ، قال تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾
الإنسان خاسر لا محالة لأن مضي الزمن يستهلكه :
نستنبط أن رأسمال الإنسان هو الوقت ، أو أن أثمن شيء يملكه هو الوقت ، أو أنه في الحقيقة بضعة أيام ، أي لو أن إنساناً له عند الله ثلاثاً وستين سنة وأربعة أشهر وثلاثة أسابيع وأربعة أيام وخمس ساعات وثلاث دقائق وأربع ثوان ، هذا عمر الإنسان فهو زمن ، وهو بهذه التعريفات الدقيقة للإنسان ينبغي أن يحافظ على وقته ، والوقت شيء ثمين جداً ، أما جواب القسم ،
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
لأن مضي الزمن يستهلكه ، إذاً هو خاسر ، لو جمع أكبر ثروة في الأرض ، لو اعتلى أعلى منصب في الأرض ، لو استمتع بمباهج الدنيا أعلى استمتاع ، هو خاسر بنص هذه الآية وهذا كلام خالق الأكوان ، كلام رب العالمين ، فالكون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق ، والنبي قرآن يمشي :
﴿ وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)﴾
القرآن ليس كتاباً علمياً لكنه كتاب هداية فيه إشارات دقيقة لطيفة إلى قضايا علمية خطيرة :
الله عز وجل يقول :
﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)﴾
هذه الآية على صغرها تشير إلى النظرية النسبية التي جاء بها أنشتاين ، القمر يدور حول الأرض دورة كل شهر ، لو أردنا أن نحسب كم يقطع من الكيلو مترات في هذه الدورة ؟ نأخذ مركز الأرض ومركز القمر ، نصل بينهما بخط ، هذا الخط طوله نصف قطر الأرض مع نصف قطر القمر مع المسافة بينهما ، ضرب اثنين ، ينتج القطر ، ضرب 3،14 هو المحيط ، ضرب اثني عشر بالسنة ، ضرب ألف بألف سنة ، نعرف كمن يقطع القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام ، الله عز وجل قال :
﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)﴾
الآن لو قسمنا هذا الرقم على ثواني اليوم ، ستون بستين بأربع وعشرين ، أي ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد ، طبعاً هذه الإشارة في القرآن الكريم إلى نظرية عملاقة يتيه بها الغربيون :
﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)﴾
القمر يقطع مسافة طويلة جداً حول الأرض في ألف عام ، هذه المسافة لو قسمناها على ثواني اليوم كان الجواب السرعة المطلقة للضوء ، وهي مئتان وتسعة وتسعين ألف وستمئة واثنين وخمسين ، هذه الآية فيها إشارة إلى النظرية النسبية وقد عرض هذا الموضوع في مؤتمر الإعجاز العلمي الخامس .
أيها الأخوة الكرام ، هذا القرآن ليس كتاباً علمياً ، لكنه كتاب هداية ، فيه إشارات دقيقة لطيفة إلى قضايا علمية خطيرة جداً ، هذا مما يؤكد أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن ، فلذلك الله عز وجل يقول :
﴿ وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾
أي إيمان لا يترجم إلى التزام ووقوف عند الحلال والحرام لا قيمة له :
أيها الأخوة الكرام ، فالإنسان بنص هذه السورة القصيرة خاسر لا محالة ، لأن مضي الزمن يستهلكه ولكن رحمة الله في إلا ، إلا أداة استثناء ما بعد إلا يلغي ما قبلها :
﴿ وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾
أولاً الذين آمنوا ، أي إيمان ينجي صاحبه ؟ الإيمان الذي يحملك على طاعة الله وأي إيمان آخر لا قيمة له ، يسمى أحياناً إيماناً إبليسياً لأن إبليس آمن بالله ، قال ربي :
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
آمن به رباً وعزيزاً ، ولأن إبليس قال :
﴿ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾
ولأنه قال :
﴿ خَلَقْتَنِي ﴾
فأي إيمان لا يترجم إلى التزام ، إلى وقوف عند الحلال والحرام ، أي إيمان لا يراك الله من خلاله حيث أمرك ، ولا يفتقدك حيث نهاك لا قيمة له .
الإيمان من دون عمل لا قيمة له إطلاقاً :
الله يقول :
﴿ وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾
هو خاسر لا محالة ، لكنه بإمكانه أن يتلافى هذه الخسارة حينما يؤمن أي إيمان ؟ الإيمان الذي يحمله على طاعة الله ، الإنسان إذا آمن بالله خالقاً ، ومربياً ، ومسيراً ، ولم يتحرك حركة وفق إيمانه ما قيمة هذا الإيمان ؟ إن لم يؤمن فقد ارتكب حماقة كبيرة ، وإن آمن ما فعل شيئاً ، فأنت إذا قلت : الشمس ساطعة ، إنها ساطعة ، هي ساطعة ، أنت ما أضفت شيئاً ، أما إذا كان الإنسان يعاني من مرض جلدي وبحاجة إلى أشعة الشمس ، ما لم يتعرض لأشعتها لا ينتفع من سطوعها ، الإيمان من دون عمل لا قيمة له إطلاقاً ، إطلاقاً ،
﴿ ِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
فالذي يؤمن إيماناً يحمله على طاعة ربه هذا هو الإيمان ، لذلك العبادات مهمتها أن تنقلك إلى الالتزام ، الطاعة، الصلح مع الله ، وإذا رجع العبد العاصي إلى الله ، نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله .
الإيمان المنجي هو الإيمان الذي يحمل الإنسان على طاعة الله :
الإيمان الذي يحمل الإنسان على طاعة الله هو الإيمان المنجي
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
العمل الصالح إذا جاء منفرداً أي الاستقامة والعمل الصالح ، الاستقامة طابعها سلبي ، يقول الإنسان : أنا ما أكلت مالاً حراماً ، أنا ما غششت ، أنا ما اغتبت ، فكل الأفعال التي تسبق بما الامتناع هي الاستقامة ، الاستقامة لا بدّ من أن تكون سبيلاً إلى العمل الصالح ، الإيمان يحتاج إلى استقامة وعمل صالح ، فالاستقامة والعمل الصالح متكاملان ، الاستقامة أن تزيح عن الطريق إلى الله كل العقبات ، كأن كل معصية عقبة تقف في طريقك إلى الله ، فإذا أزحت هذه العقبات ، وتبت عن كل المعاصي ، والآثام ، والمخالفات ، والتقصيرات ، إذا أزحت هذه العقبات صار الطريق إلى الله سالكاً ، الآن الحركة على هذا الطريق أساسها العمل الصالح ، فإذا جاء العمل الصالح وحده يعني الاستقامة والعمل الصالح، و إذا جاءت الاستقامة وحدها تعني الاستقامة والعمل الصالح ، أما إذا تفرقا فلكل منهما معنىً خاصاً .
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
أي امتنعوا عن كل ما نهى الله عنه ثم أعطوا ، أعطوا من وقتهم ، أعطوا من مالهم ، أعطوا من جهدهم ، أعطوا من خبرتهم ، بنوا حياتهم على العطاء ، ذلك لأنه يقع على رأس الهرم البشري زمرتان هما الأنبياء والأقوياء ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء ملكوا القلوب ، والأقوياء ملكوا الرقاب ، الأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء عاش الناس لهم ، والناس جميعاً تبع لنبي أو قوي ، لذلك أحب الناس الأنبياء وخافوا من الأقوياء ، أما الأقوياء بطولتهم أن يتخلقوا بأخلاق الأنبياء حتى يحبهم الناس .
أركان النجاة :
إذاً الإنسان حينما يؤمن ويعمل صالحاً يكون قد حقق بعض أركان النجاة ، الحقيقة النجاة هي أربعة أركان ، أحد أركانها
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
والركن الثاني :
﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
والثالث :
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
والرابع :
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
فإذا حققت هذه الأركان الأربعة نجوت من الخسارة المحققة التي جاءت جواباً لقسم الله عز وجل:
﴿ وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾
أي جاءت أعمالهم امتناعاً عن المناهي التي نهى الله عنها ، أو عطاء من مالهم ، أو وقتهم ، أو جهدهم ، أو خبرتهم ، أو علمهم ، لأنه يقال : إن عبادة الغني الأولى في إنفاق المال ، لأنه الله أقامه غنياً ، و عبادة العالم الأولى في تعليم العلم ، لأن الله أقامه عالماً ، وعبادة القوي في إحقاق الحق وإبطال الباطل ، لأن الله أقامه قوياً ، و عبادة المرأة في رعاية الزوجة والأولاد ، لأن الله أقامها أماً ، وأقامها زوجة ، فلذلك هناك ما يسمى بعبادة الهوية .
التواصي بالحق فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم ومع من يعرف :
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
هذه الآية تشير إلى أن التواصي بالحق فرض عين على كل مسلم ، لكن في حدود ما يعلم ومع من يعرف ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( بلغوا عني ولو آية ))
التواصي بالحق من خصائص المؤمن المسلم ، لأن الله عز وجل ينبغي أن يقربك منه إذا عملت عملاً صالحاً ، أعظم الأعمال الصالحة كلمة الحق أن تقولها ، أعظم صدقة كلمة الحق ، أعظم عمل أن تقرب الإنسان إلى الله عز وجل ، فأنت لن تنجو من الخسارة المحققة إلا إذا آمنت بالله أولاً إيماناً يحملك على طاعته ، وعملت عملاً صالحاً بشقيه الاستقامة والعمل الصالح أي أعطيت من وقتك ، من مالك ، من خبرتك ، من جهدك ، أعطيت هذا الشيء تقرباً إلى الله عز وجل ، تبتغي به رضوانه والدار الآخرة .
التواصي بالحق هو الدعوة إلى الله :
الآن التواصي بالحق هو الدعوة إلى الله ، و الدعوة إلى الله تكون فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، وتكون فرض عين تجب على كل مسلم في حدود ما يعلم ومع من يعرف ، و الدعوة إلى الله فرض كفاية أساسها التبحر والتعمق والتفرغ ، هذه الدعوة إلى الله التي هي فرض كفاية ينبغي أن تتبعها حركات من الاستقامة والعمل الصالح ، لذلك قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
هذه الدعوة إلى الله فرض كفاية إذا قام به البعض سقطت عن الكل ، أما الدعوة إلى الله كفرض عين هي أن تنقل لمن حولك ما تعلمته أ كما يقال في حدود ما تعلم ومع من تعرف :
(( بلغوا عني ولو آية ))
السورة التالية تبين هدف الإنسان من الحياة وما ينبغي أن يفعله في هذه الدنيا :
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
الصبر على ماذا ؟ على معرفة الحقيقة ، وعلى العمل وفقها ، وعلى الدعوة إليها ، فهذه السورة تسع جميع الناس، هذه السورة تبين هدف الإنسان من الحياة ، هذه السورة تبين ما ينبغي أن يفعله الإنسان في هذه الدنيا :
﴿ وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾
يؤمن ، ويتحرك وفق هذا الإيمان ، ويدعو إلى ما آمن به ، ثم في النهاية يصبر على البحث عن الحقيقة ، والعمل وفقها ، والدعوة إليها ، هذا من موجبات المغفرة ، والقرب من الله عز وجل ، والله عز وجل يقول :
﴿ وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾
ورد في بعض الأدعية :
(( لا بورك لي بطلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله علماً ، ولا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قرباً ))
وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .