- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠23برنامج ومضات قرآنية - قناة الرسالة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
ما لم نستقم لن نقطف من ثمار الدين شيئاً :
أيها الأخوة الكرام ، الحديث اليوم عن الاستقامة ، ولا بدّ من تمهيد ، كلكم يعلم أن للتجارة نشاطات لا تعد ولا تحصى ، فمن شراء المحل إلى شراء المستودع ، إلى شراء مكتب الاستيراد ، إلى تعيين الموظفين ، إلى جلب البضائع ، إلى حضور المعارض ، إلى بيع البضاعة ، إلى الإعلان عنها ، إلى ضبط المبيعات والمشتريات ، إلى المحاسبة ، إلى نشاطات لا تعد ولا تحصى ، السؤال هل يمكن أن تضغط كل نشاطات التجارة بكلمة واحدة ؟ أنا أقول : يمكن إنها الاستقامة أو إنها الربح ، يمكن أن تضغط كل نشاطات التجارة بكلمة واحدة إنها الربح ، فإن لم تربح فلست تاجراً ، يقاس على هذا المثل التمهيدي أن الدين فيه نشاطات لا تعد ولا تحصى ، أداء العبادات ، عقد المؤتمرات ، إلقاء المحاضرات ، تأليف الكتب ، زيارات تبادلية بين العلماء ، عقد جلسات ، إنشاء مستوصفات ، إنشاء جمعيات خيرية ، نشاطات الدين لا تعد ولا تحصى .
السؤال يمكن أيضاً أن نضغط نشاطات الدين بكلمة واحدة كما ضغطنا نشاطات التجارة بكلمة واحدة إنها الربح ، أقول لكم من أعماقي : يمكن أن تضغط نشاطات الدين كلها بكلمة واحدة إنها الاستقامة ، فما لم نستقم لن نقطف من ثمار الدين شيئاً .
الاستقامة هي السبب الأول لتحقيق وعود الله عز وجل :
أضعكم مع مجموعة من وعود الله للمؤمنين الصادقين :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾
بربكم والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، هل نحن مستخلفون في الأرض ؟ هل نحن ممكنون في الأرض ؟ هل نحن آمنون ؟ شيء آخر :
﴿ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾
هذا الكم الكبير من وعود رب العالمين ، وكلكم يعلم وأنا معكم أعلم أن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله ، يمكن أن نعد الاستقامة السبب الأول لتحقيق وعود الله عز وجل .
الاستقامة هي حجر الأساس في الدين وهي عين الكرامة :
مرة ثانية أقول : زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، ولكن الآية الكريمة ربما انطبقت على معظم المسلمين :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)﴾
وربما كانت هذه الآية التي يحار العقل فيها هي الخلاص للعالم الإسلامي :
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
إذاً الاستقامة أصل كبير من أصول الدين ، ما لم نستقم على أمر الله لن ـ ولن لتأبيد النفي ـ نقطف من ثمار الدين شيئاً ، يبقى الدين ثقافة ، والآن الدين ثقافة ، والدين فلكلور ، والدين تراث ، والدين عادات وتقاليد ، والدين كما يقال خلفية إسلامية للإنسان ، أرضية إسلامية ، نزعة إسلامية ، تصور إسلامي ، مشاعر إسلامية ، اهتمامات إسلامية ، زخرفة إسلامية ، بل إن القرآن الكريم قرئ في مدينة في أوربا لا على أنه كتاب مقدس على أنه فلكلور إسلامي .
أيها الأخوة الكرام ، حينما يفرغ الدين من مضمونه ، حينما لا يطبق الدين ، حينما يهون أمر الله على المسلمين عندئذ يهونون على الله ، ذلك أن الاستقامة هي حجر الأساس في الدين ، وأنت تطلب من الله الكرامة وهو يطلب منك الاستقامة ، والاستقامة عين الكرامة .
من بحث عن الحقيقة وعرف خالقه توصل إلى أن الله موجود وواحد وكامل :
أيها الأخوة الكرام ، مع الآيات الكريمة :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾
بحثوا عن الحقيقة ، عرفوا خالقهم ، عرفوا ربهم ، عرفوا مسيرهم ، عرفوا أسماءه الحسنى و صفاته الفضلى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾
بحثوا ملياً ، درسوا كثيراً ، تأملوا عميقاً ، فتوصلوا إلى أن الله سبحانه وتعالى خالق السماوات والأرض موجود وواحد وكامل ، أسماؤه حسنى وصفاته فضلى :
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
﴿ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
الأرض بقبضته دائماً وأبداً ، فهذه الآيات التي تشير إلى وحدانية الله وتشير إلى أن الأمر بيده :
﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾
طبقوا أمره ، خضعوا لمنهجه ، حكموا شرعه في حياتهم .
من طبق منهج الرسول الكريم في حياته فلن يعذبه الله أبداً :
بل حينما قال الله عز وجل :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
من أشد صيغ النفي هذه الصفة ، قال عنها علماء البلاغة : إنها نفي الشأن لا نفي الحديث ، مثلاً لو إنسان سأل آخر هل أنت سارق ؟ يقول له : ما كان لي أن أسرق ، أما إذا قيل له هل أنت جائع ؟ يقول : لا ، لا تنفي الحديث ، أما إذا اتهم بالسرقة وهو من أعظم الناس يقول : ما كان لي أن أسرق ، أي أنا لا أسرق ، ولا أرضى عن السارق ، ولا أدع السارق ، ولا أفعلها ، أكثر من عشرة أفعال عددها علماء النحو في نفي شأن السرقة ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن يُعذب المسلمون وفيهم رسول الله ، منهج النبي فينا مطبق في حياتنا ، في كسب أموالنا ، في إنفاق أموالنا ، في تربية أولادنا ، في حلنا، في ترحالنا ، في سفرنا ، في إقامتنا ، في أفراحنا ، حينما يطبق منهج النبي صلى الله عليه وسلم في حياتنا ما كان الله ليعذبهم .
أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون :
المشكلة أننا آمنا بالإسلام كإطار لكن كمنهج تفصيلي ابتعدنا عنه ، أي هان أمر الله علينا فهنا على الله :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
ما أروع هذه الكلمات ، نحن هنا ألا تخافوا المستقبل مغطى كله :
﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا ﴾
ألا تحزنوا الماضي مغطى ، ما قولك الماضي مغطى بعدم الندم ، والمستقبل مغطى بعدم الخوف :
﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (31)﴾
أي إذا كان الله وليك فمن عليك ؟ وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك من معك ؟
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)﴾
من يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله ولا تشقى نفسه :
الآن :
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
لا يضل عقله ولا تشقى نفسه :
﴿ فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
اجمع الآيتين ، من يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله ولا تشقى نفسه ولا يندم على ما فات ولا يخشى مما هو آت ، فماذا بقي من سعادة الدنيا ؟
حقائق الإيمان و حلاوة الإيمان :
أيها الأخوة الكرام ، نقطة دقيقة جداً هي أن هناك حقائق للإيمان ، و هناك حلاوة للإيمان ، والفرق كبير جداً بين حقائق الإيمان وبين حلاوة الإيمان ، كأن تنطق وتقول: ألف مليار دولار ، بين أن تنطق بها فقط وبين أن تملكها ، كم هي المسافة بينهما ؟ بين أن تقتني خارطة قصر منيف وبين أن تسكن هذا القصر ، بين أن تقتني صورة مركبة فارهة وبين أن تمتلكها ، لذلك الفرق كبير جداً بين حقائق الإيمان و بين حلاوة الإيمان ، أي مسلم مفكر يقرأ ، يطالع ، يستمع ، يدرك حقائق الإيمان ، لكنه لا يعيش حلاوة الإيمان ، متى نعيش حلاوة الإيمان ؟ إذا دفعنا ثمنها ، وثمن حلاوة الإيمان ثمن باهظ ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ))
دققوا :
(( أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ))
لعل متوهماً يتوهم أنك إذا سألت عامة المسلمين ، لو سألت المليار وخمسمئة مليون مسلم ألا تحب الله ورسوله أكثر من أي شيء ؟ لقال لك : نعم ، ليس هذا هو المعنى إطلاقاً ، أن يكون الله في قرآنه في الأمر والنهي ، والنبي في سنته ، أحبّ إليك مما سواهما عند التعارض ، عندما تتعارض مصلحتك المادية المتوهمة القريبة مع نص شرعي فتضع هذه المصلحة المتوهمة القريبة تحت قدمك وتلتزم النص الشرعي ، أنت الآن دفعت ثمن حلاوة الإيمان ، حلاوة الإيمان تجعلك بطلاً ، حلاوة الإيمان تجعلك متماسكاً ، تجعلك متفائلاً ، تجعلك قوياً ، تجعلك سعيداً ، تجعلك حكيماً ، حلاوة الإيمان ترقى بك إلى أعلى عليين ، حلاوة الإيمان تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، حلاوة الإيمان تشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء.
الاستقامة حدّية لا تفاوت فيها :
أيها الأخوة الكرام ، لذلك الاستقامة حدية لا تفاوت فيها ، عندنا في اللغة العربية أفعال ليست قابلة للتفاوت كفعل مات ، لا يوجد فلان أموت من فلان ، الموت حدي ، والاستقامة حدية ، للتوضيح مستودع للوقود السائل هذا المستودع إحكامه حدي ، الإحكام حالة واحدة أما عدم الإحكام متفاوت ، معنى إحكامه تضع به ألف لتر تغلقه بإحكام ، تبقى هذه اللترات إلى سنوات طويلة كما هي لأنه محكم ، فالاستقامة حدية ، أما عدم الإحكام نسبي ، هناك مستودع يفرغ ما فيه بساعة ، أو بشهر ، أو بسنة ، أو بخمس سنوات ، فعدم الإحكام نسبي ، فالإحكام حدي قال تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)﴾
إذاً :
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا))
أن يكون الله في قرآنه ، والرسول في سنته ، أحب إليه مما سواهما عند التعارض ، عندئذ تستحق حلاوة الإيمان لأنك دفعت ثمن حلاوة الإيمان .
الولاء والبراء :
والشيء الثاني :
(( وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ))
هذا هو الولاء والبراء ، يعني أنت كمسلم تحمل همّ المسلمين ، تحب المسلمين ، توالي المسلمين ، أن توالي المسلمين ولو كانوا ضعافاً وفقراء ، وأن تتبرأ من الكفار والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء ، الولاء والبراء هو الدين ، الولاء والبراء هو الفريضة السادسة ، أن تكون عواطفك و مشاعرك مع المسلمين ، أن تبكي لما يصيب المسلمين ، أن تتألم لما يصيبهم ، أن تسهم بشكل أو بآخر في التخفيف عنهم ، هذا الذي يرقى بك عند الله ، ولاؤك للمسلمين ، طبعاً النص دقيق جداً :
(( وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ))
أي الولاء التام للمسلمين على ما عندهم من ضعف ، على ما عندهم من تقصير، هم أهلك أنت منهم وهم منك .
المؤمن في أعماقه اتخذ قراراً مصيرياً ألا يغيّر ولا يبدل ولا يقصر :
الشيء الثالث :
(( وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))
أي ليس على الحرف ، ما دامت الأمور كما يتمنى فهو متمسك بالدين ، فإذا جاءت الأمور على غير ما يتمنى ترك الدين ، هذا إنسان كما قال الله عز وجل :
﴿ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ (11)﴾
لكن المؤمن في الأعماق اتخذ قراراً مصيرياً ، لا يغير ، ولا يبدل ، ولا يقصر ، بالفقر مؤمن وبالغنى مؤمن ، وبالزواج مؤمن وقبل الزواج مؤمن ، وحينما يعاني ما يعاني من بعض الأمراض مؤمن ، وحينما يصح مؤمن ، هذا قرار استراتيجي اتخذه المؤمن وتعامل مع الله ، والله عز وجل زوال الكون أهون عليه من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ ﴾
الإيمان الذي أراده الله هو الإيمان الذي يحملك على طاعته :
أيها الأخوة الكرام ، قضية دقيقة جداً :
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)﴾
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾
فلذلك أيها الأخوة الكرام ، أنت حينما تؤمن الإيمان الذي أراده الله ، وحينما تدفع ثمن حلاوة الإيمان ، عندئذ يمكن أن تقطف ثمارها .
من شروط النصر الصبر و التقوى :
أيها الأخوة الكرام ، الشيء الدقيق جداً الحل :
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
قبل هذه الآية :
﴿ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
بربكم هل تستطيع قوى الأرض مجتمعة أن تنقل هذا الجبل الصغير جداً من دمشق إلى اليمن ؟ لا تستطيع ، فكيف يصف الله مكر هؤلاء ؟
﴿ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)﴾
﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196)مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)﴾
ليس بعد المعصية والصبر إلا القبر وليس بعد الطاعة والصبر إلا النصر المحقق :
لذلك الآية التي يمكن أن تكون حلاً للعالم الإسلامي :
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
كيدهم ، أموالهم ، طائراتهم ، أقمارهم الصناعية ، صواريخهم ، حاملات الطائرات، تحالفاتهم :
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾
والآية الدقيقة :
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
عودة المسلمين إلى دينهم أساس في تحقيق وعود الله عزّ وجل :
أيها الأخوة ، الكرة في ملعبنا :
﴿ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ (19)﴾
هان أمر الله عليهم فهانوا على الله ، فإذا عظمنا أمر الله ، الله عز وجل حقق الوعود التي وعدنا بها ، فالكرة في ملعبنا ، وأسأل الله عز وجل أن يعود المسلمون إلى دينهم، أن يردوا إلى دينهم رداً جميلاً حتى يستحقوا الوعود العظيمة التي وعد الله بها ، وحتى يستعيدوا دورهم القيادي بين الأمم ، وحتى يكونوا كما قال الله عنهم : وسطاء بينه وبين خلقه، وحتى يؤدوا هذه الرسالة إلى العالم كله ، لذلك نحن حينما نقول :
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا ﴾
ماذا يقابلها ؟ وإن تعصوا وتصبروا ، ماذا بعد المعصية والصبر ؟ ليس بعد المعصية والصبر إلا القبر ، لكن ماذا بعد الطاعة والصبر ؟ النصر المحقق ، أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصر أخوتنا في كل مكان في شمال الأرض وفي جنوبها ، في شرقها وفي غربها ، أن ينصرهم نصراً عزيزاً مؤزراً ، أن يأخذ بيده إلى جنته التي فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وأن تكون عبادة الصيام طريقاً إلى الواحد الديان وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .