- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠23برنامج ومضات قرآنية - قناة الرسالة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الصلاة عماد الدين وغرة الطاعات ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات :
أيها الأخوة الكرام ، الحديث اليوم عن الاتصال بالله ، الحقيقة كل شيء في الدين من أجل الاتصال بالله ، فالصلاة من أجل أن تتصل به ، والصيام من أجل أن تتصل به ، والحج من أجل أن تتصل به ، والزكاة من أجل أن تتصل به ، وغضّ البصر من أجل أن تتصل به ، والصدق والأمانة من أجل أن تتصل به ، العبادات الشعائرية بأكملها ، والعبادات التعاملية بأكملها ، من أجل أن تتصل به .
بالمناسبة الصلاة هي الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال ، تسقط الزكاة عن الفقير ، يسقط الحج عن المريض والفقير ، يسقط الصيام عن المسافر والمريض ، والشهادة ينطق بها مرة واحدة ، أما الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال هو الصلاة :
(( الصلاة عماد الدين))
وغرة الطاعات ، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات ، الآية الأصل في الصلاة :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾
أولاً أقم الصلاة ، الشيء الذي يقام يحتاج إلى ممهدات ، تقول : أقمت البناء ، هناك مهندس مخطط ، وهناك حفر أساسات ، و تكاليف باهظة :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾
استقامتك على أمر الله وعملك الصالح هو من إقامة الصلاة ، وسائل للاتصال بالله ، مبررات للاتصال بالله ،
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾
النظام الإسلامي من روعته وعظمته أنه مبني على الوازع الداخلي لا على الرادع الخارجي :
في الإنسان رادع وفي الإنسان وازع ، الرادع خارجي والوازع داخلي ، النظام الإسلامي من روعته وعظمته مبني على الوازع ، سيدنا ابن عمر رأى راعياً معه شياه ، قال له : بعني هذه الشاة وخذ ثمنها ؟ قال له الراعي : ليست لي ، قال : قل لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب ، يقول الراعي : ليست لي ، يقول له : خذ ثمنها ، يقول له الراعي : والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها : ماتت أو أكلها الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟ هذا الراعي وضع يده على جوهر الدين ، أما حينما يكون الرادع لا الوازع نحتاج إلى آلات لتصوير السرعات الزائدة ، ولأن واضع هذا القانون إنسان فالمواطن قد يكون أذكى منه ، فيخترع جهازاً في السيارة يكشف له هذه المراكز التي تكشف سرعته الزائدة ، عندئذ الدولة تبحث عن جهاز لكشف أجهزة السيارات ، هي معركة لا تنتهي بين عقلين ذكيين ، بين عقل وضع التشريع وبين عقل يحاول التملص من هذا التشريع .
فرق كبير جداً بين الوازع وبين الرادع ، أي لو فرضنا أن الدولة شرعت الصيام ، كم إنسان يصوم ؟ يدخل إلى بيته فيفطر ، يدخل إلى الحمام فيفطر، ليس هناك قوة تردع الإنسان عن شيء إلا إذا كان من عند الله ، فالإنسان الصائم يدخل إلى بيته ويكاد يموت من العطش ، والماء بارد ، والغرف مقفلة ، والنوافذ مقفلة ، وبإمكانه أن يشرب ما شاء له أن يشرب دون أن يراقبه أحد ، ولكن لا يستطيع المؤمن أن يضع في فمه قطرة ماء ، الإسلام قائم على الوازع الداخلي ومعه روادع خارجية ، لكن القوانين قائمة فقط على الروادع الخارجية ولا يستطيع إنسان أن يضبط الأمور ضبطاً تاماً ، لذلك لابدّ من احتيال على القانون، لذلك قال تعالى :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى ﴾
من الداخل تعتمد على الوازع الداخلي .
والله قصة لا أنساها سائق في دمشق وجد بسيارته عشرين مليون ليرة ، مبلغ فلكي يشتري له بيتين وسيارتين و ، بحث أربعة أيام عن صاحبها حتى أوصلها إلى صاحبها أي الوازع الداخلي ، والله أنا أقول : لا تقوم الحياة إلا بالوازع الداخلي ، لا تصلح الحياة إلا بالإيمان ، قال له : ولكن أين الله ؟ هذا الراعي البسيط ثقافته محدودة وضع يده على جوهر الدين ، والإنسان إذا لم يعرف الله يحتال فيأكل الأموال الطائلة عدواناً وظلماً .
ذكر الله لك أكبر من ذكرك له لأنه إن ذكرك منحك الحكمة :
أيها الأخوة الكرام :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ ﴾
أيها الأخوة ، قال علماء التفسير ذكر الله أكبر ما فيها ، والدليل :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
فالصلاة ذكر لله ، لكن مفسراً فهم الآية فهماً آخر
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
أي ذكر الله لك أيها المصلي أكبر من ذكرك له ، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية ، لكنه إن ذكرك منحك الحكمة :
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269)﴾
فالصلاة ذكر لله ، لكن مفسراً فهم الآية أنت بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة ، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، أنت بالحكمة تتدبر أمرك بدخل محدود ، ومن دون حكمة تبدد الأموال الطائلة ، أنت بالحكمة تجعل العدو صديقاً ومن دون حكمة تجعل الصديق عدواً ، لذلك من أعظم عطاءات الله الحكمة :
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269)﴾
نعمة الأمن لا تعدلها نعمة وهي من حظ المؤمنين فقط :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى ﴾
تعتمد على الوازع الداخلي وعلى خوف الله،
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ ﴾
أي ذكر الله لك أيها المصلي وأنت في الصلاة أكبر من ذكرك له ، إذا ذكرك منحك الحكمة ، وإن ذكرك منحك نعمة الأمن :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(81)الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ(82)﴾
نعمة الأمن لا تعدلها نعمة ، وهي من حظ المؤمنين فقط :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(81)الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ(82)﴾
والله الذي لا إله إلا هو بقلب المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم ، هذه نعمة الأمن رائعة جداً :
﴿ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾
الجوع و الخوف من عقابات الله الأليمة :
كيف يعاقب الله قوماً ضلوا عن سبيله ؟
﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾
أذاقها الله لباس الجوع والخوف ، كأن من عطاءات الله ،
﴿ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾
وكأن من عقابات الله الأليمة
﴿ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾
الله عز وجل إن ذكرك منحك الرضا و السعادة و السكينة :
فلذلك :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ ﴾
أكبر ما فيها ذكر الله ، أو ذكر الله لك أيها المصلي وأنت تصلي أكبر من ذكرك له ، إنه إن ذكرك منحك الرضا ، منحك السعادة ، منحك السكينة ، تسعد بالسكينة ولو فقدت كل شيء وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، ورد في بعض الأحاديث القدسية :
(( ليس كل مصلٍّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ))
هذا الذي فكر في خلق السماوات والأرض فامتلأ قلبه تعظيماً لله ، وخشية منه ، ومحبة له ، وخوفاً منه ، ورجاء في عطائه :
(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي))
من فكر في خلق السماوات والأرض امتلأ قلبه تعظيماً لله وخشية منه ومحبة له وخوفاً منه:
هناك من يقول : إن المسلمين يزيدون عن مليار وخمسمئة مليون ، إن مليون منهم يصلون ، وفي بعض الأحاديث الصحيحة :
(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
معنى ذلك أن هذه الصلاة التي يصليها المسلمون فيها شرود ، يرافقها بعض الآثام ، بعض المعاصي ، بعض التجاوزات ، هذه الصلاة لا تقدم ولا تؤخر :
(( أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ ؟ قالوا : المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع قال : إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شَتَمَ هذا ، وقذفَ هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيُعطَى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه ، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه ، ثم يُطْرَحُ في النار ))
(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي))
فكر في خلق السماوات والأرض ، نظر في خلق السماوات والأرض ، نظر في ملكوت الله ، امتلأ قلبه تعظيماً لله ، وخشية منه ، وعرف الآمر ، فلما عرف الأمر تفانى في طاعة الآمر :
(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ))
استقام على أمر الله ، كفّ شهواته عن محارمي ، وما لم يستقم الإنسان على أمر الله لن ـ لتأبيد النفي ـ يقطف من ثمار الدين شيئاً ، وكفّ شهواته عن محارمي ، فإذا زلت قدمه يتوب سريعاً ، ولم يصر على معصيتي .
المؤمن الصادق المتصل بالله يتمتع برؤيا صحيحة :
كأن هذا الحديث القدسي يبين الكتل الكبيرة في هذا الدين ، أول شيء فكر في خلق السماوات والأرض
(( ليس كل مصلّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ، استقام على أمري ، ولم يصر على معصيتي ))
بمعنى أنه سريع التوبة :
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾
﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾
(( وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب ))
العمل الصالح ، كأن هذا الحديث جمع كليات الدين :
(( ليس كل مصلّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب كل ذلك لي ـ مخلصاً هذه عبادة القلب ـ وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس ))
قذف الله في قلبه النور ، رأى به الحق حقاً والباطل باطلاً ، المؤمن الصادق المتصل بالله يتمتع برؤيا صحيحة ، حتى إنهم قالوا : قول ألف في واحد لا يعدل قول واحد في ألف ، الواحد الموصول يؤثر في ألف ويحملهم على طاعة الله :
(( خياركم الذين إذا رؤوا ذكر الله بهم ))
إنسان طليق اللسان لكنه ليس متصلاً بالله هذا الطليق لا يستطيع بطلاقة لسانه أن يقنع واحداً ، لو أن ألفاً من هؤلاء المتكلمين لا يستطيعون أن يقنعوا واحداً ، حال واحد في ألف أبلغ من قول ألف في واحد .
الحلم سيد الأخلاق :
لذلك من ثمار الصلاة نعمة الحكمة ، نعمة الأمن ، نعمة السكينة ، هذه كلها من ثمار الصلاة ، وشيء آخر مع العمل الصالح ومع الإخلاص :
(( ليس كل مصلّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس ، على أن أجعل الجهالة له حلما ))
والحلم سيد الأخلاق ، رعونات الجاهلية ، انحرافات الجاهلية ، فظاظات الجاهلية، قسوة الجاهلية ، عجرفة الجاهلية ، كبر الجاهلية :
(( على أن أجعل الجهالة له حلماً ، والظلمة نوراً ))
والظلمة ، رؤيته الخاطئة ، العمى الذي هو فيه :
﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)﴾
(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس ، على أن أجعل الجهالة له حلماً ، والظلمة نوراً ، يدعوني فألبيه ـ أصبح مستجاب الدعوة ـ ويسألني فأعطيه ، ويقسم عليّ فأبره ، أكلأه بقربي ، وأستحفظه ملائكتي ، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ، ولا يتغير حالها ))
الصلاة نور
يُقذف في قلب المصلي يرى به الخير خيراً والباطل باطلاً :
أيها الأخوة الكرام :
(( الصلاة نور ))
نور يقذف في قلب المصلي ، يرى به الخير خيراً ، يرى به الحقَّ حقَّاً ، والباطل باطلاً، يرى به المسعد مسعداً ، والمشقي مشقياً ، لذلك حينما تعمى البصيرة يرى الشر خيراً والخير شراً ، يرى الباطل حقاً والحق باطلاً ، المشكلة في الرؤيا ، المؤمن يتمتع برؤيا صحيحة لكن عند الموت لا بدّ من أن تنكشف الحقيقة :
﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)﴾
خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :
أيها الأخوة ، الإنسان خياره مع الإيمان خيار وقت ، لكن خيار الإنسان مع ملايين الموضوعات خيار قبول أو رفض ، تعرض عليك وظيفة فترفضها لقلة دخلها ، قد تعرض عليك فتاة للزواج منها ترفضها ، لم تعجبك أخلاقها ، فأنت أمام ملايين الخيارات ، خيار قبول أو رفض إلا أمام خيار الإيمان أنت أمام خيار وقت ، فإن لم تؤمن في الوقت المناسب ، وإن لم تنتفع من إيمانك في الوقت المناسب ، لابدّ من أن تؤمن بعد فوات الأوان ، لذلك الله عز وجل يبين حينما أغرق فرعون كيف أغرقه ؟ فقال فرعون :
﴿ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90)﴾
فقال الله له :
﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ﴾
أي أكفر كفار الأرض الذي قال :
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾
والذي قال :
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي (38)﴾
أكبر كفار الأرض أيقن بالحقائق التي جاء بها سيدنا موسى ، بل إن كل إنسان على وجه الأرض عند الموت سوف تكشف له الحقائق :
﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)﴾
خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :
فيا أيها الأخوة الكرام ، الصلاة نور ، تلقي في قلبك نوراً ، ترى به الخير خيراً، والشر شراً ، والحق حقاً ، والباطل باطلاً ، والحلال حلالاً ، أثمن شيء يملكه المؤمن هذا النور الذي يقذفه الله في قلبه ، ليرى به الحق حقاً والباطل باطلاً ، الصلاة نور ، والصلاة طهور .
صدقوا ولا أبالغ مستحيل وألف ألف مستحيل على إنسان اتصل بالله أن يكون محتالاً ، أن يكون كذاباً ، أن يكون قاسياً ، أن يكون ظالماً ، هذه الصفات تتناقض مع المصلي، تتناقض تناقضاً كلياً ، المصلي مؤمن ، متواضع ، منصف ، رحيم ، خيّر ، حليم ، هذه صفات الصلاة :
(( إن محاسن الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحب الله عبدا منحه خلقا حسنا ))
فالصلاة نور ، والصلاة طهور ، والصلاة حبور و سعادة :
(( أرحنا بها يا بلال ))
والصلاة عقل :
(( ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها ))
﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ (43)﴾
وغرة الطاعات ، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات .
الصلاة أهم ركن من أركان الدين ومن خلالها تتحقق ثمار الدين :
أيها الأخوة الكرام ، قال تعالى :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
وفي آية أخرى :
﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾
وقال النبي عليه الصلاة والسلام : الصلاة يحاسب عنها الإنسان ، فالإنسان قبل كل شيء يحاسب عن صلاته ، لأن الله عز وجل جعل الصلاة عماد الدين ، جعلها غرة الطاعات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات ، فلذلك تعد الصلاة أهم ركن من أركان الدين لأنه من خلالها تتحقق ثمار الدين ، الاتصال بالله مسعد ، ومطهر ، ومشرف ، ومنير ، أرجو الله سبحانه وتعالى أن تنقلب هذه الحقائق إلى صلاة مقبولة عند الله عز وجل :
(( ليس كل مصلّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس ، على أن أجعل الجهالة له حلما والظلمة نورا ، يدعوني فألبيه ـ أصبح مستجاب الدعوة ـ ويسألني فأعطيه ، ويقسم عليّ فأبره ، أكلأه بقربي ، وأستحفظه ملائكتي ، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ، ولا يتغير حالها ))
وإلى لقاء آخر إن شاء الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .