- الفقه الإسلامي / ٠6العبادات التعاملية
- /
- ٠3الحلال والحرام
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حق وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون الذكر فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الحلال والحرام أخطر موضوع على الإطلاق بعد الإيمان بالله :
أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس الثاني من سلسلة دروس: "الحلال والحرام في الإسلام"، ولا يخفى عنكم أن أخطر موضوع على الإطلاق بعد الإيمان بالله الحلال والحرام، قال تعالى:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
أي لو أنك آمنت ولم تعرف الحلال والحرام وتلبست بظلم لن تنجو من عذاب الله، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
وكلكم يعلم أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً، و:
(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ))
قال تعالى:
﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾
الصلاة، والصوم، والزكاة، وإذا حج العبد بمال حرام وقال: لبيك اللهم لبيك، قال الله له: لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك، لذلك أخطر موضوع على الإطلاق بعد الإيمان بالله الحلال والحرام، وإن شاء الله تعالى بدأت هذه السلسلة من الدروس فلعل الله سبحانه وتعالى ينفعنا بها، ويعيننا على تطبيق ما جاء فيها، هذا هو الدرس الثاني في هذه السلسلة، ولابد أن نبقى درساً ثانياً في الحديث عن قواعد الحلال والحرام.
قواعد الحرام و الحلال :
1 ـ الحلال طيب والحرام خبيث :
أيها الأخوة الكرام، من قواعد الحلال والحرام أن التحريم متعلق بالخبائث تعلقاً علمياً، ذلك أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، أنعم عليه بنعمة الوجود أو نعمة الإيجاد، وأنعم عليه بنعمة الإمداد، وأنعم عليه بنعمة الهدى والرشاد، والإنسان ضعيف والله هو القوي، والإنسان جاهل والله هو العالم، لذلك من حق الربوبية أن تأمر هذا العبد بما تشاء بلا سؤال ولا تعليل، ولكن رحمة الله عز وجل، وحكمته، وكماله، جعل أوامره ونواهيه متعلقة بمصالح عباده ومعللة بالخير، أنت إذا كنت ضعيفاً أمام قوي وأعطاك أمراً لا تستطيع ولا تجرؤ أن تسأله لماذا أمرتني بهذا الأمر؟ وما الحكمة من ذلك؟ مع إنسان لا قيمة له إطلاقاً نفذ ثم اعترض، أنت مع خالق الأكوان عبد ضعيف، أنعم الله عليه بنعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، له أن يأمرك بحكم ربوبيته، ولك أن تطيع بحكم عبوديتك، ومع ذلك رحمة الله عز وجل وحكمته وكمالاته اقتضت أن تكون أوامره ونواهيه متعلقة بمصالح خلقه، لذلك قال بعض العلماء: الشريعة رحمة كلها، مصلحة كلها، عدل كلها، هذا هو المدخل، إذا رأيت أمراً إلهياً فثم المصلحة الإنسانية، إذا رأيت نهياً إلهياً فثم المضرة الإنسانية هذه الفكرة الأولى.
عند أهل الكتاب هناك تحريم عقابي أما عند المسلمين فالحرام متعلق بالخبائث :
إلا أنه هناك حالات استثنائية الله سبحانه وتعالى عاقب اليهود بتحريم ما أحلّ لهم، هذه حالة ليست في ديننا، حالة استثنائية، قال تعالى:
﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾
عند أهل الكتاب عوقبوا بتحريم ما أحلّ الله لهم، قال تعالى:
﴿ فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا*وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾
إذاً عند أهل الكتاب هناك تحريم عقابي، تحريم تأديبي، أما عندنا فالحرام متعلق بالخبائث، يحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، كل شيء تطيب نفسك به حلال، كل شيء تخبث النفس به حرام، يحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، حيثما وجدت أمر الله عز وجل فثمة الخير، وثمة المصلحة، وثمة الرحمة، وثمة العدالة، وحيثما وجدت النهي فثمة الهلاك، والشقاء، والفساد، والظلم، والقسوة، لذلك الدين الإسلامي كما تفضل الله به علينا الله جل جلاله وصفه فقال:
﴿ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾
يأمرهم بما تعرفه النفس بأنه خير بفطرتها، وينهاهم عما تنكره النفس بفطرتها، ويحل لهم الطيبات ما تطيب نفوسهم به، ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم، والأغلال التي كانت عليهم.
أي شيء يثبت أنه خبيث بالدليل القطعي فهو محرم و العكس صحيح :
في ديننا الأوامر كلها والنواهي كلها متعلقة بمصلحة العباد، فيها رحمة، وفيها مصلحة، وفيها عدالة، وإذا قلت: حرام فمعنى ذلك أنه خبيث، وإذا قلت: حلال فمعنى ذلك أنه طيب، تطيب النفس به، وتحلو النفس به، وترتاح النفس له، والحرام تخبث به النفس، في هذا الدين القويم شرع الله التوبة النصوح تكفيراً للذنوب، وشرع الله الحسنات اللاتي تذهبن السيئات، وشرع الله الصدقات، وساق الله المصائب، فمن خلال التوبة، أو من خلال الحسنة، أو من خلال الصدقة، أو من خلال المصيبة، تطهر النفس من ذنوبها، لكن اليهود حرمت عليهم طيبات أحلت لهم تأديباً لهم، لذلك الحقيقة الأساسية واليقينية أن التحريم متعلق بالخبائث، لذلك أي شيء يثبت أنه خبيث بالدليل القطعي فهو محرم، نقول: هذا التحريم جاء بالدليل العام، الخمر محرمة بالدليل العام، أما المخدرات فيقولون: أخي ما وردت المخدرات في القرآن الكريم محرمة بالدليل العام. أي شيء تخبث به النفس فهو محرم،عندنا قاعدة، الشيء إذا كان خالص النفع فهو حلال يقيناً، أو أنني أشعر بعطش شديد، وشربت هذا الكأس من الماء البارد، الفرات، العذب، الحلال، هذا حلال خالص، لأنه نافع نفعاً خالصاً، الشيء النافع نفعاً خالصاً هو حلال يقيناً، والشيء الضار محض حرام يقيناً، والشيء الذي يغلب نفعه على ضره يحتاج إلى شرح، فالخمر مثلاً قال تعالى:
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾
هل أحد يشك أن الخمر محرمة والله سبحانه وتعالى أثبت لها بعض النفع في التجارة؟ يجوز إذا كان مطعم بأماكن يرتادها سياح أجانب، إذا كان هناك خمور يرتاده عدد أكبر، لكن الخمر محرم لذلك ما غلب شره على نفعه فهو حرام.
الحلال هو كل شيء تطيب النفس به :
ما كان ضرره أكبر من نفعه فهو حرام، وما كان نفعه أكبر فهو حلال، إذا الإنسان أكل أي طعام وأكثر منه لدرجة قد يضره الطعام هل نقول هذا الطعام محرم؟ لا، كل شيء إذا أسرفت منه فيه ضرر، قال تعالى:
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾
الآن آية تتوج هذا البحث قال تعالى:
﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾
كل شيء تطيب النفس به فهو حلال وقال تعالى:
﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ﴾
الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به :
إلا أن هناك نقطة ضرورية جداً هو أن الأمر كلما كان واضحاً وضوحاً شديداً كلما اتضح شره تركه هين على النفس، وتضعف فيه كلمة التعدد، لو أن عدواً لك نصحك بشيء واضح لك، تترك هذا الشيء، وكلما ضعفت الحكمة وغابت عنك الحكمة ارتفع مستوى الأمر تعبدياً. فلذلك النقطة الضرورية جداً أن الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به، أنت لمجرد أن تنفذ الأمر قبضت كل ثماره، انتهى الأمر، غض بصرك دون أن تعلم ما حكمة غض البصر، وماذا يحصل بالنفس حين يغض البصر؟ ولماذا يسعد الرجل بزوجته إذا غض بصره؟ لو لم تعرف كل هذه الحكم، وكل هذه التفصيلات، وكل هذه التحليلات، لمجرد أن تغض البصر تسعد ببيتك، بارد اسأله ماذا يحصل في داخله لا يعرف، عدم معرفته بما يجري داخل المكيف هل يمنعه من أن يستفيد منه؟ لا، والله نحن عندنا قاعدة: الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به، صدوق يرفع الله شأنك، كيف؟ لا أعرف، كن أميناً يكثر مالك، الأمانة غنى،ً كيف؟ لا أعرف، طبعاً الدعاة يجب أن يعرفوا أما آحاد المسلمين فعرفوا أم لم يعرفوا لمجرد أن يطبقوا يقطفون الثمار، أنا لا أدعو إلى عدم معرفة الحكمة، لا، بل لا تعلق تطبيق الأمر على معرفة الحكمة، طبق ولا تخف، هذا أمر الله عز وجل، هذه تعليمات الصانع، مرة حدثني أخ عن نقطة دقيقة، قال لي: كنت أصلح سيارتي عند صديق، هناك قطعة معدنية أمسكها هذا المصلح ورماها، قال: هذه لا لزوم لها، فقلت له: شركة عمرها مئة عام، وفيها آلاف المهندسين، أنا لا أقتنع أنك أكثر فهماً من هؤلاء، وأنت أيها الإنسان يجب أن تعتقد مهما فلسف لك الشر، وزينت لك المعصية، ومهما جيء بأدلة تبدو منطقية كي تستبيح أمراً نهاك الله عنه، هل معك حجة أقوى من أن الذي خلق الإنسان هو الخبير به؟ البشر لو اجتمعوا لا يعرفون حكمة الأمر والنهي، طاعة، تشريع، في بعض البلدان الإسلامية الإنسان لمجرد أن يطلق امرأته تتملك نصف ثروته، لأن المرأة نصف المجتمع، ولابد من إنصافها، شيء جميل، ما الذي حصل؟ الذي حصل أن الناس عزفوا عن الزواج، قال لي أحدهم في هذا البلد الإسلامي: صار والد الفتاة يضع في يد الخاطب سند أمانة بقيمة نصف مليون فيما لو طلقت ابنتنا وطالبناك بنصف ثروتك طالبنا بهذا السند، بلد آخر بشرق أسيا شرع تشريعاً خلاف تشريع الخالق، لا يجوز لأسرة أن تنجب إلا ولداً واحداً، وفي هذه البلاد يحبون الذكور، فإذا أنجبت الزوجة أنثى خنقت ودفنت إلى أن تأتي بذكر يسجل، الآن هناك قرى بأكملها ليس فيها إناث، قرأت في جريدة دمشقية قديمة من شهر أن عصابات في هذا البلد تخطف الفتيات في سن الزواج، الله خبير، هو المشرع، لذلك عليك أن تتيقن أن أمر الله خير كله، و أن أي نهي نهى الله عنه شر كله.
دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم :
سمعت في بلاد الغرب حينما يأكل بعض هؤلاء عند المسلمين يرون اللحم أزهر اللون، طيب الطعم، هم يقطعون رأس الدابة بآلات حادة سريعة، الدماء تبقى في الدابة، والأمراض كلها في الدماء، والدم كما تعلمون مجمع فيه كل الأمراض، الآن صدر تشريع: لا يجوز قطع رأس الذبيحة، يجب أن يخرج دمها عن طريق القلب، وعن طريق الأمر الاستثنائي الذي يأتي عن طريق الدماء، يجب أن نعلم علم اليقين أن النبي نهانا أن نذبح الذبيحة بقطع رأسها، أمرنا أن نقطع أوداجها فقط، لأن القلب يتلقى أمراً كهربائياً ذاتياً بالضربات النظامية، لكنه يتلقى أمراً استثنائياً عن طريق الدماغ بالضربات الاستثنائية، فلو قطع رأس الذبيحة بقي القلب ينبض النبضات النظامية، هذا النبض بهذه السرعة لا يكفي لإخراج دم الذبيحة، أما حين يبقى الرأس عالقاً، والعصب موصولاً، ويأتي أمر استثنائي للقلب، ترفع ضربات القلب إلى المئة والثمانين ضربة فيخرج الدم كله خارج الذبيحة، فإذا اللحم أزهر اللون، طيب الطعم، وهذه هي الزكاة الشرعية، وسوف نأتي عليها بعد حين في باب الأطعمة.
الآن ما من معمل على وجه الأرض يصنع حليب الأطفال إلا وألزموه من قبل الدولة أن يكتب: لا شيء يعدل حليب الأم، لأن أنزيمات الهضم في الطفل لا تستطيع هضم أربعة أمثال الدسم في حليب البقر، ما الذي يحصل؟ يبقى الدسم غير مهضوم في دم الطفل، ما الذي يجهد الكلية ويتعبها؟ هذا الدسم الزائد عن طاقة الطفل، لذلك أحد أسباب أمراض الكليتين المزمن الإرضاع الصناعي، الحموض الأمينية إذا ارتفعت نسبتها بالدم صار هناك قصور عقلي، وقد حدثني أخ كريم كان في أمريكا قال: أرجع العلماء القصور العقلي إلى الإرضاع الصناعي بنسبة ثمانون بالمئة، وكلكم يعلم أنه أعلى نسبة سرطان ثدي عند النساء اللواتي لا يرضعن أطفالهم، وأخفض نسبة سرطان ثدي عند النساء اللواتي يرضعن أولادهم، قال تعالى:
﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾
2 ـ ما أدى إلى حرام فهو حرام :
إذاً النقطة الدقيقة الآن الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به، أنت لمجرد أن تطبق تقطف الثمار، يقول عليه الصلاة والسلام:
((اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد والظل وقارعة الطريق))
أشياء مستقذرة، إنسان يفرغ مثانته ويتغوط في مكان، في ظل يجلس الناس فيه، أو على قارعة الطريق، أو في موارد الماء، الآن ثلاثمئة مليون إنسان مصاب بأمراض القذارة في العالم، إحصاء منظمة الصحة العالمية، البول مجمع الأمراض، مجمع الجراثيم، إذا طرح في ماءٍ، أو في طريق، أو في مكان يجلس الناس عليه، يسبب انتشار الأوبئة والعدوى، النقطة التي نريد أن نوضحها أيضاً في الحلال والحرام هو ما أدى إلى الحرام فهو حرام.
لذلك الذي يعد سبباً في الحرام محرم لا لذاته ولكن سداً لذريعة الحرام، حتى إن زراعة العنب في بلاد تكثر فيها صناعة الخمور تعد في الفقه حراماً، لأن هذا العنب مصيره إلى معامل الخمور، ما أدى إلى حرام فهو حرام، الله حرم الزنا كل مقدماته حرام، التبرج، الخلوة، الاختلاط، الصور، الأدب المكشوف، الغناء الفاحش، هذا كله يؤدي إلى الحرام، إذاً فهو حرام، النظر حرام يؤدي إلى ما هو أكبر منه، نظرة فابتسامة فموعد فلقاء.
الخمر محرمة أن يعصرها الإنسان، وأن يحملها، وأن يأكل ثمنها، وأن يبيعها، وأن يعلن عنها، كله محرم، الربا لعن الله آكله، وموكله، إذاً ما أدى إلى حرام فهو حرام سداً للذريعة، كل ما أعان على الحرام فهو حرام.
أحياناً الإنسان يكون عنده مكتب إعلان، إذا أعلن عن بضاعة محرمة فهو روج لها، قال تعالى:
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
ما كان سبباً كافياً، أو ما كان سبباً غير كاف، أو ما كان معيناً، أو ما كان مروجاً، أو ما كان موضحاً، كل ما أعان على الحرام فهو حرام، هي قاعدة أساسية.
3 ـ النية الحسنة لا تبرر الحرام :
الآن القاعدة التي تليها؛ النية الحسنة لا تجعل الحلال حراماً، أشخاص كثيرون يقولون، النية طيبة، لا تكفي، النية الطيبة شيء عظيم في الإسلام، قال عليه الصلاة والسلام:
(( إِنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ))
ولا تنسوا أن المباحات والعادات بالنوايا الطيبة تغدو عبادات، إذا الإنسان أكل الطعام وهل في الأرض كلها إنسان لا يأكل؟ المؤمن إذا أكل الطعام بنية التقوي على طاعة الله فهو عبادة، إذا ارتدى ثياباً بنية أن يظهر كمسلم بمظهر لائق فهو عبادة، المسلم له معاملة خاصة، نواياه الطيبة، ومعرفته بالله عز وجل، تجعل كل أعماله المباحة والمألوفة عبادات، هذه هي ناحية قيمة النية في العمل.
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((وفي بضع أحدكم صدقة, قالوا: يأتي أحدنا شهوته ويكون فيها له أجر؟ قال: أفرأيتم لو وضعه في حرام, هل عليه وزر؟ قالوا : نعم. قال : فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر))
وفي حديث آخر:
((من طلب الدنيا حلالاً استعفافاً عن المسألة وسعياً على أهله وتعطفاً على جاره لقي الله ووجهه كالقمر ليلة البدر))
إذاً النوايا الطيبة تجعل العادات، والمباحات، والأعمال المألوفة التي يفعلها كل الناس في العالم عبادات، أرأيتم أيها الأخوة إلى أثر النية الطيبة في العمل؟ وأن تضع اللقمة في فم زوجتك هي لك صدقة، لو تصابيت لأولادك هذا العمل لك صدقة:
(( من كان له صبي فليتصابَ له ))
أي إذا أخذت ابنك بالعيد وركبته ببعض الألعاب، وأنت إنسان عظيم، ولك مكانة كبيرة، هذا لا يطعن في مكانتك، هذا يعلي قدرك عند الله، حفظته من الزيغ.
العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً :
قدمت هذه المقدمة لأصل إلى فكرة خطيرة جداً؛ أرأيتم إلى أن النية كيف أنها تجعل المباح والعادات عبادات، الآن عملك الذي ترتزق منه لمجرد أن يكون مشروعاً في الأصل، وسلكت فيه الطرق المشروعة، ونويت منه كفاية نفسك، وكفاية أهلك، ولم يشغلك عن طاعة، ولا عن طلب علم، ولاعن أداء واجب ديني، انقلب هذا العمل إلى عبادة، أما العكس غير صحيح، فالنوايا الطيبة مهما سمت لا يمكن أن تجعل الحرام حلالاً، النوايا الطيبة تجعل المباح عبادة، أما الحرام فحرام مهما كانت وراءه نية عالية، لذلك يقول الفضيل: "العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً".
خالص ما ابتغي فيه وجه الله، وصواب ما وافق السنة، العمل يجب أن يوافق السنة، ويجب أن تبتغي فيه وجه الله، الآن إن ابتغيت به وجه الله وكان غير موافق للسنة فهو مرفوض.
لو أنك فعلت شيئاً موافقاً للسنة، العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً، خالص ما ابتغي به وجه الله، وصواب ما وافق السنة،الدليل قال تعالى:
﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾
لذلك كل عمل يقوم فيه المؤمن ولو كان مباحاً فيه نية عالية أصبح عبادة، أما الحرام فهو حرام مهما حسنت نية فاعله، أخي أنا قصدي نبيل، هدفي كبير، قصدي بعيد، هدفي الإصلاح، لا تقبل الأعمال بنوايا طيبة إذا كانت مخالفة للسنة، لأن الهدف النبيل له وسيلة نبيلة، الأهداف لا تبرر الوسائل، يجب أن تختار أهدافاً نبيلة، وأن تختار لها وسائل نبيلة، لذلك الغاية تبرر الواسطة، هذا كلام مرفوض وغير مقبول، لأنه يجب أن تكون الواسطة من جنس الغاية، من جمع مال من ربا، أومن سحت، فهو حرام، لو قدمه في وجه الخير، يحشر الأغنياء أربع فرق يوم القيامة؛ فريق جمع المال من حرام وأنفقه في حرام يقال: خذوه إلى النار، فريق جمع المال من حرام وأنفقه في حلال يقال: خذوه إلى النار، جمع المال من حلال وأنفقه في حرام خذوه إلى النار.
النوايا الطيبة والقصد الشريف لا يبرر الشر :
لذلك النوايا الطيبة والقصد الشريف لا يبرر الشر، الشر شر في أي نية، الحرام في الإسلام لا تؤثر فيه النوايا، ولا المقاصد، لكن المباحات والعادات إذا كان وراءها نوايا طيبة تنقلب إلى عبادات، الدليل:
(( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ))
أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، القلب المشترك الله جل جلاله لا يقبل عليه، والعمل المشترك لا يقبله، لا يقبل قلباً مشتركاً -فيه شرك- ولا عملاً مشتركاً -فيه حرام وفيه حلال- إن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً، إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾
وقال تعالى:
﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾
ثم قال عليه الصلاة والسلام:
((إن الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء يقول : يا رب يا رب ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟ ))
العبادة الحقيقية في كسب المال تحري الحلال :
أرأيتم أيها الأخوة معي أن أخطر موضوع على الإطلاق بعد الإيمان بالله الحلال والحرام:
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
أكبر نشاط علمي عليه أن يتجه إليه المؤمن بعد معرفة الله تقصي الحلال والحرام في بيته، في عمله، في كلامه، في لقاءاته، في نشاطاته، في سفره، في حله وترحاله، ويقول عليه الصلاة والسلام:
((ومن جمع مالا من حرام ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر وكان إصره عليه ))
ويقول عليه الصلاة والسلام:
((لا يكسب عبد مالاً حراماً ، فيتصدق به فيُقبل منه ، ولا ينفق منه فيبارَك له فيه ، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار ،إن الله تعالى لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن ، إن الخبيث لا يمحو الخبيث))
تركه لم ينفقه ولم يتصدق منه، لذلك العبادة الحقيقية في كسب المال تحري الحلال، والعبادة الحقيقية في إنفاق المال تحري الوجه الصحيح الذي يريده الله عز وجل.
ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام، وأخطر شيء الذي يبيع ويشتري، من دخل السوق بلا فقه أكل الربا شاء أم أبى، إذاً فقه معرفة الأحكام الفقهية لمن يشتري فرض عين.
4 ـ الحرام في ديننا حرام على الجميع :
الآن عندنا قاعدة الحرام في ديننا حرام على الجميع، استثناءات لا يوجد، الحرام يتسم بالشمول والاطراد، ليس هناك حرام على العجمي، حلال للعربي، ليس هناك شيء محظور على الأسود، حلال للأبيض، ليس هناك جواز ولا ترخيص ممنوح لطبقة دون طبقة، ولا لطائفة دون طائفة، الحرام حرام على الجميع، والحلال حلال للجميع، حتى لو كان الإنسان في مرتبة كاهن، أو رجل دين، الكل تحت الشرع.
أحبابنا اختاروا المحبة مذهبـاً وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا
***
المسلم ليس له خصوصية تجعل الحرام حلالاً، إن الله سبحانه وتعالى رب الجميع، والشرع سيد الجميع، فما أحلّ الله لشريعته فهو حلال، وما حرم فهو حرام، السرقة مثلاً السارق يعاقب أكان مسلماً أم غير مسلم، المسروق منه أكان مسلماً أم غير مسلم، يعاقب السارق، السارق أو المسروق مسلم أم غير مسلم الحكم واحد، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال:
((والله لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعت يدها .. إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم إذا كانوا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد .. ))
هذا كان سبب هلاك الأقوام السابقة.
الإسلام سواسية مطلقة :
الآية الكريمة:
﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ﴾
الآية تخاطب المؤمنين، من هم أعداء المؤمنين؟ الكفار.
يا أيها المؤمنون لا يحملنكم بغضكم للكفار على أن تظلموهم، اعدلوا هو أقرب للتقوى، إن عدلتم معهم كنتم أنتم أقرب إليّ، اعدلوا هو أقرب للتقوى، لكن اليهود كما تعلمون يحرمون أشياء على ملتهم، ويحلون أشياء على غير ملتهم، في الإسلام الحرام حرام على كل الناس، وعلى كل الأجناس، وفي كل مكان، وفي كل زمان، وفي كل المستويات، استثناءات لا يوجد أبداً، هذا هو الدين، سيدنا عمر ألم يقل لجبلة بن الأيهم: أرضِ الفتى، لابد من إرضائه، مازال ظفرك عالقاً بدمائه أو يهشمن الآن أنفك، و تنال ما فعلته كفك .
قال : كيف ذلك يا أمير؟ هو سوقة وأنا عرش وتاج ؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً؟
قال عمر : نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها، أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً .
فقال جبلة : كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني .
فقال عمر : عالم نبنيه، كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى .
هذا هو الإسلام سواسية مطلقة.
الحرام حرام على كل الأشخاص :
الله عز وجل وصف خلاف هذه الحالة عند اليهود، قال تعالى:
﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾
أي غير اليهود، أنت كمسلم جاءك شخص غير مسلم يخطر ببالك ولو لثانية واحدة أن تأخذ منه أجرة مضاعفة أو تضحك عليه؟ إن فعلت هذا تكون لا تفقه في الدين شيئاً، بالعكس ربما كان عقابك عند الله أشد لأنه كافر، لأن لو عنده اعتقاد بسيط بالدين نفرته منه، يقول: هكذا عمل معي المسلم، لذلك الحرام حرام على كل الأشخاص، استثناءات أقوام، فئات، طبقات، طوائف، عصور، أزمنة، رجال دين، الحرام حرام، صاحب أكبر كتاب في تاريخ الحضارة يقول: إن كل الجماعات البشرية تقريباً تكاد تتفق في عقيدة كل منها بأن سائر الجماعات أحط منها - نظرة بدائية متخلفة تفتقر إلى المنطق والواقع، كل فئة تقول: نحن أفضل الناس- وأحضر شواهد يقول: مثلاً القبائل الهندية في أمريكا تقول: الناس نحن ولا ناس سوانا، نحن فقط، أحضر شواهد كثيرة، كل إنسان أفقه ضيق، يتوهم أنه سيد المخلوقات وما سواه لا شيء، هذا كله الإسلام رفضه رفضاً قاطعاً، وقال: الناس سواسية كأسنان المشط.
5 ـ اتقاء الشبهات سبيل لاتقاء الحرمات :
بقي من هذه القواعد إن اتقاء الشبهات سبيل لاتقاء الحرمات، إذا وقع الإنسان في شبهة كان إلى ما استبان من الحرام أوقع، وإن ترك الشبهة كان إلى ما استبان من الحرام أترك.
فأنت حين تدع الشبهات فقد جعلت بينك وبين الحرام سياجاً، طبعاً كلكم يعلم أن الحلال بين والحرام بين، ليس في الحلال البين ولا الحرام البين مشكلة، لكن المشكلة في هذه المنطقة بين الحلال البين والحرام البين، هذه الشبهات، الشبهات لا يعلمها كثير من الناس، هل معنى هذا الكلام أن الكل لا يعلمها؟ لا،لا يعلمها عامة الناس لكن الله عز وجل اختص أهل الذكر بمعرفتها، قال تعالى:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
فالشبهات مجهولة عند عوام الناس، لذلك قال النبي الكريم:
(( الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يدري كثير من الناس، أمن الحلال هي أم من الحرام، فمن تركها استبراءً لدينه وعرضه، فقد سلم، ومن واقع شيئاً منها يوشك أن يُواقع الحرام ))
أحياناً تجد في قضية شرعية دليلاً يمكن أن يجعلها حلالاً، وهناك دليل بقوته يمكن أن يجعلها حراماً، ماذا تفعل أنت؟ الأحوط تركها، لأن هناك دليلاً يجعلها حلالاً، ودليلاً آخر يجعلها حراماً، فالأكمل أن تدعها، لذلك الورع دائماً يسلك سبيل الاحتياط، الأحوط خذ الأحوط تكن في حرز حريز.
نسبة الأشياء المحرمة إلى الأشياء المحللة نسبة ضئيلة جداً :
آخر موضوع في هذه القواعد، طبعاً تحدثنا عن اتقاء الشبهات، وأن الحرام حرام على الجميع، وأن التحايل على الحرام حرام، وأن النية الحسنة لا تجعل الحرام حلالاً، وأن في الحلال ما يغني عن الحرام، وما أدى إلى حرام فهو حرام، هذه كلها قواعد أساسية في الحلال والحرام، مهدت لكم بها موضوعات الحلال والحرام التي سوف نأخذها على تفصيل في دروس إن شاء الله سبحانه وتعالى، الآن الله عز وجل مع أنه ضيق دائرة الحرام تضييقاً شديداً:
﴿ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
نسبة الأشياء المحرمة إلى الأشياء المحللة نسبة ضئيلة جداً، ومع ذلك رحمة بالخلق، ومراعاة لضعف الإنسان أحياناً، الله عز وجل في أربع مواضع في كتاب الله قال:
﴿ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
ولاسيما في الأطعمة، ما معنى غير باغ؟ إنسان أحياناً يشرف على الموت له أن يأكل لحم الخنزير، هو لا يبغي أن يأكله، لا يتمنى أن يأكله، لا يريد أن يأكله، ولكن أكله مضطراً، فإذا أكله مضطراً هل يأكل منه حتى يشبع؟ لا، يأكل منه القدر الذي يبقيه حياً، لا يتجاوز الحد الذي هو مضطر إليه، هناك أشخاص إن أخذ ربا يتبحبح فيها، لذلك قالوا: الضرورة تقدر بقدرها، لو إنسان مضطر أن يأكل لحم خنزير، كم لقمة يأكل حتى يزول عنه خطر الموت؟ ليس حتى يشبع:
﴿ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
لا يبغي أن يعصي الله، لا يبغي التمتع بهذا الحرام، ولا يريد أن يتجاوز الحد الذي ينجيه من الهلاك، هذا معنى قوله تعالى: فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه.
الضرورة التي تبيح المحظور هي الضرورة التي تقدر بقدرها دون أن تزيد عليها :
عندنا قاعدة أصولية: إذا بلغ على يقينك أنك وأهلك ومن تعول سيهلكون من الجوع أو العري أو التشرد عندئذ الضرورات تبيح المحظورات.
لكن ما رأيت قاعدة توسع بها الناس وشدوها إلى مصالحهم مثل هذه القاعدة، يكون ليس مضطراً إلى هذا الشيء ويتوسع به توسعة، الرفاه عنده ضرورة، السفر ضرورة، فرش البيت ضرورة، يقول: أنا مضطر، اسأل من المضطر؟ أريد بشكل قاطع أن تعلموا من هو المضطر، من غلب على يقينه أنه هالك هو وأهله من الجوع أو العري أو التشرد هذا هو المضطر الذي تباح له المحظورات، والعلماء صنفوا الحاجات إلى ثلاثة أقسام؛ ضرورات، حاجات، تحسينات، التحسينات ليست ضرورة، والحاجة ليست ضرورة، الضرورة ما توقفت عليها حياتك وسلامتك، إذا غلب على يقينه أنه ميت، أو سيفقد أحد أعضائه هو ومن معه إما من الجوع أو العري أو التشرد فهذه هي الضرورة التي تبيح المحظور، لذلك قالوا: الضرورة تقدر بقدرها دون أن تزيد عليها.
مثلاً لو أن امرأة أصيبت بمرض لا يستطيع معالجته إلا طبيب رجل، لا ينبغي أن يبدو من أعضاء جسمها إلا القدر الذي لابد منه لمعالجتها، هذا الكلام يقال للطبيب، ويقال للمريضة، الضرورة تقدر بقدرها فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ لا يبغي المعصية، ولا يتجاوزها عن القدر الذي يكفيه لا إثم عليه.
أيها الأخوة الكرام، ننتقل في الدرس القادم إن شاء الله تعالى إلى الحلال والحرام في الأطعمة والأشربة، ثم في الملبس والزينة، ثم في البيت، ثم في الكسب والاحتراف، إلى موضوعات أخرى نحن في أمس الحاجة إليها إن شاء الله تعالى بعد أن نعرف الله.
الآن الموضوع الأول الحلال والحرام؛ بيتك، عملك، أولادك، زوجتك، بناتك، كسب المال، إنفاق المال، لهوك، سفرك، إقامتك، يجب أن تعرف حدود الله عز وجل .