- الفقه الإسلامي / ٠6العبادات التعاملية
- /
- ٠3الحلال والحرام
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون الذكر فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
ورود التجارة في القرآن الكريم و السنة الشريفة :
أيها الأخوة المؤمنون: مع الدرس التاسع من سلسلة دروس: "الحلال والحرام في الإسلام"
وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى موضوع الاكتساب بالتجارة، تحدثنا عن الاكتساب بالزراعة والصناعة، وها نحن ننتقل إلى الاكتساب بالتجارة والوظائف.
أيها الأخوة الكرام: وردت التجارة في القرآن الكريم، وفي السنة المطهرة، وقدت وردت تحت كلمة: يبتغون من فضل الله، فالسفر من بلد إلى بلد بنية التجارة هو ابتغاء من فضل الله، وقد قرن مع الجهاد في سبيل الله، يقول الله عز وجل:
﴿وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله﴾
الإمام الشافعي يقول: "من لم يعهد منه سفر لم يعهد منه علم"، فالسفر ربما وسع أفق الإنسان، ربما كان في طلب العلم، وأشرف أنواع السفر على الإطلاق ما كان في طلب العلم الشرعي، أو العلم الشريف، يليه الفرار بالدين، يليه طلب الرزق.
﴿وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله﴾
إشارات قرآنية كثيرة إلى التجارة التي يُبتغى بها فضل الله عز وجل :
إشارات قرآنية كثيرة إلى التجارة التي يبتغى بها فضل الله عز وجل، لقوله تعالى:
﴿وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون﴾
﴿ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون﴾
هذا التبادل التجاري بين البلاد من رحمة الله، الآن كيف يعاقبون دولة بالحصار التجاري؟ يعاقبونها أشد المعاقبة، تفقد الأدوية، تفقد المواد الغذائية، حليب الأطفال، يعاني المجتمع معاناة شديدة جداً حينما يمنع من التجارة الخارجية، هذا الشيء ملموس ترتفع الأسعار إلى عشرين أو ثلاثين ضعفاً، أحياناً تفتقد المواد يعاني الإنسان معاناة شديدة، الجالب مرزوق والمحتكر ملعون، من هو الجالب؟ الذي يأتي بالبضاعة التي يحتاجها المسلمون ويبيعها، هذا عمل طيب، لذلك قال تعالى:
﴿ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون﴾
إشارة أخرى إلى التجارة:
﴿أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا﴾
التبادل التجاري أحد أساليب نشر الحق :
الحقيقة إذا الإنسان أكرمه الله بحجٍ أو بعمرة ٍيرى العجب العجاب، كل أنواع الفواكه والأغذية تجبى إلى هذا البلد، هذا بفضل التبادل التجاري بين البلدان.
والدرس قبل البارحة، درس الجمعة عندما قال الله عز و جل:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾
أي جعل حاجات بعض الشعوب عند شعوب أخرى من أجل التعارف، أنت من أجل تأمين هذه الحاجة تبحث عن مصادرها، فإذا بحثت عن مصادرها التقيت بأناس آخرين، لعل بهذا التعارف ينتشر الدين، لعل بهذا التعارف ينتشر الحق، ولا عجب فإن أكبر بلد إسلامي في العالم الآن اندونيسيا، يعد مئة وخمسين مليون إنسان، هذه البلاد لم تفتح من خلال الحرب أبداً، فتحت عن طريق التجار.
إذاً عندما يجعل ربنا عز و جل في كل بلد إنتاج متميز، يحتاجه العالم بأسره، البن يحتاجه العالم بأسره، الشاي يحتاجه العالم بأسره، الأرز يحتاجه العالم بأسره، قصب السكر يحتاجه العالم بأسره، ويوجد بلاد تفوقت في قصب السكر، وبلاد أخرى بالأرز، وأخرى بالقمح، وأخرى بالبن، وبلاد بالشاي، فهذه المواد التي يحتاجها العالم بأسره تقتضي أن يسافر الناس إلى هذه البلاد ليشتروا هذه المواد، من خلال هذا الشراء والتبادل التجاري يكون التعارف، من أجل أن تنشر الحق، من أجل أن تنشر هذه الرسالة الخالدة في أمم الأرض، فلذلك أحد أساليب نشر الحق هو التبادل التجاري، أكبر قطر إسلامي على الإطلاق إنما فتحه المسلمون لا بسيوفهم ولكن ببضائعهم، ومعاملاتهم، وانضباطهم، وكمالاتهم:
﴿أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا﴾
الله عز وجل قهر الشعوب على أن يتصلوا ببعضهم البعض :
سيدنا إبراهيم يقول كما جاء في قوله تعالى:
﴿ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون﴾
بلاد صحراوية يرزقهم عن طريق التبادل التجاري، فالتجارة والشراء والبيع والاستيراد والتصدير واختصاص كل بلد بإنتاج يحتاجه العالم بأسره، هذا من أجل أن يتعرف الشعب على الشعب الآخر من أجل أن ينتشر الحق.
الله عز و جل كما قهر الأفراد أن يسكنوا مع بعضهم قهر الشعوب على أن يتصلوا ببعضهم البعض، الشعب المنعزل شعب يعيش في أوهام.
أهداف التجارة :
والآن العبارة التي تدور على الألسنة أن الأرض أصبحت قرية صغيرة، التواصل، والسفر، والتبادل التجاري، خفف غلواء اتجاهات منحرفة كثيرة جداً، فكأن القصد الإلهي أن توزع هذه المواد الأساسية في قارات الأرض الخمس، الهدف من ذلك التعارف، والتعارف وسيلة لنشر الحق، ولنشر هذه الرسالة التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام.
وإشارة أخرى في القرآن الكريم حينما قال الله عز وجل:
﴿لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف﴾
هذه رحلة تجارية، رحلة إلى اليمن في الشتاء، ورحلة إلى الشام في الصيف، هذا تبادل تجاري أيضاً، وقول الله تعالى:
﴿وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق*ليشهدوا منافع لهم﴾
سمح الله تعالى للحجاج أن يعقدوا صفقات تجارية في الحج، وهذه إشارة في القرآن الكريم:
﴿ليشهدوا منافع لهم﴾
ويوجد إشارة أخرى:
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾
معناها يتاجرون، لكن تجارتهم لا تلهيهم عن إقامة الصلوات، وعن أداء الفروض الدينية، وعن طلب العلم.
أروع ما في حياة المسلم أنه يعمل ويده عليا ويتعبد ربه وقلبه مطمئن :
لذلك الإنسان السعيد هو الذي ينظم وقته؛ وقت لطلب العلم، ووقت لكسب الرزق، ووقت لتربية الأولاد، ووقت للاستجمام، ووقت للمطالعة، تنظيم الوقت من خصائص الموفقين في حياتهم، والإنسان الذي- دققوا في هذا الكلام- لا يملك وقت فراغ يملأه بحسب اتجاهه الشخصي هذا ليس إنساناً، هذا الذي يعمل ليلاً نهاراً، يخرج من البيت قبل أن يستيقظ أطفاله، ويعود بعد أن يناموا ويقول: أنا أعمل من أجلهم، أنت أطعمتهم لكن ضيعتهم، أنت وفرت لهم الغذاء لكن لم توفر لهم الغذاء الروحي، لم تكن قيماً عليهم، قيل: المؤمنون ليسوا أجلاس مساجد، ولا دراويش تكايا، ولا رهبان أديرة، إنهم رجال أعمال.
أروع ما في حياة المسلم أنه يعمل ويده عليا، ويتعبد ربه وقلبه مطمئن، كما وصف الناس أصحاب رسول الله قالوا: رهبان في الليل فرسان في النهار.
فالإنسان الذي له مهنة، له حرفة، له تجارة، له وظيفة، له صناعة، له زراعة، منتج، عامل، متقن، ينفع المسلمين، وله اتجاهه الديني، و يعرف الله عز و جل، هذا إنسان متميز، فالمسلمون ليسوا أجلاس مساجد، يجلس في المسجد ليلاً نهاراً، فقد لقي عيسى بن مريم رجلاً فقال : ما تصنع ؟ قال : أتعبد قال : من يعولك ؟ قال أخي فقال : أخوك أعبد منك
والصحابة أثنوا على رجل، فسأل النبي: من يقوم بشأنه؟ قالوا: نحن جميعاً نقوم بشأنه، قال: كلكم أفضل منه.
إتقان العمل جزء من الدين :
فالإنسان الذي له حرفة، له عمل، له تجارة، له وظيفة أتقنها، كسب رزق منها، تزوج ستر فتاة، جبر بخاطر فتاة، أنجب أولاداً، رباهم تربية عالية، هذا الدين، أما الدين ذلّ، وخنوع، ومد يد، وتمسكن، وتذلل، وتضعضع، فليس هذا هو الدين:
(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))
الدين قوة، قال له: ارفع رأسك يا أخي، متى موت علينا ديننا، ارفع رأسك وأتقن عملك، للذين أحسنوا الحسنى وزيادة، قال تعالى:
﴿ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ﴾
قانون العز إتقان العمل، المتقن يرفع رأسه، أما إذا وجد أخطاء في صناعته، أخطاء في وظيفته، فلم يستوعب عمله، يوجد إهمال، يوجد تقصير، يوجد تسيب، يوجد أضرار فادحة، يبرر أخطائه بعدم الانتباه، وعدم المعرفة، هذا ليس مؤمناً، النبي عليه الصلاة والسلام دفن أحد أصحابه الذي سوى القبر ترك فيه فرجةً فقال عليه الصلاة والسلام: "هذه الفرجة لا تؤذي الميت ولكنها تؤذي الحي".
تجد شخصاً يركب مفتاح الكهرباء بشكل مائل، هذه تؤذي الإنسان، لا يوجد لديك ميزان زئبق؟ تكلف من الوقت ثانية واحدة، أما لو ركب من غير ميزان ومائل فكلما ألقى إنسان نظرة على هذا المفتاح يتألم، لماذا هكذا مائل؟ أليس كذلك؟
أخواننا الكرام: إتقان العمل جزء من الدين، والشيء المؤسف أن أهل الدنيا غير المنضبطين بالإسلام أتقنوا أعمالهم فبلغوا الأوج، يقول لك: البضاعة محجوزة لثلاث سنوات قف في الدور لماذا؟ لوجود إتقان .
على مستوى داخلي، إذا وجد عشرة أشخاص يعملون بالكهرباء والسوق كسدت من الذي لا يتعطل؟ المتقن، المتقن لا يتعطل ويعمل باستمرار، من الذي يستغنى عنه؟ غير المتقن، طبعاً إذا وجد رواج كلهم يعملون، أما إذا وجد كساد فلا يعمل إلا المتقن.
كل إنسان محاسب على عمله :
أخواننا الكرام: مرة ثانية إتقان العمل جزء من الدين، والدليل:
(( إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه ))
ركبت لوح الزجاج بمسمارين فقط، انكسر، جاء على الولد، فقتله، يقول لك: ترتيب الله، هذا ليس ترتيب الله، هذا خطأ منك، هذا خطأ ممن ركب هذا الزجاج، كلما أخطأنا نعزوها إلى القضاء والقدر، هذا موقف غير إسلامي وغير صحيح، إن الإنسان محاسب لقوله تعالى:
﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾
رجل يركب سيارته يأتي من جدة إلى الشام، في طريقه غيّر زيت المحرك لسيارته، صاحب مركز تغيير الزيت أمر صانعه الصغير أن يغير الزيت، الصانع لم يشد البرغي بشكل جيد، الزيت تسرب على الطريق، تعطل المحرك، الحرارة ستٌ وخمسون وقف في الصحراء، نزل من السيارة ليرى سبب العطل، رفع غطاء المحرك، أصيب بضربة شمس فمات، هل تصدقوني أن صاحب هذا المركز يحاسب كقاتل؟ طبعاً.
أخذ أحدهم تحليلاً للحمل إلى المخبر، الموظف وقعت العينة من يده فانكسرت فكتب: الحمل إيجابي، جاء الأب مساءً، قالوا له: مبارك، ابنتك حامل، وابنته غير متزوجة يوجد مشكلة، فذهب وذبحها، وقعت هذه الحادثة بالشام:
(( إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه ))
فالمؤمنون ليسوا متسكعين، ولا أجلاس مساجد، ولا دراويش تكايا، ولا رهبان أديرة، إنما هم رجال أعمال، في الليل رهبان وفي النهار فرسان.
وسيدنا عمر يقول: " إني أرى الرجل ليس له عمل فيسقط من عيني ".
إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا .
ما جاء في السنة عن التجارة :
الآن هذا ما جاء في القرآن عن التجارة، ماذا جاء في السنة؟ يقول عليه الصلاة والسلام:
(( التَّاجِرُ الأمينُ الصَّدُوقُ مع النَّبيِّينَ والصِّدِّيقين والشُّهداء ))
أيها الأخوة الكرام: ألا ترون أن هذا العطاء لا يستحقونه أم ما هو التفسير؟ إنسان يبيع ويشتري و يتاجر ويربح ومع الشهداء والنبيين يوم القيامة ماذا فعل؟ التجارة ممتعة مسلية مسعدة، بيع، وشراء، وربح، وأموال طائلة، ومع الصديقين والأنبياء والشهداء يوم القيامة، أيستحقون هذا الشيء؟ هذا قول النبي، الحديث رواه الحاكم والترمذي بإسناد حسن، الجواب: أن الدعاة إلى الله نوعان؛ يمكن أن تدعو إلى الله بلسانك، ويمكن أن تكون داعية عن طريق عملك واستقامتك، فكما أن أكبر بلد إسلامي فتح عن طريق التجارة، إذاً التجار المسلمون دعاة إلى الله، دعاة إلى الله باستقامتهم، دعاة إلى الله بتعففهم عن الأرباح الفاحشة، دعاة إلى الله بنصحهم، بعدم غشهم، بتواضعهم، فهناك دعوة باللسان، وهناك دعوة بالسلوك، وربما كانت لغة العمل أبلغ من لغة القول، أي عندما يكبح التاجر نفسه عن الأرباح الطائلة غير المشروعة، يكبح نفسه عن احتكار البضاعة، يكبح نفسه عن رفع الأسعار الجنونية، يرحم الناس، يرق لهم، يلبي حاجاتهم، ييسر لهم مطالبهم، هذا التاجر قدم خدمة كبيرة جداً، لأنه لا يوجد إنسان إلا يشتري ويبيع، فإذا الباعة متواضعون رحماء ينشرون الإسلام بتواضعهم و رحمتهم، يقول التجار كلمة لطيفة عن كلمة التاجر: التاجر حرف التاء تقي، والألف أمين، والجيم جريء، والراء رحيم، ولها تفسير ثان ولكن لا يليق.
إتقان المؤمن لعمله فلا يأخذ ثمن البضاعة إلا بحق :
يوجد حديث أقل صحة من هذين أن:
(( إن أطيب الكسب كسب التجار ؛ الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا ـ يمدحوا ـ وإذا كان لهم لم يعسروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا ))
سبع صفات، الإنسان إذا باع واشترى، وربح ربحاً معقولاً، ووفر بضاعة جيدة، بسعر معتدل، بمعاملة طيبة، ورحم الناس بها، هذا قدم حاجة كبيرة جداً.
أحياناً تسمع من الناس عرضاً – بارك الله له- اشتريت حاجة متقنة، استعملتها سنتين، ثلاث، أربع سنوات ضجرت منها، وهي جيدة، وسعرها معتدل، يمكن هذا الشاري يدعو للبائع آلاف المرات خلال سنوات استعمالها، بارك الله له بهذه البضاعة جيدة.
أحدهم اشترى طقم كنبات، أول يوم جاءه ضيوف جلسوا فانكسر هذا الطقم، فذهب إلى الذي اشتراه منه فقال له: ما هذا؟ فأجابه البائع: هل جلستم عليه؟.
اشترى أحدهم غرفة نوم، رأى غصناً أخضر يخرج منها، ما هذا العرق الأخضر معقول ! ما هو؟ تبين أن الخشب غير جاف، فنبت الغصن الأخضر في غرفة النوم. وبالإضافة إلى الكثير من الأعمال السيئة هناك عمل غير متقن باستعمال بسيط تجده غير صالح للاستعمال، وبالمناسبة الرخيص هو الغالي، والغالي هو الرخيص، فالفقير على فقره تبيعه حذاء سيئاً جداً بعد يومين يصبح بحاجة إلى لاصق، فالمؤمن يتقن عمله و لا يأخذ ثمن البضاعة إلا بحق.
ضرورة توفر سوق إسلامية ملتزمة بتعاليم الإسلام و توجيهاته :
هل تصدقون أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن بنى مسجداً في المدينة، بعد أن أصبح للمسلمين كيان، بنى مسجداً، ثم بنى سوقاً خاصاً للمسلمين، لا يوجد به ربا ولا كذب ولا يوجد يهود- هذا يرويه كتّاب السيرة- كانت سوق بني قينقاع من قبل، وقد رتب النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه سوقاً، وظلّ يرعاه بتعاليمه وتوجيهاته، فلا غش، ولا تطفيف، ولا احتكار، ولا تناجش، إلى غير ذلك مما يقع فيه بعض التجار.
سوق إسلامي، الآن يوجد سوق مشتركة نريد سوقاً إسلامياً، لا يوجد كذب، ولا أيمان، ولا غش، ولا احتكار، و لا تدليس، ولا استغلال، و لا إيهام، ولا بيع ضرر، النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن بنى المسجد، بنى سوقاً إسلامياً، والتجار في هذه السوق يتعاملون تعاملاً جيداً.
بلغني أن الزنوج في أمريكا في بعض أحياء نيويورك أسسوا مثل منطقة إسلامية، وأقاموا حراساً من عندهم يمنعون دخول البغايا وتجار المخدرات، هذه السوق أسسوها على مبادئ الإسلام.
يذكر لي أحد الأخوة الكرام الذي كان هناك أن معظم الشركات في أمريكا تتهافت على فتح مكاتب أو متاجر في هذا السوق، لا يوجد فيه مخدرات، ولا بغاء، ولا جرائم، ولا قتل، وأعلى دخل دخل أصحاب هذا السوق، وأقل المشكلات عندهم، فنحن بحاجة إلى سوق إسلامية.
المؤمن المستقيم الطاهر الورع ينبغي على المسلم أن يدعمه :
إذا كان أخ مؤمن له مصلحة من المفروض أن ندعمه، نشتري من عنده ولو كان محله أبعد، لأنه عندما يكون أحدهم مستقيماً مؤمناً أنت دعمته، فإن دعمته فإنك دعمت الحق، أما غيره فكذاب، غشاش، دجال، يزور البضاعة، يوجد أشخاص يمحي تاريخ انتهاء الصلاحية هذا غش كبير، البضاعة فقدت مفعولها. وهناك إنسان يقدم بضاعة سيئة، بضاعة فاسدة، ولا يعنيه ذلك، يعنيه الربح فقط، أما المؤمن المستقيم الطاهر الورع فهذا ينبغي أن ندعمه، فأنا والله أرتاح جداً إن كان أخ له مصلحة يملك متجراً، يملك مشروعاً، والأخوان ذهبوا إليه، ساعدوه، واشتروا من عنده، جبر خاطر، ودعم، وتقوية، انصر أخاك، لكن إذا وجد أخ يمتلك مصلحة، والأخوان ذهبوا إليه، يجب ألا يرفع أسعاره، يقول: هؤلاء أخواننا وليسوا غرباء، وهذه أيضاً تعتبر مشكلة، يجب أن تبيع بسعر السوق. تقول: هذا أخ طيب لا يجادلني بالسعر فترفع السعر، أنا عندي أولاد، هذا كلام غير مقبول.
فتوجيهي دوماً أنه إذا كان لك أخ له مصلحة ورفع سعره فاتركه واذهب للغريب تأديباً له، أما إذا كان سعره من سعر السوق فهو أولى، إذا كان متقناً في عمله وسعره معتدلاً هذا ينبغي أن تدعمه، أي إذا اغتنى أخوك ينفق ماله في الحلال، يدفع زكاة ماله، ينفع الفقراء، أما إذا كان فاجراً عاصياً وأغنيته فسوف يسهر في الفندق، ويشتري الخمر، يذهب لسياحةٍ كلها فسق، وفجور بأرباحه. فأنت بين أن تدعم إنساناً مستقيماً، ينفق ماله في وجوه صحيحة، ولصالح المسلمين، وبين أن تدعم إنساناً فاسقاً، فاجراً، ينفق ماله في المعاصي والآثام، فكل إنسان يمتلك مصلحة، مؤمن، يجب أن نساعده، ونشتري من عنده، ونشجعه، ونقويه، وندعمه، هذا سلوك إيماني صحيح.
أروع موقف عند الله عز و جل تعاون المؤمنين :
سيدنا بن عوف كما تعلمون آخاه النبي مع سعد بن الربيع، وسعد بن الريبع من أغنياء الأنصار، وقال لعبد الرحمن بن عوف المهاجر: يا أخي عندي بستانان خذ واحداً منهما، وعندي حانوتان خذ واحداً منهما، هذا موقف فيه مؤاثرة، ووصفهم الله عز و جل فقال:
﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ﴾
إلا أن سيدنا عبد الرحمن بن عوف قال له: "بارك الله لك في مالك ولكن دلني على السوق".
فالأنصاري كان في أعلى درجات المؤاثرة، والمهاجر كان في أعلى درجات التعفف.
هكذا ربى النبي أصحابه، ربى قسماً على المؤاثرة وربى الآخرين على التعفف، فكما أن الأول قال له: دونك نصف مالي، أي خذ نصف مالي، قال له الثاني: بارك الله لك في مالك ولكن دلني على السوق.
لا يوجد موقف أروع عند الله عز و جل من تعاون المؤمنين.
سيدنا الصّديق كان تاجر بزّ أي قماش، فكان يتاجر ويسعى حتى أنه يوم بايعه المسلمون على الخلافة وضع القماش على كتفه وذهب إلى السوق. سيدنا الصّديق ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر، وضع القماش على كتفه ليتاجر، لكن الصحابة منعوه وأعطوه مقابل تفرغه لقيادة هذه الأمة.
سيدنا عمر كان يعقد الصفقات ويتاجر في السوق، من أين كان يعيش؟ من عمله.
سيدنا عثمان كان يعيش من التجارة، سيدنا ابن عوف كان يعمل، سيدنا أبو عبيدة كان قصاباً، أبو حنيفة كان تاجر أقمشة، ابن حنبل، كبار الصحابة، كبار العلماء، لهم أعمال يكسبون منها أرزاقهم، لأنهم قدوة للآخرين.
التجارة المحرمة :
الآن طبعاً درسنا الأساسي الحلال والحرام، فالتجارة حلال إن كانت البضاعة في الأصل مشروعة، وفضلاً عن أن البضاعة مشروعة ينبغي أن تسلك في التعامل مع الآخرين الأساليب المشروعة التي أمر الله بها، لكن ما هي التجارة المحرمة؟
أولاً- أية تجارةٍ إذا كان موضوع التجارة بضاعة محرمة بذاتها، أو بضاعة محرمة لغيرها، أي الخنزير والخمر والتماثيل وكل شيء محرم في الأصل ممنوع بيعه وشرائه، تبيع قماشاً ولكنك أوهمت الشاري أن البضاعة راقية جداً، وهي من مصدر متدن، فالتحريم بالتجارة إما لعين البضاعة، أو لأسلوب التعامل مع الآخرين، فالخمور، والمخدرات، والخنازير، والأصنام، والتماثيل، ويوجد كؤوس الخمور، كؤوس الخمور محرمة بيعها وشراؤها، أحياناً طاولات النرد، أشرطة الكاسيت التي كلها غناء، أشرطة الفيديو التي فيها أفلام ساقطة، كل شيء محرم تجارته محرمة، يقول: العمل عبادة ماذا فعل؟ تجده يتجاهل، هذا عمل وأنا مضطر، لا، أية بضاعة تتعامل بها إذا كانت محرمة فالتجارة بها محرمة، كل إنسان يراقب نفسه، هذا يبيع الدخان، الدخان بين الكراهة التحريمية وبين التحريم وأنت تبيع الدخان، أخي ماذا نفعل؟ ماذا نفعل هذا كلام مرفوض. أي تجارة موضوعها أو موادها التي تتعامل بها محرمة فتجارتها محرمة.
الآن البضاعة حلال ولكن يوجد كذب، تدليس، غش، إيهام، احتكار، عمل يوجد فيه خطأ، أيضاً أصبح التحريم مرةً لذاته ومرةً لغيره.
الإنسان هل له الحق أن يتاجر بالذهب والحرير؟ نعم. لأنه مباح للنساء استعمال الذهب والحرير، أما إذا كان يصنع للرجال ذهباً أو حريراً فلا يجوز هذا، يوجد بعض الألبسة الحريرية الصافية للرجال ممنوع بيعها لأنها في الأساس محرمة على الرجال:
((خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى ، فرأى الناس يتبايعون، فقال : يا معشر التجار ، فاستجابوا لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه ، فقال : إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا ، إلا من اتقى اللَّه وبر وصدق))
أحياناً يقول لك: لو عينت موظفة على مستوى راق من الشكل تجلب زبائن، خيراً إن شاء الله. هذا لم يستقم على أمر الله، أو نعرض إعلاناً عن طريق نساء كاسيات عاريات لنجلب الزبائن هذا أيضاً حرام.
((إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا ، إلا من اتقى اللَّه وبر وصدق))
مرة خرج عليه الصلاة والسلام إلى التجار، قال: وكنا تجاراً، وكان يقول عليه الصلاة والسلام:
((يا معشر التجار إياكم والكذب))
فالكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار.
اليمين الكاذبة منفقة للسلعة ممحقة للبركة :
ويقول عليه الصلاة والسلام:
(( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالَ : فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَارًا، قَالَ أَبُو ذَرٍّ : خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ ))
الذي لا ينظر الله إليه يوم القيامة وله عذاب أليم هو الذي ينفق سلعته بالحلف الكاذب:
(( الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ ))
اليمين الكاذبة منفقة للسلعة ممحقة للبركة.
وعن أبي سعيد قال:
((مر أعرابي بشاة فقلت : تبيعنيها بثلاثة دراهم؟ قال : لا والله ثم باعنيها فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : باع آخرته بدنياه ))
يحلف يميناً معظّمة أن رأسمالها أغلى، والحقيقة رأسمالها أقل، يقول لك: والله خسرانة، هو يطمع أن يربح بها مئة بالمئة فربح بها سبعين بالمئة، يقول لك: خسران، هو يكون قد خسر ثلاثين بالمئة، هكذا يقولها، فالكذب بالتجارة خطير جداً. طبعاً الغش يخرج الغاش من ملة الإسلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(( مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا ))
والتطفيف بالكيل والوزن لقوله تعالى:
﴿ويل للمطففين﴾
إذا كال القماش للبيع يشده، وإذا كاله ليشتريه يرخيه، فيتدلى القماش عن المتر مشكلاً قوساً لأنه الآن يشتري، أما إذا كان يبيع فيشده، يصبح الفرق ثلاثة سنتيمترات، فبين الله تعالى عقوبة ذلك بقوله:
﴿ويل للمطففين* الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون* وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون﴾
الاحتكار:
((الْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ ))
الربا:
(( دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً ))
رواه الإمام أحمد ورجاله رجال موثقون.
الاشتغال بالوظائف :
بيقي الموضوع الأخير هو الاشتغال بالوظائف.
قال: للمسلم أن يكسب رزقه عن طريق الوظيفة سواء أكانت هذه الوظيفة تابعة لأولي الأمر، أم لهيئة، أم لشخص، كلها وظيفة، لكن الشرط مادام قادراً على أداء واجبات هذه الوظيفة، متحملاً لتبعاتها، ولا يجوز للمسلم أن يرشح نفسه لمناصب القضاء والحكم إلا بشرط سأذكره بعد قليل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
((وَيْلٌ لِلْأُمَرَاءِ، وَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ، وَيْلٌ لِلْأُمَنَاءِ، لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ ذَوَائِبَهُمْ مُعَلَّقَةٌ بِالثُّرَيَّا يُدْلَوْنَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَلُوا عَمَلًا))
إذا شغلت وظيفة وأهملت واجبك الوظيفي و أناس تضرروا فأنت مسؤول، إذا شغلت عملاً وقصّرت، أهملت، ظلمت، سيبت، حابيت، تعاملت تعاملاً غير أخلاقي، أعطيت لأسباب غير موضوعية، فهذا الإنسان قال: يتمنى يوم القيامة أن ذؤابته معلقة بالثريا وأنه مدلى بين السماء والأرض وأنه لم يحصل على عمل كهذا في الدنيا.
وسيدنا أبو ذر كما تعلمون قال: يا رسول الله ألا تستعملني؟- أي توظفني- فقال عليه الصلاة والسلام:
(( يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا))
من وجّه كل همه إلى مظاهر الأرض حرم توفيق السماء :
وقال عليه الصلاة والسلام:
((القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة؛ رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل جار في الحكم فهو في النار))
أحدهم علق بأنه الآن قاضٍ في النار وقاضيان في جهنم، أي الأكثرية انحرفوا، لكن القضاء شيء خطير جداً، قاضٍ في الجنة وقاضيان في النار، الذي في الجنة عرف الحق فقضى به، وأما اللذان في النار فأحدهم عرف الحق فقضى بخلافه، والثاني ما عرف الحق فقضى بجهله، كلاهما في النار.
قال بعضهم: من اتخذ المنصب رباً اتخذه المنصب عبداً، ومن وجه كل همه إلى مظاهر الأرض حرم توفيق السماء.
أيضاً سيدنا عبد الرحمن بن سُمرة قال له النبي صلى الله عليه وسلم:
((يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها))
عندما يطلبها الإنسان بإلحاح معنى ذلك أنه يبتغي مكاسب غير مشروعة منها، أما إذا كلف بها و أجبر عليها فيعان عليها.
وعن أنس رضي الله عنه قال:
((من ابتغى القضاء وسأل فيه الشفعاء وكل إلى نفسه ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكاً يسدده ))
يوجد قاض في عهد المنصور، معروف في المدينة أنه يحب الرطب في بواكيره، طرق بابه ذات يوم، قدم له طبق رطب، فسأل الغلام: من جاء به؟ قال: رجل، قال: صفه لي، قال: كيت وكيت. فعرف أنه أحد المتخاصمين، فقال: رده، أعطه إياه، بعد أيام عدة طلب مقابلة الخليفة، طلب منه إعفاءه من القضاء، قال له: لماذا؟ أنت من خيرة القضاة؟ فذكر له طبق الرطب الذي رده، قال له: والله في اليوم التالي وقف المتخاصمان أمامي تمنيت أن يكون الحق مع الذي قدم طبق الرطب مع أني لم آخذه فكيف لو أخذته؟
إذاً:
((من ابتغى القضاء وسأل فيه الشفعاء وكل إلى نفسه ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكاً يسدده ))
يوجد حالة خاصة: الإنسان إذا علم أن هذا المنصب ليس هناك من يشغله بحقه، والمؤمن واثق أنه إذا تسلمه ينفع المسلمين، قال: يجوز أن يطلبه كما فعل سيدنا يوسف في قوله تعالى:
﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾
ممكن إذا كان المنصب حساساً، وأنت نزيه، وعندك علم، وواثق من نفسك، ولم يتقدم أحد، والمسلمون معطلة مصالحهم، لك أن تطلب هذا المنصب لخدمة المسلمين.
الوظائف المحرمة :
قال: ما الوظائف المحرمة؟
قال: أية وظيفة إذا أوقعت بالمسلمين ضرراً، مثلاً بالأرض المحتلة إذا تعاون أحدهم مع اليهود ليضر المسلمين هذه وظيفة محرمة.
في عهود الاستعمار إذا انضم أحدهم للجيش الفرنسي المستعمر مثلاً، هذا الجيش لماذا هو هنا؟ من أجل أن يؤذي المسلمين، ويسلب خيراتهم، وأموالهم، ويقمع حريتهم، فأية وظيفة في سلك يوقع الأذى بالمسلمين هذه الوظيفة محرمة، أية وظيفة في سلك يوقع الأذى بالمسلمين الانضمام إلى هذه الوظيفة محرم.
بل إن ذهب أحدهم إلى أمريكا, وهو ذكي جداً، أغراه معمل أسلحة براتب ضخم، وجنسية، إلى آخره، هذا المعمل يصنع أسلحة من أجل إيذاء المسلمين في العالم، يقول: راتب ضخم، وفيلا، إلى أين تسير أنت؟ هذا المعمل يصنع الأسلحة لقتل المسلمين في العالم، إذاً محرمة. فأية وظيفة في سلك يوقع الأذى بالمسلمين، أو في معمل سلاح موجه إلى صدور المسلمين، هذه وظيفة محرمة.
إذا سافر أحدنا إلى بلاد الغرب، يوجد مغريات كثيرة جداً، إذا ثبت لك أن عملك في بلاد الغرب مهمته إيقاع الأذى بالمسلمين، بعض الأحيان يوجد أشخاص معهم شهادات عليا في الكيمياء والفيزياء يوظفون في معامل تصنع السلاح الكيماوي، هذا طبعاً شيء محرم.
أية وظيفة في سلك مهمة هذا السلك إيقاع الأذى بالمسلمين في أي مكان في العالم طبعاً محرمة.
الآن وظيفة من شأنها الإعانة على ظلم حرام، وأية وظيفة تعين على حرام فهي حرام، إنسان توظف في مؤسسة ربوية فإذا كنت فيها فعملك يعين على هذا الحرام، أو مؤسسة قمعية فعملك يعين على الحرام، في محل خمور، في نواد ليلية، في مراقص، في بارات، فأي عمل فيه معصية الوظيفة فيه محرمة، أقول: الله الغني.
وظيفة مشروعة دخلها واحد بالعشرة من دخل هذه الوظيفة خير لك.
لذلك أية وظيفة تعين على الحرام فهي حرام، أية وظيفة تعين على الإثم والظلم فهي حرام، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال هم سواء))
((لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ، وَسَاقِيَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا))
الابتعاد عن المهن التي تضعف اتصال الإنسان بالله عز وجل :
يوجد إشارة لطيفة بأنه يوجد مهن ترقق الدين، مثلاً محلات بيع للنساء، تريد كريم يتناسب مع لون بشرتها، تنظر إلى وجهها لترى ما يناسبها، تقول لك: يناسبني هذا مثلاً، هذه مشكلة، عملك مع نساء وزينة النساء إنها مشكلة.
يوجد مهن متعلقة بالنساء فقط، والآن النساء غير منضبطات، لا يوجد حياء إطلاقاً، لا يوجد خجل، لا يوجد روادع، من علامات آخر الزمان ترفع النخوة من رؤوس الرجال، ويذهب الحياء من وجوه النساء، وتنزع الرحمة من قلوب الأمراء.
إذا لم يكن هناك حياء، ولا خجل، يوجد وقاحة، وتفلت، وتكشف، وتبذل من النساء، فالمهن المتعلقة بالنساء فقط ترقق الدين، أذن الظهر قم إلى الصلاة، صعب، تجد نفسك محجوباً، إذا وجد الاختلاط، والنظر، والتعليقات، والترحيب الزائد أين بقي الدين؟ فإن كانت الوظائف بمكان يرقق الدين فستضعف اتصال الإنسان بالله عز و جل.
فلو فرضنا محلاً بأرقى متاجر دمشق، كلف ديكوره عشرون مليوناً، و قارن بينه و بين متجر في زقاق الجن مع الشحم والزيت، الثاني أشرف و أنظف لعدم وجود المعصية، يوجد إتقان في العمل، ولو كان متجراً فخماً جداً ومكيفاً، لكن كل الزبائن نساء متبذلات، كاسيات، عاريات، وقحات، وأنت يجب أن تعاملهم وتقنعهم بالشراء، وتنظر إليهم، وتؤانسهم، إنها ترقق الدين كثيراً، لذلك النبي الكريم قال:
((نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات))
ويقول عليه الصلاة والسلام:
(( دع ما يَريبك إلى ما لا يريبك ))
ويقول عليه الصلاة والسلام:
((لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذراً مما به بأس))
قاعدة ثابتة في كسب المال :
أخواننا الكرام: كقاعدة أخيرة وثابتة في كسب المال، الكسب الحلال هو الذي تكون فيه منافع متبادلة، أي كسب يبنى على إفقار الآخرين، أو على إضرار الآخرين، هو كسب حرام، إذا لم يكن هناك منافع متبادلة لا يوجد معارضة، اليانصيب وجهه من هنا، كل كسب يبنى على إفقار الآخرين كسب حرام، الدليل قوله تعالى:
﴿ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾
هذا أول شرط
﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾
قال: عندما تبني ثروتك على إفقار الآخرين كأنك قتلتهم، المال قوام الحياة فلا بد من التراضي أولاً، ولا بد من أن يكون هذا الكسب فيه منفعة مشتركة.
أنت اشتريت حاجة، أنت بحاجة إلى قميص دفعت ثمنه وأخذته، فصاحب القميص عمل وقدم سلعة وربح، وأنت ارتديت قميصاً في الصيف، هذه منفعة مشتركة.
فأي منفعة مشتركة متبادلة في عوض هذا كسب مشروع.
أما أخذت من كل شخص خمس ليرات، وأعطيت ربعهم لشخص في اليانصيب، والباقي لم يأخذوا شيئاً، فالذي أخذ وأنت الذي ربحت أنتما الاثنان منتفعان أما البقية فلم ينتفعوا بشيء، فأي كسب يبنى على إيقاع الضرر بالآخرين، أو على إفقارهم، أو على حرمانهم من أي شيء، هذا كسب غير مشروع، أما الكسب المشروع فهو الكسب الذي يحقق منفعة متبادلة:
﴿إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم﴾
الدخل الذي يبنى على إفقار الآخرين دخل حرام :
إذا أنت أفقرت أخاك، دقق الآن لم يقل: ولا تقتلوا أخوانكم أو المسلمين، قال:
﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾
إذا أفقرت أخاك و صار أخوك مجرماً لن تنام الليل، اسأل ضباط الأمن الجنائي يقولون: كلما جاءت ضائقة مالية ترتفع نسب الجرائم.
إذا أفقرت أخاك المسلم تحوله إلى مجرم، إذا لم يتواجد الإيمان، أولاده جائعون، تتصاعد نسب الجرائم، و الاختلاسات، والسرقات حينما تقل الدخول، فكل دخل يبنى على حرمان الآخرين دخل حرام، لماذا الربا حرام؟ لأن المال يلد المال، والربا يجمع الأموال كلها بأيد قليلة، ويحرم منها الكثرة الكثيرة، فالدخل الذي يبنى على إفقار الآخرين هذا دخل حرام، هذا المبدأ الأساسي، قال تعالى:
﴿إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم﴾
إذا أنت حرمت أخاك المال قتلته، وإذا قتلته سوف يقتلك، هذه قاعدة: إذا حرمته المال قتلته وإذا قتلته سوف تحوله إلى مجرم.
لذلك في أوربة معمل نسيج مثلاً لكل نول يوجد عامل، جاء الآن الكمبيوتر والكاميرا والمراقبة التلفزيونية، أصبح لكل مئة نول عامل واحد، فارتفعت بذلك نسب الجرائم، وكثرت البطالة، فوجدت الضرائب الأمنية، لكيلا يسرق المعمل يدفع ضريبة كبيرة جداً، لم يستفد شيئاً، عندما حلت الآلة محل الإنسان، الإنسان أصبح بلا عمل، أصبح عبئاً على الأمة والمجتمع. فإذا أفقرت أخاك أي أنك قتلته، وإذا قتلته قتلت نفسك. العنف لا يلد إلا العنف. والآية دقيقة جداً، علاقتها:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾
إذا أخذت مال أخيك أفقرته، بقي بلا شيء، حولته إلى مجرم، وأقلقك، وهدد أمنك:
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) ﴾
أيها الأخوة: إن شاء الله تعالى في الدرس القادم ننتقل إلى موضوع الحلال والحرام في الزواج وحياة الأسرة، أنهينا موضوع الأعمال الزراعة والصناعة والتجارة والوظائف.