- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (007)سورة الأعراف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة، مع الدرس الثالث عشر من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الثامنة والعشرين، وهي قوله تعالى :
﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(28) ﴾
وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا
1 – معنى الفاحشة :
أيها الإخوة، ما معنى كلمة فاحشة؟
كلمة فاحشة تنصرف إلى فعلٍ قبيح، فعلٍ يسبب لفاعله العار، فعلٍ يجعل صاحبه مُضغة في الأفواه، شيء تستقذره النفس، شيء تنكره الفطرة السليمة، شيء يشيع بين الناس كخبر يتعلق الناس بترويجه لغرابته .
﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً﴾
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً(32) ﴾
2 – وجوبُ الابتعاد عن مقدِّمات الفاحشة :
والتوجيه الإلهي دقيق جداً، إذ هو ينهى عن القرب من الزنا، لا عن الزنا، يبدو أن هذه المعصية لها مقدمات، وكأن المقدمات منطقة خطيرة، فإذا دخلت فيها جذبتك إلى نهايتها.
تماماً: كتيار كهربائي عالي التوتر، فيه 8 أمتار، أيّ كائن حيّ دخل في هذه الأمتار الثمانية قبل أن يصل إليه يجذبه ويحرقه .
يبدو أن هذه الجريمة تسمى في القانون جريمة الزنا، يبدو أن الزنا له قوة جذب كبيرة، فحينما تتساهل وتدخل المنطقة التي ينبغي أن تبتعد عنها تصل إلى نهاية الفاحشة شئت أم أبيت .
تماماً: كصخرة في رأس جبل مستقرة، فإذا دفعتها وفي نيتك أن تجعلها تنحدر في المنحدر عشرة أمتار لن تستقر إلا في قعر الوادي، أنت مخير أن تبقيها في مكانها الآمن أو أن تدفعها، فإذا دفعتها فلن تستقر إلا في نهاية الوادي .
لذلك أقول لكم هذه الكلمة الدقيقة، وتؤكدها دراسات علم النفس: إن الإنسان حينما يقع في الفاحشة 90 % ممن وقعوا في هذه الفاحشة ما كانوا يتصورون أن يصلوا إلى نهايتها، ولكن لأنهم اقتربوا من حَرَمها .
(( الحَلالَ بَيِّنٌ وَإنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُما مُشْتَبِهاتٌ ))
يعني صحبة الأراذل طريق إلى الزنا، صحبة الزناة طريق إلى الزنا، مطالعة قصة إباحية طريق إلى الزنا، مشاهدة عمل فني إباحي طريق إلى الزنا، مطالعة موقع إباحي في الإنترنت طريق إلى الزنا، إطلاق البصر في الطريق طريق إلى الزنا، لقول الله عز وجل :
﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ
فكأن الآية رسمت طريق حفظ الفرج هو غض البصر، وأؤكد لكم أيها الإخوة بشكل قاطع أنه ما من تكليف كلفنا الله به، وما من معصية نهانا عنها إلا وفي وسع الإنسان أن يأخذ بالتكليف، ويبتعد عن ما نهاه عنه الله، لقوله تعالى :
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
وما كان الله ليعذب قلباً بشهوة تركها صاحبها في سبيل الله، وإذا سألني شاب: بماذا تنصحني؟ أقول للشاب: أنصحك أن يكون النبي الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم سيدنا يوسف قدوة لك، لأنه قال:
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ
لأنه كان شاباً وجميل الصورة، وكان بعيداً عن أهله، وكان في قصر ملك، والتي أمرته بالزنا سيدته، ولن تفضح أمره، وقد عدّ العلماء عشرة أسباب تدعوه إلى أن تزلّ قدمه، ومع ذلك قال: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾
والآن في العالم كل الفضائح في الأرض من زمرتين فضيحة جنسية، أو فضيحة مالية، فإذا تمكنت أن تسد هاتين الثغرتين فأنت في حصن، ولا يستطيع أحد في الأرض أن ينال منك، مُحصّن من أن تأكل مالاً حراماً، ومحصن من أن تُتهَم بامرأة، إن لم تخلُ بها كيف تتهم ؟ .
3 – إيّاكم والخلوة بالأجنبية :
لذلك أيها الإخوة، الخلوة مع المرأة أجنبية، النبي قال كلام دقيق قال :
(( لا يخلون رجل بامرأة ))
ما قال: ما خلا كافر، ما قال: ما خلا فاسق (لا يخلون رجل)
ألم يقع في حماقة ما بعدها حماقة رئيس أكبر دولة في العالم، لأنه كان في خلوة، وأعلى منصب جمهوري في الأرض اضطر أن يبكي أمام رجال الدين معترفاً بذنبه، وقد نشر على الإنترنت أكثر من 3000 صفحة في تفاصيل سقوطه ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزنا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ
4 – كل شهوة لها قناة نظيفة تسري من خلالها :
النقطة الدقيقة أيها الإخوة، أنه ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، لا تقلق، وسبحان من لا ينسى من فضله أحدا .
بماذا ترقى إلى الله ؟ غض البصر يرقى بك إلى الله، ضبط الأذن عن سماع الأغاني يرقى بك إلى الله، ضبط اللسان عن أن تتفوه بكلمة فاحشة يرقى بك إلى الله، أن تصاحب المؤمنين صحبتهم ترقى بك إلى الله.
(( لا تصاحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ))
أن تبتعد عن كل عمل فني فيه مشاهد مثيرة هذا يرقى بك إلى الله، أن تلقي من يدك كل قصة مثيرة، ألقِها في الأرض، أنت إنسان طاهر، وهذه الشهوة التي أودعها الله فيك لن تُحرم منها، ولكن في الحلال .
﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ
المعنى المخالف أن الذي يتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه، يعني الإنسان يتزوج، وقد يكون اللقاء الزوجي، وقد يستيقظ لصلاة الليل، وقد يبكي في الصلاة، ما فعل شيئاً خلاف المنهج -دقق في هذا الكلام- ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، الزواج شيء رائع جداً، امرأة تحل لك، امرأة مصيرها لك، معك، سوف يثمر هذا الحب طفلاً يملأ البيت سعادة، يكبر، يكون معك دائماً، يكون في عونك، البنت في قلبها عطف وحنان على أبيها لا يُوصف، الزواج الشرعي فيه مستقبل وفيه وفاء، وفيه سعادة، وفيه طمأنينة، وفيه راحة نفسية، وفيه مكانة اجتماعية .
لما يخطب الإنسان يأتي إلى بيت أهل مخطوبته، طبعاً خطب، وكتب الكتاب، يبقى إلى الساعة الثالثة أحياناً، لا أحد يتكلم ولا كلمة، هي زوجته، هناك عقد، ويوم العرس يزمرون في الطريق، أتستحيون؟ لا، لا نستحي، هذا عرس، وحلال .
أؤكد لكم مرة ثانية أنه ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها .
مرة زار بيتي إنسان متقدم في السن، قدمت له ضيافة قطعة حلوى، أول قطعة وضعها في فمه، قال دعاء والله أنا أعرفه، لكن شعرت بقشعريرة، قال: سبحان من قسم لنا هذا، ولا ينسى من فضله أحداً .
أنا أقول للإخوة الشباب: غض بصرك، واضبط لسانك، واضبط أذنك، واطلب العلم، وائتِ إلى المسجد، وأتقن عملك، ولن ينساك الله من فضله.
عندي قصص كثيرة، لا تعد ولا تحصى، إحدى هذه القصص لعلي ذكرتها سبقاً :
اضطر شاب أن يرافق أمه إلى فريضة الحج، حج وهو في الـ18 من عمره، فلما عاد عنده مكتبة في حي متواضع، يبدو أن فتاة متفلتة ساقطة وقفت أمام محله وغمزته، وأشارت إليه أن اتبعني، فتبعها، وهو في الطريق أجرى محاكمة، قال: يا رب أنا حججت بيتك الحرام، إلى أين أنا ذاهب الآن؟ فخاف من الله ورجع، يقسم بالله العظيم أنه في اليوم التالي وقف أمام محله التجاري رجل وقور من وجهاء الحي، قال له: يا بني، هل أنت متزوج ؟ قال: لا، يا عم، قال له: عندي فتاة تناسبك تماماً، أرسل أمك إلينا، هو توهم أنه فيها عيب كبير حتى عرضها أبوها، هكذا نحن، وهذا من أفكارنا الجاهلية، لكن القرآن قال :
﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ
ما الذي يمنع تكون أباً، وعندك بنت مناسبة صالحة مستقيمة، أن تعرضها على شاب مؤمن؟ قال له: تعال انظر إليها، أعجبتني أخلاقك، وعندي بنت تناسبك.
الرحمن ماذا يقول ؟ :
﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ
هذا أمر إلهي، كن وسيطاً، ولا مانع، تحمل بعض المتاعب، تأتيك الكثير من المتاعب طبعاً، الزوجان المتفاهمان يغيب الزوج عنك خمس سنوات مسرور معها، يتشاجران فيأتي إليك، لماذا في هذه الخمس سنوات لم تشكرنِي، لما تشاجر معها جاء، وقال: أخي أنت كنت الواسطة، لذلك :
(( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم))
تحمل، أنت تعيش لعمل صالح، لذلك إخواننا الكرام، ما مِن شيء الآن يعلو من الأعمال الصالحة على تزويج الشباب، وتحصينهم من هذا الفساد الذي يعم الأرض.
وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً
أيها الإخوة، الآية الكريمة: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً﴾
لكِ زوج مؤمن، طاهر، مستقيم، يده نظيفة، دخله حلال، لا تحمليه فوق طاقته، لا تضطريه أن يأكل مالاً حراماً، لذلك:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ
عداوة مآل، يوم القيامة يستحق النار بسبب زوجته، ضغطت عليه حتى أكل المال الحرام.
مبدأ التقليد الأعمى : قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا
إذاً هؤلاء: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا﴾
نحن كنا صغاراً في التعليم إذا ارتكب الطالب مخالفة أكبر عقاب يُحلَق شعرُه قليلاً، الآن يُحلق على الصفر، لديك شعر لماذا تحلقه كله! أنا أتفاجأ في الأخبار بشخص محترم جداً حلق شعرَه على الصفر كله، لماذا ؟! لأنه:
(( لَوْ دَخلُوا فِي جُحْرِ ضّبٍّ ، لَدَخَلْتُمْ فِيه ))
يلبس الشباب اليوم سروالاً كاحتاً، هو جديد، لكنه كاحت، أو البنطال فيه ثقوب، والله مرة أخت كريمة أرسلت لي ابنها لقضية، لما دخل على غرفتي ببنطال فيه عدة ثقوب، رق قلبي له، وكتبت عندي أن سأؤمن له بنطالاً جديداً، ثم علمتُ أنها موضة جديدة .
ذهبت إلى أستراليا، ودعانا أخ على طعام الإفطار، فجاء ابنه، والأخ بحالة موسرة جداً، وابنه يلبس بنطالاً له ثقوب كثيرة (لَوْ دَخلُوا فِي جُحْرِ ضّبٍّ)
﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا﴾
هذه طرفة، إياكم أن تأخذوها على جدّيّتها، أن امرأة في القاهرة رأت شيخاً أزهرياً، قالت له بجهل كبير: يا سيدي، هل النبي الكريم له حق أن يقول: النساء ناقصات عقل ودين؟ فأَحَبَّ أن يجاريها، قال لها: والله ليس له حق، لكن هذه ليست لكم، هي للصحابيات، أنتن لا عقل لكنّ ولا دين .
﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا﴾
﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً﴾
وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا
﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا﴾
﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ
لا تقبل عقيدة المسلم تقليداً إطلاقاً، ولو أنها صحيحة، لأنه لا ميزان لها، التقليد لا قيمة له، أما في السلوك، فمن قلد عالماً لقي الله سالماً، لا مانع، رأيت في كلامه صدقاً مثلاً، عفيفاً، دقيقاً في معاملته، مواعيده دقيقة، فقلّدته، هذا جيد، لكن عندك مقياس، من قلّد عالماً لقي الله سالماً، هذه مقولة، وليست آية ولا حديثاً، لكن إنسان أعجبك منه بشاشته للضيف، هذا جيد، أعجبك منه إكرامه للضيف، أعجبك منه تواضعه، لا مانع، أما في العقائد التقليد مرفوض ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾
قال: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
المعاصي مرتبة في القرآن ترتيبا تصاعديا :
هذا افتراء على الله، ولَأَن ترتكب الكبائر أهون من أن تقول على الله ما لا تعلم .
لذلك المعاصي في القرآن الكريم مرتبة ترتيباً تصاعدياً، الفحشاء والمنكر، الإثم والعدوان، الشرك، الكفر .
﴿أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
لذلك :
(( ابن عمر ، دينك ، دينك ، إنما هو لحمك ودمك ، فانظر عمن تأخذ ، خذ الدين عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين قالوا ))
الدين مصيري، الدين متعلق بالآخرة، الدين متعلق بالأبد
﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ۗ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الآية دقيقة جداً :
﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا﴾
﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ
الإسلام قائم على العدل :
﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾
كما ترون القتل عشوائي، معدل القتلى كل يوم في بلد مجاور 59 إنساناً يومياً، لا ذنب له، كان بعمله، كان بسوق مزدحم، سيارة مفخخة، إلى متى هذا القتل؟ موت كعقاص الغنم، لا يدري القاتل لمَ يقتل؟ ولا المقتول فيمَ قتل؟
﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ
بالعدل .
لذلك أحد الأعراب قال للنبي الكريم: اعدل يا محمد ، فابتسم عليه الصلاة والسلام وقال :
(( ويلك ! من يعدل إذا لم أعدل ))
وقيمة العدل أعظم قيمة، وأسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا، إلا اسم العدل محقق جزئياً، لأن هذه الدار دار ابتلاء ليست دار جزاء ، لذلك :
﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا
ورود النار غير دخولها، الذي يرِد النار يوم القيامة من المؤمنين لا يتأثر ولا بوهجها، ليرى عدل الله، ليرى هؤلاء الذين قتلوا الشعوب، ليرى هؤلاء الذين ألقوا قنبلة ذرية على هيروشيما فقتلوا 300 ألف بثلاث ثوانٍ، الآن القتل جماعي، يقال: مقبرة جماعية، قصف جوي، قنابل النابالم، يورانيوم مخضب أثره لـ4500 سنة، ماذا أقول لكم؟ والله البشرية الآن بوضع من الإجرام لا يمكن أن يتصوره إنسان، أنا أقول الآن: العالم القوي متطور جداً، لكنه وحشي، والعالم الثالث الضعيف حضاري، لكنه غير متطور .
وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ
﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾
1 – معنى الوجه :
الوجه أيها الإخوة ذات الإنسان، أشرف شيء فيه .
2 – تحريم الضرب على الوجه :
لذلك هناك أحاديث تنهى عن ضرب الوجه، لأنه مكان كرامة الإنسان، عند الضرورة القصوى التأديب يكون بالضرب على الكتف، أما على الوجه ففيه إهانة كبيرة .
بالمناسبة: الجماد للنبات، النبات للحيوان، الحيوان للإنسان، فلِمَن الإنسان ؟ الإنسان مخلوق لله، وأي إنسان يُجيَّر بالتعبير المصرفي لإنسان آخر فقد احتقر نفسه .
﴿
أنت لله، كن حراً، كن عبداً لله، فعبد الله حر، ولا تكن تابعاً لجهة أرضية، كن حراً، وكن منصفاً، القسط هو العدل.
وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ
1 – معنى : مَسْجِد :
﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾
المسجد بالمعنى الواسع أيّ مكان على الإطلاق يعدّ مسجداً، مكان السجود، أنت فلاح بالحقل، دخل وقت الظهر تؤذن وتصلي، فهذا المكان مسجد، أنت بالمعمل، وليس هناك مسجد قريب، ودخل وقت العصر، تتوضأ، وتصلي في أرض المعمل، أنت بمكتب، أنت بالطائرة، قبلة المسافر جهة دابته، هذه الطائرة دابة حديثة طبعاً، أنت مريض، قبلة المريض جهة راحته، أنت خائف، قبلة الخائف جهة أمْنه، أي مكان تصلي فيه فهو مسجد، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( فُضِّلْتُ علَى الأنْبِياءِ بسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ، ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ، وأُحِلَّتْ لِيَ الغَنائِمُ، وجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ طَهُورًا ومَسْجِدًا، وأُرْسِلْتُ إلى الخَلْقِ كافَّةً، وخُتِمَ بيَ النَّبِيُّونَ. ))
لذلك علمونا في الجامعة أن أفصح كلام بعد كلام الله كلام رسول الله (أعطيت جوامع الكلم ونُصرت بالرعب)
واسمحوا لي بهذه الكلمة المؤلمة: أمّا أمّته مِن بعده حينما لم تطبق منهجه هُزمت بالرعب، وفي بعض الأحاديث :
(( نصرت بالرعب مسيرة شهر ))
الشهر تقريباً ألف كيلومتر، يعني العدو بعد ألف كيلومتر كيانه مهزوز خوفاً من المسلمين، أما لما تركنا سنته من بعده هُزمنا بالرعب مسيرة عام، يخرج تصريح بآخر الدنيا لا ننام الليل، لذلك:
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ
حينما يشرك الإنسان يخاف، الخوف من صفات المشركين .
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾
(أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)
(أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون)
﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾
2 – وضع الوجه على الأرض سجودا لله وذلاًّ له :
يعني مكان الشرف ضعه في الأرض تواضعاً لله
الجماد لك مسخر، والنبات لك مسخر، والحيوان لك مسخر، وأنت المخلوق الأول الذي سخر لك ما في السماوات، وما في الأرض، الكواكب مسخرة لك، وأنت المخلوق الأول تضع جبهتك على الأرض تواضعاً لله، وعبودية له، أنت بهذا في أعلى مقام، لذلك أعلى مقام وصله النبي سدرة المنتهى، في هذه السدرة:
﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى(10) ﴾
الإنسان إمّا بين عبودية القهر وعبودية الشكر والإيمان :
لذلك العبيد نوعان، عبيد قهر، كأهل الأرض كلهم، من دون استثناء كل واحد منا مقهور، كيف؟ يعني خثرة في الدماغ لا ترى بالعين تغلق شرياناً يفقد الإنسان بذلك حركته.
عافانا الله جميعاً من الشلل، خثرة أخرى بمكان آخر تفقده بصره، بمكان تفقده ذاكرته، الإنسان تحت رحمة الله، فهو مقهور، هذا عبد القهر، عبد القهر جمعه عبيد .
﴿ مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ
أما عبد الإيمان والشكر جمعه عباد .
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا
فرق كبير بين عبيد القهر، وبين عباد الشكر، كن عبداً لله شاكراً، ائته طائعاً، ائته بمبادرة منك، تعرّف إليه، وأنت صحيح معافى، وأنت شاب، من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة.
3 – المعنى الضيق للمسجد :
المعنى الضيق :
أن المكان الذي خصص حصراً للسجود هو المسجد، عندنا مسجد بالمعنى الواسع، وهو أيّ مكان في الأرض سجدت فيه، ولو دخلت إلى كنيسة، واضطررت أن تصلي فيها فمكان سجودك في الكنيسة مسجد .
﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾
(( إن بيوتي في أرضي المساجد ، وإن زواري فيها عمارها ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ، ثم زارني في بيتي ، فحق على المزور أن يكرم زائره ))
4 – المسجد مكان الأمن والحكمة والراحة :
يعني بصراحة هل قدّم لكم أحدٌ كأساً من الشاي الآن؟ لا شاي، ولا قهوة، ولا فواكه ولا كوكتيل، ولا وسادة، ولا كراسي، لكن إن شاء الله تُمنحون الحكمة .
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا
تُمنحون الرضا، أن ترضوا عن الله، تُمنحون الأمن .
﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ(4) ﴾
تُمنحون معرفة الله عز وجل، عطاء الله كبير، كبير جداً، إذا كنت في بيته
﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا
يكرمك بنعمة الحكمة:
هناك فراغ بالنفس لا يملؤه المال، ولا تملؤه الزوجة الجميلة، ولا يملؤه المنصب الرفيع، لا يملؤه إلا الإيمان بالله، ومعرفته، وطاعته، والإقبال عليه .
لذلك رأى هارون الرشيد مرة غيمةً، أيْ سحابة فقال: اذهبِي أينما شئتِ، فإنه يأتيني خراجك .
الحقيقة أيها الإنسان اذهب أينما شئت، لا بد من أن ترجع إلى الله في وقت ما، فالبطولة أن ترجع إليه وأنت شاب .
وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ
﴿وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ﴾
(( أنا أغنى الأغنياء عن الشرك ))
﴿ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾
﴿ فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ
فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلَالَةُ
أنواع الهداية :
لئلا نقع في سوء ظن، وحسن الظن بالله ثمن الجنة قال علماء التفسير:
الهداية أربعة أنواع، هداية الوحي، وهداية التوفيق، أول هداية هدايةُ المصالح، وهداية الوحي وهداية التوفيق، والهداية الأخيرة دخول الجنة، المقصود هنا بالهداية الثالثة، هداية التوفيق .
﴿ نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ
هداية التوفيق :
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5) ﴾
لذلك هداية الوحي لجميع الناس، القرآن بين أيدينا، كلام النبي بين أيدينا، الخطباء والدعاة ليلاً نهاراً يتكلمون، هذه هداية الوحي للجميع، أما أنت حينما تأخذ قراراً بطاعة الله -دقق - الآن تستحق هداية ثالثة، هداية التوفيق، يعني يعينك على طاعته، يعينك على العمل الصالح، يهب لك بعض المال كي تنفقه في سبيل الله، يطلق لسانك في ذكر الله، هداية التوفيق الثالثة .
1 – هداية المصالح :
أول هداية لكل البشر: إذا كان أحدهم يمشي واختل توازنه يصحح فوراً، هذه هداية أيضاً، إذا أكل أكلةً سامة يتقيؤها الإنسان، هداية المصالح مؤمَّنة لكل البشر، حتى الكفار، هدانا الله إلى مصالحنا، إذا أكل أكلة سامة لها رائحة كريهة تعافها نفسك، من برمجك على أن تعافَ كل أكلة فاسدة ؟ الله عز وجل، من جعل الطعام إذا فسد له رائحة كريهة جداً؟ الله عز وجل، من جعل اللحم إذا فسد له رائحة لا تُحتمَل؟ الله عز وجل، هذا الكلام يُحكى فيه سنوات، الله هداك إلى مصالحك، من قال: إن القلب إذا أوقفناه لإجراء عمليه قلب مفتوح بعد أن يقف وقوفاً تاماً، ونضع له دساماً جديداً نعطيه صعقة فيعمل، لو لم يعمل لالتغت عمليات القلب كلياً، من أعطى لكل مرض أعراضاً؟ الله عز وجل، لو لا الأعراض لم يكن هناك من طب أساساً، هذا موضوع طويل جداً، هداية المصالح، هل يمكنك أن توقف ميتاً؟ لا يقف معك، أما الإنسان الحي فيقف، مع أن للميت أرجلاً، لكن قاعدة الاستناد ضيقة جداً، لكن في الحي توازن، يوجد بالأذن جهاز توازن، هداك إلى مصالحك، هذه الهداية الأولى.
2 – هداية الوحي :
الهداية الثانية : هداية وحي ، هناك قرآن وهناك سنة وهناك دعاة .
3 – هداية التوفيق :
الثالثة: أنت حينما تقبل الهدى، حينما تتخذ قراراً بأن تؤمن، وأن تستقيم على أمر الله تأتي المعونة .
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ
هذه هداية المعونة، الله قال: ﴿فَرِيقًا هَدَى﴾
﴿فَرِيقًا هَدَى﴾
إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
يمشي مع الشيطان، الشيطان يزين له المعاصي، يخوّفه أن ينفق ماله، يفرّق بينه وبين زوجته، لماذا حقت ﴿عَلَيْهِمْ الضَّلَالَةُ﴾
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً(104) ﴾
من الناس من لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري، فهذا شيطان فاحذروه، وأخطر إنسان في الحياة نصف المتعلم، لا هو عالم فيفيد من علمه، ولا هو جاهل فيتعلم، هو نصف العالم .
﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين