وضع داكن
23-11-2024
Logo
إتحاف المسلم - الدرس : 13 - عبادة في الهرج كالهجرة - أحب الأعمال أدومها وإن قل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

من عبد الله في زمن الفتن فهو مهاجر إلى الله و رسوله :

عن معقل بن يسار رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

((العِبَادَةُ في الهرج كهجرة إليَّ))

[أخرجه مسلم والترمذي عن معقل بن يسار]

كيف أن الإسلام يهدم ما كان قبله, وأن الحج يهدم ما كان قبله, وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، فرصة لا تعوَّض أن الله سبحانه وتعالى سمح لك أن تلغي الماضي كله, بكل ما فيه؛ لمجرد أنك هاجرت, أو حججت, أو اصطلحت مع الله, والنبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح يؤكد أنك إن عبدت الله في زمن الفتنة فأنت مهاجر إلى الله ورسوله, أي ثواب العبادة في زمن الفساد, والفتن, والشبهات, هذه العبادة تشبه تماماً الهجرة إلى الله عز وجل, أي كل شيء له أجر, وكل شيء له قيمة, أن تكون في مجتمع مؤمن, منضبط, لا يوجد فيه انحرافات, لا يوجد فيه معاص, لا يوجد فيه شهوات، الاستقامة سهلة, أما أن تكون في زمن جميع ما حولك يدعوك إلى الشهوات, جميع ما حولك يدعوك إلى المعصية؛ كل شيء له بريق, كل شيء له ألق, وتنضبط؛ فهذا الانضباط له أجر عند الله يفوق أجر الانضباط في زمن التألق الديني.
لذلك ورد أن النبي الكريم يقول:

((اشتقت لأحبابي، قالوا: أو لسنا أحبابك؟ قال: لا أنتم أصحابي أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ، أجره كأجر سبعين، قالوا : منا أم منهم؟ قال : بل منكم، قالوا: و لمَ؟ قال : لأنكم تجدون على الخير معواناً و لا يجدون ))

[ الترمذي عن أنس]

فالمشقة وصعوبة الانضباط هذه عند الله مقدرة, ولها جزاء يزيد أضعافاً مضاعفة عن جزاء المستقيم في أيام الانضباط.

 

ارتباط فرح الله عز وجل بكماله :

النقطة الثانية:

((لَلّهُ أشدُّ فْرَحاً بتوبةِ عبده حين يَتُوبُ إليه من أحدِكم كان على راحلته بأرضٍ فلاةٍ فَانْفَلَتتْ منه، وعليها طعامُه, وشرابهُ, فَأَيسَ منها، فأتَى شَجرة فاضطَجَع في ظِلِّها, قد أيسَ من راحلته, فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمةٌ عنده، فأخذ بخِطامِها، ثم قال من شِدَّة الفرح: اللهم أنت عَبْدي, وأنا ربكَ، أخطأ من شدة الفرح))

[أخرجه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك]

لله أفرح بتوبة عبده من هذا البدوي بناقته, وهذه الصورة معبرة صورها النبي عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى، أي الله ليس له حاجة بنا, لكن كماله يقتضي أننا إذا استقمنا على أمره, وأقبلنا عليه, وقدرنا أسباب سعادتنا أن الله يفرح, وفرحه يليق بجلاله لا كفرحنا, الإنسان لا يتناسب مع خالق الأكوان, إلا أن فرح الله عز وجل مرتبط بكماله.
قد تجد أحياناً أباً غنياً, وقوياً, وليس له حاجة بأولاده إطلاقاً, لمجرد أن أولاده يسعدون في الدنيا, هذا الأب مع أنه لا يوجد مصلحة مادية بينهما؛ إلا أن كمال الأب وما في قلب الأب من رحمة تجاه أولاده, فإذا سعد أولاده يسعد بسعادتهم؛ من هذا المعنى "لله أشد فرحاً بتوبة عبده من ذلك البدوي بناقته".

 

الابتعاد عن الفتور الذي يبعد الإنسان عن الله عز وجل :

الشيء الدقيق أن الإنسان أحياناً يتأثر بأمور الدين, ويقبل, ولكن هناك أخطاراً تنتظر هذا التائب، من هذه الأخطار الفتور؛ له فورة, وتنتهي الفورة, ويعود إلى ما كان عليه؛ فلذلك: هذه الفورة لا نعبأ بها إلا إذا استمرت, من هنا قال عليه الصلاة والسلام:

((أحب الأعمال إلى الله: أدْوَمُها وإنْ قل))

[ متفق عليه عن عائشة]

فأنت حاول أن يكون برنامجك واقعياً, مستمراً, أما كل إنسان يمكن أن يفور فورة, ويتأثر تأثراً بالغاً, ويلزم المساجد, لكن بعد حين تجده غاب, اختفى, أين هو؟ لأن الفورة انتهت إلى تقصير, وانتهت إلى فتور, وانتهت إلى معصية, كأنه لم يفعل شيئاً, على العكس صار هناك خجل من الله شديد, لذلك النبي يؤكد هذه الحقيقة بقوله:

((أحب الأعمال إلى الله أدْوَمُها وإنْ قل))

[ متفق عليه عن عائشة]

فالفورة إذا انتهت إلى طاعة, وإلى التزام فهذا جيد, والفورة مستحيل أن تستمر؛ لأن الفورة عبارة عن نقلة مفاجئة, من حال إلى حال, في أول وقت النقلة هناك تأثير بالغ, لكن بعد حين استمر الوضع, مثال: إذا كان هناك حر لا تحتمل, ودخل شخص إلى غرفة مكيفة, خلال عشر دقائق يشعر براحة كبيرة جداً, لكن بعد ساعتين أَلِف التكييف, أصبح عادياً, توهم أنه لم يعد له تأثير, أما لو خرج من الغرفة مرة ثانية لا يحتمل, لكن استمرار التكييف أشعره أن تأثيره قليل, هو تأثيره قوي إلا أنه أَلِف هذا التأثير.
فالإنسان أحياناً له فورة, هذه الفورة سببها أنه كان بشقاء المعصية صار بنعيم الطاعة, كان بشقاء البعد صار بنعيم القرب, لكن بعد حين أَلِف في بيته؛ صلاته، أَلِف الاستقامة, والطهر, والعفاف, والصلة بالله؛ الحال لم يضعف, لكن ضعف تأثيره بالإنسان, الحال هو هو, لكن صار هناك نوع من الاعتدال, فهذه الفورة إذا انتهت إلى طاعة فهذا جيد, أما إذا لم يكن معها علم كان معها انفعال انتهى الإنسان, فهذه الفورة عندئذ لا قيمة لها, على العكس جعلت بينها وبين صاحبها حجاباً.

 

بطولة الإنسان أن يكون ذا مكانة عند الله عز وجل :

وعن أبي هريرة رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( إنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يومَ القيامة لا يَزِنُ عِنْدَ اللّه جَناحَ بَعُوضةٍ))

[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]

معنى هذا أن هناك مقاييس عند الناس, و مقياس عند الله؛ فقد يكون الإنسان بمقاييس البشر له مكانة كبيرة؛ قد يكون غنياً, قد يكون قوياً, أما إذا قسته بمقياس القرآن فلا قيمة له عند الله، لذلك ورد:

((ابتغوا الرفعة عند الله))

[ أخرجه ابن عدي في الكامل عن ابن عمر ]

ابحث عن مكانة عالية عند الله بمقياس القرآن، أما أهل الدنيا قد تكون في أعلى مكانة, وعند الله لا تزن جناح بعوضة, فالعبرة أن تكون عند الله ذا مكانة؛ لأنه:

﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾

[سورة الغاشية الآيات:25ـ 26]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور