- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠28برنامج الإسلام والحياة - قناة سوريا الفضائية
أعزائي المؤمنين، إخوتي المشاهدين،
في سورة النساء آية كريمة هي قوله تعالى:
﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾
في هذه الآية توجيه دقيق وعميق وشمولي لكل أفراد المجتمع، ذلك أن الإنسان أيها الإخوة كما قلت في حلقة سابقة مخير، والاختيار أساس التكليف، وأنت مخير فيما كلفت، ولو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يعصَ مغلوباً، ولم يطع مكرهاً .
أيها الإخوة، لأن الإنسان مخير فكل حظوظه في الدنيا حيادية، وأنا أشدد مرة ثانية على كلمة حيادية، المال حظ، والجمال حظ، والقوة حظ، والذكاء حظ، وإن الله يعطي الصحة والجمال والمال للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين .
فالحظوظ مع تفاوتها هي في الأصل وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء، الله جعل هذه الدنيا دار ابتلاء، قال تعالى:
﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)﴾
وقال:
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾
إنها دار ابتلاء، والآخرة دار جزاء، إن الدنيا دار تكليف، والآخرة دار تشريف، فنحن في دار الابتلاء، فالحظ الذي آتاني الله إياه هو مادة ابتلائي، أي مادة امتحاني، أُعطيتُ المال، فامتحانك في المال، فإذا أُعطيتَ المال، هل أنت متواضع ؟ هل تنفقه بسخاء ؟ هل تنفقه في الوجوه المشروعة ؟ هل تعتقد أن الله مكنك في الأرض بهذا المال ؟ فينبغي أن تجعله أداةً لرخاء المجتمع، أنت ممكن في الأرض بهذا المال، لك حساب خاص، حسابك الخاص أن تبتغي فيما آتاك الله الدار الآخرة، أن تجعل من هذا المال أداة خير لمن حولك، أنت ممكن بالذكاء، هل تجعل هذا لخدمة الخلق، أم لأخذ أموالهم بالباطل ؟ هل تجعل هذا الذكاء لنشر الحق، أم لنشر الباطل ؟ أنت ممتحن بالذكاء، أنت ممتحن بالقوة، هل هذه القوة تجعلها قوةً غاشمة تعتدي بها على الخلق، وتقهر بها الضعفاء، أم أن هذه القوة مع الحق والعدل ؟
الحظوظ التي يمنحك الله إياها مواد امتحانك مع الله، إما أن ترقى بها إلى أعلى عليين، وإما أن تهوي بها إلى أسفل سافلين، إذاً هي حيادية، الحظوظ حيادية وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء، أنت مبتلى فيما أعطيت، مبتلى فيما أخذ منك، إن هذه الدنيا دار التواء، لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، فالرخاء مؤقت، ولم يحزن لشقاء، والشقاء مؤقت، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي .
الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء، لو افترضنا افتراضاً أن إنسانيين عاشا عمراً واحداً، امتحن الأول بالغنى، فرسب، وامتحن الثاني بالفقر، فنجح، وماتا، واحد في الجنة إلى أبد الآبدين، وواحد في أشد العذاب .
إذاً العبرة في هذه الحياة الأبدية التي نحن مقبلون عليها الخسارة الحقيقية، أن تخسر الحياة الأبدية، الدنيا دار من لا دار له، ولها يسعى من لا عقل له .
أيها الإخوة الكرام، الحظوظ مواد امتحانك، إن كانت إيجابية، أي فيما نلت منها، أو كانت سلبيةً فيما حرمت منها، هي مواد امتحانك مع الله، فحينما تنجح في امتحانك، ولو كان الامتحان سلبياً فزت بجنة عرضها السماوات والأرض، والتي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر .
أيها الإخوة، شيء آخر، الشهوات التي أودعها الله في الإنسان حيادية، يمكن أن تكون سلماً نرقى به، أو دركات نهوي به .
إذاً خصائص الإنسان كلها حيادية، الحظوظ حيادية، الشهوات حيادية، خصائص الإنسان كلها حيادية، من هذه الخصائص موضوع هذه الحلقة، التمني .
الإنسان يتمنى ما عند الآخرين، يرى قصراً جميلاً، يتمنى أن يكون له، يرى مركبةً فارهة يتمنى أن تكون له، فحينما يتمنى الإنسان ما عند الآخرين فهذه خصيصة فيه، هي حيادية، يمكن أن ترقى بها إلى أعلى عليين، ويمكن أن تهوي بها إلى أسفل سافلين، سمِّها إن شئت الغيرة، سمّها إن شئت التمني، سمّها إن شئت الحسد، سمّها إن شئت الغبطة، على كلٍّ أن تتشوق لما عند الآخرين هذه خصيصة في كل إنسان، كائناً من كان، لماذا فطرنا عليها ؟ أصل التصميم أن تتمنى ما عند الآخرين من خير الآخرة، أن ترى إنساناً طلب العلم الشرعي، إنساناً فهم كتاب الله، إنساناً له أعمال طيبة كثيرة، ينبغي أن تغار منه، تتمنى أن تكون مثله، هذا الوجه الإيجابي لخصيصة الغيرة، أما حينما ترى ما عند الناس من عرض الدنيا، وتتمنى أن يكون هذا لك هذا الوجه السلبي لخصيصة الغيرة والتمني .
أيها الإخوة الكرام، حينما ترى على أخيك نعمةً، وتتمنى أن تتحول منه إليك فهذا هو الحسد بتعريفه الدقيق، بل هذا هو الحسد في الدرجة الأولى، أما حينما تتمنى أن يتحول هذا الخير إلى غيره دون، أن يصل إليك، فهذه درجة أشد من الأولى، أما حينما تسعى بكلتا يديك، حينما تكتب، حينما تهمس من أجل أن ينصرف الخير عن أخيك، فهذا هو الحسد بدرجته الكبيرة، المشكلة أن الحسد ينبع من تمنٍّ، تمنيت عرض الدنيا، وتمنيت أن توقع الأذى بأخيك، هذا هو الوجه السلبي، أما حينما ترى إنساناً متفوقاً في العلم، متفوقاً في العمل، يتمتع بخلق عظيم، له باع طويل في خدمة الخلق، رفعه الله سبحانه وتعالى إلى مكان عالٍٍ، وتتمنى أن تكون مثله دون أن تنصرف النعمة عنه فهذه هي الغبطة، وقد استعمل النبي عليه الصلاة والسلام كلمة الحسد مكان الغبطة لحكمة دقيقة جداً، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ، رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ، فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ ))
معنى ذلك أن الإنسان حينما يتمنى الخير هذا الوجه الإيجابي للتمني، هذا الوجه الإيجابي لخصيصة الغيرة التي في الإنسان، الآن الله سبحانه وتعالى لحكمة بالغة صمم الجنس البشري ذكراً وأنثى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾
الذَّكَر خصه الله بخصائص عقلية ونفسية واجتماعية وجسمية هي كمال للمهمة التي أناطها الله به، وخصص المرأة بخصائص نفسية واجتماعية وجسمية وفكرية هي كمال للمهمة التي أناطها الله بها، لكن حينما نقرأ آيات القرآن الكريم نشعر أن الرجل مساوٍ للمرأة، وأن المرأة مساوية للرجل في أشياء كثيرة، في التكليف، هي مكلفة أن تؤمن كما هو مكلف، ومكلفة أن تسلم كما هو مكلف، ومكلفة بما أمرها الله به كما هو مكلف، فهما متساويان في التكليف و أي آية قرآنية موجهة إلى الذكور موجهة حكماً إلى النساء، المرأة و الرجل متساويان في التكليف، وهما أيضاً متساويان في التشريف، هي مشرفة كما هو مشرف، لها عند الله مكانة كما له عند الله مكانة، يمكن أن ترقى إلى أعلى عليين كما يمكن أن يرقى إلى أعلى عليين، يمكن أن تدخل الجنة مع الصديقين والشهداء والصالحين، كما يدخل هو مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ورد في بعض الأحاديث، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا، فإذا امرأة تنازعني، تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت: من هذه يا جبريل ؟ قال: هي امرأة مات زوجها، وترك لها أولاداً، فأبت الزواج من أجلهم ))
تنازع رسول الله e دخول الجنة، لذلك المرأة مشرفة كما أن الرجل مشرف، الله عز وجل يقول:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
يقول الله عز وجل:
﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾
بل إن في السيرة النبوية ملمحاً رائعاً، هو أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما فتح مكة، ركز لواء النصر أمام قبرها، ليشعر العالم كله أن لهذه المرأة البطلة نصيب في هذا الفتح المبين، كانت سنده من الداخل، كانت وراءه في كل مواقفه وبطولاته .
أيها الإخوة الأحباب، المرأة مساوية للرجل في التكليف، مساوية له في التشريف ، مساوية له في المسؤولية، صديقة النساء كانت امرأة فرعون، قال الله عز وجل:
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)﴾
أي فرعون بجبروته وطغيانه وقوته وادعائه الألوهية لم يستطع أن يقنع زوجته بما يقول للناس، إذاً دين المرأة مستقلّ عن دين زوجها، لو أمرها بمعصية ينبغي أن تقول لا، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فالمرأة مساوية للرجل في التكليف وفي التشريف، وفي المسؤولية، ولكن يقول الله عز وجل:
﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾
لكل نوع من الجنس البشري خصائص هي كمال له، وحينما جعل الله الرجل سكناً للمرأة، أي يكمل بها نقصه، وتكمل به نقصها، إنهما متكاملان، وليسا متشابهين، خصائصها الفكرية والجسمية والعقلية والاجتماعية كمال رائع للمهمة التي أوكلت إليها، وخصائصه الفكرية والجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية كمال رائع للمهمة التي أناطها الله به، حينما نتجاهل هذه الفوارق، وحينما تختلط الأوراق نقع في فساد عريض .
شيء آخر، فالمرأة مساوية للرجل في التشريف والتكليف والمسؤولية،
﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾
بمعنى أن لكل منهما خصائص، لو أن امرأة تمنت أن تكون رجلاً ما الذي يحصل ؟ تتشبه بالرجال، فيقع الفساد في الأرض، تتشبه في ثيابها، وفي مشيتها، وفي حركتها، وقد ذكر بعض العلماء أنه من علامات اقتراب الساعة أن يُنزع الحياء من وجوه النساء، وأن تذهب النخوة من رؤوس الرجال، فلا نخوة في رؤوس الرجال، ولا حياء في وجوه النساء .
هذا هو اختلاط الأوراق الذي ذكرته قبل قليل .
أيها الإخوة، حينما تتمنى المرأة أن تكون رجلاً فلا بد من أن تتشبه بالرجال، والتشبه بالرجال في نصوص السُّنة المُطهَّرة من أكبر الكبائر، وحينما يتمنى الرجل أن يتشبه بالمرأة فقد خالَف منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من الكبائر، ذلك أن الله تعالى جعل لكل جنس من الذكور والإناث وسائل يرقى بها إلى أعلى درجات الجنة، وهذا مضمون قوله تعالى:
﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾
وقال عليه الصلاة والسلام:
(( اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حُسْن تبعُل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))
والجهاد كما تعلمون ذروة سنام الإسلام، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَنْ مَاتَ، وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ ))
لمرأة حينما تُحسن رعاية زوجها وأولادها فهي في مرتبة المجاهد في سبيل الله، لأن المرأة إذا حافظت على أنوثتها، وحافظت على مكانتها التي منحها الله إياها، ورعت زوجها وأولادها فهي في أعلى درجات الجنة، إذاً لا ينبغي أن يتمنى كل طرف أن يكون مكان الطرف الآخر، كما لا ينبغي أن يسلك كل طرف سلوك التشبه بالطرف الآخر، عندئذ نقع في فساد عريض في المجتمع:
﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾
قَالَتْ عَائِشَةُ:
(( تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ، إِنِّي لَأَسْمَعُ كَلَامَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ، وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ تَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلَ شَبَابِي، وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي، حَتَّى إِذَا كَبِرَتْ سِنِّي، وَانْقَطَعَ وَلَدِي، ظَاهَرَ مِنِّي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ، فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جِبْرَائِيلُ بِهَؤُلَاءِ الْآيَاتِ: } قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ { ))
أنا أربيهم، مهمتي الأولى تربية الأبناء، وفي بعض البلاد الغربية حينما تقرأ على هوية المرأة أنها سيدة منزل معنى ذلك أنها في أعلى مرتبة، إنها تربي أولادها، من علّم فتاة علم أسرة، إنها تقود أولادها إلى أن يكونوا مواطنين صالحين منضبطين، قالت: إن زوجي تزوجني، و أنا شابة ذات أهل ومال وجمال، فلما كبرت سني، ونثرت له بطني، وتفرق أهلي، وذهب مالي قال: أنت عليّ كظهر أمي، ولي منه أولاد، إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، هو يطعمهم، وأنا أربيهم، هناك أدوار متبادلة، كيف أن الأسرة الأب في العمل، والأم تطبخ، والبنت تنظف، و لابن يأتي بالأغراض، أما في الظهيرة فيجلسون جميعاً على مائدة واحدة، ولهم مكانة عالية جداً فيما بينهم، إذاً أن يتمنى نوع من الجنس البشري أن يكون مكان نوع آخر، وأن يسلك سبيل التشبث به، هذا مما نهى عنه القرآن الكريم، ونهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام، فعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ:
(( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ ))
أيها الإخوة الكرام، هناك تمنٍّ بين أفراد النوع الواحد، هذا الذي تفوق في جانب سأل الله بصدق، ودفع الثمن، جاء في البيت الشعري:
ملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب
ما الذي يمنع أن نعدِّل هذا البيت:
ملك الملوك إذا وهب قم فاسألن عن السـبب
الله يعطي من يشـاء فقف على حـد الأدب
حينما يكون هناك تمنٍّ بين أفراد النوع الواحد فينبغي أن نقرأ هذه الآية:
﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾
أيها الإخوة الكرام، التفضيل لا يعني الأفضلية، أي أنت حينما يذهب ابنك إلى الجامعة تعطيه مبلغاً من المال أكثر من الذي تعطيه لابنك الذي ذهب إلى الحضانة، المبلغ الكبير الذي أخذه الكبير لا يعني أنه أفضل من الصغير، لكن يقتضي مصروف طالب الجامعة أن يكون أكثر من مصروف طالب الحضانة، فقال تعالى:
﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾
هناك نقطة دقيقة في الآية، وهي:
﴿ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾
أحياناً طبيب يأتيه مريض في هذا المكان، وفي هذا الظرف، وفي هذا الموقف الطبيب مفضَّل على المريض في علمه، هو الذي يعلم حقيقة هذا المرض، وحقيقة الدواء، المريض مفضول، والطبيب مفضَّل في هذا الموقف، أما حينما يذهب الطبيب إلى إنسان يعمل في السيارات، ويسأله عن قضية في مركبته، في هذا الموقف الطبيب مفضول، وصاحب هذه الحرفة مفضَّل .
فأنت أيها الإنسان في مواقف كثيرة تكون تارة مفضلاً، ولا يعني أنك أفضل من الذي أمامك، وتكون تارة مفضولاً، قال تعالى:
﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾
قد نفهم الآية التمني فيما بين النوع الواحد، أي هذا الذي تفوق في اختصاصه بذل جهداً كبيراً، ما هو فيه له علاقة بكسبه، والكسب اختيار وعمل، فأنا حينما أقرأ هذه الآية أتمنى على كل أخ كريم أن يقتنع أن الله سبحانه وتعالى أعطى كل إنسان ما يستحق، أي أعطاه ما يناسبه أيضاً .
هناك قصة أخرى أيضاً، أن سيدنا شعيب حينما أرسل ابنته، ماذا قال الله عز وجل ؟ قال:
﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)﴾
قال علماء التفسير: ما الذي يلفت نظر الرجال بالنساء ؟ قالوا: الحياء، وما الذي يلفت نظر النساء بالرجال ؟ قالوا: القوة والأمانة:
﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)﴾
سُقت هذه القصة القرآنية لأؤكد أن التفضيل لا يقتضي الأفضلية، لكن الله سبحانه وتعالى أعطى كل إنسان ما يناسبه من الخصائص، ومن الحظوظ، حيث تكون معواناً له على بلوغ دار السلام .
أيها الإخوة الأحباب، ما الحل إذا كان التمني عند الله مذموماً ؟ الحل هو:
﴿ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾
الذي أعطاه يعطيك، والذي أكرمه يكرمك، والذي رفعه يرفعك، والذي وفقه يوفقك، والله سبحانه وتعالى رب العالمين .
لا أنسى كلمة قالها سيدنا عمر لسيدنا سعد بن أبي وقاص، وسعد ابن أبي وقاص ما من صحابي من صحابة رسول الله فداه النبي بأمه وأبيه كسيدنا سعد، فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ:
(( يَا سَعْدُ ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ))
سيدنا سعد كان إذا دخل على النبي عليه الصلاة والسلام قال: هذا خالي، مداعباً له، أروني خالاً مثل خالي .
له عند الله وعند رسول الله مكانة عالية جداً، ومع ذلك عثرتُ على نص لسيدنا عمر يقول له فيه: " يا سعد، لا يغرنك أنه قد قيل: خال رسول الله e، فالخَلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له، إن أكرمكم عند الله أتقاكم " .
فبدل أن تحسد ينبغي أن تسأل الله من فضله، الله عز وجل جعل عطاؤه بين أيدي الخلق جميعاً، بشرط أن يسألوا، وأن يعملوا، لا أن يقعدوا دون أن يعملوا، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا، حَتَّى يَسْأَلَ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ ))
إن الله يحب من عبد أن يسأله ملح طعامه، إن الله يحب من عبده أن يسأله حاجته كلها، من لا يدعني أغضب عليه .
قال تعالى:
﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾
بدل أن تحسد اسأل الله من فضله، وليكن سؤالك مرتبطاً بالعمل:
﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19)﴾
الله جعل عطاءه مرتبطًا بالعمل، وجعل عطاءه مرتبطاً أيضاً بالسعي:
﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾
أما التمني:
﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ﴾
فالتمنيات مضائق الحمقى .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يُلهمنا الرشد والصواب، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى