- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠28برنامج الإسلام والحياة - قناة سوريا الفضائية
إخوتي المؤمنين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم من المناسب أن نضع بين أيدي الإخوة المشاهدين الحقائق التالية:
الحقيقة الأولى مستنبطة من قوله تعالى:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾
ففي حياة النبي صلى الله عليه وسلم مادام النبي الكريم e بين ظهراني أمته فهم في أمان من عذاب الله، لأنهم ضمن مرحلة التكليف، ولكن بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم ما معنى هذه الآية ؟ قال علماء التفسير: } وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ {، أي: سنتك مطبقة في حياتهم، مطبقة في بيوتهم، مطبقة في أعمالهم، مطبقة في كسب أموالهم، مطبقة في أوقات فراغهم، مطبقة في لهوهم، مطبقة في أوقات فراغهم، مطبقة في مناسباتهم الحزينة والمفرحة، مطبقة في علاقاتهم، فما دام المؤمنون مطبِّقين منهج النبي صلى الله عليه وسلم فهم في مأمن من عذاب الله .
عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
(( كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ، فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ ؟ قَالَ: لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ))
إذاً المسلمون اليوم إن أرادوا أن يكونوا في مأمن من عذاب الله، وأن يكونوا أعزة كراماً، وأن يحققوا أهدافهم، ويضمنوا سلامتهم وسعادتهم فعليهم من خلال هذه الآية أن يطبقوا منهج النبي صلى الله عليه وسلم، لأن هذا المنهج هو في حقيقته تعليمات الصانع، والصانع هو الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها، يقول الله عز وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾
والخالق هو الخبير، والصانع هو الحكيم، وتعليماته ينبغي أن تتبع.
فالمسلمون في مأمن من عذاب الله إذا كان النبي e، أو كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم ونهجه الذي هو وحي يوحَى، والذي هو من عند الله، إذا كانت هذه السنة وهذا المنهج مطبقاً في حياتهم.
أيها الإخوة الأحباب،
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾
هناك بحبوحة أخرى، وهناك مأمن آخر، قال تعالى:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾
فالإنسان إما أن يكون على منهج الله مقيماً، أو أنه إذا أخطأ عليه أن يستغفر، في هاتين الحالتين هو في مأمن من عذاب الله، هو في بحبوحة، في سلامة، أما حينما يرتكب خطأً، ويصر عليه، ولا يستغفر، ولا يندم، عندئذ يكون قد عرّض نفسه لتأديب الله ولعذابه.
أيها الإخوة الأحباب، الله عز وجل يخاطب الأمة العربية التي شرفها الله بحمل رسالة الإسلام، قال تعالى:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾
قال علماء التفسير: أصبحتم خير أمة بحمل هذه الرسالة.
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾
أي إن علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد الإيمان بالله، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الفريضة السادسة التي ألزمنا الله بها، وقد أهلك الله الأمم السابقة لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، فهذه الخيرية التي شرف الله بها الأمة المحمدية خيرية معللة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيمان بالله، فإن كف المسلمون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقدوا خيريتهم، وكانوا أمةً كأية أمة أخرى، لذلك العلماء قسموا أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى أمتين، أمة الاستجابة، وأمة التبليغ، فإن استجبنا لله إذا دعانا إلى ما يحيينا، وقطفنا ثمار هذا الإيمان فنحن بنص هذه الآية الكريمة خير أمة أخرجت للناس، أما إذا لم نستجب، ولم نعبأ بهذا المنهج القويم، ولم نعبأ بكتاب الله الكريم، وإذا هان أمر الله علينا هنا على الله.
أمة الاستجابة غير أمة التبليغ، الأمة الشاردة هي أمة التبليغ، هي أمة كأي أمة، ليس لها أي فضل على بقية الأمم، بينما أمة الاستجابة هي التي استجابت لله وللرسول حينما دعاها إلى ما يحييها، والحقيقة أن الإنسان لا يكون حياً بالمعنى الذي يليق به.
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
لا يكون حياً حياةً أخلاقية، حياةً عقلية، حياة سامية إلا إذا تعرف إلى الله، وسلك طريق منهجه الذي يوصله إلى سلامته وسعادته.
أيها الإخوة الأحباب، هناك من يقول: نحن أبناء الله وأحباؤه، فيقول الله عز وجل:
﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى استنبط من هذه الآية الدقيقة أن الله لا يعذب أحبابه، فلو أن الله قبِل دعواهم أنهم أبناء الله، وأحباؤه فلمَ إذاً يعذبهم بذنوبهم ؟ لو قَبِل دعواهم لما عذبهم بذنوبهم، إذاً نحن حينما نطبق منهج النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن في ذكرى مولده الشريف، نحن في مأمن من عذاب الله، ونحن أمة مختارة خير أمة أخرجت للناس، أما إذا شردنا عن الله، وعن منهجه فنحن أمة كبقية الأمم، لها ما لها، وعليها ما عليها، لذلك هناك مقولة رائعة: هان أمر الله على الناس فهانوا على الله، ولو أنهم عظموا أمره لحفظهم الله عز وجل، وأكرمهم، وأعلى مقامهم، وسلمهم في الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة الأحباب، هذه الحقيقة الأولى، أن النبي صلى الله عليه وسلم منهجه القويم منهج نجاة، ومنهج سعادة، لأنه من عند خالق الأكوان، لأنه من عند خالق الإنسان، لأنه من عند الصانع، وتعليمات الصانع أولى أن تطبق من غيره.
الحقيقة الثانية: النبي صلى الله عليه وسلم معصوم بمفرده من أن يخطئ، معصوم في أقواله، ومعصوم في أفعاله، ومعصوم في إقراره، ومعصوم في أحواله، لذلك الله جل جلاله أمرنا أن نأخذ منه، وأن ننتهي عن ما عنه نهانا وزجرنا، والنبي صلى الله عليه وسلم:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾
وعاؤه فرغ من أية ثقافة أرضية، قال تعالى:
﴿وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)﴾
أميته وسام شرف له، لأن الله تولى تعليمه، قال تعالى:
﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)﴾
لكن أميتنا وصمة عار في حقنا، لأننا لا نتعلم إلا عن طريق الآخرين، فالنبي صلى الله عليه وسلم صانه عن كل ثقافة أرضية، ليكون كل ما يلقيه على إخوانه وأصحابه وأمته من بعده وحي السماء، لذلك العلماء قالوا: هناك وحيان، وحي متلو هو القرآن الكريم، ووحي غير متلو هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أو ما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
أيها الإخوة الأحباب، هذا اعتقاد أي مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم بمفرده، من أن يخطئ في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره، وفي أحواله، لكن أمته معصومة بمجموعها، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ ))
فالمسلمون بعضهم لبعض نصحة متبادلون، ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون، ولو اقتربت منازلهم، وهذا جزء من عقيدة المسلم، النبي صلى الله عليه وسلم معصوم بمفرده، بينما أمته معصومة بمجموعها، ولأنه معصوم بمفرده فقد أمرنا الله جل جلاله أن نأخذ منه، وأمرنا الله جل جلاله أن ننتهي عما عنه نهانا، فقال تعالى:
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
هناك حقيقة في علم الأصول، أنه ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، فكل أمر في القرآن الكريم كما يقولوا علماء الأصول يقتضي الوجوب، ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، يقول الله عز وجل:
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
إذاً لابد تتميماً لتنفيذ هذا الأمر أن نعرف ماذا أمرنا، وعن أي شيء نهانا، إذاً معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم، كما أن المسلم يصلي، لأن الصلاة فرض، هو يتوضأ قبل الصلاة، لأن الوضوء من لوازم الصلاة، إذاً هو فرض أيضاً، وكما أن الله أمرنا أن نأخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم كل أوامره، وأن ننتهي عن كل نواهيه، هذا الأمر يقتضي الوجوب، ومن لوازم هذا الأمر أن نتعرف إلى منهج النبي e، وإلى سنته القولية والعملية.
إذاً يكاد يقول علماء الأصول: إن معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم، لأن الأمر الإلهي لا يحقق إلا إذا عرفنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية.
أيها الإخوة الأحباب، شأن آخر، حينما يقول الله عز وجل:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾
نحن نسأل: كيف يكون النبي e أسوة لنا إن لم نعرف سيرته ؟ إن لم نعرف أحواله في بيته ؟ مع زوجته ؟ ومع أولاده ؟ ومع إخوانه ؟ ومع أصحابه ؟ ومع جيرانه ؟ ومع من يلوذ به ؟ في سلمه ؟ في حربه ؟ في كسب ماله ؟ في تعامله مع الأشياء ؟ في رفقه بالحيوان ؟ في وفائه ؟ في رحمته ؟ في عدله ؟ في إنصافه، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)﴾
إذاً نحن ملزمون أن نتعرف إلى سنة النبي e القولية، وإلى سيرته العملية، فحريٌّ بأي مسلم أن يكون في بيته كتاب سنة صحيح، وكتاب سيرة صحيح، ليكون هذا الكتاب وتلك السيرة إضاءة لما في القرآن الكريم من توجيهات قويمة، ذلك أنهم يقولون: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي.
عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ
(( سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ ))
أيها الإخوة الأحباب، حقيقة ثالثة في هذا اللقاء الطيب، في ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، الله جل جلاله لا يقبل دعوى محبته إلا بالدليل، قال تعالى:
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾
فأنت إذا قلت: أنا أحب الله، معنى ذلك أنك تتبع رسول الله e، وهذه علامة محبة الله عز وجل، ودليل محبته، أما أن يكون الحب دعوى كما قال الشاعر:
تعصي الإله وتظهر حبــه ذلك لعمري في القياس شنيع
لو كانت حبك صادقاً لأطعت ه إن المـحب لمن يحب يطيع
فالله جل جلاله لا يقبل دعوى محبته إلا بالدليل، والدليل القاطع على محبة الله عز وجل الاستجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباعه، فاتباع النبي دليل محبة الله عز وجل.
أيها الإخوة الأحباب، من لوازم اتباع النبي الدعوة إلى الله، قال تعالى:
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾
فمن لم يدعُ على بصيرة فليس متبعاً لرسول الله.
أيها الإخوة الأحباب، الدعوة إلى الله نوعان، دعوة هي فرض عين على كل مسلم، ومعنى كونها فرض عين، أي في حدود ما تعرف، ومع من تعرف، ولا تكلف فوق ذلك، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً... ))
في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، هذه الدعوة فرض عين، إن استمعت إلى خطبة، إلى درس، إلى حديث، فيجب أن تنقل الذي استمعت إليه إلى أخ كريم، إلى جار، إلى صديق، إلى زميل، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
فالدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، أما الدعوة إلى الله التي هي فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل فهي دعوة من نوع آخر، حينما تتبحر في العلم، وحينما تتفرغ له، وحينما تتخصص فيه، وحينما تنهض بنشر هذه الدعوة على أوسع نطاق، وحينما ترد على كل الشبهات، وتأتي بكل البينات والأدلة، فهذه دعوة فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، فقد قال الله عز وجل:
﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾
ولكن أيها الإخوة، حقيقة دقيقة وخطيرة، من دعا إلى الله بمضمون هزيل، من دعا إلى الله دعوة متناقضة، دعوةً غير متماسكة، أو دعا إلى الله دعوةً قويةً ومتماسكةً، ولكن بأسلوب غير علمي، وبطريقة غير تربوية، أو من دعا إلى الله دعوةً متماسكةً قويةً بأسلوب علمي، وبطريقة تربوية، لكن المدعو لم يجد مصداقيةً في الداعي، قال بعض العلماء: هذا المدعو بهذا المضمون الهزيل، وهذا المضمون الضحل أيضاً، وبهذه الطريقة غير التربوية، وبهذا الأسلوب غير العلمي، وبعدم المصداقية لا يعد عند الله مبلغاً، لأن الإنسان مركب في أعماقه أن دين الله عظيم، فكما أن الله عظيم فينبغي أن يكون دينه في مستوى عظمة الله عز وجل.
ما من حرفة تتذبذب بين أن تكون خطيرة جداً كصنعة الأنبياء، وبين أن تكون تافهةً، فإذا اتخذت حرفةً وسبب رزق فهي حرفة لا تستدعي إلا عدم الاهتمام، أما إذا كانت خالصةً، وكانت عميقة، وكانت بأسلوب علمي، وطريقة تربوية، كانت هذه الدعوة أخطر شيء في حياتنا، بل إن المسلمين في أمسّ الحاجة إلى دعاة صادقين، يجعلون حقائق الإسلام في متناول عامة الناس، وأساليبه الناجحة في الحياة بين أيديهم.
أيها الإخوة الأحباب، شيء آخر، من حقائق ذكرى المولد النبوي الشريف، وهو أن المديح والتبرك ينبغي أن لا ننكره، جميل بنا أن نمدح النبي صلى الله عليه وسلم، فهو سيد الخلق، وحبيب الحق، جميل بنا أن نتبرك بآثاره، ولكن أن نكتفي بالمديح دون أن نتبع النبي صلى الله عليه وسلم فهذه مصيبة المصائب، لو أن أباً عليماً عالمياً جليلاً حكيماً، له ابن على نقيضه، لو أن الابن أمضى كل حياته في مديح والده، يبقى الأب حيث هو، والابن حيث هو، لا يرقى الابن إلى مستوى والده إلا إذا سار في طريقه.
لو أن حاجباً لعالم جليل في غيبة هذا العالم جلس في مكانه، هل ترقي مرتبته ؟ إطلاقاً، أما إذا سار في طريق سيده فطلب العلم ترتقي مرتبته.
فنحن ـ والحمد لله ـ نمدح النبي صلى الله عليه وسلم مديحاً رائعاً، ومديحاً مؤثراً، ولكن إذا اكتفينا بهذا المديح، ولم نقرن القول بالعمل، ولم نتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهذا المديح قد لا يقدم ولا يؤخر، النبي صلى الله عليه وسلم يرى يوم القيامة أمته، وقد سحبت إلى النار، عَنْ سَهْلٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ وَرَدَ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، وَلَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ، وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا، سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي ))
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
(( لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: } وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ { دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا، فَاجْتَمَعُوا، فَعَمَّ، وَخَصَّ، فَقَالَ: يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنْ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا ))
﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)﴾
أيها الإخوة، فرضاً لو أن النبي صلى الله عليه وسلم أفتى لواحد بشيء، ومن فمه الشريف صلى الله عليه وسلم، فإن فتوى النبي صلى الله عليه وسلم على عظمتها إن لم يكن صاحبها محقاً لا ينجو من عذاب الله، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ، فَلَا يَأْخُذْهَا ))
أيها الإخوة الأحباب، الشيء الدقيق أن الاستجابة إلى رسول الله هي عين الاستجابة لله، يقول الله عز وجل:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾
إرضاء رسول الله هو عين إرضاء الله، طاعة رسول الله هي عين طاعة الله، ذلك لأنهم كما يقولون اليوم: يوجد شفافية، فحقيقة النبي عليه الصلاة والسلام تشف عن حقيقة الذات الإلهية، حقيقة النبي عليه الصلاة والسلام هو الحق الصرف، الكمال البشري الرائع، فلذلك الاستجابة إلى رسول الله هي عين الاستجابة إلى الله، وطاعة رسول الله هي عين طاعة الله، وإرضاء رسول الله عين إرضاء الله، لقوله تعالى:
﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾
أيها الإخوة الأحباب، بقيت حقيقة خطيرة، هي أن الله سبحانه وتعالى حينما يقول:
﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾
إذا كان قلب النبي عليه الصلاة والسلام يزداد ثبوتاً لسماع قصة نبي دونه، فلأن يزداد إيماننا نحن مؤمنين بسماع قصة سيد المرسلين فمن باب أولى، لذلك قال تعالى:
﴿مُنْكِرُونَ﴾
قال تعالى:
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)﴾
قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾
إذاً أن نجتمع في بيوتنا، وفي مساجدنا، وأن نتلو سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، وأن نتحدث عن شمائله، وعن خصائصه، وعن فضائله، وعن منهجه، وعن كماله، هذا من صلب الدعوة إلى الله، وأن نتحدث عن شمائل النبي عليه الصلاة والسلام، وعن صفات النبي e، وعن منهج النبي e، وعن أخلاق النبي e طوال العام، هذا من صلب الدعوة إلى الله، فلذلك الله عز وجل يقول:
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ﴾
الله عز وجل يقول:
﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾
إذاً أيها الإخوة، لا ضير من أن نتعرف إلى رسول الله في أية مناسبة، وفي أي يوم من أيام العام، بل إن المثل العليا لا تعيش إلا بالمثل، والعظمة الرائعة للأنبياء والمرسلين أنهم كانوا مثلاً عليا متحركة أمامنا، وما أشد حاجة المسلمين إلى مسلم متحرك يرون إسلامه في سلوكه، وفي عمله، وفي ورعه، وفي عفته، وفي استقامته النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاء أصحابه كانوا يعرفون صدقه، وأمانته، وعفافه، ونسبه.
إذاً الدعوة إلى الله لا تقوم إلا على فكر نير، وخلق قويم.
أيها الإخوة الأحباب، أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعني وإياكم بهذه الحقائق المتعلقة بذكرى مولد النبي عليه الصلاة، والسلام، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى