وضع داكن
04-08-2025
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 065 - الاجتباء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

منزلة الاجتباء:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الخامس والستين من دروس مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، ومنزلة اليوم هي الاجتباء، وقد سمعتم قبل قليل في سورة يوسف:

﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)﴾

[ سورة يوسف ]

فالاجتباء منزلة من منازل مدارج السالكين، في إيّاك نعبد وإيّاك نستعين.
 

متى يبلغ العبد ذروة الإيمان؟ 


الحقيقة هذه المنزلة منزلة خاصة جداً، حتى إن العلماء قالوا: إن المؤمن متى بلغ ذروة الإيمان، للإيمان ذروة، كيف أن الطالب أحياناً ينال وثيقة إتمام المرحلة الابتدائية، ثم ينال الشهادة الإعدادية، ثم ينال الشهادة الثانوية، ثم يحصل على إجازة في اختصاص معين، ثم هناك دبلوم عامة في هذا الاختصاص، ثم هناك دبلوم خاصة، ثم هناك ماجستير، ثم هناك دكتوراه، وهناك أعلى من دكتوراه، دكتوراه دولة، وهناك أعلى من دكتوراه دولة، أن يُمنح بعض الألقاب العلمية الخاصة جداً، فإذا بلغ المؤمن ذروة الإيمان يجتبيه الله عز وجل، ويصطفيه، ويجذبه إليه، المقياس عند الله دقيق جداً، أي لا يمكن أن يجتبي مؤمناً إلا إذا كان كاملاً، إلا إذا كان مُخلِصاً، إلا إذا كان ورِعاً، إلا إذا كان مستقيماً، إلا إذا كان مُحباً، إلا إذا كان مُنضبطاً، إلا إذا كان مُحسناً،  إلا إذا كان مُنصفاً، إلا إذا كان رحيماً، مرتبة عالية جداً، أن يجتبيك الله عز وجل، ورد في بعض الأحاديث أنه إذا أحبّ الله عبده ابتلاه، فإن صبر اجتباه، فإن شكر اغتناه.
 

استبداد الأنبياء بمنزلة الاجتباء:


قال صاحب المدارج: وقد استبدّ الأنبياء عليهم السلام بهذه المنزلة، احتكروها، وكادوا أن يحتكروها، وشغلوا محلها وفناءها، إلا حيزاً قليلاً جداً أخلاه الله تعالى، ووقفه، وادّخره، ليهبه ثلة من المؤمنين، في كل جيل يصدقونه الحب فيُحبهم، ويريدونه فيريدهم، من أحبنا أحببناه، ومن طلب منا أعطيناه، ومن اكتفى بنا عن مالنا كنا له وما لنا. 

محبة الله تحتاج إلى دليل:


مراتب محبة الله عز وجل مراتب عالية جداً، وهذا الحب يحتاج إلى دليل، والله سبحانه وتعالى لم يقبل دعوى محبته من دون دليل، قال تعالى: 

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)﴾

[ سورة آل عمران ]

دعوى المحبة تحتاج إلى دليل، وأن تحبّ الله عز وجل هذه أعلى مرتبة تنالها في حياتك.
والله مرة سمعت أحد الدعاة في عقد قِران يذكر حديث رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينما قال: والله يا معاذ إني لأحبك، والله ما رأيت في الأرض من آدم إلى يوم القيامة مرتبة أعلى من هذه المرتبة، أن يحبك رسول الله، ومحبة رسول الله عين محبة الله، ومحبة الله تترجَم بمحبة رسول الله، والدليل قوله تعالى: 

﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)﴾

[ سورة التوبة ]

بضمير المفرد، قال علماء التفسير: إرضاء رسول الله عين إرضاء الله، وإرضاء الله عين إرضاء رسول الله، وبالمقابل محبة رسول الله لك عين محبة الله، ومحبة الله لك عين محبة رسول الله، أنا كنت أضرب مثلاً أن الداعية الصادق، أو ولي الله عز وجل، الذين قال الله عنهم: 

﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)﴾

[ سورة يونس ]

هذا الولي يشبه لوحاً من البلور المتقن لشدة صفائه ونظافته ودقة صنعه لا تراه أبداً، ترى ما خلفه، أحياناً إذا إنسان ماش في ممشى، وهناك باب يشغل كل الممشى، وكله لوح بلور واحد، وكان نظيفاً نظافة بالغة، يظن الممشى سالكاً فيمشي، لشدة صفاء ونقاء واستقامة واستواء هذا اللوح كأنه غير موجود، ويجب أن نعلم علم اليقين أن النبي عليه الصلاة والسلام لشدة اتصاله بالله وإنكاره لذاته، كل أقواله وأفعاله تُعبِّر عن الحقيقة لا عن ذاته، عن الحقيقة:

﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)﴾

[ سورة الأنعام ]

 

علامات آخر الزمان:


لذلك في آخر الزمان قال الله عز وجل: 

﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)﴾

[ سورة الواقعة ]

قلة، هذا الذي اختار الله ورسوله، قال: سيدنا الصديق خرج من ماله خمس مرات كلياً، قال:

(( عن عمر بن الخطاب أمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنْ نتصدقَ، فوافقَ ذلك عندي مالًا فقلتُ: اليومَ أسبقُ أبا بكرٍ إن سبقتُهُ يومًا قال: فجئتُ بنصفِ مالي، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ما أبقيتَ لأهلِكَ؟ قلتُ مثلهُ، وأتى أبو بكرٍ بكُلِّ ما عنده، فقال يا أبا بكرٍ: ما أبقيتَ لأهلِكَ؟ فقال: أبقيتُ لهمُ اللهَ ورسولَهُ، قلتُ: لا أسبِقُهُ إلى شيءٍ أبدًا ))

[  سنن الترمذي: حسن صحيح ]

إذا الإنسان وصل إلى محبة الله، وإلى القرب منه، ما فاته من الدنيا شيء، يا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟
 

من اجتباء الأنبياء أن الله تعالى ألقى إلى نبيه محمد كتابه:


من اجتباء الأنبياء أن الله تعالى ألقى إلى نبيه محمد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتابه، اجتباه بهذا الكتاب، وخصّه بكرامته، وأهّله لحمل رسالته، وأنعم عليه بنبوته، من غير أن يكون ذلك منه على رجاء، هنا يوجد نقطة دقيقة جداً يجب أن تُوضّح، أي النبوة هبة من الله، لكن بلا سبب؟ بلا مؤهلات؟ مستحيل، والدليل:

﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)﴾

[ سورة آل عمران ]

لماذا اصطفاهم؟ يوجدي بالنبوة جانب وهبي، أي لما الدولة تُعيّن سفيراً، تعطيه جواز سفر دبلوماسي، تعطيه حقيبة ممنوع فتحها، تعطيه مبالغ طائلة، ينفقها بمعرفته، بحكمته في تلك البلاد، تعطيه كتاب اعتماد، يُقدمه لرئيس البلد الذي سيعمل فيه، قد تعطيه جهاز اتصال مباشر ليس له علاقة بشبكة الهواتف هناك، هذه الميزات كلها يأخذها السفير هبة، لكن السؤال: كيف اختير هذا السفير؟ من عامة الناس؟ من صفوف الجهلة؟ من صفوف الأغبياء؟ مستحيل، يوجد اصطفاء لعلم، لثقافة، لخبرة، لحنكة، لتفوق دراسي، لطلاقه في اللسان، لقوة في شخصيته، لوسامة في منظره، لعراقة في نسبه، هذا يمثل أمة مثلاً، أنا أوضح لكم توضيحاً فقط، أي إذا قلنا: فلان سفير هذه الدولة، أي يوجد جانب، يوجد ملكات خاصة فيه، ذكاؤه الفطري، وذكاؤه التحصيلي، وذكاؤه الاجتماعي، مع طلاقة لسانه، مع إتقانه لعدة لغات، مع أصالته، هذا ينبغي أن يكون، مع أصالته، مع حسن سياسته، مع حكمته، مع أفقه الواسع، مع حسن تخلُّصه بالمواقف الحرجة، هذه كلها صفات فيه، لكن بعد أن اختير لهذه المهمة يُعطى جواز السفر الدبلوماسي، يُعطى الحقيبة الدبلوماسية، يُعطى الاتصال المباشر، يُعطى المبالغ الطائلة، فهناك جانب كسبي، وهناك جانب وهبي، وهذا ما أراه-والله أعلم-أن في النبوة جانباً كسبياً، وجانباً وهبياً، الرسالة هبة من الله، والنبوة هبة، والكتاب هبة، والمعجزات هبة، والعصمة هبة، أما من النبي الحب، والإخلاص، ومجاهدة النفس والهوى، وإنكار الذات، وحبّ الخلق، وخدمة الخلق، فلذلك: 

﴿ وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86)﴾

[ سورة القصص ]

طبعاً النبي ما أراد أن يكون نبياً، لكن تحرّق قلبه على ضلال الناس، فلما أرسله الله نبياً، وحمّله الرسالة انشرح صدره، لأنه رأى الطريق إلى هداية الخلق، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾

[ سورة الشرح ]

 

ما اجتبى الله به سيدنا موسى:


يوجد آية قرآنية يقول الله عز وجل مُخاطباً سيدنا موسى عليه السلام: 

﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)﴾

[ سورة طه ]

يجب أن تهتز مشاعرك إذا قرأت هذه الآية، الله عز وجل يختصّ أناساً لخدمة الخلق، فإمكاناته، قدراته، وحركاته، وسكناته، وليله، ونهاره، وماله، وعضلاته، وخبرته، وعلمه في سبيل الله، نذر نفسه ليكون في خدمة الخلق، لعل الله يرضى عنه، فهناك من يعمل هذا، ومنها أنه اصطفى موسى واستخلصه لنفسه، أي حينما قال الله عز وجل لسيدنا موسى حينما كلمه:

﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)﴾

[ سورة طه ]

والله سؤال يحير؛ أي الله عز وجل لا يعلم ما بيمينه؟ لماذا يسأله؟ لما سأل الله عز وجل سيدنا موسى، سيدنا موسى طار فرحاً، أراد أن يُطيل الجواب كي ينعُم بهذا الكلام مع الله عز وجل، قال: 

﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)﴾

[ سورة طه ]

ثم استحى، ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ ثم استحيا قال: ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ أي يا رب إن سمحت لي أن أتابع سأتابع، إن سمحت لي أن أتابع تقول لي: يا موسى وما هذه المآرب؟ لكن الذي حصل أن الله أراد أن يلفت نظر هذا النبي الكريم إلى أن هذه التي بيدك عصا، انتبه، دقق، بعد حين سوف تكون حية، حينما كان وحده جعلها الله حية تسعى، أما حينما كان مع السحرة وبين جمهور غفير والإنسان مع الناس يستأنس:

﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107)﴾

[ سورة الأعراف ]

دقة البلاغة، حينما كان وحده:

﴿ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)﴾

[ سورة طه ]

أما حينما كان مع الخلق، مع جمع غفير ومع السحرة قال: ﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ ثم يقول الله عز وجل يا موسى: 

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)﴾

[ سورة طه ]

أي إنسان يُخَاطب من قبل خالق الأكوان، يا موسى: ﴿إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري﴾ هذا اجتباء، أن يكلمك الله عز وجل، طبعاً هذه للأنبياء فقط، هذا اجتباء، أن يؤتيك الله المعجزات، هذا اجتباء، أن يؤتيك الله ذاكرة لا تنسى:

﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7)﴾

[ سورة الأعلى ]

اجتباء، هذا اجتباء الأنبياء؛ اجتباهم بالنبوة، واجتباهم بالرسالة، واجتباهم بالمعجزات، واجتباهم بالكتاب، واجتباهم بالدعاء المستجاب، واجتباهم بالنصر.
 

يقين النبي بالنصر كيقينه بوجوده:


النبي يقينه بالنصر كيقينه بوجوده، والدليل حينما وصل كفار قريش إلى غار ثور، قال سيدنا الصديق: يا رسول الله لقد رأونا؟ قال: يا أبا بكر ألم تقرأ قوله تعالى: 

﴿ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)﴾

[ سورة الأعراف ]

وحينما كان في الهجرة وقد أهدر دمه، ووضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، وتبعه سُرَاقة ليقتله، قال: يا سراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ واثق من النصر، وحينما عاد من مكة إلى الطائف وقد خذله أهلها، وكفروا بدعوته، وسخروا منه، وبالغوا في إيذائه، قال له سيدنا زيد: كيف تعود إلى مكة وقد أخرجتك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إن الله ناصر نبيه.
 

كيفية اجتباء الله أولياءه:


أيها الإخوة؛ هذا الاجتباء، لو أردنا أن ننزل قليلاً؛ اجتباء الأنبياء، النبوة، والرسالة، والمعجزة، والكتاب، والنصر، والفطنة، وما إلى ذلك، اجتباء الأولياء تُوَفّق في دعوتك، يجعل الله في قلوب الخلق محبتك، قال تعالى:

﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)﴾

[ سورة طه ]

إذا أخلصت لله جعل الله قلوب المؤمنين تهفو إليك بالمودة والرحمة، وإذا لم تكن على ما ينبغي، ألقى الله في قلب الخلق بغضك، أحياناً تجد إنساناً محبوباً جداً، وإنسان غير محبوب، هذه المحبة من خلق الله عز وجل: ﴿وألقيت عليك محبة مني﴾ .
 

ربنا عز وجل اصطفى سيدنا موسى واستخلصه لنفسه:


﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42)﴾

[ سورة طه ]

فربنا عز وجل اصطفى سيدنا موسى واستخلصه لنفسه، وجعله خالصاً له من غير سبب-كان لموسى-ولا وسيلة، لكن بأهلية، حتى أكون دقيقاً، من غير سبب منه، ولا وسيلة، ولكن بأهلية، فإنه خرج ليقتبس النار فرجع وهو كليم الواحد القهار، لذلك قالوا: كن لي ما لا ترجو أرجى لما ترجو، إنسان أصابه البرد الشديد، رأى عن بعد ناراً، فقال:

﴿ إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾

[ سورة طه ]

هو ذهب ليأخذ قبساً من النار فكان كليم الواحد الديان، هذا شيء بحياة المؤمنين وارد، يكون سيسافر إلى بلد للتجارة، يهتدي بهذه البلدة على يد أحد العلماء، ينتقل من حال إلى حال، وأحياناً لأسباب صغيرة جداً، فالإنسان ينبغي أن يرجو رحمة الله، كن لي ما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، وسيدنا موسى أكبر شاهد، أي الله عز وجل جعله كليمه، مع أنه كان ذاهباً ليأخذ قبساً من النار.
 

عرِّض نفسك لرحمة الله لا تدري متى يفتح الله عليك:


بعضهم قال: 

أيها العبد كن لما لست ترجو           مـن صـلاح أرجى لما أنت راجٍ

إنّ موســى أتى ليقبـِس نـاراً           مـن ضيــاء رآه والليـــــــل داجٍ

فانـثنى راجعاً وقـد كلمه الله            ونـاجـاه وهــو خيـــــر منــــاجٍ

[ علي بن أبي طالب ]

* * *

أي لا تعلم متى الله عز وجل يفتح عليك، أنت كُن ملازماً لأسباب الفتح، عرِّض نفسك لرحمة الله، لا تدري متى يفتح الله عليك، أخذه من نفسه، واصطنعه لنفسه، واختاره من بين العالمين، وخصّه بكلامه.
 

تفاوت الأنبياء في منزلة الاجتباء عند الله:


قال: والأنبياء عليهم السلام يتفاوتون في ذلك تفاوت أتباعهم، فمن ذلك قصة موسى حين ألقى الألواح، وجرّ بلحية أخيه، وهو نبي مثله، ولم يعاتبه الله على ذلك كما عتب على آدم عليه السلام في أكل لقمة من الشجرة.
أي أحياناً يكون الدافع نبيلاً جداً جداً، وقد يُرتكب خطأ، ووراءه هذا الدافع النبيل، فالله عز وجل طليق الإرادة قد يعفو، أي قد يُقدِّر هذا الدافع النبيل، أما لعامة المؤمنين العمل لا يُقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً؛ خالصاً ما ابتُغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة.
 

أنواع الاجتباء لغير الأنبياء:


الآن غير الأنبياء كيف يُجتَبون؟ قال: من أنواع الاجتباء لهم أن يعصم الله عبده، وهو مستشرف للجفاء اضطراراً، بتنغيص الشهوات، وتعويق الملاذ، وسدّ مسالك العطب عليه إكراهاً.
المؤمنون درجة ثانية، يسير بطريق خطأ، يريد شيئاً لا يرقى به عند الله، فربنا عز وجل يُفسد عليه هدفه، وهذا الإفساد لهدفه من الاجتباء، شخص له عمل بالتعليم، تمنى مثلاً أن يكون مضيفاً في طائرة، هو يطير، يوم بدمشق، يوم بلندن، يوم بباريس، يوجد جو غير مريح دينياً أحياناً، أي يوجد تفلت في العواصم الأجنبية، بالفنادق، فربنا عز وجل لم يسمح له بذلك، أفسد عليه خطته، هذا اجتباء، بالتعبير الدارج خاف عليه فلم يسمح له أن يصل إلى هدفه، هذا اجتباء، أن يعصِم الله عبده وهو مستشرف للجفاء اضطراراً، بتنغيص الشهوات، وتعويق الملاذ، وسدّ مسالك العطب عليه، إنسان يمشي بطريق ممكن أن يغلط فالله عز وجل أغلق عليه هذا الطريق، هذا اجتباء.
تفصيل آخر؛ العبد الصادق إذا استشرفت نفسه للجفاء بينه وبين الله تعالى، أي بدأ بعمل يُوَسِّع الهوة بينه وبين الله تعالى، بدأ بعمل يبعده عن الله تعالى، بدأ بعمل يحجبه عن الله تعالى، بدأ بعمل لا يرضي الله تعالى، فقال: إذا استشرفت نفسه للجفاء بينه وبين الله تعالى، كيف؟ بموافقة شهواته في لحظة غفلة عصمه الله اضطراراً، بأن يُنغص عليه بعض الشهوات.
حدثني أخ ذاهب إلى مكان ليأخذ قسطاً من المتعة، ليس لديه ورع زائد، فشعر بآلام في ظهره، فسأل الطبيب، قال له: ورم خبيث في النخاع الشوكي، فارتمى أرضاً، وقطع رحلته، وعاد إلى بلده ليصطلح مع الله، فالله عز وجل نغّص عليه هذه الرحلة بهذا الخبر السيئ، وبعد أن استقرّ به المقام في بلده، وبعد أن اصطلح مع الله، تبيّن أن التشخيص لم يكن صحيحاً، اجتباه، حفظه، عصمه.
إذا شخص مُنع من شيء لا يصب نقمته على إنسان، يُوحِّد، لعل الله عز وجل لا يريد هذا المسعى، ولا هذا المسلك، ولا هذا الطريق، ولا هذه التجارة، ولا هذا السفر، ولا هذه الدراسة، ولا هذا اللقاء، ولا هذا الاحتفال، طبعاً اجتباء الأنبياء بالنبوة، والرسالة، والكتاب، والمعجزة، والكرامة، أما اجتباء المؤمنين أحياناً بتنغيص أهدافهم التي لا تُقَرّبهم من الله عز وجل.
 

هذا ما تفوق به النبي عن سائر الأنبياء:


أيها الإخوة الكرام؛ النبي عليه الصلاة والسلام أكمل من اجتباه الله عز وجل من الأنبياء، لقد أقسم بعمره الثمين، فقال تعالى: 

﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)﴾

[ سورة الحجر ]

سيدنا موسى كان في مظهر الجلال، ولهذا كانت شريعته شريعة جلال وقهر، وكان من أعظم خلق الله هيبة ووقاراً، وأشدهم بأساً وغضباً لله تعالى، وبطشاً بأعداء الله، وكان سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام في مظهر الجمال، وكانت شريعته شريعة فضل وإحسان، فكان لا يُقاتل، بل إنه يُحرَّم في دينه القتال، والإنجيل يأمرهم من لطمك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، ومن نازعك ثوبك أعطه رداءك، ومن سخّرك ميلاً فامش معه ميلين، أما نبينا عليه الصلاة والسلام فكان في مظهر الكمال، يوجد جلال، ويوجد جمال، والكمال يجمع بينهما:

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)﴾

[ سورة الشورى ]

فقد جمع بين قوة العدل وقوة الإحسان، جمع بين اللين والرأفة والرحمة، وبين القوة والبأس والعزة، فهو نبي الكمال، وشريعته شريعة الكمال، وأمته أكمل الأمم، هل نستطيع أن نضيف سابقاً؟ لا نعرف، أمته إن استجابت لله عز وجل فهي أكمل الأمم، وإن لم تستجب فهي كأي أمة أخرى، لا ميزة لها إطلاقاً:

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)﴾

[ سورة المائدة ]

 وأحوال أمته ومقاماتهم أكمل الأحوال والمقامات، لذلك اتّصفت شريعته بالعدل إيجاباً له وفرضاً، وبالفضل ندباً له واستحباباً، العدل قسري والإحسان طوعي، هكذا شريعة الكمال، والشِّدة في موضع الشِّدة:

﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)﴾

[ سورة النور ]

واللين في موضع اللين:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

[ سورة آل عمران ]

﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)﴾

[ سورة فصلت ]

 وضع السيف في موضعه، ووضع الندى في موضعه، يَذْكر هذا الدين العظيم الظلم ويُحَرِّمه، ويذكر العدل ويوجبه، ويذكر الفضل ويندب إليه: ﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها﴾ فهذا عدل ﴿فمن عفا وأصلح فأجره على الله﴾  فهذا فضل ﴿إنه لا يحب الظالمين﴾ هذا تحريم للظلم، لكن:

﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)﴾

[ سورة النحل ]

هذا إيجاب للعدل، شريعة وسطية، متوازنة، متماسكة، متكاملة: ﴿ولئن صبرتم لهو خير للصابرين﴾ نَدَب إلى الصبر:

﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)﴾

[ سورة البقرة ]

لك أن تأخذ رأس مالك إذا كنت قد أخطأت في الربا:

﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)﴾

[ سورة البقرة ]

 

ميزات أمة محمد عليه الصلاة والسلام:


أيها الإخوة الكرام؛ أمة محمد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمة كاملة في الأصل، وشريعتها كاملة، ونبيها سيد الأنبياء والمرسلين، هذا إن استجابوا لله والرسول، أما إن لم يستجيبوا شأنهم كأية أمة أخرى، حرّم عليهم كل خبيث وضار، أباح لهم كل طيب ونافع، فتحريمه عليهم رحمة، وعلى من قبلهم لم يخلُ من عقوبة:

﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160)﴾

[ سورة النساء ]

الله حرّم على اليهود الطيبات لأنهم ظلموا، أما عندنا في شريعتنا ما حُرِّم علينا إلا الخبائث، وأُحلِّت لنا الطيبات، قال بعض العلماء: كان لهذه الأمة العظيمة من المحاسن ما فرقه في الأمم قبلهم، كما كَمّل لنبيهم من المحاسن ما فرّقه بين الأنبياء قبله، وكمّل لهم من المحاسن ما فرقها في الكتب قبله، وهذه هي شريعته، ثم في النهاية أمة محمد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي استجابت لله اجتباها الله:

﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)﴾

[ سورة الحج ]

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)﴾

[ سورة البقرة ]

 

من طلب الاجتباء نجا:


أيها الإخوة؛ مرتبة الاجتباء مثلما بدأت الدرس، إذا كان هناك شيء اسمه وثيقة تحصيل، إتمام مرحلة ابتدائية، أقل شهادة في بلدنا، بعدها إعدادي، ثانوي، جامعة، دبلوم عام، دبلوم خاص، ماجستير، دكتوراه، دكتوراه دولة مثلاً، بعد ذلك يوجد مراتب علمية عالية جداً، جائزة نوبل مثلاً، أو بورد، أو إف آر إس، أو أكريجيه، هذه كلها مراتب تفوق الدكتوراه، الاجتباء مرتبة عالية جداً، أي لا يصل إليها إلا من بلغ قمة الإيمان، إلا من بلغ ذروة الإيمان، وإذا وصلت إلى هذه المرتبة فحدث ولا حرج عن دعائك المستجاب، وعن توفيق الله لك، وعن إجراء الخير على يديك، وعن القرب من الله عز وجل، فهذا الذي وصل إلى الله عز وجل وصل إلى كل شيء:

فليتك تحـلـو والحياة مـريـــــرة            وليتك ترضــى والأنام غضاب

وليت الذي بيـني وبيـنك عامـــر           وبيني وبـين العالمـين خـــراب

إذا صحّ منك الوصل فالكل هين           وكل الذي فــوق التراب تــراب

[ أبو فراس الحمداني ]

* * *

والإنسان أيها الإخوة؛ إذا طلب الاجتباء نجا، أما إذا طلب النجاة لا ينجو، كالطالب تماماً إذا طلب التفوق ينجح، أما إذا طلب النجاح فقط في الأعم الأغلب لا ينجح، يقول: يكفيني خمسين درجة، يكفيني أربعين درجة، يكفيني آخذ مساعدة، هنا يصبح هناك ترميم للعلامة، هنا يوجد مساعدة عامة لا ينجح، إذا كان متعلقاً بالوسط لا ينجح، أما إذا أراد التفوق قد ينجح، فنحن إذا طلبنا الاجتباء لعلنا ننجو من عذاب الله عز وجل.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور