- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
تمهيد:
أيها الإخوة الكرام؛ باب عُقد في رياض الصالحين, من كلام سيد المرسلين، عليه أتم الصلاة والتسليم، هذا الباب هو باب:
الحقيقة: أن في هذا الباب حكمة بالغة هي: أن الإنسان لما يتعود على خشونة العيش يبقى رافعاً رأسه، فلو أن هناك طارئاً طرأ فقلّ دخله، وكان قد اعتاد الإنفاق الواسع، يضطر إلى أن يأكل المال الحرام، أو أن نافق للسلطان، هذه قاعدة.
الإمام الغزالي رحمه الله تعالى له كلمة يقول:
أيها الإخوة؛ الصحابية الجليلة, كانت تقف أمام زوجها, قبل أن يغادر البيت, تقول له:
فالمرأة المؤمنة تعين زوجها على الكسب الحلال، والمرأة المعاصرة تعين زوجها على كسب الحرام، المرأة المؤمنة تعين زوجها على الكسب الحلال, ولو كان قليلاً، الله يبارك فيه، والمرأة المعاصرة المتفلتة من منهج الله تعين زوجها على الكسب الحرام، تضغط عليه حتى يأكل المال الحرام.
أيها الإخوة؛ لو أن الإنسان عنده بنات، وعوّدهنّ الحياة المعتدلة، وإذا لم يخشوشن في طعامه وشرابه، وجاء شاب مؤمن مستقيم, رائع في أخلاقه، ودخله محدود، ورأيته أنسب إنسان لابنتك، فإذا عودّتها على الإنفاق غير المحدود لا تعيش معه، والحياة فيها مفاجآت.
كان هناك في السبعينيات رواج، انتهى هذا الرواج، كل بلد لها عشرة أيام، والآن: التاجر غير العاقل هو الذي يقيس على القديم، لا، اختلف الوضع، محل تجاري فروغه ثلاثون مليوناً، بيعه اليومي بثلاثمئة ليرة، ليس هناك من يشتري، فإذا ما عوّد الإنسان نفسه على الخشونة، فعنده مشكلات كبيرة جداً، تبدأ مع أهله، مع أولاده.
الإنسان ولو كان في بحبوحة، يمكن أن يأكل من دون فواكه، ويمكن أن يأكل أكلاً خشناً، يتعوّد الإنسان على التواضع، أما إذا كان إنفاق الإنسان غير محدود, فحالته لها وصف دقيق، يعاف الناس منه، من كثرة البحبوحة, لم يعد يقبل بأمرٍ من الدرجة الثانية، كلها من الدرجة الأولى، وليس الدخل مستمرًّا كل الوقت.
أنا أرى أن أعقل تاجر, هو الذي ينفق إنفاقاً معتدلاً، ولو كان دخله كبيراً، لأنه إذا كان لك زيادة.
تحريم الإسراف والتبذير في ضوء القرآن والسنة.
هناك مناظر الآن:
هناك من ينقّب في الحوايا، هناك نساء يأخذن أرجل الدجاج، لا يمكن أن تأكل اللحم إلا بهذه الطريقة، أرجل الدجاج هذه تقدَّم للكلاب فقط، فإذا كنت في بحبوحة, فغيرُك يأكل كيلين من اللحم في شهرين.
أنا أرى الآن مع الظروف الصعبة: كل إنسان يسرف, يرتكب في حق المجتمع جريمة ، كلْ واشربْ باعتدال، من دون إسراف، ومن دون مخيلة، الطعام والشراب واللباس، قال تعالى:
﴿
الإسراف في المباحات، والتبذير في الحالين، قال تعالى:
مرة قال شاب: أنا يا أستاذ مضطر لأتزوج، فالابن معه بناء، المواد الأولية ثمنها خمسة وخمسون ألفاً، بنى غرفة ومنافعها وتزوج فيها، قدّرت ثمانمئة ألف، فمئة ألف تؤسس أسرة، وهناك عرس في الشيراتون بأربعين مليوناً، هذا المبلغ كم يزوج من الشباب؟.
أيها الإخوة؛ هناك في البلد أشياء طيبة.
أنا حضرت عقود قران, ما قدّمت هدية أبداً، قام عريف الحفل وقال: الهدية مبلغ أودع عند العالم الفلاني لتزويج الشباب، حوالي مليون ليرة، إذا أخذ كل شاب مئة ألف, فقد زوّجنا بهذا العقد عشرة شباب.
حضرت عقداً ثانياً قدّموا مع بطاقة الدعوة وصلاً لمعهد شرعي بألف ليرة، والمدعوون مئتان وعشرون إنساناً، قدموا لهذا المعهد الشرعي مئتين وعشرين ألفاً، أنت تأخذ هدية، وغيرك كذلك، ولكن لا يستفاد منها، حاجات متنوعة لا محل لها أساساً.
فأنا أرى أن عقود القران مناسبة كبيرة جداً، نتعاون، ألم تزوج ابنك؟ اشكر ربك على تزويج ابنك، قدّم شيئاً.
أنا العبد الفقير المتحدث, وضعت كتاباً لعقد قران, جُمع فيه نصف مليون ليرة لصندوق العافية، مقابل الزهور، في عقد قران متواضع، بدل باقات الزهور.
أيها الإخوة؛ آن الأوان المسلمين أن يفكِّروا، المسلمون في العالم يذبّحون, ويشردون، ويموتون من الجوع والبرد، لا بد أن نتعاطف، وأقلّ شيء فيما بيننا، والله عز وجل لم يكلّفنا إلا ضمن مجتمعنا المحدود، نتعاطف فيما بيننا، كل واشرب من غير إسراف ولا مخيلة، معك فائض, هناك من تنعشه، وتنقذه، وتسعده بهذا الفائض, وما عُبد الله عز وجل بأفضل من جبر الخواطر.
تطهر نفس الفقير من الحقد، تطهر نفس الفقير من الشح، تطهر المال من تعلق حق الغير به، قال تعالى:
﴿
لما يطعم الفقير مئة أسرة.
هناك طريقة أنا معجب بها إعجاباً شديداً، أناس يقدمون وجبات غذائية، وجبة بأربعة آلاف ليرة، مئتان وخمسون أو ثلاثمئة أسرة, قُدّمتْ لهم مؤونةُ سنة، إذا كان الأب لا ينفق, فهذا أكل وصل إلى الجوف، لا مشكلة فيه أبداً.
أَحْكم شيء أن تقدّم الطعام، أب عليه دين، أب يدخّن فرضاً، أب له رفقاء، سهرات، لما قدّمت له وجبة غذائية, ضمنتَ أن هذا الطعام وصل على أفواه الصغار، الرز، والبرغل، والسمن, واللحم.
لما يفكر الإنسان, أن يعيش مشكلات الآخرين, يشعر بنماء في نفسه، يا رب أنا ساهمت، أنقذت مئتين وخمسين أسرة من الجوع –مثلاً-, هذا بالنسبة لنمو نفس الغني، أما الفقير فيكون محطَّماً، عنده يأس وإحباط، مهمل، رقم في المجتمع، لا أحد ينتبه له، ليس عنده سمن, ولا زيت, ولا طعام، ولا شيء، تأتيه المعونة فينتعش، يشعر أن ثمة من يفكر فيه، فالغني نمت نفسه، والفقير نمت نفسه،
قصة فيها عبرة:
أخ من إخواننا؛ وهذه قصة لا أنساها.
هل عليكم دين؟.
أخ له قريب توفي، كان أستاذًا في الجامعة، فذهب إلى بيته، وهو يكون ابن عم له، في أثناء تغسيل الميت سأل أولاده، هل عليكم دين؟.
قالوا: نعم.
ما سألهم المقدار.
قال لهم: الدين عليّ.
قال لي: ذهبت إلى أنه عشرون أو ثلاثون ألفاً،.
في اليوم التالي أُخبِر أنه مئة وثلاثون ألفًا.
قال لي: وقد دفعتها كلها.
حدثني عن قصته, في صحن جامع النابلسي، وبكى، وله معمل، قال لي: يوم السبت، والأسواق في كساد، قال: بعنا يوم السبت بيعاً, حصتي الصافية منه –وهم ثلاثة شركاء– مئة وثلاثون ألفاً، الخميس دفعها، وقبضها يوم السبت، اللهُ لا يُجرََّب، فلا تجربوه، لكن ادفع ولا تخف،
(( أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً ))
عود نفسك على خشونة العيش.
درس اليوم حول الخشونة:
وقد سئل النبي الكريم:
(( فلَيْسَ مِنَّا مَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَتَّرَ عَلَى عِيَالِهِ ))
وليس معنى ذلك: أن الله إذا وسّع عليك, يغرق البيت بالضروري وبغير الضروري، هذا يحدِث في الزوجة والأطفال شعوراً بالتفوق.
تجد الزوجة تتكلم مع النساء الفقيرات كلاماً يجرح، وهذا الكلام مؤذٍ جداً للفقيرة، وقد تختلف مع زوجها فتطلب منه فاكهة، فيقول لها: ثمنها يغطي راتبي كله، فالمرأة لا تنتبه لكلامها، فإذا بالغت في إكرامها، أنت عندك فهي زوجتك، أما عند الناس صارت طاووساً، تتكلم عن أكلها, وشربها, ونزهاتها.
دائماً لما يسمع الفقير قصص الإنفاق يفرح، ما ذنب قارون؟.
قال تعالى:
﴿
فماذا كانت عاقبته؟.
قال تعالى:
﴿
تواضعْ.
كان ثمة رجل مفتٍ –رحمه الله– قال: ثلاث نصائح تُكتب على ظفر:
اتبعْ لا تبتدعْ: سرْ وفق المنهج الإلهي، لا تخترع شيئاً جديداً في الدين.
واتَّضع لا ترتفع: تواضعْ.
الورع لا يتسع.
التقيت مع شخص من المملكة العربية السعودية, يعد أكبر تاجر خضر في المملكة، عنده خمسون برّادا تُحمل من تركيا إلى السعودية، هو رجل صالح من المدينة، ومستقيم، دهشت لمحاسبته لأولاده، يحاسب على الفِلس، ليس عنده نفقة في غير موضعها أبداً، ويعطي للفقراء عطاء بغير حساب، رأيت من إنفاقه الشيء العجيب، أما على نفسه فليس هناك بذخ ولا ترف، أولاده وزوجته يحاسبهم على الفلس، وكل نفقة غير معقولة مرفوضة عنده، مقابلها يعيل آلاف الأُسر، بنى معهداً إسلامياً في كوناكري، أسس مسجداً, ومعهداً كبيراً في غينيا, على نفقته الخاصة، أما لو فتح المجال لأولاده, لذهبت كل ثروته بلا طائل، فدائماً انتبهوا: أن الإنفاق من صفات عباد الرحمن، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67)﴾
أيها الإخوة؛ لو كتب الإنسان على ورقة كبيرة كلمتين, فهذا إسراف، هناك ورق صغيرة.
أحياناً: ورقة مطبوعة ملونة, كلّفت ثمناً, يمسح بها يديه، أعوذ بالله، هذا مال، فهنا إسراف كبير.
وهناك أشياء ينفقها بلا طائل، وأنا كل ورقة مطبوع عليها, أطبع عليها ثانية من الوجه الآخر، أستفيد منها، والورق غال، فأنفق كل شيء, ولكن باعتدال، من دون إسراف ولا مخيلة.
هذا موضوع الزهد في الدنيا.
قال تعالى:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾
العلو في الأرض شهوة، ويقابلها الإنفاق غير المحدود.
مرة إدارة الشيراتون, أرادت أن تشجّع عقود القران فيها، الإدارة المالية قدّمت تقريراً لعدد من أجرى عقود الزواج مدة ستة أشهر, فكانوا ستة عشر عقداً، أعلى عقد خمسة وثمانون مليوناً، وهناك بمليونين، وثلاثة، وأربعة، فقدموا دعوة لكل من أجرى عقداً في هذا الفندق، دعوة تكريم, حتى يشجع الآخرين, ليجروا عقداً في الشيراتون.
المفاجأة: أن ثلاثة عشر من ستة عشر عقداً, انتهت إلى الطلاق قبل ستة أشهر، فالبذخ في العرس ليس ضمانًا لنجاح الزواج.
أنا أقول كلمة: إذا أقيم الزواج على طاعة الله، ولو افتقر إلى معظم مقومات نجاحه, يتولى الله التوفيق بين الزوجين، أما إذا بني على معصية الله، ولو توافرت له كل الأسباب, يتولى الشيطان التفريق بينهما، لا بد عندهم أن يدخل العريس إلى الشيراتون على جمل، ولا بد من هدم الحائط، هدِّم، وكلَّف مليوني ليرة، هدِّم ثم بني ثانية، الزواج استمر سبعة عشر يوماً، ثم طلّقت، وهناك زواج تم الطلاق فيه في الشيراتون، قاعدين على الكرسي – العروسان–, جاء المصور، فقالت له: اخفض رأسك قليلاً، فقال لها: طالق، طالق، طالق، قبل تناول الطعام، فالإنفاق غير المعقول يقابله شقاء غير معقول، أما المؤمن:
أيها الإخوة؛ هذه دعوة إلى التواضع، وإلى التقشف، كل واشرب من دون إسراف، هذا درس اليوم:
فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل، والحديث الأساسي:
طريقة رائعة يستخدمها الأتراك في طعامهم.
كنت في تركيا، دعيت مرتين أو ثلاثاً إلى طعام الإفطار، عندهم طريقة لطيفة، طاولة الطعام ارتفاعها ثلاثون سنتيمتراً على الأرض، وعليها بساط ثلاثة أضعاف حجم الطاولة، تزيد على الآكلين، تقع على رُكبهم، في أثناء أكل الخبز, إذا بقي بعض الفتات الصغير, يُجمع ويؤكل، لا يمكن أن تقع على الأرض ذرة خبز على السجاد، لأن البساط نازل على رُكب الآكلين، كل واحد يأخذ من البساط بطرف فوق ركبه، ويأكل، لاحظت أن هذه الطريقة شرعية ، يطبقونها من قبل، وكل إنسان أكرمه الله بالغنى، لو دققت في حياته, وجدته يرعى نعمة الله عز وجل.
في سفرتي الأخيرة, دعيت إلى عدة أماكن، لما يوضع الطعام, وهو نفيس, وغال, وبكمية كبيرة, أتألم، وأرى أن صاحب الدعوى لم يتألم، ولكن رأيت الخادم يضع باقي الأكل في علب أنيقة، ويعطيه إياها، لم تُرمَ لقمة، هو أتى بطعام، وأكرمنا، ولكن فكرت، ونحن أربعة، قلت: ليس معقولاً ألا يكون هناك مشكلة في الطعام الباقي، ولم يكلف الخادم، جاء وحده، ووضع الأكل في علب، وأكله في اليوم التالي، أليس هذا عملاً إسلامياً؟ وبعضهم يترك الأكل في الصحن، لأنه من الأكابر، هذا عمل شيطاني، هذا الطعام هناك من يشتهيه، وأكثر المطاعم كل شيء يبقى من الطعام يرمونه في القمامة، من اللحم وغيرها، كله في القمامة، شيء مؤلم جداً.
أيها الإخوة؛ أرجو الله سبحانه وتعالى, أن يكون هذا الدرس فيه فائدة لنا جميعاً،
والحمد لله رب العالمين