- التربية الإسلامية
- /
- ٠2مدارج السالكين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
تمهيد :
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس التسعين من دروس مدارج السالكين, في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين.
أيها الإخوة؛ ينبغي من حينٍ إلى آخر أن نرجع إلى محور هذا الموضوع, فالإنسان يمشي في طريق عريض، ثمّ ينتقل إلى طريقٍ فرعيّة، من حينٍ إلى آخر ينبغي أن يعود إلى أصل الطريق, فنحن في مدارج السالكين, في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، نتبين أن علة وُجود الإنسان على سطح الأرض أن يعبد الله تعالى، أنت موجود هنا في هذه الحياة الدنيا من أجل أن تعبد الله تعالى، والمؤمن كلّ تصوّراته تنطلق من آيةٍ كريمة أو من حديث صحيح.
فالله عز وجل يقول:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾
وأعلى مرتبةٍ وصلها بشر على الإطلاق: هي سدرة المنتهى التي وصلها النبي عليه الصلاة والسلام، قال تعالى:
﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) ﴾
أعلى مقامٍ تصلُ إليه أن تكون عبدًا لله تعالى، وكلّما ضعف إيمان المؤمن ضاقَتْ عنده مفاهيم العبوديّة، وكلّما ارتقى إيمان المؤمن اتّسعت عنده مفاهيم العبوديّة، العبوديّة ليسَت كما نتوهّم؛ حركات وسكناتٍ يؤديها الإنسان وهو غافل، العبودية منهج كامل، للقلب عبادة، وللسان عبادة، وللعين عبادة، وللأذن عبادة، وللفِكر عبادة، وللجسم عبادة، فكلّ عُضو في جسمك له عبادة، في كل وقت له عبادة، وفي كل ظرف له عبادة، وفي كلّ مقام له عبادة، فالعبادة تدور مع الإنسان حيثما دار، حتى في أفراحه وأحزانه، حتى في لهوه مع أهله، حتى في أشد العلاقات خصوصيّة هناك عبادة.
أما المسلمون حينما ضعفوا، مسخوا الإسلام إلى عبادات شعائريّة، مع أنّ كلّ آية في القرآن الكريم تقتضي الوجوب.
ما يمنع أن نقرأ كتاب الله عز وجل, وأن نشير إلى أيّة آية فيها أمر، وإلى أيّ آية فيها نهي بإشارتين؟ لأنّ كلّ أمر في كتاب الله تعالى يقتضي الوجوب، وإنّ كلّ نهيٍ في كتاب الله يقتضي الاجتناب، فأنت كمؤمن عندك بنود كثيرة جدًّا ومتنوّعة جدًّا، وتغطّي كلّ نشاطات حياتك، وكلّ أوقاتك، وكلّ الأماكن التي أنت فيها، وفي الأزمان التي أنت فيها، وفي النشاطات التي أنت فيها، فالعبادة منهج كامل، أما حينما أخذنا منها ما يعجبنا، وتركنا ما لا يعجبنا, صرنا في مؤخّرة الأُمم.
ومن عبادات بعض الجوارح وأوْسَعها نشاطاً في كلّ الأوقات هو الكلام:
(( عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فأصبحتُ يوماً قريبا منه ونحنُ نسيرُ ، فقلتُ : يا رسولَ الله ، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ، ويباعدني من النار ، قال : كُفَّ عليك هذا - وأشار إلى لسأنه - قلتُ : يا نبيَّ الله ، وإنَّا لمؤاخذونَ بما نتكلم به ؟ قال : ثَكِلتْك أمُّك معاذ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ - أو قال : على مَناخِرهم - إِلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ ؟ ))
(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه ))
فقال:
(( عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول : لا يدخل الجنة قَتَّات))
أي نمام، لا قتل، ولا زنا، ولا شرب خمرًا، ولكن تكلّم ،
الحديث :
(( إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ ))
من عبادات اللسان :
1-النطق بالشهادتين :
العبادة هي علّة وُجودنا، وسرّ وُجودنا، وغاية وُجودنا، وأنّ الله عز وجل خلقنا لنعبدهُ ، فإذا عبدناه سعِدنا بقربه، فهو تعالى خلقنا ليُسعدنا.
﴿
فعبادات اللّسان كثيرة, أوّل عبادة للّسان: النّطق بالشهادتين، لو رجعت إلى القرآن الكريم, لوجدتَ أنّ النطق وحدهُ لا يكفي، قال تعالى:
﴿
هذه الكلمة كلمة التوحيد، وهي كلمة الإسلام الأولى، معناها: لا معبود بحقّ إلا الله تعالى، ليس في الأرض جهةٌ تستحقّ العبادة غير الله تعالى, وليس في الأرض جهةٌ تستحق أن تهبها عمرك إلا الله تعالى، وليس في الأرض جهة تستحقّ أن تلتفت إليها إلا الله تعالى، وأن تخلص لها إلا الله, وأن تقبل عليها إلا الله، وهذا معنى لا إله إلا الله، ولا معطي ولا مانع, ولا معزّ ولا مذلّ, ولا رازق، ولا قابض ولا باسط، ولا رافع ولا خافض إلا الله، فهذه الكلمة هي أوّل كلمة في الإسلام: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
2-تلاوة القرآن :
والعبادة الثانية لهذا اللّسان: هي تلاوة القرآن، والقرآن كتاب الله المنزّل على نبيّه -عليه الصلاة والسلام-، المتعبّد بتلاوته، أنت إذا قرأته وتلوتهُ آناء الليل وأطراف النهار، فأنت في عبادة لأنّه كلام الله عز وجل، تلاوته على نحوٍ صحيح من أجل أن تصِحّ صلاتك.
3-التلفظ بالأذكار الواجبة في الصلاة التي أمر الله بها رسوله :
ثمّ إنّ من عبادات اللّسان: التلفّظ بالأذكار الواجبة في الصلاة التي أمر الله بها رسوله ، فقولنا: الله أكبر، سمع الله لمن حمد، ربنا لك الحمد والشكر والنعمة والرضا، ربّي لك السجود وأنت الرب المعبود، هذه الأذكار التي ذكرها النبي في الصلاة، والتي هي من لوازم الصلاة, هي أيضًا من عبادات اللّسان, كالتسبيح في الركوع والسجود، والاعتدال والتشهّد والتكبير، أذكار الصلاة مع تلاوة القرآن في الصلاة، مع النّطق بالشهادتين، هذه من عبوديات اللّسان والواجبة.
الأحكام الخمس :
على اختلاف بين المذاهب ، عند بعض المذاهب الفرض ثمّ الواجب وبينهما درجة واحدة، فالواجب أقل من الفرض بدرجة، والفرض أعلى بدرجة من الواجب، أما في بقيّة المذاهب فالواجب هو الفرض، فهنا اختصارًا؛ واجب, مستحب, مباح, مكروه, حرام .
فالخمر حرام، وكذا الخنزير، أما الصلاة ففرض، والإقامة سنّة، وأن تأكل فاصولياء فهذا مباح، وإنسان لبس ثيابًا بيضاء أو خضراء أو زرقاء, جلس على كرسي، أو على الأرض، هذا مباح، فالمباح لا أمر فيه ولا نهي، ويستوي فيه الفعل والترك، والمستحبّ يفضّل أن تفعله, والواجب يجب أن تفعله، والمكروه يفضّل ألاّ تفعله، والحرام يجب ألا تفعله، وحياتنا كلّها هكذا؛ واجب مستحب مباح مكروه حرام، ما من شأن أو شيء في الحياة, وما من حركة أو تصرّف أو نطق، إلا وينطبق عليه أحد هذه الأحكام الخمس، المؤمن بعد أن يعرف الله عز وجل, شغلهُ الشاغل، وهمّه الأوّل: أن يتعرّف إلى أمره ونهيِهِ، هذا مباح، وهذا حلال، وهذا حرام، وهذا مكروه، وهذا مستحبّ، فالواجب الذي هو الفرض، للسان أن ينطق بالشهادتين، والفرض أن يتلو القرآن في الصلاة تلاوةً صحيحة تصحّ بها صلاته، والواجب، هذه الأذكار التي ذكرها النبي في الصلاة، كالتكبير والتشهّد، وأذكار الركوع والسجود وما إلى ذلك ....
من واجبات اللسان :
1-رد السلام :
ومن الواجبات على اللّسان: ردّ السلام، ابتداء السلام سنّة مؤكّدة، أما ردّ السلام فهو فرض واجب، قال تعالى:
﴿
فردُّ السلام من واجبات اللّسان.
2-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
ومن واجبات اللّسان: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه هي الفريضة السادسة، بل إنّ هذه الأمّة التي كرّمها الله عز وجل, والتي وصفها بأنّها خير أمّة أُخرجت للناس، هذه الأمّة عِلّة خيريّتها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى:
﴿
لذلك تكاد تكون هذه الفريضة معطّلة في العالم الإسلامي، يسكت، ويجامل, ولا يستنكر ، ولا يعلن ولاءه وبراءته، ولو تُرِكَ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، كان هذا الترْك سبب هلاك هذه الأمّة، والدليل: الله عز وجل أهلك بني إسرائيل, لأنهم كانوا لا يتناهوْنَ عن منكر فعلوه.
انْظر إلى بيوت المسلمين، قد تأتي بنت الأخ بأبهى زينة كانت في الطريق، العمّ يرحّب بها، ويكرّمها، ويستقبلها، ويثني عليها, وعلى أناقتها، ولا يلفتُ نظرها إلى خروجها غير الشرعي, لذلك:
لمّا أراد الله إهلاك قريةٍ, أرسلَ ملائكته لإهلاكها، فإذا فيها رجل صالح، فقال الملك: إنّ رجلاً صالحاً فيها، قال: به فابدؤوا!! لأنه كان لا يتمعّر وجهه إذا رأى منكرًا.
فهذا الذي لا يأمر, ولا ينهى، ولا يستنكر، لا بيده, ولا بلسانه, ولا بقلبه، وكأنّه راضٍ عمّا يفعله الناس, هو شريك هؤلاء الناس في الإثم.
3-تعليم الجاهل :
وتعليم الجاهل: فلو سألك إنسان يجب أن تُجيب، أما إن سئلت عن شيء لا تعلمه يجب ألاّ تجيب.
رجل كان في سفر مع أصحاب رسول الله، وقد أصابته الجنابة, فسأل أحدهم, فأفتى له أن يغتسل, فاغتسل فمات -فلمّا بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك غضب من فتواهم, لأنّه كان يكفيه أن يتيمّم، فلمّا أشار عليه أن يغتسل اغتسل والتهب جرحه ومات- فقال عليه الصلاة والسلام غاضبًا أشدّ الغضب: قتلوه قاتلهم.
فإن كنت تعلم فتكلّم, وإلا فاسكت, وعبادتك أن تصمت ، قال تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ
من هم أهل الذِّكْر؟ هم أهل الوحي؛ أي القرآن، فالدّين هو الوحي والقرآن، والبشر على سطح الأرض، ورحمة الله تقتضي أن ينبّههم، وأن يرشدهم، وأن يعرّفهم، ويهديهم سواء السّبيل، فأنزل على نبيّه القرآن الكريم، وأمره أن يبيّن هذا القرآن الكريم، وهذا هو الدِّين كلّه ؛ قرآنٌ منزّل، وسنّة مبيِّنة، من هم أهل الذّكر؟ هم الذين يعرفون كلام الله وكلام نبيّه، قال تعالى:
4-وألا تقول على الله ما لا تعلم :
فمن واجبات اللّسان: ألا تقول على الله ما لا تعلم، لأنّ هذا من أعظم المعاصي.
وربّنا عز وجل ذكر المعاصي ورتّبها ترتيبًا تصاعديًا، فذكر الإثم والعدوان, والفحشاء والمنكر، وذكر الشّرك والكفر، وجعل على رأس هذه المعاصي: أن تقولوا على الله ما لا تعلمون.
الإمام الغزالي يقول:
ففي العقيدة لا يوجد تقليد، لو أنّ الله قبِلَ من عباده عقيدةً تقليدًا، لكانتْ كلّ الفرق الضالة على حقّ، ما ذنبُ أتباعها؟ ما فعلوا شيئًا، لقّنوا عقيدة فقبلوها، في العقيدة لا تقبل إلا تحقيقًا، ولا تقبل تلقينًا، ولعلّ المستند في ذلك قوله تعالى:
قصص فيها حكم :
حدّثني أخٌ فقال لي: يعود الفضل في توبتي إلى سائق تاكسي، كنتُ أشربُ الخمر، اشتريتُ زجاجات، ركبتُ سيارةً في أيّام الصيف، وكان هناك ازدحام شديد، فلمّا لمحَ السائق الخمرة في يدي، أوقفَ السيارة، وطردني من سيارته، وبقيتُ ساعةً عندها تبتُ إلى الله عز وجل.
سمعتُ قصّة لطيفة: سائق تاكسي على خط بيروت، جاءه شابّ وشابّة يركبان معه إلى دمشق، ثمّ سألاه أن ينتظر قليلاً لأنّ شخصًا سيأتي بحقيبة، فانتظر السائق فترةً طالتْ، بدأ يتبرّم، فجاء رجل في الثمانين أو السبعين، يحملُ على رأسه حقيبة، فأخذها الشاب منه، ووكزه على صدره، وقال له: لماذا تأخّرت؟ السائق لم ينتبه، وبعد عدة كيلو مترات من المسير, تقول الزوجة لزوجها: لماذا ضربْت أباك؟ فوقف السائق! وقال له: هل هذا أبوك؟ فقال: نعم، فقال السائق: انْزل من هنا, هذا هو الأمر بالمعروف، فإذا تكلّمت بكلمة غلط وردّ عليك كلّ الناس ، حينها لا تتكلم أو تعمل عمل غلط.
قال لي شخص: سائق باص متفلّت جدًّا, كان يسمع أُغنية ساقطة، وقفَت امرأة محجّبة ، وقالت لهذا السائق, وكان هناك في الباص خمسون رجلاً: هذا الشريط اسمعه في بيتك، أما هذه السيارة فليسَتْ ملكك، ولكن هي ملك هؤلاء الركاب جميعًا، فاستح! .
وآخر يسبّ الدّين وكلّهم ساكتون، ويفعل المنكر والكلّ ساكتون.
لذلك هؤلاء الذين لا يتناهوْن عن منكر فعلوه يستحقّون غضب الله عز وجل، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب, وعدم الأخذ به سبب هلاكهم، ويتجملون بكلام لا أصل له، يقول لك: امش بجنازة ولا تمش بزواج, أعظمُ شفاعةٍ بين اثنين هي شفاعة النكاح، لذلك صار عندنا عادات وتقاليد لا علاقة لها بالدّين إطلاقًا.
5-إرشاد الضال وأداء الشهادة المتعينة وصدق الحديث :
وإرشاد الضالّ من واجبات اللّسان، وأداء الشهادة، فلو كنت راكبًا سيارة، والسائق يمشي من اليمين بسرعة نظاميّة, وطفل قفز أمامه ومات، وأنت الشاهد الوحيد, والله إن لم تذهب مع هذا السائق إلى المحكمة، وتعطّل عملك يومًا أو يومين, وتنقذ هذا السائق من عقاب شديد جدًّا، أو من تكليف لا يحتمله, فأنت لسْتَ مؤمنًا، لا تقل: سوف أعطّل عملي يومين:
عدلُ ساعة أفضل من عبادة ثمانين عامًا.
لذلك قالوا: أنّ حجرًا ضجّ بالشكوى إلى الله عز وجل، قال: يا ربّ, عبدتك خمسين عامًا وتضعني في أسّ كنيف؟ فقال الله له: تأدَّب يا حجر إذ لم أجعلك في مجلس قاضٍ ظالم.
والقصّة هنا رمزيّة، فأن يكون الحجر في أس كنيف خير من ذاك المجلس, فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضالّ, وأداء الشهادة المتعيّنة، وصدق الحديث، هذه كلّها واجبات.
من المستحبات :
أما المستحبات: فتِلاوة القرآن، فالواجب فيــه تلاوته في الصلاة المفروضة تلاوةً صحيحة، أما المستحبّ أن تتلو القرآن الكريم، وتداوم على ذكر الله تعالى, لقول الله عز وجل :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41)﴾
والمذاكرة في العلم النافع, وتوابع ذلك: ذِكر الله عز وجل بأوسع معاني هذه الكلمة، بدءاً من الدّعاء, والاستغفار, وأذكار النبي -عليه الصلاة والسلام-, والدعوة إليه، وسماع العلم, وتلاوة القرآن، وكلّ هذا متّصل بالذّكر.
(( عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا أعداءكم فتضربوا أعناقهم؟ قالوا: بلى, قال: ذكر الله ))
من المحرمات على اللسان :
1-النطق بكل ما يبغضه الله ورسوله :
أما ما هو محرّم على اللّسان، قال: النّطق بكلّ ما يبغضه الله ورسوله.
فالغيبة تغضب الله، وكذا النميمة, والمحاكاة، والتحريش بين المؤمنين، والسّخرية، والإفك، وكلّ كلامٍ يغضب الله تعالى كالفحش، وتتبّع العورات، ثمّ النطق بالبدع المخالفة لما بعث الله به رسوله، كأن يكون لا أصل له في الكتاب أو السنّة، نروِّجُهُ ونذكرهُ ونبتدعهُ، والدّعاء إلى هذا الشيء المبتدع، والدّعوة إليه هذا محرّم، وكذا تحسينه وتقويته، فلانٌ يدّعي أنّه يعلم الغيب، يقرأ الكف والفنجان، ويمسك بأبراج السماء، هذا كلّه محرّم، فالحديث عنه والدعوة إليه، وترويجه, وتحسينه حرام.
(( عن عبد الله بن مسعود قال: من أتى كاهنا أو ساحرا فصدقه بما يقول, فقد كفر بما أنزل على محمد ))
2-النطق بالبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان :
فمن المحرمات: النطق بالبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، كأن يقول: فلان يفكّ السّحر, وفلان يوفّق بين الزوجين، وهذا الشيخ مثلاً يجلب الرّزق، هذا كلّه باطل، قال تعالى:
﴿
فإذا كان عليه الصلاة والسلام لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرًا، فمن نكون نحن؟ وماذا نملك من قدرات حتى ندعي ما ليس نملكه؟.
والقذف أن تتّهم امرأة بالزنا وهي ليسَت كذلك.
هناك شكل من أشكال القذف كأن يُذكر اسم امرأة ولا يتكلّم كلمة، هو من باب القذف، وأحياناً حركات بالوجه أو الحواجب تمطّي، يقول: فلان صاحب دين! وهو يمثّل بفكّه شيئًا! هذا قذف.
وقد ورد في الأثر:
وهذا من معاصي اللّسان الكبيرة، وكذا سبّ المسلم، يقول لك: هذا لص, هل أنت متأكّد؟
كلّكم يعلم: أنّه من قذف امرأة يجلد ثمانين جلدة، وكذلك الحكم نفسه إذا قذف رجلاً، إذا قال عن إنسان زانٍ يجلد ثمانين جلدة.
امرأة كانت تغسّل ميّتةً، فإذا بيدها تلتصق بجلد هذه الميّتة، وبعد محاولات يائسة لم تستطع نزْع يدها من جلدها، فقالوا: ما الحل؟ أنقطع جزءاً من جلد الميّتة أم نقطع يد هذه المغسّلة؟
يروى أنّ هذه القصّة وقعت في عهد الإمام مالك إمام دار الهجرة، فقال الإمام مالك: لعلّ هذه المغسّلة اتَّهَمتها بالزنا، اجلدوها ثمانين جلدة، وبعد هذا الجلد فُكَّت يدها, والمقذوفة ميّتة.
فقذْف محصنة من الكبائر، وسبّ المسلم من الكبائر، وإيذاء المسلم بالقول، كالسباب الفاحش، وكذا الكذب، والمؤمن لا يكذب.
أخرج ابن عدي والبيهقي, عن سعد بن أبي وقاص, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
(( يطبع المؤمن على كل شيء إلا الخيانة والكذب ))
حدّثني أحدهم أنه ارتكب مخالفة, واحتاج لشاهد يشهد أنّ هذه المخالفة لم تقع، فيعفى من الحكم، والحكم سجن شهرين، بحث عن شاهد, فطلب منه خمسة آلاف، قال له: لأنّني لم أرَ ما فعلت، وأريد ثمن شهادة الزور، فلمّا دخل إلى المحكمة، فوجد المصحف، فقال له: أريد عشرة آلاف الآن، لأنّ هناك يمين!.
فشهادة الزور من المحرّمات, وكذا الكذب، وإيذاء المسلم بالقول، وسبّه، وقذف المرأة المحصنة، والحديث عن البدع, والدعوة إليها, وترويجها، وتحبيبها للناس، والقول على الله بما لا تعلم، تقول: الله خلق الإنسان كافرًا، وسوف يضعه في النار إلى أبد الآبدين, كيف يفسّر قوله تعالى:
﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
هذه دعوة أساسها الجهل، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا
هناك دعوة إلى الجبريّة، وهي أنّ الإنسان مجبور على كلّ أعماله، الله عز وجل لا يجبر أحداً على معصية، ولا يكتب شيئًا على إنسان، فالجاهل يصوّر الله عز وجل على أنّه خلق الكافر كافرًا، وقدّر عليه الكفر، وقدّر عليه المعاصي والآثام، ثمّ يضعه في النار إلى أبد الآبدين، ويفعل ما يريد، وهذا من أشد المحرّمات في اللّسان، وهي أن يقول على الله ما لا يعلم، وهو أشدّها تحريماً.
من المكروهات :
ومكروه التكلّم ما تركه خير.
مثلاً يقول: كم يعطونك بالشهر؟ دعهُ فإنّه راضٍ، يقول له: قليل: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. لماذا طلّقها؟ وما السبب؟ سؤال ثمّ سؤال ثمّ سؤال، أين تسكن؟ وهل هو أجرة أو ملك؟ وهل العقد سياحي؟. من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس.
الخاتمة :
هناك كلام على خلاف بين العلماء يستوي فيه الكلام وعدمه، وهو الكلام الذي لم يتعلّق به طاعة أو معصية، كأن تقول: هذا اللّون مناسب لهذا البيت، إن قلت مناسب لا تؤجر ، وإن قلت غير مناسب لا تؤثم، كلامٌ لا يتعلّق به طاعة ولا معصية, فهذه عبادات اللسان.
ويجب أن نعلم أن كلّ عضو وجارحة في الإنسان له عبادة، والمؤمن الصادق يسأل نفسه دائمًا: ما حكم الشرع في هذا؟ والمؤمن بعد معرفته بالله، لا همّ له إلا أن يطيعه، والطاعة تحتاج إلى معرفة الأمر والنهي، فلذلك معرفة منهج الله عز وجل وأمره ونهيه جزءٌ أساسيّ من الدّين.
و الحمد لله رب العالمين