- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (035)سورة فاطر
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
ظاهرة الرياح والسحاب والمطر:
أيها الإخوة الأكارم؛ مع الدرس الرابع من سورة فاطر.
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
أيها الإخوة الأكارم؛ ظاهرة السحاب، وظاهرة المطر، وظاهرة الرياح، وظاهرة إحياء الأرض بعد موتها، وظاهرة النبات، هذه كلها أشياء مشاهدة مِن قِبل جميع الناس، لكن الإيمان لا في مشاهدتها، فكل الناس يرونها، وكل الناس يلاحظونها، وكل الناس يؤمنون أن حياتهم متعلقة عليها، ولكن المؤمن يرى أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً، كأن العقل البشري يصل إلى أن هذا النظام المُعجِز لابد له من خالق، لابد له من مصمم، لابد من عقل أول، لابد من خالق عظيم، لابد من رب كريم، لابد من مُسيّر حكيم، يأتي الجواب في القرآن لهذا الإنسان، الله الذي فعل هذا، كذا وكذا.
يا أيها الإنسان هذا الذي تراه، هذا الذي تعاينه، هذا الذي تتوقف حياتك عليه أنا أفعله
﴿
﴿
كلمة الله الذي فعل كذا وكذا، أي هذه الظاهرة التي تراها رأي العين، هذه الآية التي يعرفها جميع الناس، لكن المؤمن يرى أن يد الله هي التي تحركها، المؤمن يرى أن الله هو الذي يفعل، أن الله هو الذي تفضل، أن الله هو الذي سيّر، أن الله هو الذي قدر، فهذا معنى قول الله عز وجل:
الآيات الكونية من أجل معرفة الله:
﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ
الكون بوضعه الراهن معجزة:
لو أنّنا رسمنا طريقاً وحيداً للطب، فأي طريق آخر لن يوصل المرءَ ليكون طبيباً، فلو قرأ طالب المجلات الطبية كلها فلن يكون طبيباً، شاءت حكمة الله أن يجعل من خلقه دليلاً عليه، شاءت حكمة الله أن يجعل الكون مظهراً لأسمائه، فإذا أردت أن تعرفه فكما جاء في الأثر:
كروية الأرض وأثر ذلك على المخلوقات:
أولاً: هذه الأرض التي نحن عليها شاءت حكمة الله أن تكون كرة، وللشكل الكروي ميزات كثيرة، الخطوط على هذا الشكل لا تنتهي، قال تعالى:
﴿
الخط على جسم الكرة مستمر، تذهب من حيث أتيت، تدور، فشاءت حكمة الله أن تكون أرضنا كرة، وشاءت حكمة الله أن تكون بهذا الحجم، فلو كانت أكبر من هذا الحجم لأصبح وزن الإنسان عليها ثقيلاً جداً، ولو كانت أصغر من هذا الحجم لاستحالت الحركة عليها، إذاً: شاءت حكمة الله أن تكون أرضنا كرة، ذات شكل كروي لميزات كثيرة قدرها الله عز وجل، التكوير يحتاج إلى شكل كروي.
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ
لو كانت الأرض مكعباً يأتي النهار فجأة، والليل يأتي فجأة، لكن هذا اللغز:
إذاً شاءت حكمة الله أن تكون أرضنا كرة، وأن يكون حجمها مناسباً، وشاءت حكمة الله أن تكون الأرض فيها قسم يابس، أرض صلبة، وفيها قسم مائع، سائل، إذاً هناك بحار، وهناك يابسة، هناك خمس قارات، وهناك بحار، لكن هناك حكمة رابعة هي أن نسبة البحار إلى نسبة اليابسة نسبة محكمة، لو كانت المسطحات المائية أقل مما هي عليه لأصبحت الأرض قاحلة جرداء، هذه المسطحات المائية الواسعة التي تزيد عن أربعة أخماس الأرض، هي التي تسبب الحياة على الخمس الأخير، إذاً: كرة بحجم معين، وبقِوام معين، وبتوزيع بين الماء وبين اليابسة معين.
هناك شيءٌ خامس، تداخُل اليابسة مع المحيطات أيضاً فيها حكمة بالغة، كل المنخفضات – يقول لك- متمركزة فوق قبرص، أي هذه الجزيرة تؤدي أهدافاً كبيرة جداً في طبيعة الطقس، والمناخ، والأمطار، والرياح، هذه الجزر، هناك جزر في شمال إنكلترا، هناك جزر في بعض المحيطات، جزر شرقي إفريقية، جزر في المتوسط، هذه لها وظيفة كبيرة، إذاً فضلاً عن وجود اليابسة والماء، وعن نسبة الماء إلى اليابسة، تَوزُّعُ اليابسة مع الماء تَوَزُّعاً حكيماً هكذا، كيف تعرف الله عز وجل؟ من خلال التدقيق في آياته.
الغلاف الغازي:
شيء آخر؛ اللهَ عز وجل جعل للأرض غلافاً غازياً - هواء - هذا الهواء له ميزات كثيرة، أولاً: الهواء وسيط، وسيط لنقل الحرارة، وسيط لنقل البرودة، وسيط لنقل الصوت، ومع ذلك لا يشكل الهواء حاجزاً يمنع الرؤية، الهواء لطيف، وقد يتجلى اسم اللطيف في الهواء، شيءٌ موجود بيننا، وبين كل شخصين، لولا الهواء لما نُقِلَ صوتي إليكم.
إنَّ رواد الفضاء وهم على سطح القمر كانوا بحاجة إلى جهاز لاسلكي ليستمع بعضهم إلى بعض، وهم إلى جنب بعضهم بعضاً، لا يوجد هواء إذاً لا يوجد صوت، إذاً نعمة الله عز وجل أن زود هذه الأرض بغلاف هوائي، هذا الغلاف الهوائي لو كان ثابتاً والأرض تدور لدمر كل ما على سطح الأرض، لأن سرعة الأرض حول نفسها تزيد على 1650كم في الساعة، ونحن نعرف أنّ أشد أنواع الأعاصير تدميراً للمدن بأكملها سرعتها 800 كم في الساعة، طبعاً سرعة 800 كم للرياح تدمر كل شيء بإذن ربها، فغلاف محيط بالأرض لكنه متحرك معها، هذا من نعمة الله عز وجل.
دوران الأرض:
الأرض تدور لو أنها كانت لا تدور لانعدمت الحياة مِن عليها، بكل بساطة، لأن الأرض كرة، سطح من سطوحها يقابل الشمس، والشمس مسلطة عليها آلاف السنين، بل آلاف ملايين السنين، لابد من أن ترتفع حرارتها إلى درجة مستحيلة، العلماء قدروها بـ 350 فوق الصفر، ولابد من أن تنخفض الحرارة في الطرف المقابل إلى 270 تحت الصفر، الصفر المطلق، تنتهي الحياة، إذاً شاءت حكمة الله أن تكون أرضنا كرة، وأن تكون بحجم معين، وأن تكون بقِوام معين، وأن يُوَزع فيها الماء واليابسة توزيعاً حكيماً، وأن تتداخل اليابسة مع الماء تداخلاً حكيماً، وأن تغلف بغلاف غازي هو الهواء، وكل صفات اللطف في الهواء، وفوق كل ذلك شاءت حكمة الله عز وجل أن تدور الأرض.
يا أيها الإخوة الأكارم؛ هذه أشياء بديهية، من مستوى الثانوي، الأرض تدور، لو أنها دارت على محورٍ موازي لمستوي دورانِها حول الشمس، الشمس هكذا، وهي تدور حول الشمس، هذا مستوي دورانها حول الشمس، لو أن الأرض تدور هكذا، حول محور يوازي مستوي دورانها حول الشمس، ما الذي يحصل؟ كأنها واقفة، هذه الدورة هكذا تجعل نصف سطحها مقابلاً للشمس، ونصفه الآخر بارداً، عديم الدفء والضوء، إذاً لو لم يكن هناك إله حكيم لدارت هكذا الأرض، ممكن أن تدور هكذا، لو أنها هكذا المحور عمودي على مستوي الدوران دارت هكذا، الشمس جاءت موازية لكل سطح الأرض انعدمت الفصول، ولما كان هناك فصول، لا يوجد صيفٌ، ولا شتاء، ولا ربيع، ولا خريف، لو كان المحور أفقياً لا نستفيد شيئاً، ولانتهت الحياة، لو كان المحور عمودياً تماماً لانعدمت الفصول، انعدم النبات، مَن الذي صمّم أن يكون محور الأرض مائلاً هكذا والشمس من هنا؟ الكرة مائلة وتدور هكذا، إذاً: أشعة الشمس تأتي إلى هنا عمودية، فيكون الصيف، وتأتي إلى هنا مائلة فيكون الشتاء، فإذا دارت الأرض دورة حول الشمس انعكست الآية فصارت أشعة الشمس عمودية هنا فيكون الصيف، ومائلة هنا فيكون الشتاء، تصميم مَنْ هذا؟ لذلك لي صديق ركب طائرة من شمال أمريكا إلى البرازيل رأى العجب العجاب، في شمال أمريكا، أو في أمريكا الشمالية حيث الصيف الحار، والناس على شواطئ البحار، ويرتدون الثياب الخفيفة، فلما طارت به الطائرة إلى جنوب الكرة الأرضية رأى العواصف والأعاصير والثلوج، في يوم واحد، شمال الأرض صيف، وجنوبها شتاء، وبالعكس، تصميم مَن؟ خلق مَن؟ ترتيب مَن؟ تنظيم مَن؟ الله سبحانه وتعالى، فإذا أردت أن تعرفه فهذا هو الكون يدلك عليه.
الليل والنهار:
الآن الليل والنهار الله عز وجل قال:
﴿
﴿
الليل يأتي بعد النهار، لأن الأرض تدور هكذا، والشمس من هنا فيكون النهار، الآن هذه الدورة لو أن الأرض دارت دورة كل مئة ساعة ممكن، لصار النهار خمسين ساعة، وأنت لك طاقة محددة، في أثناء النهار تنام، وتستيقظ، تنام والنهار قائم، يأتي الليل خمسين ساعة فتنام وتستيقظ، وتنام والليل قائم، من جعل سرعة دورة الأرض حول نفسها سرعة متناسبة مع طاقة الإنسان؟ الإنسان يعمل ثماني ساعات يأكل ويرتاح ساعتين أو ثلاثاً، يأتي الليل يسكن فيه، ينام ثماني ساعات، يصلي الفجر، يستيقظ تشرق الشمس، هذا التناسب بين قدرة الإنسان وطاقته ودورة الأرض حول نفسها.
هناك كواكب سيارة تدور دورة كل خمسين عاماً، تدور دورة في ساعتين، يوجد تنوع شديد جداً في الكواكب التابعة للمجوعة الشمسية، أما الأرض فتدور حول نفسها دورة كل 24 ساعة، مَن صمم ذلك؟ الله رب العالمين.
كيف تتحرك الرياح؟
هناك شيء آخر؛ طبعاً كل هذا مقدمة لهذه الآية:
أنا مرة في حج قبل الماضي حينما أقلعت الطائرة بنا من جُدة شعرت أن إقلاعها في زاوية صغيرة جداً، في دمشق أقلعت على نحوٍ ما، في جدة على نحوٍ آخر، سألت أحد الطيارين فقال لي: إِن الهواء ساخن هناك مخلخل، لا يحمل الطائرة، تحتاج الطائرة إلى مسافة طويلة جداً كي تقلع، وكي تصعد في الهواء، أما في دمشق فالحرارة أدنى من جدة، فالهواء إذا كان ساخناً يتمدد فيتخلخل فيقلّ ضغطه، فيقول لك: ضغط منخفض، مُنخفض جوي، وإذا برد الهواء، ويتكاثف يزداد ضغطه، ويثقل وزنه، فحينما تكون في الأرض منطقة باردة، هواؤها ثقيل، مضغوط، ومنطقة حارة هواؤها خفيف وممدد ينشأ اختلاف في الضغط، ودائماً الشيء المضغوط يهرب إلى المنطقة ذات الضغط الأقلّ، من هنا تنشأ الرياح، عندنا رياح تأتي من القطب الشمالي إلى خط الاستواء، ورياح تأتي من المناطق الحارة الساحلية إلى المناطق الباردة الداخلية، هذا هو سرّ تشكل الرياح على سطح الأرض، فمن صمم هذا؟ من جعل الهواء يتمدد؟ من جعل البرودة تجعل الهواء ينكمش؟ الله جلّ وعلا.
إذاً: هل تعرف أيها الإنسان من صمم شكل الأرض؟ ومن صمم حجمها؟ ومن صمم سطحها؟ ومن وزع الماء فيها؟ ومن وزع القارات؟ ومن وزع الجزر؟ ومن جعلها متداخلة؟ ومن صمم الهواء فوقها؟ ومن صمم دورانها على محور مائل؟ ومن صمم الليل والنهار؟ وصمم الصيف والشتاء والربيع والخريف؟ من صمم كل هذا؟ مَن جعلها بسرعة مناسبة لطاقة الإنسان؟ الله رب العالمين، فلذلك:
التبخُّر:
كذلك هناك شيء آخر، هذا الماء سائل، في الدرجة الاعتيادية يكون سائلاً، إذا بردته في الثلاجة يصبح صلباً، من صمم العناصر لها درجة تَجَمُّد، درجة انصهارٍ، درجة تبخرٍ؟ كل ما على الأرض بدرجة تكون صلبة، وبدرجة تكون سائلة، وبدرجة تكون غازية، يمكن أن يُصْهَر الحجر البازلتي، يمكن أن يُجَمّد الهواء بكتل، الهواء غازي، عندك هواء سائل، مع التبريد والضغط، وعندك هواء جامد، قاعدة عامة، تصميم ربنا عز وجل أن الماء حينما يسخن يتبخر، أشعة الشمس مسلطة على مساحات واسعة جداً في الأرض، إذاً: يحدث ما يسمى بالتبخر.
ما هو التبخر؟ التبخر هي علاقة حكيمة صممها الله عز وجل بين الماء والهواء، فالماء إذا تبخر تداخل في الهواء، يقولون لك: هواء مشبع ببخار الماء، وأنت ائتِ بإبريق شاي في الشتاء، ضعه على المدفأة، ثم أوقد هذه المدفأة، بعد ساعتين أو ثلاثاً يَفْرغ ماؤه، أين أصبح ماؤه؟ في جو الغرفة، لو عندك جهاز رطوبة لرأيت أن الرطوبة ترتفع عندك من 35 إلى 40، وفي الساحل الرطوبة 90 درجة، في الداخل 30، في الغابات 60 أو 65، من صمم أن الماء إذا تبخر حمله الهواء؟ يوجد قانون رائع جداً، أن هذا الهواء عند كل درجة من درجات الحرارة يحمل كمية ماء معينة، مثلاً هواء في درجة فرضاً 50 يستوعب 20 غراماً بخار ماءٍ، لو هبطت درجته إلى 30 يتخلى عن قسم من الماء، وهذا هو سرّ تشكل الأمطار، المنطقة الحارة يكون الهواء مشبعاً ببخار الماء، الله عز وجل يسوقه عن طريق الرياح الشديدة، يدفعه إلى منطقة باردة، في هذه المنطقة الباردة يتخلى الهواء عن ذرات الماء التي احتجزها، ومن جعل بخار الماء يختلط مع الهواء ويبدو شفافاً وفي حالات يبدو سحباً؟ السحب حالة وسط بين الهواء المشبع ببخار الماء وبين الأمطار، قطرات المياه، إذاً: الله عز وجل هو:
فكِّر فيمن أحيا الأرض بعد موتها:
إذاً:
النبات معجزة من معجزات الخالق:
أيضاً النبات، مَن الذي يدرك أن هذا الماء وظيفته أن يَحُلَّ معادن التربة؟ التربة فيها معادن، فيها كالسيوم، فيها مغنزيوم، فيها فوسفات، فيها آزوت، فيها قصدير، كل الأسمدة عبارة عن معادن وأشباه معادن، يأتي الماء فيحل هذه المعادن، تأتي هذه الشعريات المتوضعة على أدق الجذور، هذا الجذر الضعيف في رأسه قلنسوة تُفرز مادة تذيب الصخر، في بعض الجبال الحراجية ترى الجذور بين الصخور، قد تعجب، يا رب هذا الجذر الضعيف الرقيق، النبات اللين الغض، كيف يدخل بين الصخر؟ لأن الله عز وجل زوده برأس ليس رأسَ ألماس، لا ، رأس هلامي لكن فيه مادة تذيب الصخر، وقد يمتد جذر الشجرة إلى 30 متراً تحت الأرض، بحثاً عن الماء، فالجذر يمشي، وعلى رأس هذا الجذر أشعار ماصة، هنا العظمة، شجرة فستق، شجرة لوز، إِجاص، تَمْر فرضاً، مشمش، تفاح، عنب، تسقى بماء واحد.
﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ
كل فاكهة لها طعم، ولها قوام، ولها قشرة معينة، ولها شكل معين، ولها صفات معينة، وتسقى بماء واحد، العظمة أن هذا الجذر الذي لا يعقل، يختار من التربة ما يناسب نوع الثمرة التي سوف يحملها شجره، التفاح فيه حديد، الملفوف فيها فسفور، هذه فيها مواد معينة، أكثر النباتات فيها معادن، معادن طبعاً مُنحلة، حسناً من الذي أنبأ هذا الجذر أن يأخذ البوتاس؟ خذ الكالسيوم، خذ المنغنيز، خذ الفوسفات، خذ الآزوت، من قال له ذلك؟ أيعقل أن يكون هذا الجذر عاقلاً أم أن الله عز وجل هو الذي سيّر ذلك؟ كل شجرة تأخذ حاجتها من التربة، من المعادن المنحلة في الماء، هذا السائل الذي حلت فيه بعض المعادن يصعد بأوعية، الأوعية مدعمَّة بألياف حلزونية لئلا يكون نمو الشجرة عرضاً، دافعاً لها لتضيق لمعتها، تجد النسغ الصاعد أنابيب مدعمة بألياف حلزونية لئلا تضيق لمعتها عند نمو النبات، تصميم مَن هذا؟ يصعد هذا السائل إلى الورقة، والورقة وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، قرأتُ كتاباً في النبات فأدهشتني مقدمة كتبت في رأس هذا الموضوع، قال: إن أعظم معمل صنعه الإنسان اليوم لا يرقى إلى مستوى الورقة، ما هذه الورقة؟ معمل قائم بذاته، تأخذ الطاقة من الشمس، الفوتونات، وفيها اليخضور، وفيها شلات الحديد، وتأخذ هذا السائل وتصنع منه نُسغاً نازلاً، هذا النسغ سائل وحده يصنع الأوراق الجديدة، والأغصان الجديدة، والبراعم الجديدة، والثمار الجديدة:
﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ
﴿ إِنَّ رَبَّكَ
تارة يصبح ثمرةً، وتارة يصبح غصناً، وتارة يصبح برعماً، أو جذراً، أو قشرةً، أو لحاءً، ما هذا الإعجاز في الخلق؟
أيها الإخوة الأكارم؛ أقرب شيء لنا جسمنا والنبات، أنا أقول لكم: وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ فينا آيات لو أمضيت كل حياتك، ووقفت عند دقائق جسمك لا تنتهي الآيات، وبإمكانك أن تعرف الله من خلال خلقك، وبإمكانك أن تعرف الله من ظاهرة النبات وحدها. لذلك هذه الآية دقيقة جداً، ربنا عز وجل حينما يذكر في القرآن بعض الآيات الكونية إنما يذكرها لتكون منطلقاً لنا في تفكيرنا، أي هذه عناوين موضوعات، ما عليك إلا تأخذها، وأن تتابع التفكير فيها.
إثبات البعث: كَذَلِكَ النُّشُورُ:
عين الجهل من يتوهم أنه إذا آمن بالله واصطلح معه ضاعت مكانته أو ذهب وقاره:
هنا نقطة دقيقة جداً، وهذه النقطة تبين علاقة الآيتين بعضهما ببعض، الإنسان أحياناً يحصّل مركزاً معيناً، أو دخلاً معيناً، أو تجارة معينة، أو شأناً معيناً، أو مكانة معينة، ربما خاف على هذه المكانة، وهذا المركز فرفض الحق حفاظاً على مركزه، هناك عوامل كثيرة، أشخاص كثيرون يرفضون الدين، لا كراهية في الدين، ولا لأنهم لم يقتنعوا به، هم مقتنعون به، ولكن يتوهمون لضعف إيمانهم أنهم إذا تدينوا، أو إذا آمنوا، أو إذا صلوا، أو إذا تابوا، أو إذا انضبطوا يخسرون مكانتهم، أو مناصبهم، أو دنياهم العريضة، أو دخلهم الكبير، أو مكانتهم في الأرض، فهذا الوهم الخطير، ربنا عز وجل بدده في هذه الآية، قال:
الإنسان أيها الإخوة كما تعلمون له حاجات أساسية. أول حاجة من حاجاته: وجوده، لذلك هو يبحث عن طعامه، والنفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت، الإنسان قبل كل شيء فم مفتوح يريد أن يأكل، فهذه هي الحاجة الأولى.
الحاجة الثانية: الإنسان بحاجة إلى أن يبقى نوعه، من أجل بقاء جسمه يحتاج إلى الطعام والشراب، ومن أجل بقاء نوعه يحتاج إلى الزواج، فشهوة البطن، أو الحاجة إلى الطعام، هي رقم واحد، ثانياً: الزواج، أكل وتزوج، عنده حاجة السعادة، أن يكون إنساناً مهماً له شأن، تصور أحياناً الشريك، يكون أحد الشركاء أقوى من الثاني، فالقوي يُذِل الضعيف، أحياناً الإنسان يُحِس أن كرامته قد جرحت فينسحب من كل هذه الشركة، لا يتحمل.
أريد أن أقول: إن الإنسان عنده حاجة للطعام والشراب، وعنده حاجة للزواج، وعنده حاجة إلى العزة، إلى أن يشعر بعزته، أن يشعر بكرامته، أن يشعر بقيمته، أن يشعر بشأنه، أن ينتزع إعجاب الناس، هذه حاجة إما أن توظف في الحق أو في الباطل، إما أن تُحَقق هذه الحاجة عن طريق الالتزام بالحق وخدمة الخلق، وإما أن تُحَقق هذه الحاجة عن طريق إيذاء الخلق، هم يخافونك فيعظمونك، أو تحسن إليهم فيحبونك، فكل شهوة أودعها الله في الإنسان، وكل حاجة أودعها فيه، يمكن أن توظف في الحق أو في الباطل، في الخير وفي الشر، فالإنسان يحب أن يكون ذا شأن، وذا مكانة، وله قيمة، والناس يحبونه، أنت في حاجة أساسية أن يحبك الناس، وإلى أن تُحِب الناس، فإذا توهمت أيها الإنسان – هنا الموطن - أنك إذا آمنت بالله، وأعلنت توبتك له، واصطلحت معه، واستقمت على أمره وعملت الصالحات، إذا توهمت أن في هذا ضياعاً لمكانتك، أو تشتيتاً لشأنك، أو ذهاباً لوقارك، فهذا هو عين الجهل، لماذا؟ قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ﴾ هذا الكلام أقوله لكم بصراحة: الذي يحب الشأن، المكانة، الرفعة، الاحترام، أن ينتزع إعجاب الناس، أن يُعَظمه الناس، أن يُبجلوه، أن يحترموه، أن ينادوه بأعظم ألقابه:
العزة لا تُنال إلا من الله:
﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ
لماذا كفروا به؟ حفاظاً على مكانتهم، حفاظاً على زعامتهم، حفاظاً على تجارتهم، حفاظاً على انصراف الناس لهم، ما الذي حصل فيما بعد؟ هل بقيت لهم هذه المكانة؟ هل بقيت لهم هذه العزة؟ ألم يُصرَعوا في معارك بدر وأحد والخندق؟ ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام لهم: يا فلان، يا شيبة بن ربيعة، يا أمية بن خلف، خاطبهم بأسمائهم واحداً واحِداً، هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً، لقد كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، قالوا: أتخاطب قوماً جيّفوا، قال: ما أنتم بأسمع لي منهم، ولكنهم لا يجيبونني. التاريخ بين أيدينا، ما الذي حصل؟ هؤلاء الذين قاوموا الدعوة، وكفروا بها، وكذبوا بها، وسَفَّهوا النبي الكريم وأصحابه حفاظاً على مكانتهم، حفاظاً على وجاهتهم، حفاظاً على تجارتهم، ما الذي حصل؟ خسروا بلدهم وشأنهم.
ألم يقف أبو سفيان في باب عمر بن الخطاب ساعات طويلة فلم يؤذن له؟ وصهيب وبلال يدخلان بلا استئذان، فلما دخل عليه، قال: زعيم قريش يقف في بابك ساعات طويلة ولا تأذن لي؟ قال له: أنت مثلهما؟! أي من أنت أمامهما؟
طاعة الله سبيل العزة:
أقول لكم الآن: إذا توهم الإنسان أنه بمعصية الله قد يرتفع، إذا لم يصلِّ أفضل من أن يصلي، إذا تظاهر أنه ورع يفقد مركزه، لا إذاً يجب أن يتظاهر أنه لا يحب الدين، إذا توهم الإنسان أنه بترك الدين يملك عزة وكرامة فهذا هو عين الجهل، هذا كلام واضح كالشمس:
(( من التمس رِضا اللهِ بسخَطِ الناسِ رضِيَ اللهُ عنه، وأرْضى عنه الناسَ، ومن التَمس رضا الناسِ بسخَطِ اللهِ ، سخِط اللهُ عليه ، وأسخَط عليه الناسَ ))
وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ سمعت مئات القصص تؤكد هذه الحقيقة، نعم مئات القصص،
أتحب أن يحبك الناس؟ أَحِبَّ الله، واستقم على أمره، الله عز وجل يجعل قلوب المؤمنين تهفو إليك، فإذا أردت العزة بمعصية الله نفر الناس منك، واحتقروك، وتحدثوا عنك بالأقاويل، واخترعوا عنك الأكاذيب، وأصبحت سمعتك في الوحل.
لا يملك العزة مخلوقٌ:
هناك شيء ثانٍ: الآن أنت حينما تستقيم على أمره تكون عزيزاً، دخلك كله حلال، معك أدلة، أما إذا كان الدخل حراماً فأنت تفقد شيئاً من عزتك، أي أول ملاحظة، أول تفتيش، تجد أن قلبك هبط، ما دام هناك دخل حرام، هناك كذب، هناك تدليس، هناك تزوير، هناك نفاق، هناك سعر خُلَّبي، هناك سعر حقيقي، هناك محضر ضبط شكلي، مادام هناك لعب، هناك خوف، هناك تذلل، فإذا كشف الإنسان خطأ الآخرين يصيرون عبيداً له، أرجوك يا سيدي، من أين جاء ضَعفُك؟ من أين جاء تذللك؟ من انحرافك، فمن هو العزيز؟ هو الموحد، من هو العزيز؟ المستقيم، لمجرد أن تستقيم فأنت عزيز، لمجرد أن تكون موحداً فأنت عزيزٌ، فالتوحيد يكسب العزة، والاستقامة تكسب العزة.
شيء آخر؛ العمل الصالح يكسب العزة، لمّا الإنسان يخدم الناس بحسب أمر الله عز وجل يخدمهم، يعاونهم، يبذل ما عنده، المؤمن له طبيعة، يسمونها بالتعبير الحديث استراتيجية، أساس حياته العطاء، وليس الأخذ، بينما الكافر أساسه الأخذ، امتصاص دماء الناس، أخذ أموالهم، بالحق أو بالباطل، استهلاك جهودهم، يريد مَن يخدمه، دائماً أهل الدنيا يستهلكون جهود الناس، يستهلكون أموالهم، يعيشون على أنقاضهم، المؤمن عكس ذلك، أساس حياته العطاء، يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، المؤمن إذا صح التعبير مُرَكّبة حياته على العطاء، وما دامت حياته مركَّبة على العطاء فهو محبوب بين الناس، موقر، مبجل، محترم، يا داود ذكّر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حبّ من أحسن إليها، شيء طبيعي، فأنت إذا آمنت بالله، ووحدته فأنت عزيز، وأنت إذا آمنت بالله، ووحدته، واستقمت على أمره فأنت عزيز.
المؤمن المستقيم لا يؤتى من جهة المال والنساء:
إذا كان الشخص غير مستقيم، سافر إلى بلد أجنبي، زلّت قدمه فصوروه، وأخذوا عليه وثيقة، أمسكوا به من خوانقه، أكثر الأشخاص يؤتون من زاوية النساء، ومن المال، المؤمن مستقيم، محصن من جهة النساء بطاعة الله، وغض البصر، وعدم الخلوة، ومحصن من جهة المال بكسبه الحلال، مركزه قوي، لا يضطر لأن يتذلل، هناك كثير من الأساليب القذرة جداً بالدول الأجنبية، إذا ذهب شخص مخلص لوطنه، يريد أن يخدمه، يضعونه في مآزق إذا لم يكن مستقيماً، يصورونه، يعرضون عليه الصور، النسخة الثانية عندهم فتجده انتهى واستسلم، ولا يقدر أن يفعل شيئاً، من أين جاء تذلّله وخنوعه؟ من هذه الصور التي أخذوها عليه، أما المؤمن فلا يسمح لأحد أن يدفعه إلى معصية، استقامته في كسب المال، وفي علاقاته بالنساء سبب عزته، ليس عنده مشكلة، لا يشرب، الذي يشرب حينما يثمل يتكلم بأشكالٍ وألوانٍ، يتكلم بكلام غير معقول، يكشف أسراراً، يحكي سقطات، ويحكي مخازي، ومغامرات قذرة، في ساعة السكر يحكيها كلها، فأين مكانته صارت؟ ضاعت عزته، من أين تأتي العزة؟ تأتي من معرفتك بالله، من التوحيد، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله الغني، وتأتي العزة من طاعة الله عز وجل، ليس عندك مآخذ، ما لأحد عليك من مأخذ، لست أسيراً لواحد له عليك مأخذ، دخلك حلال، عملك شريف، تعمل في رابعة النهار، تعمل تحت ضوء الشمس والقمر، ما عندك شيء مخفي، ليلك كنهارك، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ يَقُولُ:
(( عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ : وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ . ))
انتبه ثم لاحظ؛ يأتي الذل من الشرك، ويأتي الذل من النفاق، ويأتي الذل من الكذب، ومن التدليس، ويأتي الذل من المعصية، من كسب المال الحرام.
ذات مرة سمعت قصة، أن رجلاً زار صديقه، ويبدو أن لصديقه أختاً، حدثت مشكلة، وموقف حرج، يقول: إني بقيت سنتين أو ثلاثاً كلما استعرضت هذا الموقف شعرت أنني صغير، أحياناً الإنسان يحتقر نفسه، احتقاره لنفسه أشدّ من تعذيب الناس له، هناك مواقف مخزية، مواقف قذرة، مواقف دنيئة، فالمؤمن لأنه مستقيم مواقفه كلها مشرفة، ليس عنده مركز ضعف في حياته، ما من أحد يهدده لأنه مستقيم، أما لو كانت له انحرافات، له مداخلات، له أساليب ملتوية مع الناس، دائماً هو عرضة للتهديد، وعرضة لانكشاف أمره، أين عزته وكرامته؟ ذهبت، فلذلك عين الكرامة الاستقامة، لماذا قال الله عز وجل:
أنا أعطي تحليلاً دقيقاً، حينما تؤمن فأنت عزيز، وَحَّدْت، لا تخاف في الله لومة لائم، لا تنافق، لا تكذب، لا تدلس، لا تتملق، لا تخنع، لا تخضع، لما استقمت فما عليك مأخذ، رافع الرأس دائماً، يمكن أن تحمل حاجتك بيدك، فلا تأتي العزة بمركبة، ولكن تأتي العزة من شرف، من استقامة، قد تكون فقيراً وتحمل الحاجة بيدك، وأنت رافعٌ رأسك، وقد تكون في أعلى درجات الغنى، لكن الدخل مشبوه، فأنت ذليل.
إذاً: الإيمان بالله، والاستقامة على أمره، والعمل الصالح، والاتصال بالله عز وجل، تُكسب الإنسان عزة:
إياكم والعزة الموهومة:
قد يُردّ الإنسان إلى أرذل العمر.
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ
أحياناً يبني عزة موهومة في شبابه على الباطل فربنا يُدَّفِعُه الثمن باهظاً، قد يُذله أقرب الناس إليه، قد تُذله زوجته، لو فرضنا واحداً أصيب بفالج، أول أسبوع العناية فائقة، الأسبوع الثاني العناية أقل درجة، بعد شهر، بعد شهرين، بعد سنة تتدنى العناية، بقي ثماني سنوات طريح الفراش ينظفونه، ثم صاروا يسمعونه كلمات قاسية، الله يخلصنا منك، يسمعونه هذه الكلمات، الله يخفف عنك يقولون له، أقرب الناس له، الذي تزوج هذه الزوجة، أخذ لها هذا البيت، هكذا تقول له، فلما يبني الإنسان عزته على الباطل، يدفع الثمن باهظاً، أما الإنسان الذي بنى شبابه في طاعة الله فيكون خريف عمره متألقاً دائماً، يزداد عزة وشأناً وكرامة.
العمل الصالح يرفع الإنسان:
﴿
تكلم ما شئت، تفلسف ما شئت، مهما كان الكلام طيباً ومنمقاً وعظيماً لا قيمة له إلا إذا طُبِق في الحياة اليومية، ومهما كان الاستماع أديباً، ومصغياً، ولا همسة، لا قيمة لهذا السماع ما لم يكن التطبيق واضحاً، لا قيمة لكلامي إن لم أطبقه أنا فيما بيني وبين الله، ولا قيمة لاستماعكم إن لم يترجم إلى عمل، هذا كلام مختصر مفيد، وفروا أوقاتكم، لا المتكلم يُفلح عند الله إن لم يطبق، ولا المستمع يُفلح إن لم يطبق، يبقى كلاماً بكلام:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)﴾
مَن آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً:
أحياناً الإنسان يعمل عملاً ما ليحقق مصلحة، تفوته المصلحة ويعاقب، شخص جاهل بلغه أنه إذا قلع أسنانه كلها يعفى من الخدمة الإلزامية، ذهب لأول طبيب والثاني والثالث والرابع فما أحد رضي، إلا واحداً رضي، فخلع له كل أسنانه، فلما فحصوه اعتبروه متحايلاً للتهرب من الخدمة، فجعلوا له خدمة مضاعفة، فقَد أسنانه كلها، وألزموه بخدمة مضاعفة، تقريباً هذا مثل حاد
﴿
فالكافر يخسر كل شيء، والمؤمن يربح كل شيء، أبقوها ببالكم: مَن آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً، لا دنيا ولا آخرة، شخص أسس دار سينما، وكل تخطيطه أنه يشتغل بشبابه فترة فيحصل على ثروة طائلة، يتمتع فيها طوال حياته، يقوم بسياحة حول العالم، يسكن ببيت فخم، ومركبة فارهة، فأصابه مرض عضال، سرطان في الدم، في مقتبل حياته بعدما حصَّل ثروة دخل عليه أحدهم، كان تلميذي سابقاً، صاحب السينما خاله، قال لي: كان يبكي بكاء مراً، لأن تخطيطه لم يتحقق، كسب المعاصي والآثام ويعذب الآن عذاباً شديداً، والأموال لغيره، فالمشكلة إذا ترك المرء الله عز وجل، فحياته سلسلة إخفاقات، سلسلة نكبات، سلسلة مصائب، سلسلة فشل: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ في الدنيا والآخرة، وفي النهاية:
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين