- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (040)سورة غافر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس التاسع عشر من سورة غافر، ومع الآية الخامسة والستين، وهي قوله تعالى:
﴿
هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
1 ـ الحياة صفةٌ من صفات الله:
الحياة من صفات الله عزَّ وجل ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ربنا عزَّ وجل يقول:
﴿
2 ـ دعوةٌ إلهيةٌ إلى الحياة الحقيقية:
قد تجد إنساناً في أعلى درجات الصحَّة والنشاط والقوَّة، وهو في حكم الله ميِّت.
ليس من مات فاستراح بميتٍ إنما الميت ميتُ الأحياءِ
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21) ﴾
وعندما قال ربنا عزَّ وجل:
﴿
هو حيٌ، ومصدرٌ لحياة المخلوقات، حياة أجسادهم وحياة نفوسهم، وحياة قلوبهم وحياة عقولهم.
3 ـ الإنسان في حياته مفتقرٌ إلى الله:
وقد ذكرت من قبلُ أن الإنسان في جوهره مفتقر إلى الله، الإنسان ضعيف بالأصل.
﴿ إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا(20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا(21)﴾
الإنسان خُلِق عجولاً، خُلق ضعيفًا، خُلق هلوعًا، منوعًا، جزوعًا، هذه صفاتٌ، وهي صفات ضعفٍ لكن لصالحه، لكن الله سبحانه وتعالى غنيٌّ عن عباده.
(( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا.))
الله عزَّ وجل واحدٌ أحد فردٌ صمد، لا يستمدُّ حياته من غيره، ولا نفعه من غيره، ولا تستطيع كل الخلائق أن تنفعه أو أن تضرُّه، لذلك الله عزَّ وجل صمد، ذاتيُّ الوجود، ذاتٌ كاملة، واجب الوجود، خالقٌ، ربٌ، إلهٌ، موجودٌ، كاملٌ، واحدٌ في ذاته وأسمائه وصفاته، والإنسان مفتقر إلى الله عزَّ وجل، فجسمه مفتقر إلى غذاء، وقلبه مفتقر إلى ذكر، وعقله مفتقر إلى علم.
من هم أشقى الناس؟ الذين اعتنوا بأجسادهم فقط، وماتت قلوبهم، وضعفت عقولهم، هم أنكروا إنسانيَّتهم، وما عرفوا قيمتهم، ربنا عزَّ وجل قال:
﴿
يتوَّهم بعضهم أن الله أنساهم أنفسهم، وفي بعض التفاسير: أن نسيانهم لله هو الذي أنساهم أنفسهم، عندما نسيت ربَّك فقد جهلتَ قيمة إنسانيَّتك، وما عرفت أين كنت، وماذا بعد الموت؟ وما عرفت سرَّ وجودك، وما عرفت حقيقة وجودك، وما بحثت عن طبيعتك العظيمة، وأنك أنت مخلوقٌ أول.
إذاً:
الكافر يبني حياته على الأخذ، والمؤمن يبنيها على العطاء:
ماديُّ النزعة، ضيِّق الأفق، أناني الصفة، يحب ذاته، يحب أن يحيا، ويموت الآخرون، يحب أن يرقى، وينخفض الآخرون، يبني مجده على أنقاض الآخرين، يبني غناه على فقرهم، يبني سعادته على شقائهم، يبني أمنه على خوفهم، يبني وجوده على فنائهم، هذا الكافر ميِّت، لو نشَدَ الإنسان السعادة في العطاء لا في الأخذ، فمعظم الناس يظنون أن السعادة في الأخذ، فالكافر قد بنى حياته على الأخذ، على أخذ أموال الآخرين، على أخذ خبرات الآخرين، على أخذ خدمات الآخرين، على استعباد مَن دونه، على استغلال مَن دونه.
المؤمن بالعكس بنى حياته على العطاء، المؤمن يبني سعادته مع ربه على أنه خيِّر في طبعه، يعطي مما عنده، ربنا عزَّ وجل وصف المتَّقين بصفةٍ جامعة مانعة، قال تعالى:
﴿ الم(1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ(2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3)﴾
الله ماذا رزقك؟ رزقك قوَّة، ابذُلها في خدمة الآخرين، رزقك مالاً، أنفقه للفقراء والمسلمين، رزقك جاهًا، اجعله في خدمة المظلومين، رزقك علمًا، اجعله في خدمة الجاهلين، هذا المؤمن بنى حياته على العطاء لا على الأخذ، وسعادته على أنه يعطي، لا على أنه يأخذ، لذلك قالوا: إذا أردت أن تعرف أنك من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة فانظر ما الذي يسعدك، الأخذ أم العطاء؟ أن تقبض المال أم أن تنفقه؟ أن تستغلَّ خدمات الناس أم أن تخدمهم؟ أن تأخذ مالهم أم أن تعطيهم من مالك؟ ما الذي يسعدك الأخذ أم العطاء؟ إن كان الذي يسعدك هو الأخذ فأنت من أهل الدنيا، وإن كان الذي يسعدك العطاء فأنت من أهل الآخرة.
ماذا فعل الأنبياء؟ جاؤوا إلى الدنيا، وغادروها ولم يأخذوا شيئاً، أعطَوا كل شيء، ولم يأخذوا شيئاً، سعادة البشريَّة بفضلهم، وبهدايتهم، وبعطائهم؛ ماذا فعل نقيض الأنبياء الذين هم على الطرف الآخر؟ أخذوا كل شيء، ولم يعطوا شيئاً، والمؤمن يأخذ ويعطي.
لكن أنت انظر، ميزان تجاري، فأيهما أكثر في ميزانك الأخذ أم العطاء؟ إن كان الذي يرجح في حياتك هو الأخذ فأنت أقرب إلى الدنيا وأبعد عن الآخرة، وإذا كان ميزانك ترجح كفة العطاء فيه فأنت أقرب إلى الآخرة، وأبعد عن الدنيا.
4 ـ إذا أردت الحياة فاتصل بالحي:
لذلك
هذه الحياة أيها الإخوة، حياتنا الدنيا أكثر الناس يذمونها، يقول لك: ما أحد مرتاح فيها، وهذا صحيح، لأنه:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا(125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى(126)﴾
لذلك قال بعض العارفين:
وقال بعضهم:
وبعضهم قال:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ(46)﴾
فلذلك الله عزَّ وجل حي، إذا أردت الحياة فاتصل به، وأسباب الاتصال بين يديك؛ استقم على أمره، واخدم خلقه وانتهى الأمر، إذا صلَّيت تتصل به، وتشعر بمعنى القُرب، كلهم عباده لا تفرِّق بين إنسان وإنسان، ويقول رسول الله ضلى الله عليه وسلم:
(( أحبُّ الناسِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ أنفعُهم للناسِ. ))
لا تشعر بمعنى القرب إلا إذا أخلصت للخلق، فلو كنت صاحب متجر فانصح الناس، لا تكذب أبداً، خذ الثمن المعقول، لا تستغل جهل المشتري، فلا تقل: هذا المشتري جهول، وهذا مكسب لي، عامله كما لو أن الله وكيله، عامِلْه كما لو أن الله يراقبك، وهو يراقبك أساساً.
إنْ عرفتَ الله عرفتَ كلَّ شيء:
موضوع الدين فهِمه الناس صلاةً وصومًا، فهموه طقوسًا، الدين أعمق من ذلك، الدينُ عندما تعامل الناس كلهم على أنهم عباد الله، تتقرَّب إلى الله بخدمتهم، تتقرَّب إلى الله بنصحهم، تتقرَّب إلى الله بدلالتهم على الله عزَّ وجل، تتقرَّب إلى الله بإكرامهم، فلذلك في الكون حقيقة واحدة هي الله، إن عرفته عرفت كل شيء، إن اتصلت به وصلت إلى كل شيء، إذا كان الله معك فمن عليك؟ إذا وجدته فما فقدت شيئاً، وإذا فقدته فما وجدت شيئاً، هذا هو الدين.
أحياناً نحن بحاجة إلى أصول تجمعنا، لا إلى تفاصيل تضيّع الإنسان، الدين اتصال بالله، الاتصال ثمنه الاستقامة والعمل الصالح، الاتصال مُسْعِد، لذلك ممكن أن تسكن في غرفة صغيرة، وتأكل أخشن الطعام، وترتدي أرخص الثياب، وأن تكون موصولاً بالله فأنت أسعد الخلق، ويمكن أن تسكن في أجمل بيت، وأن ترتدي أجمل الثياب، وأن تأكل أطيب الطعام، فإذا كنت منقطعاً عن الله عزَّ وجل فأنت أشقى الخلق، لذلك:
﴿
عندما يرحم ربنا عزَّ وجل مخلوقًا فقد سعد في الدنيا والآخرة، بكل ظرف من ظروفه تجده سعيداً، والدنيا مؤقَّتة، والدنيا جيفة طلابها كلابها، والدنيا دار من لا دار الله، ولها يسعى من لا عقل له، وما أكثر ما ضحكت الدنيا على العباقرة وعلى كبراء الناس، لكن قلَّةً من الذين عرفوا الله عزَّ وجل ضحكوا عليها، وسخروا منها، وطلَّقوها بالثلاث، وجعلوها في أيديهم، ولم يجعلوها في قلوبهم، ما حجبتهم عن الله عزَّ وجل، ولا صرفتهم عن طاعة، ولا إلى مخالفة. فالآية:
﴿
الإنسان حي أو ميت، بصرف النظر عن جسده، حي، ضغطه ثمانية، اثنا عشر، نبضه سبعون، دقَّات قلبه نظاميَّة، أجرى فحوصًا والنتائج إيجابية تامَّة، قال له الطبيب: ما بك خللٌ إطلاقاً، ولكن قلبه ميِّت، لم نستفد شيئاً، البطولة أن يكون قلبك حيَّاً بذكر الله، لذلك:
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
1 ـ العلاقة الإيجابية بين السلوك والتوحيد:
بالمناسبة أيها الأخ الكريم: هناك علاقة بين السلوك والتوحيد، والإخلاص والتوحيد، إخلاصك بقدر توحيدك، الله قال:
(( من جعل الهمومَ همًا واحدًا همَّ آخرتِه؛ كفاه اللهُ همَّ دنياه. ))
(( اعمل لوجهٍ واحدٍ يكفك الوجوه كلها. ))
وسر سعادة المؤمن، أن علاقاته بسيطة جداً، علاقته مع ربه فقط، وربه بيده كل شيء.
فليتك تحـلـو والحيــــاة مريـــرةً وليتك ترضى والأنام غِضــابُ
وليت الذي بيني و بـينك عامـــرٌ وبيني وبين العالمين خـــــرابُ
إذا صحَّ منك الوصل فالكلّ هيِّنٌ وكل الذي فوق الترابِ تـــرابُ
الكافر ممزّق، مُشتَّت، مُبعثر، مُشرذَم، الناس كلهم آلهة عنده، كل هؤلاء الناس بتوهمه بإمكانهم أن ينفعوه، يتملَّقهم جميعاً، يخشى أن يغضبوا، فيعصي الله من أجلهم، يبيع دينه من أجل إرضائهم، ومع ذلك فالله عزَّ وجل لا يرضّيهم عنه، لأنه:
(( من التمس رِضا اللهِ بسخَطِ الناسِ؛ رضِيَ اللهُ عنه ، وأرْضى عنه الناسَ، ومن التَمس رضا الناسِ بسخَطِ اللهِ ، سخِط اللهُ عليه، وأسخَط عليه الناسَ. ))
فلذلك أيها الإخوة، حقيقة واحدة هي: الله هو الخالق، هو الرب، هو المسيِّر، هو المحي، هو المميت، هو الرازق، هو الرافع هو الخافض، هو المعطي، هو المانع، هو القابض، هو الباسط، هو المُعِز، هو المُذِل، هو المُسعِد، هو المُشْقِي، هو الغفور، هو الرحيم، أمرك كله بيده، فإذا عرفته عرفت كل شيء.
هو الحي، أتحب أن تحيا حياةً أبديَّة؟ التزم أمر الله ونهيه، أتحب أن يكون جسمك في أعلى درجات النشاط وقلبك ميِّت؟ ابتعد عنه.
2 ـ أهمية التوحيد:
وبعضهم قال: إنني أركِّز على التوحيد، واللهِ معي حق، لأنه لا شيء يدفعك إلى معصية الله كالشرك، لا شيء يبعدك عن الإخلاص كالشرك، فالإخلاص يحتاج إلى توحيد، والاستقامة تحتاج إلى توحيد، أنت لن تستقيم، ولن تخلص إلا إذا أيقنت أنه لا إله إلا الله. لذلك:
(( لا إله إلا الله لا يسبقها عمل، ولا تترك ذنباً. ))
وكما قال الله عزَّ وجل في الحديث القدسي:
(( لا إلهَ إلَّا اللهُ حِصني فمن دخل حِصني أمِن من عذابي . ))
3 ـ تعاملْ مع الله مباشَرةً بالسؤال والدعاء:
(( مَنْ دَخَلَ عَلَى غَنِيٍّ فَتَضَعْضَعَ لَهُ ذَهَبَ ثُلْثَا دِيِنِه. ))
أليس لك ثقة بالله عزَّ وجل؟ فالنبي عليه الصلاة و السلام قال:
(( ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع. ))
إن الله يحب أن تسأله ملح طعامك.
(( مَن لم يسألِ اللهَ يغضبْ علَيهِ. ))
(( إن اللّه يحبّ الملحّين في الدعاء. ))
(( فَإِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفُ اللَّيْلِ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جَلَّ وَعَزَّ فَقَالَ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَهُ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ. ))
أليست لك حاجة عند الله؟ أما عندك ولا مشكلة في حياتك؟ اسأله، ولكن لا تجرِّبه، فالله لا يُجرَّب ولا يُشارط، إلهٌ عظيم، تُبْ إليه، واصطلح معه، واسترضه، فاللؤماء لا يُسترضون، فمهما اعتذرت، ومهما تذلَّلت لا يرضى، لكن الله يُسترضَى، قال عليه الصلاة و السلام:
(( إن صدقة السر تطفئ غضب الرب. ))
وقال كذلك:
(( إن الصدقة تقع بيد الله قبل أن تقع في يد السائل. ))
زلَّت قدمك، استرضِهِ بعمل صالح، بخدمة خلقه، بصدقة، بعمل طيِّب لعباده دون أن تذكره لأحد، فاللهُ يُسترضى، ألم تذق طَعم الصُّلح مع الله؟ ألم تذق طعم التوبة إليه؟ طعم الإقبال عليه، طعم السعادة في ظلِّه؟
أحياناً يتحرَّك الإنسان فيعرف أن هناك شخصًا كبيرًا يحبَّه، ويده طائلة، فتجده يمشي براحة نفسية، لكن المؤمن أسعد من هذا، يتحرَّك في الدنيا، ويعلم علم اليقين أن الله معه، وأن الله يحبُّه، وأن الله بيده كل أعدائه، وكل خصومه، وأنه إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ هذا الشعور وحده لا يُقدَّر بثمن.
قال لي أخ طبيب: الشيء المؤسف أن معظم الأمراض أسبابها نفسيَّة، وأنا أقول لكم: أسبابها الشرك بالله، خوف، شعور بالقهر، شعور بالحرمان، شعور بالخَوف، شعورك أن أمرك بيد فلان، وفلان لا يحبُّك، وسوف يقضي عليك، والله هذه الفكرة وحدها تحطِّم الإنسان، أما التوحيد فيعني أن أمرك بيد الله.
﴿ مِن دُونِهِ ۖ
هذا الشعور مُسعد، أحياناً يرتِّب الإنسان بيته، يرتِّب أوراقه، يرتِّب مكتبته، يقوم بجردٍ يقول لك: هذه لا تلزمني فيلقيها في سلة المهملاتِ، هذه أحتاجها، أليس من المناسب أن تُجري جرداً بعلاقتك مع الله؟ هذه البنود لا ترضيه، دعها، هذه ترضيه فأقبلْ عليها، ما الذي يرضيه؟
لا تنسوا الحديث القدسي الذي رواه سيدنا ابن عمر عن رسول الله، والنبيُّ رواه عن ربِّه، يقول الله عزَّ وجل:
(( من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين. ))
4 ـ عليك بالكتاب المقرَّر:
فأنت بحاجة إلى مجلس علم، بحاجة إلى مَنهل، بحاجة إلى أن يستنير قلبك، أن يستنير عقلك، بحاجة إلى فهم كتاب ربَّك، هذا الكتاب المقرَّر.
بربِّكم إذا كان عند طالب امتحان بعد أسبوع، والمادَّة أساسيَّة، وهي للتخرُّج، وعنده مكتبة تملأ أربعة جدران من الأرض إلى السقف، فيها عشرة آلاف كتاب، أليس الكتاب المقرَّر هو الأساسي؟ هذا القرآن كتابنا المقرَّر، نُحاسَب على مدى فهمنا له، على مدى تطبيقنا له، على مدى طلبنا للعلم به، هذا هو الكتاب المقرَّر، ولذلك فالإنسان من دون علم يكون كالبهيمة عطَّل إنسانيَّته.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
لو رأيت ما يجري في الكون لحمدت الله:
فما يجري في الأرض من شيءٍ تستنكره أنت هو محضُ حكمةٍ، ومحْض عدلٍ، ومحض رحمةٍ، ومحض تربيةٍ، ومحض علاجٍ، يجب أن تثق بالله عزَّ وحل، ليس معنى هذا ألاّ تعين الناس، بل أعنْهم، وابذل جهدك في خدمتهم، وخفِّف من آلامهم، لكن دون أن تتهم الله عزَّ وجل، ولله في خلقه شؤون.
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْييِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ(4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ(5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ(6)﴾
فإذا اعتبرت أن المسلمين الآن مستضعفين في العالم، وكل القِوى الشريرة تريد أن تنال منهم هم مستضعفون، لكن تنطبق عليهم هذه الآية:
إذاً:
اسأل الذي يجيب المضطر إذا دعاه:
اسأله، اطلب منه في الصلاة، خارج الصلاة، في أي وقت.
﴿
اثنتا عشرة آية في القرآن.
﴿
اثنتا عشرة آية فيها
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(186)﴾
﴿ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِي الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(66)﴾
فهل من الممكن لإنسان بعد أن عرف الله، بعد أن تشرَّف قلبه بذكر الله، بعد أن رأى أن الأمر بيد الله، هل من الممكن أن يعبد غير الله عزَّ وجل؟ قد يقول أحدكم: غير معقول.
أيها الإخوة، أن يضع واحد صنماً، ويعبده هذه مستحيلة، في العالَم الإسلامي كله هذه مستحيلة.
عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ. ))
(( إن أخوف ما أتخوف على أمتي، الإشراك بالله، أما إني لست أقول يعبدون شمساً، ولا قمراً، ولا وثناً، ولكن أعمالاً لغير الله، وشهوة خفية. ))
هذه بطلت، انتهت، ولكن عندما يطيع الإنسان مخلوقًا، وينسى ربه، جعله إلهًا، فقد عبده من دون الله، قال:
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
لا إله إلا الله، ما سوى الله كلهم دونه، الكون كله دونه، فإذا عبدت الله فقد نجحت وأفلحت، ما معنى عبدت؟
معنى العبادة:
العبادة منتهى الخضوع، منتهى الطاعة، منتهى الإخلاص، منتهى الحب، منتهى الولاء، العبادة تكون لله وحده، للخالق، للمسيِّر، للرب، للسميع، للبصير، للقوي، للغني، لمن يستجيب لك، لمن يستمع إليك، لمن يعلم ما يخفيه قلبك، هذه العبادة، فإذا توجهت بعبادتك لغير الله عزَّ وجل تكون قد خسرت خسارةً كبيرة، لأن غير الله عزَّ وجل عبد مثلك فقير، ضعيف، لئيم أحياناً، ليس أهلاً أن تعبده من دون الله؟ لذلك:
لَمَّا جَاءَنِي الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
1 ـ لابدّ من العلم:
ولا سيما
(( العلم علمان: فعلم في القلب، فذلك العلم النافع، وعلم على اللسان، فذلك حجة الله على ابن آدم. ))
كل شيء تتعلَّمه، وتخالفه في حياتك اليوميَّة فهو حجَّةٌ عليك، وحجة كبيرة من الله عز وجل
2 ـ الإسلام استسلام لله:
هذا الإسلام، الاستسلام لأمره، الخضوع له، الائتمار بما أمر، الانتهاء عما عنه نهى وزجر.
﴿
هذا هو الإنسان في جميع مراحله:
1 ـ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ
وكتوضيح بسيط: ابنك يولد ووزنه ثلاثة كيلو غراماً، الآن وزنه سبعةٌ وستون كيلو غراماً، مثلاً، الأربعة والستون كيلو من أين جاءت؟ من الطعام والشراب، من الأغذية، من اللحوم، من الخضراوات، من الفواكه، من الخبز، فهذه الأغذية من أين جاءت؟ من التراب، فهذا المعنى البسيط.
2 ـ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ
ما هي النطفة ؟
3 ـ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ
بعدما تتلقَّح البويضة، وتتجزَّأ إلى عشرة آلاف جُزَيْء، وهي في طريقها من المبيض إلى الرحم في الأنبوب، دون أن يزيد حجمها، لو زاد حجمها لوقفت في مكانها، بعد أن تصل إلى الرحم تنغرس في الرحم، وعندئذٍ تكون علقة.
4 ـ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا
5 ـ ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ
6 ـ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا
7 ـ الموت الحتمية الأكيدة في الصغر أو الكِبَر:
كثرت بين الناس أمراضُ القلب، وأساسها الخوف من أمراض القلب، وأحياناً يصاب القلب بآفات بسبب وَهْم الإنسان من أمراض القلب، أما إذا أيقن الإنسان أن انتهاء حياته أمر خطير جداً، وهو بيد الله، ولا تنتهي حياته إلا إذا أراد الله عزَّ وجل، أما الأمراض ليس لها علاقة بالموت.
﴿
خلق، ويحيي ويميت.
فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
الآية قبل الأخيرة:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ(69)﴾
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ
1 ـ المكذِّب بآيات الله منحرف السلوك:
هناك شيء لو وقع لكانت مشكلة؛ أن يكون إنسان يكذِّب بآيات الله، ولكنه مستقيم، وأخلاقي، ويحب الخير، والحق أنك لن تجد إنسانًا يكذِّب بآيات الله إلا وهو منحرف، له أعمال سيئة، له مشاعر ليست راقية، له تصرُّفات خاطئة، يحبُّ ذاته، يعتدي على أعراض الناس، يعتدي على أموالهم، قال:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1)﴾
قال:
﴿ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ(2)﴾
هو نفسه.
﴿
2 ـ المؤمن أخلاقيّ:
الحق عظيم، المؤمن أخلاقي، المؤمن قد نوَّر الله عزَّ وجل قلبه، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً لو اتخذه لعلَّمه، فكلمة مؤمن مرتبة أخلاقيَّة، على مرتبة جماليَّة، على مرتبة علميَّة، المؤمن عالِم، وصاحب ذوق وأخلاقي، المؤمن الحقيقي لأنه يمثِّل هذا الدين، اصطبغ بالكمال الإلهي، اصطبغ بتطبيق السُنَّة النبويَّة، فلن تجد مؤمنًا خائنًا، لن تجد مؤمنًا حقودًا، ولا حسودًا، ولا دنيئًا، ولا أنانيًا، المؤمن لا يكون بخيلاً، ولا يكون جبانًا، هذا مستحيل، الإيمان هذَّبه، والإيمان صبغه.
فهؤلاء الذين يجادلون يريدون أن يطفئوا نور الله، يريدون أن يلغوا عظمة هذا الدين، يريدون أن يبتدعوا نُظُمَاً جديدة، تشريعاً وضعياً، يطعنون في الدين، وفي صلاحية الدين لهذا الزمان، هؤلاء الذين يجادلون، قال سبحانه:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ(69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ(70)﴾
تهديد الله للمكذِّب بآياته:
هذا تهديد.
﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى(24)﴾
وقال:
﴿ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ
لكن ما الذي حصل؟ أنه حينما أدركه الغرق قال:
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ
البطولة من يضحك أخيراً، فلمن العاقبة إذًا؟ الله قال:
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا
فالعاقل هو الذي يعمل لينجو في المستقبل الذي لابدَّ منه، أما الجاهل فهو يعيش لحظته، ويفرح بتفوِّقه في الدنيا.
قال:
﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ(70) إِذْ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ(71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ(72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ(73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ(74) ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وِبِمِا كُنْتُمْ تَمْرَحُون(75)﴾
ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
1 ـ لا تفرح بغير الحق:
الإنسان أحياناً يفرح بالمال الحرام، يفرح أنه اغتصب هذا البيت، هذا المحل خلَّصَه من شركائه، وألقى بهم بعيدًا، يفرح أنه استطاع أن يأخذ هذا المال من الورثة، عمل ترتيباته، كتَّب والده تصريحات وديونًا وهميَّة، واستطاع أن يأخذ كل الإرث، ويستولي عليه، وترك إخوته جائعين ضائعين، يظن أنه ذكي حاذق ماهر، فربنا عزَّ وجل قال:
2 ـ ما الذي يُفرحك ؟
لذلك: قل لي ما الذي يفرحك أقل لك من أنت، ما الذي يفرحك؟ مال حرام تكسبه بأسلوبٍ غير مشروع؟ إذاً أنت لا تعرف الله إطلاقاً، تفرح إذا أكلت مال الناس؟ إذا عشت ومات الناس؟ تفرح إذا حصَّلت شيئاً على حساب دينك؟ تفرح إذا كذبت وربحت؟ تفرح إذا غششت وربحت؟ هل تفرح؟ قال:
﴿ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ(76)﴾
ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ
العبرة بالمصير:
هذا المصير، فلذلك البطولة في المصير، والغنى والفقر بعد العرض على الله.
إذا حضر شخص مائتي وليمة، وكل وليمة أحلى من أختها، وليلة من الليالي آلمه ضرسه، ولم يستطع أن ينام الليل، إنْ يتذَّكر عزيمة فهل يسكن ألم ضرسه؟ إنْ تذكَّرَ أكلة أكلها طيبة فهل يذهب الألم؟ أعوذ بالله، الآن واقعه ألم، وكل الماضي انتهى، كل شيء حصَّله من لذّات الدنيا زال، بقي الألم، هذا واقع الإنسان إن لم يعرف الله عزَّ وجل، كل أيام الدنيا التي أمضاها في اللهو، واللعب، والمرح، والمباهج، واللّذات، والسهرات المختلطة، والنُزُهات الرائعة، والمعاصي، والموائد الخضراء، والموائد الحمراء، والمجتمع المخملي، هذا التعبير المهذَّب للفسق والفجور، كل هذا الذي أمضاه في الدنيا عند الموت لا شيء، بقي عمله السيئ، وسوف يدفع ثمن عمله بالتمام والكمال.
﴿ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ(76) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ(77)﴾
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ
1 ـ إخبار الله بالغيب كرؤيته بالعين:
قال ربنا عزَّ وجل:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1)﴾
من منكم رأى أحداث هذه القصَّة؟ لا أحد منا رآها حتى أنا لم أرها، لكنّ الله قال:
الآن المستقبل، الله قال:
﴿
فهذا الكلام لم يحدث بعد، لكنه سيكون يوم القيامة، ولكن لحتمية وقوعه صاغه الله بالفعل الماضي، الله قال:
﴿
معنى هذا أنه لم يأتِ بعد، ولكن كيف قال سبحانه:"أتى فلا تستعجلوهُ"؟ هذا الفعل الماضي في القرآن يعبِّر الله به عن المستقبل لتحقُّق الوقوع، لذلك وقوع وعد الله ووعيده كأنه وقع، قال:
2 ـ لابد من الصبر لأن مصير الكافر إلى الله:
أحياناً يكون المؤمن ضعيفًا مستضعفًا، وأحياناً يكون فقيرًا، وأحياناً يكون من الطبقة الدنيا في المجتمع، فأنت المتفوِّقُ، وأنت الرابح، وأنت الفائز، وأنت الناجح، وأنت السعيد، وأنت المَلِك
وفي الدرس القادم إن شاء الله ننتقل إلى الآيات التالية:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ(78)﴾
والحمد لله رب العالمين.