- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (040)سورة غافر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
وبعدُ، فيا أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الأول من سورة غافر.
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ حم(1) ﴾
حم
1 ـ معنى حم:
و
ويقول بعض المفسِّرين: إنها أوائل أسماء الله الحسنى.
ويقول بعضهم الآخر: إنها أوائل أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
ويقول فريقٌ رابع: إن القرآن الكريم قد نُظِمَ من هذه الأحرف، والأحرف بين أيديكم، فحينما تجلَّى الله على هذه الأحرف جعلها كلاماً مُعجِزاً.
2 ـ الحروف المتقطعة من إعجاز القرآن:
إذاً دليل إعجاز القرآن الكريم، أن هذا القرآن الكريم الذي فيه إعجازٌ علمي، وإعجازٌ بياني، وإعجازٌ بلاغي، وإعجازٌ تشريعي، وإعجازٌ أخباري، إذا قرأت القرآن متدبِّراً، وإذا قرأت القرآن متأمِّلاً تشعر أنه لا يمكن أن يكون هذا الكلام إلا كلام الله عزَّ وجل، تؤمن أن هذا الكلام كلام الله من خلال إعجاز القرآن الكريم، فهو من حروفٍ بين أيدي البشر، وقد تحدَّى الله البشر جميعاً على أن يأتوا بمثله، ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً، أن يأتوا بسورة من مثله.
على كلٍ، هذه التوجيهات الأربعة في تفسير هذه الحروف وردت في تفاسير كثيرة، ومرَّاتٍ كثيرة، إما أنك تفوِّض أمر معناها إلى الله عزَّ وجل، وتقول كما قال بعض المفسِّرين: الله أعلم بمراده، وإما أن تجتهد، وتقول: لعلَّها أوائل أسماء الله الحسنى، وإما أن تقول: لعلَّها أوائل أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، حامدٌ ومحمود، وإما أن القرآن الكريم من جِنس هذه الأحرف، وقد يعلم قارئ القرآن ومتدبِّره أن فيه إعجازاً، ومعنى الإعجاز أن البشر مجتمعين يعجزون عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن، لا من حيث نظمه، ولا من حيث ما فيه من تشريعاتٍ حكيمة، ومن أخبارٍ صادقة، ومن إعجازٍ علمي، وإعجازٍ تربوي، وإعجازٍ تشريعي، إلى ما هنالك.
﴿ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(2)﴾
تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
أيْ أنَّ هذا القرآن الكريم من عند الله العزيز العليم، فكلَّما قرأت آيةً من آياته، وسورةً من سوره يجب أن تستحضر هذه الحقيقة، أنك مع كلام الله، وأنك مع كلام خالق الكون، أنك مع الكلام المطلق في صوابه، المطلق في صدقه، المطلق في بيانه، فكلَّما نما إيمانُ الإنسان ينمو مع إيمانه تعظيمه لكلام الله عزَّ وجل، المؤمن يتعامل مع كلام الله تعاملاً في أعلى درجات التقديس والتعظيم، تقرأ القرآن فتشعر بكل خليَّةٍ من خلاياك، وبكل شعرةٍ في جسدك، وبكلٍ نقطةٍ في دمك أن هذا الكلام كلام الله.
لكن إذا فهمت تأويل الآيات، ووضعت يدك على مواطن الإعجاز، ولمست عظمة النظم القرآني، ودقَّة الصياغة البيانيَّة، ودقَّة الأمر والنهي، تعلم علم اليقين أن هذا القرآن كلام الله، ولا يكمل إيمان إنسان ما لم يتنامَ إحساسه بقدسيَّة هذا الكلام، ولا يكون الإنسان مؤمناً ما لم يؤمن أن القرآن الكريم حقٌ من عند الله عزَّ وجل.
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا
إذا كان يخطر في بال إنسانٍ أنَّ في القرآن آية لا تصلح لهذا الزمان فهذا نوع من التكذيب، لأن ربنا عزَّ وجل قال:
﴿
ذات مرَّةٍ أخ قال لي: إن غضَّ البصر صعب، قلت له: اسمع هاتين الآيتين.
الآية الأولى:
﴿
قال لي: هذا صحيح، قلت له الثانية:
﴿
ما من أمرٍ إلهيٍّ توعَّد الله مخالفه بالحرب إلا موضوع الرِبا، فكلَّما تنامى إيمان الإنسان يتنامى معه إيمانُه بقدسيَّة هذا الكلام، بأحقيَّة هذا الكلام، لأن الكلام شرفه من شرف قائله "فَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَلَى كَلامِ خَلْقِهِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ" شرف الكلام من شرف قائله، الإنسان العظيم يتكلَّم كلمة، لهذه الكلمة أثر كبير جداً، فكلَّما قلَّت قيمة القائل قلَّت معها قيمة القَول، وكلَّما ارتقت قيمة القائل ارتقت معها قيمة القول، فإذا رأيت أن هذا الكلام كلام الله؛ منهجٌ قطعي الثبوت، منهجٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فقد صحَّ إيمانك، والحقيقة هي أنَّ ما تتخبَّط به البشريَّة اليوم، وما تعانيه البشريَّة اليوم من أزماتٍ وأزمات، ومن ظلمٍ شديد، ومن أعمال عنفٍ لا تحتمل، كلها بسبب مخالفة منهج الله عزَّ وجل، هذا المنهج مَن طبَّقه سَعِدَ في الدنيا والآخرة، والدليل قول الله عزَّ وجل:
﴿
هذه الآية مُطلقة، ومطلق القرآن على إطلاقه،
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى
اتباع القرآن هدى، ومخالفته ضلال:
إذاً: كل أنواع الضلال بسبب عدم اتباع القرآن الكريم، كل أنواع الشقاء بسبب عدم اتباع القرآن الكريم، قال:
﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى
هذا الخوف الذي يأكل قلوب البشر، هذا القلق الذي ما بعده قلق، هذا الخوف من المجهول، هذا الخوف من المستقبل، هذا القلق المدمِّر بسبب عدم اتباع القرآن الكريم.
قال تعالى:
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62)﴾
الشرك سبب للأمراض النفسية:
فسَّر النبي هذه الآية بأن هؤلاء الأولياء لا يحزنون إذا حزن الناس، ولا يخافون إذا خاف الناس.
إذًا: هناك خوف عامٌّ هذه الأيام، وحزن عامٌّ، نسمع أحياناً عن واحد بعيد عن الله نَجده كتلة من التشاؤم، كتلة خوف وقلق، يخاف من المجهول، يخاف من المستقبل، قال النبي عليه الصلاة والسلام حينما وصف أولياء الله الذين لا خوفٌ عليهم، ولا هم يحزنون، إنهم لا يخافون إذا خاف الناس، لأن الناس عندهم شرك، ماذا يعني الشرك؟ أي أن مصيرك بيد عدوِّك، معنى هذا أن الشرك صعب جداً، شيء لا يحتمل، هذه الفكرة وحدها تسبِّب أزمة نفسيَّة، وقد تسبِّب أزمةً حتى في جسم الإنسان، في أعضائه الأساسيَّة، إذْ ترى أن مصيرك بيد إنسان ولابدَّ من أن ينتقم منك، لابدَّ من أن يأخذ منك كل شيء، لابدَّ من أن يذلَّك.
إذًا الشرك وحده يسبِّب أشد الأمراض فتكاً بالإنسان، أما
(( من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين. ))
فحقيقة الفلاح تكمن بالإيمان الحقيقي، وأذكركم دائماً بهذه الفكرة: قال لك إنسان: الدكتور فلان، فما معنى دكتور؟ في العرف العالمي، وعرف الجامعات معنى دكتور أي أنه بلغ أعلى درجة في العلم تقريباً، لأن الليسانس أو الإجازة تعني أنه درس كل شيء في هذا العلم، أما الدكتوراه فتعني أنه أبدع في هذا العلم، قدَّم بحثاً فريداً، قدَّم شيئاً لم يُسْبَق إليه، فمعنى دكتور أن هذا مكث ست سنوات أو سبعًا ليعدَّ أطروحة، وناقشها كبار العلماء ممن يحملون كبرى الشهادات مناقشة علنيَّة، وكتب فصولاً، وأعاد فصولاً، وعنده شتى المراجع التي تتجاوز المئات، وبقي سنوات عديدة في كتابة هذه الأطروحة، هذا معنى دكتور، وقبلها تقدم لشهادة الماجستير، وقبلها تقدم لفحوص الدبلوم، وقبلها نال الليسانس، وقبلها نال الشهادة ثانويَّة.. إلخ، فكلمة دكتور تعني أن هذا الإنسان مرَّ بمراحل علمية وأمضى سنوات طويلة في طلب العلم، وتجاوز وتخطَّى عقبات صعبة جداً، وبلغ درجة عالية من التفوُّق.
لكن كلمة مؤمن، ما معنى مؤمن؟ أي أَنَّ هذه أعلى مرتبة في البشريَّة، مؤمن بربِّه، مؤمن بخالقه، متى آمن؟ هل من الممكن إنسان يُعْطَى لقب دكتور دون أن يفتحَ كتاباً؟ ولا قرأ رسالةً؟ ولا سهر ليلةً؟ هذا كلام فارغ، فإذا قلنا: فلان مؤمن، فمتى آمنت؟ لابدَّ من طلب العلم، لابدَّ من تفكُّرٍ في خلق السماوات والأرض، لابدَّ من فهمٍ لكلام الله عزَّ وجل، لابدَّ من اتباع الحق والابتعاد عن الباطل، هذا معنى مؤمن، فكلمة مؤمن أي أنّه وصل لإدراكِ أنْ يرى ما لا يراه الناس، يشعر بما لا يشعرون، إذا خاف الناس فهو لا يخاف، ألم يقل الله عزَّ وجل:
﴿ إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19)﴾
هذا ضعفٌ في خلقه ولمصلحته.
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا(20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا(21) إِلا الْمُصَلِّينَ(22)﴾
معنى هذا أن المصلي الذي آمن بالله حقًّا، واتصل به، هذا ليس جزوعاً ولا منوعاً، ولا هلوعاً.
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ(23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ(24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ(25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ(26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ(27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ(28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(30) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ(31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ(32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ(33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ(34) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ(35)﴾
إذاً: موطن الشاهد:
﴿
تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ
إن الله تعالى لم يقل: والشر، بل قال:
فربنا عزَّ وجل يضحِّي بالأموال، يضحي بالمُمْتَلَكَات أحياناً، يضحي بحريِّة الإنسان، و كأنه يقول لك: بقيتُ عشر سنوات كأنني في مدرسة.
حينما سلب الله حرية الإنسان عشر سنوات أدخله مدرسة قاسية، لكنه خرج بعدها إنساناً آخر، فالله عزَّ وجل من أجل أن تؤمن، ومن أجل أن ترقى، ومن أجل أن تعرف، ومن أن تستقيم، ومن أجل أن تعرف سر وجودك، ربما يضيع جزءٌ من مالك، جزءٌ من حريَّتك، جزءٌ من وقتك، هذه كلُّها مصائب هدفها صلاح النفس.
كيف يشهد الله أن هذا القرآن كلامه ؟
إذاً:
اليوم خطر لي أنه لو فرضنا أن واحدًا دخل إلى صف، وقد كُتِبَ على السبورة: غداً الساعة الأولى مذاكرة في الرياضيات، يا ترى هذا الكلام صحيح؟ هذا الخط هل هو خط المدرِّس؟ الخط جيِّد، وهو يشبه إلى حدٍ كبير خطَّ المدرِّس، لعلَّه طالبٌ له خطٌ مشابهٌ لخطه كتب هذه العبارة، لكن ما الدليل القطعي على أن المذاكرة غداً الساعة الأولى؟ غداً! فحينما يأتي الغد، ويدخل أستاذ الرياضيات، ويقول للطلاب: ضعوا كل شيء في الأدراج، وافتحوا أوراق المذاكرة تمهيداً لإلقاء الأسئلة، ففعل هذا المدرِّس يؤكِّد الكلام الذي كُتِبَ البارحة.
فالقرآن الكريم كلام الله، لكن كيف يشهد الله أن هذا الكلام كلامه؟
1 ـ الحياة الطيبة والحياة المريرة:
ذكرت أن الحياة الطيِّبة التي يحياها المؤمن هي شهادة الله له أن القرآن كلامه، فعندما قال ربنا عزَّ وجل:
﴿
الحياة الطيِّبة ذاتها التي هي من فعل الله عزَّ وجل، هي شهادة الله لك أيها المؤمن أن هذا القرآن كلامه. فإذا أعرض إنسان عن ذكر الله؛ كأن ترك الصلاة، أو صلَّى صلاة شكليَّة، وأطلق بصره في الحرام، وأصبحت حياته قطعة من الجحيم، مشاحنة في البيت، وشقاء زوجي، وفي عمله متاعب متواصلة، ويعاني من إخفاقات، وإحباطات، والأمور كلها ضدُّه، فتجده يقول: ما هذه الحياة المريرة؟ فهذه المعيشة الضَنك التي يحياها المُعْرِضْ هي شهادة الله لك أيها الإنسان أن القرآن كلامه.
﴿
2 ـ أفعال الله مع العاصين والمنحرفين:
إذا تعامل إنسان تعاملًا ربويًا، وأمواله صُودِرَت، أو أُتْلِفَت، أو تعرض لخسائر فوق طاقته، وتألَّم حتى العظم، هذا ما جرى معك من إتلاف المال وإزهاقه، شهادة الله لك بقوله تعالى:
﴿
أما إذا أنت تصدَّقت، وتحاشيت أن تكسب كسباً حراماً، والله نمَّى لك مالك، هذه التنمية للمال شهادة الله لك
أيها الإخوة، لا بدّ أن يشعر كلٌّ منكم أن يجري في الأرض ما هو إلا تأويلٌ لكلام الله عزَّ وجل، أنت معك كلام الخالق، فانظر لمجرى الأحداث المحيطة بك، أكاد أقول لكم: إن المؤمن يكاد يعلم الغيب، هو لا يعلم الغيب، ولا يعلمه أحد أساساً، لكن قوانين الله تعالى؛ أنّ من كسب مالاً حراماً أتلفه الله، ومن اتقى الله أكرمه الله، من كان صادقاً وثق الناس به، من خان الناس أتلف الله ماله وحطّ مكانته، تكاد ترى أن هذه القوانين كلُّها تجري، والأحداث كلُّها تؤكِّدها.
إذاً: هذا معنى قول الله عزَّ وجل:
﴿
3 ـ وقوع الوعد والوعيد:
تأويل القرآن الكريم الحقيقي وقوع وعده ووعيده، وَعَدَ الله عزَّ وجل، فوقوع الوَعْد هو التأويل، أَوْعَد؛ فوقوع الوعيد هو التأويل، وعَد المؤمن بالنصر؛ فالنصر هو التأويل، وعَد المؤمن بالحفظ؛ فالحفظُ هو التأويل، وعَد المؤمن بالتمكين فالتميكن هو التأويل، وعد العاصي بالعقاب فالعقاب هو التأويل، والآن عود على بدءٍ - فعندما كتب المدرِّس: غداً الساعة الأولى مذاكرة في الرياضيات، تأويل هذا الكلام يأتي يوم الغَد، حينما يدخل المدرِّس ويقول: ضعوا الكتب في الأدراج، وافتحوا أوراق المذاكرات، الآن نبدأ مذاكرة، حينما بدأت المذاكرة هذا أدقُّ تأويلٍ لها، وأدقُّ تصحيحٍ، وقطْعُ الشكِّ باليقين:
القرآن من عند العزيز العليم:
فكل واحد منَّا إذا كان بوظيفة معيَّنة، فأحياناً يأتيه كتابٌ من زميله (إحالة)، وكتابٌ آخر من رئيس دائرة أيضا محال إليه تجده يهتم أكثر بكتاب رئيس الدائرة، فكلَّما ارتفع مصدرُ الكتاب تجد الاهتمام به أكثر، لو جاءه كتاب موقَّع بالأخضر من الوزير يهتم اهتمامًا بالغًا فيه، ويمكن على الفور أن يترك كل أعماله، ويحاول تنفيذ هذا التوجيه، وإذا وقف أمام عقبة على الفور يستأذن، ويدخل، ثم يقول لمن يمنعه: الكتاب موجه من السيد الوزير، فماذا نفعل؟
إذًا كلَّما كانت جهة التوقيع ذات مستوى أعلى يصبح الاهتمام أكثر، فأنت عليك أيها المؤمن أن تشعر دائماً أن هذا القرآن
﴿ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ(3)﴾
غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ
ورد في كتب التفاسير أن سيدنا عمر رضي الله عنه، بلغه أن أحدًا ممن كان في صحبته قد سافر إلى بلاد الشام وانحرف، وارتكب بعض المعاصي، فسيدنا عمر أرسل إليه رسالة، و إليكم الخبر كما ورد.
روي عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أنه افتقد رجلاً ذا بأسٍ شديد من أهل الشام، فقيل له: "تتابع في هذا الشراب" يعني انغمس في الشراب، فقال عمر لكاتبه: "اكتب: من عمر إلى فلان، سلامٌ عليك، وأنا أحمد الله إليك" ـ وهذا لشارب خمر. فإذا كان للإنسان صديق زلَّت قدمه، ترك الصلاة، انحرف، ارتاد دور اللهو، شرب الخمر، فلا ينبغي أن يبتعد عنه، لا ينبغي أن يقول: هذا الإنسان ضل وانتهى أمره، فأين أمَلُك بالله عزَّ وجل؟ انظر إلى هذا الخليفة العظيم عملاق الإسلام، لم يقل عن صاحبه: انتهى، بل أرسل له رسالة ـ قال له: "أمَّا بعد؛ من عمر إلى فلان، سلامٌ عليك، وأنا أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو، بسم الله الرحمن الرحيم:
القصَّة بليغة فيها توجيه دقيق. فأحياناً أخ يترك المسجد، ويترك الصلاة بعد ذلك، وبعدها ينغمس في الملذَّات، إخوانه يبتعدون عنه لأنه ضل، لا، بل يجب أن تصلوه، وأن تزوروه، يجب أن تتفقَّدوه ليشعر بالعطف، وبالرحمة منكم. يقال: إن الإمام مالك بن دينار كان يمشي في الطريق، فرأى رجلاً سكران وقد وقع مغمياً عليه، والزبد وآثار الخمرة على فمه، وهو يقول: "الله الله"، وهو في غيبوبة، فكبُر على هذا الإمام العظيم أن يخرج هذا الاسم من فمٍ نجس، فجاء وغسل فمه، فلمَّا صحا من سباته قيل له:
فرأى مالك بن دينار الإمام العظيم إنسانًا يبكي أشدَّ البكاء في صلاته، ولعله نسي ما جرى بالأمس القريب فقال:
أي أن دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب لا ترد، إذا كان لك أخ ضَل، أو إنسان له ابن ضل، فدعاء الأب والأم وإخوته له بالهدى إذا صدر من قلبٍ مخلص، لعلَّ الله سبحانه وتعالى يستجيب، ولعلَّ الله سبحانه وتعالى يليِّن قلب هذا الشارد.
على كلٍ، إنّ الإنسان إذا وقعت له مع أخٍ مشكلة، أو رأى أن أخاه قد زلَّت قدمه فهو أمام خيارين؛ إما أن يكون عوناً للشيطان عليه، يُشهِّر، يغتابه، يشمت فيه، ينشر الفضيحة بين الملأ جميعاً، فهذا الذي زلَّت قدمه يزداد بُعداً وانحرافاً ومعصيةً وعناداً، ماذا فعلنا معه؟ كنَّا عوناً للشيطان عليه، أما إذا تلقَّفناه بالرحمة، وتلقّفناه بالصبر وكتمان الأمر، وعدم الفضيحة، وعدم إذاعة السرِّ، وزرناه ووصلناه، لعلَّ قلبه يميل، ولعلَّه يشعر بما عند المؤمنين من وفاء.
سيدنا عمر جعل هذه الآيات الأُوَل من سورة غافر موضوعاً لرسالةً بعثها لصديقٍ له في الشام زلَّت قدمه، وانغمس في شرب الخمر.
غَافِرِ الذَّنْبِ
1 ـ معنى الذنب:
الذنب: قالوا: ذَنَب الدابَّة وغيرها معروف، الذنَب معروف، الذنْب من الذَنَب، ويُعبَّر به عن المتأخِّر والرَذِلِ من العمل، عملٌ متأخِّر فيه تخلُّف، َعملٌ رَذِل يُعبَّر عنه بالذنب، يقال: هم أذنابُ القوم، أي أن الإنسان السخيف والتافه، والحقير والمنحط، غير الأخلاقي، يُوصف بأنه: من أذناب القوم، وفي تعبير حديث يقولون: هو من أذناب الاستعمار، وعبَّروا أيضا بالذنب عن الحظ، فقال تعالى:
﴿
وذَنَبَ الشيء أي أخذ بذَنَب الشيء، ويستعمل في كل فعلٍ عاقبته سيِّئة، كل فعلٍ عاقبته سيئة يقال له: ذنب، هنا موطن الشاهد.
تعريف الذنب إذاً: هو الفعل الذي له عاقبة سيئة، ربَّ شهوة ساعةٍ أورثت حزناً طويلاً، فأحياناً الإنسان تزل قدمه بساعة، أو أقل من ساعة، يتحمَّل آلامًا، يتحمَّل أمراضاً وبيلة، وأمراضاً عضالة ما لها شفاء، ألا يا رُبَّ شهوة ساعةٍ أورثت حزناً طويلاً.
فما هو الذنْب؟ هو فعل يندم عليه فاعله بعد حين، هو فعل له عواقب وخيمة، هو فعل مرذول محتقر بين الناس، هذا هو الذنب؛ الخيانة ذنب، الكذب ذنب، العدوان على أموال الناس ذنب، العدوان على أعراضهم ذنب، فالذنب هو عملٌ عاقبته وخيمة، كيف أن الذَنَب شيء مُسترذَل مُحتقَر، مؤخِّرة الشيء، عضوٌ تافةٌ لا شأن له، فالذنْب هو الفعل الذي له عاقبةٌ وخيمة، هذا التعريف اللغوي.
إذا فعل الإنسان المنكر فالله عزَّ وجل له بالمرصاد، أكل مالًا حرامًا فالله عزَّ وجل له بالمرصاد، أنفق إنفاقًا في معصية الله فالله عزَّ وجل سيعاقبه، إذاً كل عملٍ عليه تبِعَةٌ ومسؤوليَّة، كل عملٍ له عاقبةٌ وخيمة هو ذنب؛ أما العمل الطيِّب فعاقبته طيِّبة، فلو سلك إنسان الطريق الصحيح، وسلك في حركته اليوميَّة وفق منهج الله عزَّ وجل فليس لديه مشكلة، وليس لديه ما يخيفه، أما لو أكل مالاً حراماً، أو حلف يميناً كاذبةً، أو زوَّر وثيقةً، أو أدلى ببيان كاذب، ثم كُشِف أنه كذب فهذه مشكلة كبيرة جداً.
2 ـ التوبة ملازمةٌ للذنب:
لذلك:
تجد إنسانًا شابًا نشأ في طاعة الله، تزوَّج شابَّة مؤمنة، هذه الأسرة بارك الله بها وعليها وفيها، تكونت أسرة صالحة نفعت المجتمع بعناصر طيِّبة، هؤلاء الأولاد تربَّوا تربية إسلامية؛ فهم صادقون، مخلصون، أمناء، ولو فرصنا أنهم تعلَّموا فنالوا شهادات عُليا، أو امتهنوا حِرَفًا، تجدهم عندئذ صادقين في تعاملهم، وغدت هذه الأسرة مصدر سعادة للمجتمع، وهذه نتيجة طبيعية عندما أُفْرِغَت تلك الشهوة في هذه القناة النظيفة.
لكن لو انحرف الشباب بغرائزهم نحو الزنا، ونحو إشباع هذه الشهوة بعيداً عن الزواج، فلا بد أن تقع الأمراض التي تسمعون عنها؛ أمراض الإيدز ومشاكلها، والانحرافات، وحالات الطلاق، والشقاء الزوجي، الجرائم، هذه كلها بسبب خروج الإنسان عن منهج الله.
فما هو الذنْب؟ هو مركبة فيها محرِّك ولها مقود، المقود هو الشرع، المقود هو الاختيار، والشرع هو الطريق، والمحرِّك يعطيك قوة اندفاع، قوة الاندفاع من دون طريق تتحطَّم السيارة، ومن دون مقود مشكلة، فالمقود هو الاختيار، والطريق هو المنهج، فما دُمت أنت توجِّه المركبة لكي تبقى على الطريق المُعبَّد فأنت في بحبوحة، وفي يسر، وفي أمان.
إذاً ما هو الذنب؟ هو وجود شهوة، وخروج عن المنهج، أما المركبة لو لم يكن فيها محرِّك فليس هناك مشكلة، لكن هذا المحرِّك فيها يعطيها قوة اندفاع، هذا الاندفاع يحتاج إلى طريق، يحتاج إلى مقود، وأنت مخيَّر بالمقود، والطريق هو الشرع، فإذا أبقيت المركبة على الطريق المُعَبَّد نجوت وسلمت، أما إذا غفلت، فالغفلة تسبِّب انحراف المركبة عن الطريق الصحيح.
فالذنب في أصله هو وجود شهوة في الإنسان، والمنهج خرج عنه بسبب غفلةٍ، فالغفلة عن المقود، والخروج عن الطريق مع وجود هذه الشهوة هو الذنب بعينه، فحبُّ المال شهوةٌ، إذا حسُن التوجيه؛ كَسَبه من حلال، وأنفقه في الحلال، لكن إذا قام باغتصاب المال، فقد أكل المال بالباطل، وعندئذٍ لا بد من العقاب، ما هو العقاب؟ هو الآثار المدمِّرة للشهوة التي أخرجت صاحبها عن منهج الله عزَّ وجل.
لكن ربنا عزَّ وجل رحمةً بالإنسان قال له: أنا أعطيتك الشهوة، ومعها أعطيتك المنهج، وكلما زلَّت قدمك أنا أنتطر توبتك، أنتظر استغفارك، أنتظر أن تعود إليّ، أنتظر أن تنيب إليّ.
فأنت فيك شهوة، ولديك منهج، ومقود تمسك به، ولو غفلت لحظةً وخرجت بك المركبة عن الطريق الصحيح، فمن الممكن أن تعود إليه، وترفعك رافعة وتضعك مع المركبة على الطريق، وكلَّما ابتعدت عن الطريق تحتاج إلى قوَّة كبيرة كي تعيدك إلى الطريق.
إذاً: هذا هو الذنب، إنسان أودع الله فيه الشهوات، غفل عن ذكر الله، وغفل عن منهج الله، فقادته شهوته إلى عمل لا يرضي الله، عمل فيه عدوان إما على أعمال الناس، وإما على أعراضهم، هذا العدوان يقتضي العقاب كي تعود إلى الطريق الصحيح، فحياة الإنسان سلسلة من الحركة؛ إما على الطريق الصحيح، أو على غير الطريق الصحيح، فإن كانت على الطريق الصحيح الله عز وجل يشجعك ويكرمك ويعطيك، وإن خرجت بشهوتك عن الطريق الصحيح أدبك وأرجعك إلى الطريق الصحيح، حتى كلمة (منتقم)، ما معنى منتقم؟ أيْ ينتقم من عباده الجانحين ليعيدهم إلى الطريق الصحيح، فقط، وكلمة منتقم بحق الإنسان قد لا نرضاها، ولكنها إذا عُزيت إلى الله عزَّ وجل فهي تعني أنّ المنتقم أن يعاقب عباده العاصين ليعيدهم إلى الطريق الصحيح، هذا معنى منتقم.
وَقَابِلِ التَّوْبِ
إذاً:
إذاً التوبة من لوازم الذنب، فالمؤمن مذنبٌ توّاب، كلَّما زلَّت قدمه، كلَّما قصَّر، كلَّما انحرف، كلَّما غفل يقول: يا رب ليس لي إلا أنت. فعلى الإنسان أن يعوِّد نفسه أن يكثر من التوبة.
(( إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ. ))
والنبي عليه الصلاة والسلام قدوةٌ لنا، لكن ذنبه غير ذنوبنا، فهو كلَّما عرف الله في درجة، ثمَّ ارتقت معرفته، رأى أن المعرفة السابقة تقصير في حقِّه، وهناك تفسيرات دقيقة جداً للذنب في حقِّ الأنبياء، ولهم تعاريف خاصَّة بهم، أما نحن إذا فعلنا شيئاً مخالفاً للشرع فهذا ذنب، وهو عمل عاقبته وخيمة، فمن هو العاقل؟ هو الذي لا يعمل عملاً يندم عليه، لأن لكل سيئةٍ عقاباً، ولكل حسنة ثواباً.
فغافر الذنب،
﴿ قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ(54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ(55)﴾
انظر مع:
﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ(50)﴾
شَدِيدِ الْعِقَابِ
تصوَّر لو أن الله عزَّ وجل ليس تواباً ـ افتراضاً ـ وإنسان زلَّت قدمه، ماذا يفعل؟ من معصية إلى أكبر منها، حتى ينتهي به الأمر إلى جهنَّم، لكن رحمة الله بنا أنه أودع فينا الشهوات، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، ووضع المنهج، وأعطانا الاختيار، وكلَّما خرجت هذه المركبة عن الطريق أعدناها إليه، فإذا وقعت مشكلة فهذه المشكلة تصَحَّح.
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12)﴾
جزء من إيمانك خوفُك من الله عزَّ وجل، فالله عنده أمراض لا تعد ولا تحصى، عنده أمراض نفسيَّة، وعنده أحياناً حزن يسلطه على العبد، فتجد أن الحزن أكل قلبه، وكذلك عنده همٌّ والهم يسحق الإنسان، والهموم والأحزان ربَّما كانت أشدَّ من الأمراض، وقد يسلط عليه الخوف الذي لا يحتمل، أو القلق، أو يصيبه اختلال نفسه من داخلها الأمراض النفسيَّة، أو تصيبه أمراض عضوية، أو يبتليه بفقر مُدقِع، وذل وقهر وتعذيب، الله عز وجل عنده أدوية لا تعد ولا تحصى، بقدر ما عند الإنسان من أمراض.
ذِي الطَّوْلِ
(( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ، وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ. ))
ذي الطَّول أيْ أنّ عطاءه كبير يطول كل المخلوقات.
تلازمُ فقرات الآية دقة وإعجاز:
فالأمر واضح جداً مثل الشمس، هذا كلام أقوله لنفسي، ولكم في آنٍ واحد، تحب أن تستقيم فأهلاً وسهلاً، الاستقامة ثقيلة عليك، إن لم تستقم فهناك سلسلة من المتاعب لا يعلمها إلا الله، تبدأ بالجسم، وبالزوجة، وبالأولاد، وبالعمل، وبالمشكلات، بالتجارة، بالعمل المهني والوظيفي، وبالتعبير العامي، من هنا سد، ومن هناك سد، وهناك خطر، وهناك خطأ، إن استقمت فلمصلحتك، وإلا تفضَّل وتحمَّل متاعب الحياة.
لَا إِلَهَ إِلَّا هُو
أنتَ لِمَ لا تتوب؟ خائف ممَّنْ؟ مَا من إله إلا الله، وإذا كان الإنسان مقيمًا على معصية، وهو خائف من جهة أن يغضبها، معنى هذا أنه مشرك، ما من إله إلا الله عزَّ وجل، فأنت ما الذي يمنعك من أن تتوب؟ هل تخاف أحداً مما سوى الله؟
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(62)﴾
﴿
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
إذا كانت هناك موانع تحول من التوبة، وموانع من الاستقامة، وخوف من جهة، فمعنى هذا أن الإنسان في شرك، وأنه لديه خطأ في العقيدة.
آية في إيجاز وإعجاز:
فهذه الآية على إيجازها بليغة جداً.
بقي علينا في الدرس القادم إن شاء الله تعالى:
﴿ مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ(4)﴾
والحمد لله رب العالمين.