- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (040)سورة غافر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس التاسع من سورة غافر، ومع الآية الثامنة والعشرين، وهي قوله تعالى:
﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ(28)﴾
دلالات من الآية:
في هذه الآية أيها الإخوة دلالاتٌ كثيرة:
1 ـ وَقَالَ رَجُلٌ
أول شيءٍ فيها هو أن الله جلَّ جلاله قال:
2 ـ القصة القرآنية للعبرة لا للتفاصيل والأحداث:
الشيء الذي أريد أن يكون واضحاً لديكم هو أن الله سبحانه وتعالى إذا ذكر قصةً في القرآن لا يريد أن تكون قصة، لو أرادها قصة لذكر أسماء الشخصيَّات، وذكر التفاصيل، وذكر الجُزْئِيَّات، وذكر ملامح البيئة لو أرادها أن تكون قصة، ولكن الله سبحانه وتعالى إذا ذكر قصة في القرآن الكريم يريد أن تكون قانوناً، يريد أن تكون شخصيةً نموذجية تتكرر، ولو أنا توهَّمنا أنها قصةٌ إذاً فهي وقعت ولن تتكرر، الله جلَّ جلاله يريد أن نؤمن أن هذا نموذجٌ بشري، رجل غيور، رجل ينطلق من سلبيةٍ إلى إيجابية، رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، رجل يتكلم بحكمةٍ بالغة، لا يلقي الكلام على عواهِنه، ينبغي أن تكونوا كذلك.
ربنا جل جلاله يرسم لنا من خلال هذه القصة نموذج المؤمن الصادق، نموذجَ المؤمن الغيور، نموذجَ المؤمن الناطق بالحق، نموذجَ المؤمن الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، نموذجَ المؤمن الذي يخرج من قوقعته، ومن سلبيَّته، هذا النموذج ما رسمه الله عزَّ وجل في هذه السورة، وفي هذه القصة إلا ليكون نموذجاً يُحتَذى، القرآن كتاب هداية، وليس كتاب تاريخ، كتاب هُدى، كتاب تربية.
إذاً: من كلمة رجل نفهم أن الله سبحانه وتعالى حينما أغفل اسم هذا الرجل، ونسب هذا الرجل، وشأن هذا الرجل، وعلاقة هذا الرجل بفرعون، حينما أغفل اسمه، وأغفل الجزئيات والتفاصيل، وجعل اسمه نكرةً أرادنا أن نَتَّجِهَ في فهمنا لهذه القصة إلى أن مؤمن فرعون نموذج للمؤمنين ينبغي أن يتكرر، ينبغي أن يكون في كل مجتمعٍ مؤمنُ آل فرعون، أو ما يشبه مؤمنَ آل فرعون.
3 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفريضة السادسة:
هذا ينقلنا إلى موضوعٍ دقيق؛ هو أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسميه بعض العلماء الفريضة السادسة.
إذا كانت شهادة لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً عليه الصلاة والسلام رسول الله، وأن الصلاة والزكاة، والحج، والصيام هي فرائض الإسلام، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةٌ سادسة، والدليل قال تعالى:
﴿
اللام لام الأمر، ولام الأمر إذا جاءت مع الفعل المضارع انقلب الفعل المضارع إلى فعل أمر، إذا قلت لشخص: لتأكلْ أو كُلْ، فهما بمعنى واحد، فعل الأمر معروفةٌ صيغتُهُ، أما إذا جاءت لام الأمر مع الفعل المُضارع انقلب إلى فعل أمر، فربنا عزَّ وجل يقول:
﴿
لأننا إذا تركنا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر قوي الباطل، وانكمش الحق، إلى أن يتلاشى الحق، فالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ضمانٌ لاستمرار الحق، لذلك في القرآن الكريم:
﴿ وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾
أيْ أنّ الأمر بالمعروف، والدعوة إلى الله توازي الإيمان، أنت مؤمن، إذاً ينبغي أن تدعو إلى الله، أنت مؤمن ينبغي أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر، مؤمن سلبي مستحيل، لمجرد أن تؤمن لا تستطيع إلا أن تنشُر الخير، إذا انطلقت إلى فعل الخير وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه علامة وجود الإيمان فيك، أما إذا قلت: أنا مؤمن: ولكن لا دخل لي بالناس، فهذا ادِّعاء بأنك مؤمن.
(( أوحى الله إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا عل أهلها، قال إن فيها عبدك فلانا لم يعصك طرفة عين، قال اقلبها عليه وعليهم، فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط. ))
ابنة أخيك تزورك، وترتدي ثياباً فاضحة وتسكت؟! هذا شأنها، أنا لا أحب أن أتدخل بشؤونها الخاصة:
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ(117)﴾
لم يقل: صالحون، بل قال:
إذاً: الحق لا يستمر إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الحق لا يستمر إلا بالتواصي بالحق، فالإنسان بمجرد أن ينسحب من المجتمع، وأن يكون صالحاً لذاته؛ أن يصلي ويصوم، وألاّ يتكلم بكلمة لإصلاح ذات البَين، أو لإصلاح المسلمين، أو لإصلاح المؤمنين، لا يتأثر لوقوع المنكرات، ما الذي يحصل؟ تتسع دائرة المُنكر، وتنكمش دائرة الحق، أمّا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما الذي يحصل؟ تتسع دائرة الحق، وتنكمش دائرة الباطل.
حينما قال الله عزَّ وجل:
4 ـ مؤمن:
أما كلمة
إذا كان لقب دكتور لا يُقبَل إلا بجهدٍ جهيد، ووقتٍ مديد، وعقلٍ رشيد، أتقبل أن يُسمّى الإنسان مؤمناً دون أن يطلب العلم؟ أتقبل أن يُسمَّى الإنسان مؤمناً دون أن ينضبط بالأمر والنهي؟ القضية ليست متوقفة على تسميتنا، فكل إنسان له أن يقول ما يشاء، ولكن العبرة أن تكون عند الله مؤمناً، أن تكون في مقاييس الدين مؤمناً.
هل يكون في الناس مؤمن ويغتاب، مؤمن يطلق بصره في الحرام، مؤمن يكسب مالاً حراماً، مؤمن يقدّم الظواهر ويُخفي البواطن، مؤمن علانيته لا كسريرته، جلوَته لا كخلوته، هذا ليس مؤمناً، البطولة أن تكون مؤمناً وفق مقاييس القرآن.
﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(63)﴾
مؤمن عند مَن؟ ينبغي أن تكون مؤمناً عند الله بمقياس القرآن، لكن لو رأيت بيوت الله عزَّ وجل مفعمةً بالمصلين، والله شيء جميل، بل جميل جداً، وهذه بادرة طيبة تثلج الصدر، ولكن إذا دخلت إلى بيوت هؤلاء روَّاد المساجد لا تجد قواعد الدين متأصّلةً في هذا البيت، أصوات الغناء تصدح في هذه البيوت، أجهزة اللهو تنطلق بأعلى أصواتها وأبهى صورها، نساء هذا البيت لسنَ ملتزمات بأمر الله وأمر رسوله، فهل هذا مؤمن؟
مؤمن أي أنّه عرف الله، وعرف منهج الله، وطبَّق منهج الله، هذا هو المؤمن، فلذلك كلمة مؤمن -انتبه- إذا وصفت نفسك بأنك مؤمن فهذا لقب من أرقى الألقاب، فكلمة دكتور قد لا ينجو من عذاب الله، لكن مؤمن أي أنه إنسان حقق الغاية من وجوده، إنسان عرف هُويَّته، عرف ربَّه، عرف سرّ الحياة، عرف سرّ الوجود، عرف الحقيقة العُظمى، ضبط نفسه وفق قيمٍ معينة، فهذا مؤمن.
النشاط العقلي والنفسي والسلوكي:
أقول دائماً: لا بد لك من نشاطٍ عقلي، ونشاط نفسي، ونشاطٍ سلوكي.
فالنشاط العقلي يعني أن هذا العقل غذاؤه العلم، لا بد من طلب العلم، لا بد من تفكرٍ في خلق السماوات والأرض، لا بد من نظرٍ في أفعال الله عزَّ وجل، لا بد من تلاوةِ القرآن، لا بد من فهمه، إنه كتابنا الأول، هذا جانب عقلي.
الجانب النفسي: لا بد من ذكر الله.
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ
الجانب السلوكي: لا بد من استقامة على أمر الله.
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(112)﴾
والاستقامةُ يقع في أول مضامينها ترك الحرام
إذاً: كلمة مؤمن هذه مرتبة رفيعة في الإسلام؛ مرتبة علمية، ومرتبة أخلاقية، ومرتبة جمالية، المؤمن أيْ أنّه سعيد، فالذي يشكو دائماً ليس مؤمنًا.
المؤمن عرف ربه، عرف أن الأمر كله بيد الله، لأن أفعال الله كلها حكمة، وكلها عدل، وكلها رحمة، عرف أنه:
(( لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ. ))
هذا هو المؤمن، فالمؤمن موحِّد لا يرى مع الله أحداً، هذا المؤمن، فقبلَ أن تقول: أنا مؤمن، أو قبل أن تصف إنسانًا بأنه مؤمن تروَّ كثيراً، فأنا ألاحظ أن الألقاب توزَّع جزافاً، قد يكون الإنسان لا يصلي، أو يصلي، ولكن ليس منضبطاً بأمر الله ونهيه، فتجد أحدهم يصفه قائلاً: هذا إنسان مؤمن، هذا تألٍّ على الله، كلمة مؤمن مرتبةٌ علميةٌ وجماليةٌ وأخلاقية.
المؤمن عالم، وما اتخذ الله ولياً جاهلاً، ولو اتخذه لعلَّمه، والمؤمن أخلاقي، فلا غدر، ولا كذب، ولا تدجيل، ولا احتيال، ولا غمز، ولا لمز، لأن هذا كله ليس من أخلاق المؤمن، المؤمن سريرته كعلانيَّته، باطنه كظاهره، ما بقلبه على لسانه، ما يتكلَّم به يعبِّر عن قلبه، حياته نظيفة واضحة جليّة، دخله حلال، إنفاقه حلال، جوارحه منضبطة، بيته إسلامي، عمله إسلامي، هذا المؤمن، مرتبة أخلاقية ومرتبة جمالية، "لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليه بالسيوف"، لأن الله سبحانه وتعالى يعطي الصحة والمال والذكاء والجمال للكثيرين من خلقه، ولكن يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين. هذا مضمون كلمة مؤمن.
كما قلت في درسٍ سابق: المؤمن إيمانًا قطعيًا بأن الله موجود في السماء وفي الأرض، وأن الله سبحانه وتعالى كاملٌ كمالاً مطلقاً، وأن الله سبحانه وتعالى واحدٌ في ذاته، وفي أفعاله، وفي صفاته، وأن الله يعلم سرَّك وجهرك، وأنه سيحاسبك، إن كنت مؤمنًا على هذا النحو فلن تعصي الله عزَّ وجل؟ فإن كنت مؤمنًا؟! فمستحيل أن ترى المؤمن بوجود الله ووحدانيته وكماله وعلمه وحسابه، ثم ينطلق إلى معصية الله.
تَعصِي الإِلهَ وأنتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ هذا لَعَمْرِي في المَقالِ بَديعُ
لَو كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لَأَطَعْتَـــهُ إِنَّ المُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ يُطِيعُ
(( قالت امرأةٌ لأبي السائب، وهو من أصحاب رسول الله وقد توفاه الله عزَّ وجل، وكان النبي عليه الصلاة والسلام أمامه، قالت له:
رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، قال: وما يدريك؟
قلت: لا أدري والله، قال: أما هو فقد جاءه اليقين، إني لأرجو له الخير من الله، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم ))
هذا تألٍّ على الله، لو أن النبي سكت لكان كلامها صحيحاً، فقال عليه الصلاة والسلام:
الآن أولُ مُرتَكز للآية رجل نكرة، المُرتَكز الثاني مؤمن
5 ـ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ
فرعون ادّعى الألوهية، وقال:
﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى(24)﴾
فرعون ذبَّح أبناء بني إسرائيل، واستحيا نساءهم، فرعون طغى طغياناً كبيراً، وعتا عتوّاً كبيراً، فرعون.
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ(4)﴾
لا حُجّة للإنسان بالبيئة:
هؤلاء الذين يقولون: بيئة، معطيات، تأثُّر متبادَل، هذا يجب أن يكون مع فرعون، لأنه من آل فرعون، ماذا يعني أن يؤمن رجل من آل فرعون؟ أوضح من ذلك: ماذا يعني أن تكون امرأةٌ كافرةً، وهي زوجة نبي؟ وماذا يعني أن تكون امرأةٌ مؤمنةٌ، كان فعلٌ تام في هذا السياق، أن تكون امرأةٌ أي أن توجد امرأةٌ مؤمنةٌ عند فرعون، وهي زوجةٌ له؟ ماذا يعني ذلك؟ ماذا يعني أن يكون ابن سيدنا نوح كافراً؟
﴿ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ(43)﴾
نبيٌ ابنه كافر، كافرٌ كفراً بواحاً، وفرعون زوجته مؤمنة، وسيدنا لوط نبي كريم، وامرأته كافرة، قال تعالى:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ(10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(11)﴾
ماذا تعني أن تكون امرأة فرعون مؤمنةً، وزوجها فرعون؟ وأن تكون امرأة لوط كافرة وزوجها نبي؟ وأن يكون ابن سيدنا نوحٍ كافراً وأبوه نبي؟ وأن يكون رجلٌ من آل فرعون مؤمنًا؟ ماذا يعني كل هذا؟ الإنسان مخيَّر، لولا أنه مخيَّر لبطل الثواب والعقاب، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، لو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، لو تركهم هَمَلاً لكان عجزاً في القدرة، الإنسان مخير، فمن يقول: هكذا أنا نشأت في بيئة سيَّئة، هكذا أبي علمني، هكذا علمتني والدتي، مجتمعي سيئ فاسد، هذا كلام غير مسموع إطلاقاً، الإنسان ليس منفعلاً، ليس الإنسان ريشة في مهب الريح، ليس الإنسان ماء يُلقى في منحدر ليس له خيار، لا، فإن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلما تنقضه الأيام إذا كان صادراً حقاً عن إرادةٍ وإيمان.
هذا الكلام مُفَاده أّلا يحتجَّ أحدٌ أنّ البيئة سيئة، أن أباك لم يربِّك، أمّك لم تربِّك، العمل سيئ، المعطيات سيِّئة، الفساد عَمَّ، الناس فسدوا، هذا كله كلام غير مقبول عند الله.
﴿
الإنسان مُخيَّر، ولا سلطان لأحدٍ عليه حتى الشيطان، فلا يدّعِ أحدٌ أن فلانًا أضلّه، وأنّ فلانًا أغواه، لولا أنه ضالٌ في الأصل لمَا مَكَّنَ الضال من أن يُضِله، ولولا أنه غاوٍ في الأصل لما مَكَّنَ الغاوي أن يغويه، هذه قاعدة.
6 ـ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ
إذاً:
والدليل أنّ هذا الرجل المؤمن الذي يكتم إيمانه –انظروا إليه- انطلق يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، أيْ خرج من السلبية إلى الإيجابية.
أحياناً قد يكون الإنسان في حالٍ لا داعي معه أن يظهر إيمانه بشكل صارخ، بلا ثمن، ولكن حينما يكون الثمن باهظاً يظهر إيمانه، فإنسان يمارس الشعائر بشكل صارخ ليقول الناس: إنه متديِّن، هذا نوع من النفاق، ولكن حينما تُنتهَك حرمات الله عزَّ وجل، حينما يقع الظلم الشديد، ينبغي أن تكون مع الحق، وأن تدافع عن أهل الإيمان، وإلا فما قيمة إيمانك؟
مثل صارخ: رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه، وما أدراكم ما فرعون؟ ففرعون هذا الذي أمر بذبح أبناء بني إسرائيل، قتلُ الإنسان عليه سهلٌ جداً، هذا الرجل المؤمن وقف في وجه فرعون، فماذا قال؟ قال:
7 ـ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ
أيْ تقتلونه، لأنه يقول: ربي الله، الإنسان يُقتَل، ما من شريعة إلّا وأقرّت القتل، فالقاتل يُقتَل، قال تعالى:
﴿
القاتل يُقتَل، أما أن يقتل الإنسان لأنه قال: ربي الله، فهذا ظلمٌ ما بعده ظلم، لأنه عرف ربه، لأنه أراد أن يستقيم على أمر الله، لأنه أراد أن يحقق وجوده، لأنه أراد أن ينجو من عذاب النار؟! فلذلك من علامات قيام الساعة كما ورد في بعض الأحاديث:
(( عن عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ:
اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا. ))
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ، وَلَا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ.))
8 ـ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ
وبشكل ملطَّف: أنّ الشاب في بيت أهله يتمنى أن يقيم أمر الله عزَّ وجل، فيجد أن الأب يثور عليه، والأم تثور عليه، وإخوته يثورون عليه، وأصهاره كذلك، لكن لماذا؟ فيقول: هذا مُحرّم بنص القرآن الكريم، معي الدليل، لا يُقبَل دليله، لا بد من أن يعيش على نمط هذه الأسرة من اختلاط، وتفلُّت حتى يرضى عنه أهله، لذلك شيء مؤلم جداً أنّ الإنسان إذا رغب أن يقيم شرع الله عزَّ وجل، وأن يستقيم على أمر الله، تُفسَّرُ تصرُّفاته تفسيرات بعيدة عن مصدرها فيقال له: تريد أن تفرِّق الأسرة، تريد أن تجافي أصهارك، تريد أن تفعل كذا، فهذا حال بعض الأُسَر المسلمة وللأسف، فهم لا يريدون أن يُطبَّق الدين، والانتماء عندهم شكلي، إسلام بالهوية.
إذاً: هذا المؤمن من آل فرعون الذي يكتم إيمانه جهر، وقال:
﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ
المؤمن لا يسير إلا بالدليل:
﴿
علامة اتِّباعك للنبي عليه الصلاة والسلام أنَّك تسير على بَيِّنَة، تسير على هدى من الله عزَّ وجل، تفعل ومعك الدليل، ولا تفعل ومعك الدليل، تصل ومعك الدليل، تقطع ومعك الدليل، ترضى بالدليل، وتغضب بالدليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء، فالمؤمن معه حجة، قال تعالى:
﴿
وكل آيةٍ متعلقةٍ بالأنبياء الكرام لكل مؤمنٍ منها نصيب، هذا النصيب بقدر إيمانه، وقدر إخلاصه، وقدر استقامته.
9 ـ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ
مثلاً: فإذا دعاك إنسان إلى مجلس علم، فإذا حضرت، وسمعت، ووجدت أنّ الكلام غير صحيح، فما خسرت شيئًا، ولا تعُد ثانيةً، أما إذا كانت هناك دعوة طيبة جداً إلى معرفة الله، إلى طاعة الله، ورفضت قبل أن تعرفها فالخسارة كبيرة جداً.
لا ترفض شيئا إلا بعد سماعه والاستدلال له أو عليه:
بشكل أو بآخر، أيعقل أن تأتي لإنسان رسالة، معقولٌ أن يمزقها قبل أن يقرأها؟ اقرأها يا أخي، اقرأ ما فيها!! فأنا كل عجبي من هؤلاء الذين يرفضون الدين قبل أن يتعلموا أمور الدين، فيقف أحدُهم موقفاً ضد الدين، وهو لا يفقه من الدين شيئاً، ولو عرف حقائق الدين لذابت نفسه تعظيماً له.
هذا موقف في منتهى الحُمْق والغباء، أن يرفض الإنسان الشيء قبل أن يعرفه، يمزق الرسالة قبل أن يقرأها، يرفض دعوة إلى الخير قبل أن يستوعبها، لماذا؟
أحد شيوخ القبائل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم زار مكة المكرمة، فحَذِّرَه الكفارُ من النبي عليه الصلاة والسلام، وقالوا: هذا إنسان ساحر يفرِّق بين الأخ وأخيه، والزوجة وزوجها، وقد فعل بنا ما فعل، فإيَّاك أن تستمع إليه، وإياك أن تزوره، وإياك أن تلتقي به، وكان هذا اسمه "ثمامة" فيما أذكر الطفيل الدوسي وكان شاعراً أريباً ذكياً فَطِناً، أول الأمر وضع في أذنيه القطن لئلا يسمع كلامه، ثم التقى به، فقال مخاطباً نفسه: يا فلان، إنك رجل لبيب أريب فطِن شاعر، استمع إليه أولاً، ميّز بين الحق والباطل، الخير والشر، فلمَّا استمع إليه وقع كلامه في قلبه موقعاً لطيفاً فأسلم.
فالموقف غير الصحيح أن ترفض الشيء قبل أن تَطَّلع عليه، أن ترفض الخير قبل أن تستوعبه، أن ترفض دعوةً إلى الله عزَّ وجل قبل أن تأخذ نموذجاً عنها، هذا معنى:
10 ـ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24)﴾
ندم.
﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا(27)﴾
ندم، أكثر الآيات:
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ
﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ(34)﴾
أكثر الآيات التي تصف مآل الكافر تصف حالة الندم التي تلبَّس بها، فالعاقل هو الذي يفعل فعلاً لا يندم عليه أبداً، أما إذا تسرَّع الإنسان، تسرّع وردّ الحق، تسرّع ولم يعبأ بالحق، ولم يأخذ بإنذار الله عزَّ وجل، عندئذٍ لا بد من ساعة الندم.
11 ـ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ
الكذب على النفس:
هناك امرأة تعمل في الفن سُئِلَت عن شعورها، وهي على خشبة المسرح -ولكنها صادقة- قالت: "إنه شعور الخزي والعار، وهذا شعور كل أنثى تعرض مفاتنها على الجمهور، إن الحُب يجب أن يبقى بين الزوجين وفي غرفٍ مُغَلَّقة"، هي صادقة، وصدقت، هذه هي الفطرة، فهناك نوع من الكذب وهو أن تكذب على نفسك.
الإنسان أحياناً يدجّل، فيكون متلبِّسًا بالمعصية، ويقول لك: أنا بصفاء، قد يكون دخله حرامًا، ويعطي لعمله السيئ تبريرًا، هو قبل كل شيء يكذب على نفسه، فعلى الإنسان أن يعاهد نفسه على أن يكون صادقاً مع نفسه، ألا يبطن شيئاً، ويظهر شيئاً، اصدقْ مع نفسك، كن صريحاً، هذا الذي تأمر به هل تفعله؟ إن لم تفعله فأنت كاذب، هذا الذي تتمناه من الناس أن يعاملوك به هل تعاملهم أنت به؟ إن لم تفعله إذاً فهذا كذب.
كلمة الصدق واسعة جداً، من أبرز معانيها أن تكون مع نفسك صادقاً، فهذا الذي يعتقد أنه "لا إله" كاذب، لماذا؟ لأنه يوم القيامة يقول:
﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ(23)﴾
قال:
﴿
كل الدعوات الباطلة كاذبة، ومن يعتنقها يكذب على نفسه، لكن أحياناً يعتنقها لماذا؟ ليحقق شهواته، أساساً العقل له دَوْران؛ إما أن يكون دوره قيادياً يقود النفس إلى الحق، وإما أن يكون دوره تبريرياً، كلما انحَطَّت النفس في أَتون الشهوة، جاء العقل ليفلسف لهذه النفس انحطاطها.
لذلك إن الفكر الغربي فكر تبريري، فالأصل عندهم أن هذا الإنسان يجب أن يفعل كل الشهوات القذرة التي نهى الله عنها، فدور العقل عنده تبرير لهذا السلوك، فهذا دور قذر للعقل.
الشرع حكَمٌ على العقل:
ذكرت لكم سابقاً أن العقل إما أن ترقى به إلى أعلى عليين، وإما أن تهوي به، فمثلاً آلة ناسخة ملوّنة، هذه غالية الثمن، عظيمة الخطر، يمكن أن يستخدمها إنسان، ويحصِّل منها ثروةً طائلة، وأن يلمع اسمه في سماء الأعمال والأشغال، يأتي إنسان ويستخدمها لتزوير العملة، فيلقى في غياهب السجن، إنسان يرقى بها، وإنسان يهوي بها وهي آلةٌ واحدة، كذلك العقل، إما أن يكون قائداً يقودك إلى الحق، وإما أن يكون جهاز تبرير، كلما أكلت مالاً حراماً يأتي العقل ويفلسف لك ذلك فيقول: يا أخي، هذه بلوى عامة، الله يتوب علينا، تجد أن العقل يبرر الأساليب الملتوية فيدّعي قائلاً: أنا عندي أولاد، أو هذا ماله حرام أريد أن أخذه، انظر إلى العقل كيف يفلسف المعصية، إذًا فهذا عقل تبريري، وهذا عقل ساقط، من هذا قوله تعالى:
﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ(18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(20) ثُمَّ نَظَرَ(21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَر(22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ(23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ(24) إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ(25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ(26)﴾
العقل ميزان، ولكن هذا الميزان قد يختلُّ، ما الشيء الذي يحكُمُهُ؟ الشرع.
الشرع حكَمٌ على العقل، هذه قاعدة، أعمِلْ عقلك في موضوعٍ ما، فإن توصَّل إلى نتيجةٍ موافقةٍ للشرع فأَنْعِم بهذا العقل، وإن توصّل إلى نتيجةٍ تخالف الشرع، فبئس هذا العقل، فالإنسان عقله ميزان، لكن الشرع يحكمه.
12 ـ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ
لا زلنا في هذه الآية الثامنة والعشرين:
أما المسرف فالله عزَّ وجل أودع فينا الشهوات، وجعل لكل شهوة قناة نظيفة يمكن أن تسلكها، أودع شهوة المال، وقال: اعملوا، اكسب كسبًا مشروعًا، أودع شهوة النساء، وقال: تزوجوا، أما حينما يسرف الإنسان فيأخذ ما ليس له من المال، أو يعتدي على ما ليس له من العِرض فهذا صار مسرفًا، فكل إنسان يكذب على نفسه، ويُبيح لها المعاصي والآثام التي تُبْنَى على العدوان على الغير، هذا إنسان رفض أن يدفع ثمن الهدى، فإذاً: لا يُهْدَى، مثلاً لديك سجادة ثمنها ثمانون ألفاً، وجاء شخص دفع ثمنها خمس ليرات، فهل تعطيه إياها؟ ما دفع الثمن، فهذا الثمن سخيف، ماهذا الثمن السخيف؟ هو قول الناس: الله يهدينا وهم غارقون بالمعاصي، فهذا الكلمة لا تكفي، أو قوله: إلى أن يشاء الله، إلا تعرف ان الله خلقك لتتوب، فالله ينتظر توبتك، فأحياناً هناك أثمان كلها زائفة، أما الثمن الحقيقي أن تكون صادقاً مع نفسك، أن تكون واقعياً، أن تكون مع الدليل، مع البينة، مع الحجة، مع المنطق، مع الفطرة.
(( الإِثْمُ ما حَاكَ في صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عليه النَّاسُ. ))
كل واحد يلازمه ُمفْتٍ: استفتِ قلبك، وإن أفتاك المفتون وأفتوك، كل واحد لديه مفتٍ خاص، وهو قلبه، الله فطرك فطرة عالية، فإذا عاد الإنسان إلى فطرته، ووقف عند حده، ولم يعتدِ على غيره، ولم يكذب على نفسه، فالنداء له من كل جهة: أن تعالَ أنت تستحق الهدى.
﴿ نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ
هذه الهداية، ولكن لا يهدي الله عز وجل إنسانًا معرضًا، كذَّابًا، دجَّالًا، غارقًا في الشهوات، هذا الإنسان أبعد عن الهدى بعد السماء عن الأرض، ادفع ثمن الهدى؛ ألّا تكون كاذباً مع نفسك.
إنها آية دقيقة جداً، وتعني أن الهدى مطمح كل إنسان
(( من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم. ))
وهذا هو الكشف؛ يقول عنه بعضهم: الكشف والتجلي والإشراق ثمنه باهظٌ جداً
الهدى الإلهي، التجلي الإلهي، السكينة، هذه كلُّها تحتاج إلى انضباط واستقامة، استقم على أمر الله وانتظر من الله كل خير.
إن شاء الله في درسٍ قادم نتابع حديث هذا الرجل المؤمن، وينبغي أن يكون في كل مجتمعٍ مسلم رجالٌ مؤمنون من أمثاله، لأن الله عزَّ وجل ما أرادها قصةً، ولكن أراده نموذجاً بشرياً يُحتذى به.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.