- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (042)سورة الشورى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الخوف والقلق يوم القيامة هو حال الأقوام الذين اقترفوا الآثام في الدنيا:
أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس التاسع من سورة الشورى، ومع الآية الثالثة والعشرين وهي قوله تعالى:
﴿ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ(23)﴾
وقد جاءت الآية التي قبلها:
﴿
حينما كان في الدنيا، حينما كان يظن نفسه شاطراً بالتعبير الدارج، أو ذكياً، أو عاقلاً، حينما أخذ ما ليس له، أو حينما انغمس في الدنيا إلى قمة رأسه، هذا الذي ظَنَّهُ مجال فخرٍ إذا هو الآن يهلك به.
المفارقة الحادة بين حال الدنيا والآخرة:
كما قلت في الدرس السابق إن الجنة مبنية على الطلب، اطلب تُعط، بل إن أي شيءٍ يخطر في بالك تجده أمامك، هذا نظام الجنة، لكن الحياة الدنيا تحتاج إلى جهدٍ وبذلٍ، وسعي وكدحٍ، ومعاناةٍ ومكابدةٍ، هكذا طبيعة الحياة الدنيا، وتلك طبيعة الآخرة، فالحياة الدنيا محدودة، أيام معدودة، لكن الحياة الأبدية خالدة وغير محدودة.
بعد أن يبين الله سبحانه وتعالى هذه المفارقة الحادة، بين إنسان - كما ذكرت في الدرس الماضي- أراد أن يُهرب مادة ممنوعة، أو مادة مخدرة، والصفقة يأخذ عليها عشرات الملايين، وهو في أعلى درجات النشوة من هذا المبلغ الضخم الذي حَصَّله، فجأة أُلقي القبض عليه والحكم بالإعدام مثلاً، قبل دقائق كان يعدّ نفسه من الأذكياء الذي جمعوا مالاً طائلاً بجهدٍ يسير، فجأة أصبح هذا الشيء الذي ضُبط معه سبب هلاكه وقتله، وَضْع هذا الإنسان وهو ينتظر النطق بالإعدام وراء القُضبان، هذا الإنسان يشبه إنسانًا آخر يكرم يقدم له أطايب الطعام يحاط بكل أنواع الحفاوة والتكريم؟ المفارقة حادة جداً بين إنسان على وشك الهلاك مما كسب وإنسان يتلقَّى كل تكريم،
مقاييس أهل الدنيا مقاييس مادية:
أيها الأخوة الأكارم؛ لا يوجد إنسان إلا وعنده مقاييس يقيس الأشياء بها، الإنسان أحيانًا يقول: فلان حَصَّل أموالاً طائلة بزمن يسير فيعده ذكياً، فالمقياس هنا مادي، فلان وصل إلى منصبٍ رفيع في سنّ مبكرة، فيعد هذا الوصول إلى هذا المنصب الرفيع أيضاً قدرةً فائقة على استيعاب القِوى التي تحيط به، يَعدّه ذكياً.
فأهل الدنيا لهم مقاييس؛ المال مقياس، القوة مقياس، الدرجات العلمية العالية جداً مقياس، القدرة على التكيف الاجتماعي مقياس، الوسامة مقياس، هذه مقاييس الدنيا، لكن لن تكون مؤمناً أيها الأخ الكريم إلا إذا كانت مقاييسك التي تقيِّم الأشياء والأشخاص بها نابعة من كتاب الله، فحينما تقيّم الأشخاص والأشياء بمقاييس مادية فأنت بعيدٌ عن مقاييس القرآن، أما حينما تقيِّم الأشياء والأشخاص بمقاييس قرآنية فأنت مؤمنٌ ورب الكعبة.
فمثلاً إذا عظَّمت الغني لماله ولم تعبأ بالمعاصي التي يقترفها، وأزريت الفقير لقلَّة ماله، ولم تعبأ بطاعته لله عزَّ وجل، فأنت أبعد الناس عن الإيمان، اختلف المقياس، إذا عظَّمت الأقوياء لقوتهم على معاصيهم، وازوررت عن الضعفاء لضعفهم على طاعتهم لله، فأنت بعيدٌ عن أهل الإيمان، فالإنسان لن يكون مؤمناً إلا إذا كانت مقاييسه التي يقيس بها الأشياء والأشخاص مقاييس قرآنية، فينبغي أن تحب المؤمن، وأن تُكْبِرَهُ، وأن تتودد إليه ولو كان ضعيفاً فقيراً، وينبغي أن تزورَّ عن القوي الغني المتلبس بالمعاصي ولو كانت مصلحتك المادية متعلقةً به.
المؤمن الحق من كانت مقاييسه مطابقة لمقاييس القرآن الكريم:
لن تكون مؤمناً إلا إذا وضعت مقاييس أهل الدنيا تحت قدمك، لن تكون مؤمناً إلا إذا أقبلت على المؤمن ولا تجمعك به قرابةٌ، ولا مصلحةٌ، ولا علاقةٌ مادية، لا تحبه إلا لله، ولا تُبغض أهل الدنيا إلا لله، فمن أحبّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان.
أيها الإخوة الأكارم؛ ليس من السهل أن تكون أنت مؤمناً وأن تقترب من أهل الدنيا، وأن تدخل في حياتهم الخاصَّة، وأن تسعد بالقرب منهم، أين إيمانك؟ أين طهارتك وقد خُدِشَت؟ ليس من الإيمان أن تتضعضع لأهل الدنيا، من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه، فالقصة أن تأتي مقاييسك التي تقيس بها الأشخاص والأشياء مطابقةً لمقاييس القرآن الكريم.
المجاملة خلق ذميم على كل مؤمن أن يبتعد عنه:
لذلك كنت أقول دائماً: الخُلُقُ الذميم الذي يقع فيه معظم الناس المجاملة، كأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد تعطَّل، وصار الناس يجامل بعضهم بعضاً، هذا خَلَطَ الأوراق، وضيَّع المقاييس، وأصبح الناس في جهالةٍ عمياء، لأن الله سبحانه وتعالى يغضب إذا مُدح الفاسق، إنسان فاسق، متلبِّس بالمعاصي، بعيد عن أوامر الدين، إذا مدحته أوقعت الناس في حرجٍ، أو أوقعت الناس في تيهٍ، أين المقاييس الصحيحة؟ فلذلك: ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ﴾ هذا الذي نقلني إلى هذا التفصيل، هل ترى أنت أنّ الفضل الكبير أن تكون مؤمناً؟ هل ترى أن الفضل الكبير أن تكون طائعاً؟ هل ترى أن الفضل الكبير أن تكون على المنهج الإلهي؟ هل ترى أن الفضل الكبير أن يراك الله حيث أمرك وأن يفتقدك حيث نهاك؟ هل ترى أن الفضل الكبير أن تثق بما في يدي الله أكثر مما تثق بما في يديك، هل ترى أن الفضل الكبير في معرفة الله، وفي طاعته، ألا تقرأ معي قوله تعالى:
﴿
الإسلام مجموعة قيم والتزامات ثابتة علينا المحافظة عليها:
المؤمن إن لم يَقِس الأشياء والأشخاص بمقياس القرآن فأين إيمانه؟ الإسلام منهج، الإسلام مجموعة قيَم، الإسلام التزام، أردت أن أعبِّر عن هذا بشيء صلب له شكلٌ ثابت، وله حجمٌ ثابت، أما الشيء السائل فحجمه ثابت لكن شكله متغيِّر مع شكل الإناء، لتر ماء يوضع في قارورة طويلة، أو في حوجلة كروية، أو في وعاء بيضوي، أو في وعاء مستطيل، فالماء حجمه ثابت لكن شكله متغيِّر.
أما الشيء الصلب فتقول: هذه قطعة مكعبة، هذه قطعة هرمية، هذه كرة، الشيء الصُّلب يحافظ على حجمه وعلى شكله، والشيء المائع يحافظ على حجمه لا على شكله، لكن العنصر الغازي ليس له شكلٌ ثابت ولا حجمٌ ثابت، فكيف إذا أصبح الدين غازيَّ الطبيعة؟ غاز له آلاف الأشكال، وله آلاف الحجوم، الدين شيء ثابت عُلِم بالضرورة، العقائد ثابتة، العبادات ثابتة ، التعاملات ثابتة، الأخلاقيَّات ثابتة، هذا هو الدين، فبقيت صور الدين أما المضمون فمائع أو غازي، بمعنى هذه الإذابة لمعالم الدين في معالم الدنيا جعلت الأمور تختلف.
ما خيرٌ بعده النار بخير وما شرّ بعده الجنة بشر:
إذاً من قوله تعالى:
(( أنّ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ علَّمَها هذا الدُّعاءَ اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ منَ الخيرِ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ ما علمتُ منهُ وما لم أعلمْ، وأعوذُ بكَ منَ الشَّرِّ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ ما علمتُ منهُ وما لم أعلمْ، اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ من خيرِ ما سألكَ عبدُكَ ونبيُّكَ، وأعوذُ بكَ من شرِّ ما عاذَ منه عبدُكَ ونبيُّكَ، اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قولٍ وعملٍ، وأعوذُ بكَ منَ النَّارِ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ، وأسألُكَ أن تجعلَ كلَّ قضاءٍ قضيتَهُ لي خيرًا. ))
والإمام علي كرم الله وجهه يقول في حكمةٍ بالغة:
الإنسان إذا كان راكباً بمركبة ومنطلقًا بأعلى سرعة في منحدر شديد، وفي نهاية هذا الطريق منعطفٌ حاد، وهو في نشوة السرعة، ونشوة الهواء العليل، ثم اكتشف فجأةً أن المكابح معطَّلة، ماذا يرى بهذه السرعة أو هذا الانطلاق؟ يراه هلاكاً له، هكذا معنى قوله تعالى:
﴿ كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ(5)لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ(6)﴾
العاقل من رأى أن طاعة الله ومعرفته والتقرب إليه هي الفضل الكبير عليه:
الإنسان الذي يأكل أموال الناس بالباطل ويعدّ نفسه ذكياً، لو علم المصير، وعلم العقاب الأليم، والحساب العسير لرأى نفسه شقياً،
الفضل الكبير أن ترى طاعة الله، أن ترى معرفته، وطاعته، والتقرُّب إليه هو الفضل الكبير، لا أن ترى أن المال الوفير هو الفضل الكبير، لا أن ترى أن المنصب الرفيع هو الفضل الكبير، لا أن ترى أن الدرجات العلميَّة العالية التي تُدِرُّ عليك مئات الألوف هي الفضل الكبير، الفضل الكبير أن تكون مطيعاً لله عزَّ وجل، لذلك الإمام الجنيد سُئِل: مَنْ وليُّ الله؟ أهو الذي يطير في الهواء أم هو الذي يمشي على وجه الماء؟ قال:
أيّ إنسان عرف الله وعرف أمره وطبقه فهو ولي لله:
إخواننا الكرام؛ الناس يظنون أن الولي إنسان نادر الوجود، الأمر أبسط من هذا بكثير، قال تعالى:
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)﴾
أي واحد منكم إذا آمن بالله حق الإيمان، واتقى أن يعصيه حقّ التقوى فهو ولي الله ورب الكعبة، امرأةٌ ترعى زوجها وأولادها، ولا تؤذي الناس بمفاتنها، محجبة، مُصلية، صائمة، مطيعةٌ لزوجها، هذه والله وليةٌ لله، معلِّم يُعَلِّم الطُلاب علماً صحيحاً، ويرعاهم، ويربيهم تربيةً سليمة، دون أن يفعل شيئاً يُغضب الله عزَّ وجل هذا والله وليّ لله، أي إنسان، أي حرفة، طبيب، مهندس، محامِ، معلم، تاجر، بائع، موظف، أيّ إنسان عرف الله، وعرف أمره، وطبق أمره، ولي لله، هذا تعريف القرآن:
لن يكون الإنسان مؤمناً إلا إذا كان المقياس الذي يقيس به مقياساً ربَّانياً:
أردت من هذا الاستطراد من قوله تعالى:
إنسان فتح محلاً، وكانت البضاعة محرَّمة، والتعامل مع الناس محرَّم، لكن دَرَّ عليه مبالغ طائلة، فهل تراه ذكياً شاطراً؟ موفق، الله موفقه، هل على المعاصي الله موفقه؟ إذا قلت: الله موفقه فأنت لا تعرف من الله شيئاً، دائماً لاحظ نفسك، هل المقياس الذي تقيس به الأشياء والأشخاص مقياس قرآني أم مادي؟ مقياس أخروي أم دنيوي؟ مقياس شيطاني أم رحماني؟ مقياس عاجل أم آجل؟ فأنت حينما تصلي وتصوم وتحج، لكن مقياسك دنيوي، دائماً تشعر بالحرمان، وترى الناس أذكى منك، تفوقوا، وجمعوا أموالاً طائلة، وتزوجوا، واشتروا بيوتًا، وعندهم مركبات، وأنت وراء الناس، ما هذا الإيمان القليل؟ إذا رأيت أهل الدنيا الذين انغمسوا في شهواتها، وأكلوا مالها الحرام، إن رأيتهم أعلى منك قدراً وأنت المؤمن المستقيم ما هذا الإيمان إذاً؟ فحينما يقول الله عزَّ وجل:
الإيمان ليس ركعات أو دريهمات الإيمان مقياس يتغلغل في كل خلية من خلايا الإنسان:
إن رأيت أن أصحاب الأموال هم أصحاب الفضل الكبير، وأن أصحاب المُتَع والمباهج هم أصحاب الفضل الكبير فأنت لست تقيس الأشياء بمقياس قرآني، إذاً أنت بعيد عن الإيمان، هذا الذي يظن الإيمان ركعتين يصليهما، ودريهمات يدفعهما إلى الفقير، وانتهى الأمر، وكيانه كله كيان دنيوي، كيانه مادي، كيانه وصولي، هذا ليس إيماناً، الإيمان عالَم آخر، الإيمان إذا لم يتغلغل في كل خلية من خلاياك، بكل قطرة من دمك، مقاييسك إيمانية، أهدافك إيمانية، بيئتك إيمانية، من حولك مؤمن، لا تصاحب إلا مؤمناً، لا يأكل طعامك إلا تقي.
﴿
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
الإنسان إذا ما اتصل بالمؤمنين وابتعد عن الكافرين، إذا ما أقام علاقات حميمة مع أهل الإيمان، وابتعد عن أهل الكفر والعصيان، كيف يكون مؤمناً؟ هو كيف اخُتصر الإسلام إلى خمس صلوات؟ إلى صلوات وصيام وحج وعبادات شعائرية؟ أما الموازين والقيم والمبادئ والأهداف النبيلة فهذه كلها هو في غفلةٍ عنها؟
من فقد شيئاً من الدنيا ولكن دينه سليم على منهج الله فهو مؤمن حقيقي:
أيها الإخوة الأكارم؛ دقق في هذه الناحية: كلما رأيت القرآن الكريم يقيس شيئاً بمقياسٍ أخروي، إن رأيت أنَّك بهذا المقياس تطابق القرآن الكريم تشكر الله عزَّ وجل، أما إن كان لك مقياس آخر غير مقياس القرآن الكريم فالأمر يحتاج إلى عملٍ خطير، الأمر يحتاج إلى تجديد الإيمان، لذلك لا يمكن أن ترى مؤمناً مستقيماً على أمر الله إلا ويشعر أنه ملك الدنيا بأكملها، يقول لك: الحمد لله على طاعة الله.
ودقق أيها الأخ حينما كان سيدنا عمر يصاب بمصيبة يقول:
﴿ تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ
الأمل الذي مَنَّ الله به على المؤمنين وهو دخولهم الجنة ينسيهم كل مشكلات الدنيا:
ضربت مثلاً سابقاً وأعيده للفائدة، سألني مرة أحدهم تقول: المؤمن سعيد، والله يصيبه ما يصيب الناس دائماً، قلت له: صحيح ذلك، لكن تصور إنسانًا فقيراً جداً، دخْله قليل جداً، عنده ثمانية أولاد، بيته بالأجرة، عليه دعوى إخلاء فرضاً، المصائب من كل جهة، وله عم، حجمه المالي خمسمئة مليون، مات في حادث، وليس له أولاد، كل هذا المال انتقل إلى هذا الفقير، لكن إلى أن يصل إلى هذا المبلغ هناك إجراءات ومعاملات وبراءات ذمة، وتحتاج إلى سنة تقريباً، فهذا الفقير المعدَم الذي امتلك خمسمئة مليون فوراً لكن إلى أن يقبضها يحتاج إلى سنة لماذا هو من أسعد الناس؟ لم يأكل أكلةً زائدة، أكله هو هو، بيته هو هو، لبسه هو هو، دخل في الوعد، دخل في الأمل، فهذا الأمل الذي مَنَّ الله به على المؤمنين، وعدهم بدخول الجنة، هذا ينسيهم كل مشكلات الدنيا.
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾
من عرف الله وطبق منهجه فهو في قمة السعادة:
شيء كبير جداً، مؤمن، اللهُ وعدك بالجنة عرضها السماوات والأرض إلى أبد الآبدين، كان الصحابة يقولون: ليس بيننا وبين الجنة إلا أن نقتل في سبيل الله، بخٍ بخٍ تمرات، قال: هذه بيني وبين الجنة، ألقاها في الأرض، وخاض غمار الوغى، فالإنسان عندما يكون فعلاً يعرف الله عزَّ وجل، وفعلاً هو مطبق منهج الله عز وجل، يشعر أن له عند الله شيئاً، أن له عند الله عطاءً كبيراً، فهذا الذي يُبشر الله به عباده، هذه البشرى من خالق السماوات والأرض تنسي الإنسان كل متاعب الدنيا، يتحمل بيتاً صغيراً، يتحمل زوجة متعبة، يتحمل دخلاً قليلاً، يتحمل أولاداً مشاكسين، يتحمل بعض الأمراض بجسمه، يقول لك: الحمد لله، أي الإنسان ما دام على الطريق المستقيم، على المنهج القويم، مادام على الصراط المستقيم، مادام يرضي الله رب العالمين فهو في قمة السعادة.
الشقي من أعرض عن ذكر الله عز وجل:
لذلك:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾
الذي أعرض عن ذكر الله لو كان في قمم النجاحات المادية والمعنوية والأدبية، هذا شقيّ شقي ورب الكعبة، وعندما يستقيم الإنسان على أمر الله يشعر أن الله سبحانه وتعالى ينظر إليه بعين الرضا، يشعر أن الله معه، يشعر أن الله آخذٌ بيده كلما عثر، يشعر أن الله يدافع عنه، يشعر أن الله يحبه، هذا الشعور وحده يسعد الإنسان.
أحياناً إنسان له منصب رفيع ينظر نظرة لحاجب: كيف حالك يا فلان؟ يمكث شهراً مسروراً، كلمة كيف حالك؟ هل يلزمك شيء؟ يكون الحاجب لا يقرأ ولا يكتب، فالعظيم إذا التفت إلى الصغير أسعده.
الله عز وجل مع المؤمن دائماً بالتأييد والنصر والحفظ:
ربنا عزَّ وجل ينظر إلى قلب عبده المؤمن، الله عزَّ وجل ينظر إلى المؤمن بعين الرضا، بعين المحبة، بعين التوفيق، هذا معنى قوله تعالى:
﴿
قال: هذه معيةٌ خاصة؛ معهم بالتوفيق، والتأييد، والنصر، والحفظ، أي إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟ لا يوجد معك أحد، وإذا كان الله معك والله الذي لا إله إلا هو لو أن أمم الأرض جميعاً اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، أي:
إذا كنت في كل حالٍ معي فعن حمل زادي أنا في غنى
* * *
نحن لم نذق معية الله الحقيقة، لو كنت معه:
﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
انظر إلى كلمة لن، لتأبيد النفي،
﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا
من هان أمر الله عليه هان على الله:
لكنك عندما تقرأ القرآن الكريم وترى أن وعود الله في أغلبها غير محققة لمن يدَّعون أنهم مؤمنون يجب أن تستنبط أن هؤلاء عندهم خلل كبير وخلل خطير، والله قال:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)﴾
أي حينما يهون على المسلمين أمر الله فلا يطبقونه يهونون جميعاً على الله عزَّ وجل:
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ
لا يوجد وزن، لأنه لا يوجد ورع، لا يقيمون أمر الله، أمر الله عندهم سيَّان فعلوه أم لم يفعلوه.
على كل مؤمن أن يلتزم منهج الله عز وجل في كل شيء:
الدخل يقول لك: ضع بالخرج، لو قلت له: أخي هذا حرام فيه شبهة. يقول لك: لا تدقق، أسهل لك، هكذا حال المسلمين، النبي الكريم يقول:
ما من مخلوق يعتصم بالله عز وجل إلا جعل له مخرجاً من كل شيء:
قال الله عزَّ وجل:
﴿
شرط واحد:
من اصطلح مع الله وتعامل معه بصدق جعل ألدّ الناس له في خدمته:
تقول: يا الله، وأنت مخلص، وأنت مقيمٌ على أمر الله، والإسلام مطبَّق في بيتك، مطبق في عملك، تتقصى الدرهم الحلال ولو بذلت الجهد الكبير، وتنفر من الرزق الحرام ولو كان يسيراً، أنت بهذا الورع، بهذا الخوف من الله، بهذا الإخلاص، ويجعل للكافر عليك سلطاناً مبيناً !! حاشا لله..
﴿
﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، كن لي كما أريد ولا تُعلمني بما يصلحك، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد.
القضية خطيرة جداً قضية مصير، قضية سعادة دنيوية وأبدية، اصطلح مع الله، تعامل معه بصدق، تعامل معه بإخلاص، ضع شهواتك تحت قدمك وضع أمر الله بين عَينيك، وانظر كيف أن أعداءك الألدَّاء في خدمتك، بيد الله كل شيء، ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك قال لك:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
هذا العطاء الأبدي السرمدي.
موضوع الأبد موضوع خطير جداً على كل إنسان أن ينتبه له:
إخواننا الكرام؛ موضوع الأبد لا أحد ينتبه له، جنة للأبد أي كم مليون سنة تكون؟ عاش إنسان ستًا وتسعين سنة ما شاء الله، مئة وثلاث سنوات يقول لك: ما شاء الله على هذا العمر، الآخرة مئة سنة فقط؟ ألف سنة؟ مليون سنة؟ ألف مليون؟ ألف ألف مليون؟ مليار مليار؟ واحد وأصفار للقمر؟ كيس من الطحين كل ذرة مليون سنة؟ ما هذه الآخرة؟ هذا الأبد، الدنيا صغير جداً، فجنةٌ عرضها السماوات والأرض إلى أبد الآبدين ثمنها الطاعة في هذه الدنيا المحدودة، كم سنة كلها؟
انظر إلى الناس يمضون هذا العمر القصير في المعاصي والآثام، يأتيهم مَلَك الموت فجأة، من أفخر بيت لقبر طوله متر ونصف، هذا المصير، هذا مصير كل حيّ، موضوع الموت غائب عن الناس، هل يستطيع إنسان أن يدّعي أنه لن يموت؟ الموت بين أيدينا، هل في اليوم أقل من خمسين نعوة في الشام؟ كم مرة يعلن على المآذن عن الموت؟ ألا نرى الموت بأعيننا كل يوم؟ ماذا في القبر؟ ماذا بعد القبر؟ هذه أسئلة كبيرة جداً.
الشقي من استهلكته الدنيا والعاقل من عمل لآخرته:
الإنسان يكون من الأشقياء حينما تستهلكه الدنيا، من عمل لعمل، من مشروع لمشروع، من لقاء إلى لقاء، من اجتماع إلى اجتماع، بعد ذلك جاءه ملك الموت فجأة، أين المصير؟ أم ماذا كنتم تعملون في الدنيا؟
﴿ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ(45)وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ(46)حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ(47)فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ(48)فَمَا لَهُمْ عَنْ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ(49)كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ(50)فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ(51)﴾
ورد في بعض الآثار القدسية: "أن عبدي خلقت لك السماوات والأرض ولم أعي بخلقهن أفيعييني رغيفٌ أسوقه لك كل حين؟! لي عليك فريضة ولك علي رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزَّتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا- نجاحات في الحياة الدنيا، رجل أعمال ضخم - تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي، وكنت عندي مذموماً"، الفوز العظيم في طاعة الله، الفوز العظيم في السير على منهج الله، الفوز العظيم أن تكون واثقاً بما عند الله، أن تكون واثقاً بوعد الله، أن تكون محباً لله، هذا الفوز العظيم، هذا الفضل الكبير، قال:
من علامات البعد عن الله عدم تحرك الإنسان إلا بالأجر الجزيل:
إخواننا الكرام؛ من علامة صدق النبي، وصدق الأنبياء والمرسلين جميعاً أنهم لا يريدون منكم شيئاً.
﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى
أبداً أبداً، لا مادياً، ولا معنوياً، ولا شيء، هذه علامة الدعوة الخالصة، فلذلك:
النبي الكريم بنى حياته على العطاء:
الله عزَّ وجل وصف النبي عليه الصلاة والسلام قال له:
﴿
إبليس ليس مَلكًا، هذا اسمه: استثناء منقطع، فالعلماء قالوا في هذه الآية: هذه إلا أداء استثناء لكن الاستثناء منقطع، أي المودة في القربى ليست أجراً له.
النبي الكريم لا يريد شيئاً إلا أن يرى أمته طائعةً لله من بعده:
﴿ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وقف العلماء وقفةً طويلة عند هذه الآية، لكن أوجه تفسير وجدته: المودة في القربى أي أن تتوددوا إلى الله فيما يقرِّبُكُم إليه، يقول الأب لابنه أحياناً: يا بني لا أريد منك شيئاً، أنا مكتفٍ، لكن أنا طلبي الوحيد منك أن تكون إنسانًا عظيماً مثقفًا، إنساناً محترماً في المجتمع، هذا الذي يسعدني، فالأب كلما ارتقى مستواه يكون مترَفِّعاً عن عطاء ابنه لكن يتمنى له كل خير، فالنبي عليه الصلاة والسلام لا يريد شيئاً إلا أن يرى أمته طائعةً لله من بعده، منيبةً إليه، عابدةً لله، مقيمةً على أمر الله:
(( عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا أسألكم على ما أتيتكم به من البينات والهدى أجرا إلا أن توادوا الله ورسوله وأن تقربوا إليه بطاعته. ))
هذا حديث ورد عن رسول الله في تفسير هذه الآية، أي النبي لا يريد شيئاً لكن يريد أن نكون مؤمنين، هذا الشيء يريحه، والعظماء فوق المكاسب المادية، العظماء إذا رأوا الناس في بحبوحة، في أخلاق عالية، في تآلُف، هذا الشيء يسعدهم.
أبسط مثال الأب، الأب الغني لو رأى أولاده في مناصب رفيعة علمية، سمعتهم طيبة جداً، وأشخاصاً محترمين في المجتمع، يقول لك: أنا مسرور جداً، هذا الذي يريده.
علامات الدعاة الصادقين:
1 ـ الدعوة على بصيرة:
إذاً المودة في القربى أن تتودد إلى الله بعملٍ يقربك منه، إن فعلت هذا فهذا جزاء النبي، النبي ليس له جزاء، الله سبحانه وتعالى هو الذي يجزيه كل خير.
إذًا النبي عليه الصلاة والسلام لا يريد شيئاً بنص القرآن الكريم، والآية التي تؤكد هذا المعنى:
﴿
فالذي يدعو على بصيرةٍ متبعٌ للنبي عليه الصلاة والسلام.
2 ـ الترفع عن الأجر:
﴿
والذي يبيِّن عدالة الله عزَّ وجل هو بشهادة الله من أولي العلم،
﴿
هذا من علامات الدعاة الصادقين.
3 ـ الصبر:
﴿
والصبر من علامات الصادقين.
4 ـ النجاح في الابتلاء:
﴿
الصبر، والنجاح في الابتلاء، والدعوة الواضحة بالدليل والتعليل، وبيان عدالة الله عزَّ وجل، وعدم الخوف إلا من الله عزَّ وجل، والترفُّع عن أي أجرٍ مادي أو معنوي، هذه خصائص الدعاة إلى الله الصادقين كما وردت في القرآن.
5 ـ المودة من أبرز هذه الخصائص:
من أبرز هذه الخصائص:
المودة سلوك يجسد الحُب:
هنا الآية:
﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)﴾
النبي الكريم لا يبتغي من الإنسان أجراً بل أن يكون كما يريد:
النبي عليه الصلاة والسلام لا يبتغي منك أجراً ولا شيئاً آخر، يبتغي منك أن تكون كما يريد، أن تكون مؤمناً، وكما قلت قبل قليل: أوضح مثل للأب، الأب الغني المستغني عن أولاده، أي لا يسعده إلا أن يكون أولاده في أعلى مقام في المجتمع، يصبح الابن قرة عين،
اختلفت أسرة مرة في موضوع تجاري، فكلفوني أن أكون حكماً بينهم، الأمر استغرق معي عدة سهرات إلى ساعةٍ متأخرة من الليل، بعد أن انتهت هذه اللقاءات باتفاق طيِّب، وكتبوا أوراقاً ووقعوا، حصلت مودة بالغة، أخطؤوا بحقي خطأً قال أحدهم: كم تريد؟ قلت: أعوذ بالله أنا لست محامياً أساساً، ثم قلت: لا، لا أريد، أريد على هذه الجلسات أجراً باهظاً، أن تحضروا دروس العلم، هذه اسمها: مشاكلة، المشاكلة في اللغة هي ليس هذا أجراً، لكن النبي لكماله العظيم حينما يرى أمته منيبةً يسعد.
النبي قبل أن يتوفاه الله عزَّ وجل نظر إلى أصحابه في الصلاة فابتسم حتى بدت نواجذه، قال:
من أصلح علاقته مع الله أُصلحت علاقته مع الآخرين:
إذا دعا إنسان صغير بالنسبة لأي داعية إلى الله عزَّ وجل، دعا إلى الله عز وجل، وإذا رأى إخوانه منيبين إلى الله عزَّ وجل، في صلاتهم خشوع، تعاملهم إسلامي، بيوتهم إسلامية، عملهم إسلامي، عندهم ورع، واللهِ الذي لا إله إلا هو هذا أكبر جزاء وأكبر عطاء تعطونه لمن يدعونكم إلى الله، أن تكونوا على ما يريد الله ورسوله، هذا أكبر عطاء، الإنسان تكفيه لقيمات، أما إذا زرع فسيلة واعتنى بها ثم أثمرت فهذا أجره، فلذلك الأب كذلك، المعلم كذلك، الداعية كذلك، كل إنسان يقدِّم شيئًا لا يَفرحُه أن تقدَّم له شيئًا مادياً، يفرحه أن تكون في مستوى دعوته.
ماذا يؤلم الداعية إلى الله عزَّ وجل؟ أنْ يكون الإنسان محسوباً على هذا المسجد وليس إسلامياً بعمله، أخلاقيته غير إسلامية، في بيته لا يوجد استقامة، في تعامله المادي يوجد أخطاء كبيرة جداً، يأخذ ما ليس له، ويدّعي أنه صاحب دين، محسوب على أهل مسجد وهو ليس منهم، هذا الذي يؤلم، الذي يؤلم أن تنتمي إلى جماعةٍ دينيَّةٍ يُظن أنها طيبة طاهرة ولست في مستواها لا في بيتك، ولا في عملك، ولا في أخلاقك؛ والذي يسعد أن تكون كما يريد الله ورسوله، فالحقيقة الإنسان إذا أحسن فيما بينه وبين الله أحسن الله فيما بينه وبين الناس، أنت أصلح علاقتك مع الله تصلح كل علاقاتك مع الآخرين،
النظر إلى وجه الله الكريم خير عطاء للإنسان في الآخرة:
الحسنة في الدنيا لها عطاء وفي الآخرة لها عطاء، وفوق عطائي الدنيا والآخرة هناك نظرٌ إلى وجه الله الكريم، هذا المعنى يؤيِّده قوله تعالى:
﴿
الزيادة النظر إلى وجه الله الكريم، فالحسنة في الدنيا لها عطاء، وفي الآخرة لها عطاء، والبر لا يبلى، والذنب لا يُنسى، والديَّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، أحسن في عملك، أحسن في بيتك، أحسن في علاقاتك، أحسن في كلامك، كل حركة مسجَّلة، أحسن، أتقن عملك، كن صادقاً، كن وفيًّاً للناس، كن مخلصاً، خذ بيد أولادك إلى الله ورسوله، دُلَّ امرأتك على الله ورسوله، هذا الإحسان، لك الدنيا:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ(46)﴾
ولك الآخرة، ولك نظرٌ إلى وجه الله عزَّ وجل، لذلك قال أحد العارفين بالله:
قال:
هذه جنة القرب من الله، جنة الطاعة لله عزَّ وجل، فحبّذا لو ذقنا طعم القرب من الله.
من أخذ بعضاً من الدين وترك بعضه الآخر لا يسعد عند الله عز وجل:
آخر مثل أقوله لكم: إنسان اشترى قطع سيارة؛ محَرِّكًا، رفاريف، دواليب، مقاعد، سقفًا مقطوعاً، مؤخرة مقطوعة، وضعها في البيت، هذه القطع أتسعده أم هي عبءٌ عليه؟ يملُّ منها، أما إذا اشترى سيارة متكاملة تمشي وراح بها نزهة يسعد بها، إذا أنت أخذت الدين قطعاً ونتفًا، صلِّيت، صمت، لكن لا توجد استقامة تامة، لا يوجد انضباط كامل، عقيدتك غير صحيحة، إذا أخذت من الدين بعض الأشياء وجمَّعتها يصبح الدين عبئاً عليك تملُّ منه، لكن إذا أخذت الدين منهجاً متكاملاً، إذا قطفت ثماره فأنت أسعد الناس به، فأن أخذت بعضاً من الدين وتدع بعضاً هذا لا يسعدك، ولا يرقى بك، ولا تحافظ عليه، سريعاً ما تتفلَّت منه.
من السهل جداً على شخص آخذاً بعض أجزاء من الدين غير متكاملة، سهل جداً أن يترك فريضة صلاة، يقول: والله عندنا اجتماع ضروري، عندنا سهرة، عندنا موسم، عندنا كذا، أما عندما يأخذ الإنسان الدين متكاملاً، منهجاً كاملاً، ويقطف ثماره، يحرص عليه حرصه على روحه، عندما تركب هذه المركبة، وتقلُّك أنت وأهلك إلى مكان جميل، وتقطف ثمارها، هي لم تعد عبئاً عليك، أصبحت مكسباً كبيراً.
من انضبط بمنهج الله عز وجل سعد في الدنيا والآخرة:
إخواننا الكرام؛ كما قيل:
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين