- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (039)سورة الزمر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
مخاطبة الله تعالى في الآية التالية المُسرفون في المعصية:
أيها الأخوة الأكارم؛ مع الدرس السابع عشر من سورة الزُمَر، ومع الآية الثالثة والخمسين من هذه السورة، وهي قوله تعالى:
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53)﴾
أيها الأخوة الأكارم؛ قال العلماء: هذه أرجا آيةٍ في القرآن الكريم، يخاطب الله المُسرفين في المعصية، ليس العصاة، بل المسرفين الذين فعلوا كل أنواع المعاصي، أو الذين فعلوا أكبر المعاصي، كل أنواع المعاصي إسراف، أو أكبر المعاصي إسراف،
أيها الأخوة؛ من لوازم المؤمن أنه بين الخوف والرجاء، فإذا زاد رجاؤه وقلَّ خوفه خوَّفه الله عزَّ وجل، ربَّما لاح له شبحُ مصيبة، ربَّما حجبه الله عنه، وإذا زاد خوفه على رجائه قرَّبه الله إليه وطمأنه، والمؤمن الصادق يتراوح في حركته إلى الله عزَّ وجل بين الخوف والرجاء، يعبد الله خوفاً وطمعاً، رغباً ورهباً، فالله سبحانه وتعالى إن خفته طمأنك، وإن اطمأننت ولم تخف منه أخافك، فإذا خفت وحدك لم يخفك الله عزَّ وجل، وإذا رجوته كان الله سبحانه وتعالى كما تريد وتحب.
ربط الرجاء بالعمل:
على كل هذه الآية أرجا آيةٍ في القرآن الكريم، فكل إنسان يقع في معصية، تزل قدمه، ينحرف نحو مخالفةٍ، ثم يقعده اليأس:
﴿
لا يقنط من رحمة الله إلا القوم الكافرون، فهذه الآية يجب أن ترفع معنويَّات المؤمنين، بل ينبغي أن ترفع معنويات المُقَصِّرين، كل إنسان مقصِّر بإمكانه أن يتلافى قصوره، لكن هناك من يفهم هذه الآية ومثلها من آيات المغفرة والرجاء فهماً ما أراده الله عزَّ وجل، يقول لك: يقول الله عزَّ وجل:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
ربنا جلَّ جلاله ربط الرجاء بالعمل، إذا كنت راجياً فعلاً بادر إلى العمل، بادر إلى التوبة، بادر إلى الاستقامة، بادر إلى العمل الصالح، توبتك، واستقامتك، وعملك الصالح يحقِّق رجاءك، أما إذا رجوت الله عزَّ وجل وأنت على ما أنت عليه من مخالفات، ومن تقصيرات، ومن تجاوزات فهذا رجاء البُلْه، رجاء الحمقى، رجاءٌ ما أراده الله، كل رجاءٍ لم يُرْبَط بالعمل رجاءٌ أَبْلَه، ورجاءٌ ساذج، ورجاءٌ ما أراده الله عزَّ وجل.
الرجاء هو ما قارنه العمل والله جلَّ جلاله لا يتعامل مع التمنِّيات:
ربنا عزَّ وجل يقول في آياتٍ أخرى:
﴿
الله جلَّ جلاله لا يتعامل مع التمنِّيات، ما من إنسانٍ على وجه الأرض إلا ويتمنَّى أن يكون غنياً، إلا ويتمنَّى أن يكون من أهل الجنَّة، التمني كلام فارغ، التمني لا يتعامل الله معه أبداً:
الفرق بين العباد والعبيد:
إذا كنت ترجو الله حقَّاً تتحرَّك، تُبادر، تُقْلع عن ذنبٍ، تبادر إلى عملٍ صالح، تلتزم طاعة الله عزَّ وجل، فإذا قلنا: إن هذه الآية أرجا آيةٍ في القرآن الكريم أي أن هذا الرجاء يتبعه العمل، والدليل:
﴿
أنت الآن نَسَبَكَ الله إلى ذاته تشريفاً وتكريماً، لكن العباد جمع عَبد، والعبيد جمع عَبد، شتَّانَ بين العباد والعبيد، العبيد هم الذين قُهروا بعبوديِّتهم لله عزَّ وجل لحاجتهم إليه، أنت عبدٌ لله بمعنى أن حياتك متوقِّفةٌ على هذا الهواء الذي تستنشقه، وعلى هذا الماء الذي تشربه، وعلى هذا الطعام الذي تأكله، وأنت بحاجةٍ إلى مخلوقٍ مثلك يُلَبِّي ما فيك من دوافع، فأنت مفتقرٌ إلى فضل الله دائماً، بهذا المعنى أنت عبد، وجمع العبد عبيد، لكنَّك إذا عرفت الله، وعرفت أسماءه الحسنى، عرفت وحدانيَّته، عرفت كماله، عرفت ما عنده من خير، فانطلقت إليه بدافعٍ ذاتي، بمبادرةٍ منك، طواعيةً من دون إكراه، من دون سَوْقٍ بمصيبةٍ، إذا فعلت ذلك فأنت عبدٌ لله، وجمع هذا العبد عباد وليس عبيداً.
الله جلَّ جلاله تفضَّل وتكرَّم علينا ورفع من قدرنا وشرَّفنا حينما نسبنا إلى ذاته:
ربنا قال:
هناك آلاف الموظَّفين في سلك الشرطة، مئات الألوف، ماذا يعمل؟ شرطي، لكن يقول لك: أنا شرطي الوزير، انتبه أنا لست شرطياً عادياً، يفتخر لأنه نُسِبَ إلى منصبٍ رفيع، هذا في الدنيا،
الله يُسترضى ولاسيما بالصدقة:
قال تعالى:
عوِّد نفسك يا أخي، كلَّما حُجِبْتَ عن الله، كلَّما زلَّت قدمك، كلَّما أخطأت، كلَّما بدرت منك بادرةٌ لا تُرضي الله عزَّ وجل، عوِّد نفسك أن تُقبل على الله تائباً، عوِّد نفسك أن تستغفر، عوِّد نفسك أن تراجع نفسك، عوِّد نفسك أن تقول: يا رب ليس لي سواك، استرضِ الله، الله يُسترضى ولا سيما بالصدقة.. عن عبد الله بن مسعود:
(( صِلَةُ الرَّحِمِ تَزيدُ في العُمْرِ،
باكروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطى الصدقة، الصدقة تقع بيد الله قبل أن تقع بيد الفقير.
ضالّ وكافرٌ وجاحدٌ الذي يقنط من رحمة الله سبحانه:
﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)﴾
ضالّ، وكافرٌ، وجاحدٌ الذي يقنط، جاء الجواب:
تعاظمني ذنبي فلمَّا قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما
* * *
إذا تاب الإنسان إلى الله تعالى يجب أن يحافظ على أول توبة:
لكن الإنسان إذا تعامل مع الله، مع الله لا يوجد مزاح، لا يوجد تسلية، أنت تعاملت مع الله، زلَّت قدمك، انحرف سلوكك، تورَّطت في معصية، وقعت في انحراف، فما عليك إلا أن تتوب، لكن إذا تبت توبةً نصوحَة أنسى الله حافظيك، والملائكة، وبقاع الأرض كلَّها خطاياك وذنوبك، كأن هذه المعاصي لم تكنْ، وربنا جلَّ جلاله يُشْعِرُكَ بذلك، يشعرك أنه غفر لك، تشعر أنك خفيف، تشعر أن كابوساً أُزيح عن صدرك، تشعر أن الدنيا لا تسعك، يا ربي لك الحمد، أبداً يشعرك أنه غفر لك، أنه قَبِلك، تبت إليه فتاب عليك، تابوا فتاب الله عليهم، أقبلت إليه فقبِلَك، تبت إليه فتاب عليك، قلت: يا رب، قال: لبيك يا عبدي، عجبت لإنسان معه كل هذه التسهيلات ولا يستخدمها! معه باب التوبة ولا يخترقه، ولا يدخل منه، معه رحمة الله عزَّ وجل كيف ينساها؟! أمامه هذه الآية كيف يقنط؟ كيف ييئس؟! لكن أنا لا ألوم إنساناً تاب إلى الله توبةً نصوحَة ثمَّ نَقَضَ التوبة، ثم تاب ثمَّ نقض التوبة، عندئذٍ كلَّما نقض التوبة مرَّةً ضعفت إمكانيَّة توبته القادمة، أبداً، كل نقض للتوبة يُضْعف مكانتك عند الله، أسهل توبة أول توبة، مهما تكن الذنوب كبيرةً، مهما يكن الانحراف خطيراً، مهما يكن حجم المعاصي واسعاً، أسهل توبة أول توبة، وتشعر أن الصلح بلمحةٍ واحدة - الصلْحَ بلمحة - يا رب اغفر لي ذنبي، يا عبدي قَبِلتك، وغفرت لك، وتبت عليك.
لكن المشكلة عندما يتوب الإنسان ثمَّ يعود إلى الذنب الذي تاب منه، يشعر أن حجاباً صار بينه وبين الله، ثمَّ تاب مرَّةً ثانية وعاد إلى الذنب مرَّةً ثالثة، صار الحجاب أسمك، فكلَّما نقض التوبة ثَخُنَ الحجاب، إلى درجة أنه ربَّما لا يستطيع أن يتوب بعد ذلك، لذلك أيها الأخوة؛ إذا تاب الإنسان منكم فليحافظ على أول توبة، عاهد الله عزَّ وجل، عاهد خالق الكون، عاهد ربَّ العالمين،
على الإنسان ألا يقنط من رحمة الله لأن الله يغفر الذنوب جميعاً:
كلمة جميعاً ماذا تُعْرَب؟
والله أيها الأخوة من أخلص لله في توبته، والله الذي لا إله إلا هو يلمُس النتائج ليس بعد ساعة، في اللحظة التي تاب فيها إلى الله عزَّ وجل، يشعر أن جبالاً جاثمةً على صدره قد أُزيحَت، يشعر نفسه خفيفاً، الذنب أثقال.
الهدى يرفعنا والضلال يسحقنا والبطولة أن نعود إلى الله ونصطلح معه:
﴿
وزن يسحقُه، كلَّما انحرف الإنسان جاءت ذنوبه تسحقه، أما:
﴿
الهدى يرفعك، والضلال يسحقك.
﴿
البطولة أن تعود إلى الله، أي أن تعود إلى أمره، قطار خرج عن سكَّته، انحرف، الحل أن يعود إلى الخَط، هذه المركبة خرجت بالوادي، تحطَّمت، البطولة أن تعود إلى خطَّ سيرها الصحيح، الحل الصلْحُ مع الله.
والله يا أيها الأخوة؛ ما يعانيه المسلمون اليوم في شتَّى بِقاع الأرض له حلّ واحد، حلّ واحد الصلح مع الله، إن اصطلحوا مع الله، والله أيها الأخوة تُقْلَب جميع الموازين، تتغيَّر كل المعادلات، كل ما يراه المسلمون اليوم من ضعفٍ، ومن خيبة أملٍ، ومن هجمةٍ شرسة تتلاشى هذه إذا كانوا مع الله، لأنه إذا كان الله معك فمن عليك؟ إن الله مع المؤمنين، إن الله مع المتقين، أي معهم بالنصر، معهم بالتأييد، معهم بالحفظ، معهم بالتوفيقِ، هذه كلُّها وعود لله عزَّ وجل..
العلم في الإسلام ليس هدفاً بذاته إنه وسيلةٌ للسمو بالنفس:
أيها الأخوة؛ كلمة اسمعوها مني: العلم في الإسلام ليس هدفاً بذاته إطلاقاً، إنه وسيلةٌ للسمو بالنفس، فالعلم الذي لا يرقى بك ليس علماً، ربَّما كان الجهل أفضل منه، العلم الذي لا يُعْمَلُ به الجهل أفضل منه، لأن العلم الذي لا يُعْمَل به حجَّةٌ على الإنسان، حجَّةٌ قطعيَّةٌ عليه. هل أنبت إلى الله؟ هل عدت إليه؟ هل عقدت معه صُلْحَاً؟ هل أسلمت له وجهك؟ هل راجعت شؤون بيتك؟ شؤون عملك؟ علاقاتك الماليَّة؟ هل راجعت سلوك أولادك؟ بناتك؟ زوجتك؟ نوع تجارتك؟ نوع تعاملك؟ هل قيَّمت ما في البيت من أجهزة؟ هذا الجهاز حرام أم حلال؟ اسأل يا أخي، إذا حرام يجب أن تزيله، حلال اسأل عنه، لا تكن هكذا تعيش على هامش الحياة، كل شيء تحتاج إلى دليل، إلى برهان، إلى حكم شرعي، هذه التوبة الصحيحة، يا رب تبنا إليك؛ هذا كلام فارغ، تبت غيِّر، هذا التعامل ربوي، هذه الطريقة في البيع لا ترضي الله، هذه الأيمان كاذبة، هذا تدليس، هذا غش، هذه الحرفة كلُّها لا ترضي الله، بضاعة محرَّمة، هذه الحرفة مبنيَّةٌ على إفساد الناس، فيجب أن تراجع مهنتك، تراجع بيتك، تراجع سلوك أولادك، سلوك بناتك، نَمَط خروج بناتك، ما في البيت من أجهزة قد لا ترضي الله عزَّ وجل، هذه هي التوبة، أما صلينا، من شاء صام ومن شاء صلَّى ولكنَّها الاستقامة، أنت فعلاً إذا كنت عدت إلى الله تكره أن تعود في الكفر كما تكره أن تُلْقى في النار.
أنا أقول لكم بصراحة: كلمة هنيئاً لا تُقال إلا لإنسان اصطلح مع الله، اشترى بيتاً، أخي تهانينا، سوف يتركه، تزوج، تهانينا، هذا شيء عارض كله، كل ما في الدنيا يزول لكنَّك إذا عرفت الله واصطلحت معه هذه هي التهنئة الحقيقيَّة، هنيئاً لك إيمانك، هنيئاً لك توبتك.
من كان مؤمناً وتلبس بمعصية فلابد من علاج إلهي يرده لدينه:
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)﴾
تقتضي رحمته ألا يردَّ بأسه عن القوم المجرمين، أبداً، الإنسان العاقل يخاطب نفسه: أنت مقيمة على هذه المعصية، وهذه المعصية، وهذه المعصية، لابد من أن يأتي العلاج، لابد، اسمع الآية:
الإنابة إلى الله عزَّ وجل:
من يحب العذاب؟ من يحب المرض العُضال؟ من يحب الذُل؟ من يحب الافتقار؟ من يحب أن يكون مهاناً؟ هذا عذاب الله عزَّ وجل، وربنا عزَّ وجل يعرف أن يداوي في المكان الذي يوجعك، لو خسرت مئة ألف، مئتي ألف، نصف مليون؛ لا يهمني، هكذا يقول الغني لك، الله عنده علاج لهذا بنوع ثان، عنده علاج لهذا الإنسان لا تحلَّه الأموال إطلاقاً، كل إنسان يُعالج بطريقة، أليس العقل أن نعود إليه قبل أن تأتي المصائب؟ أن نعود إليه في الوقت المناسب؟ أن نأتيه طائعين قبل أن نُساق إليه بالسلاسل، كلام طيِّب أيها الأخوة، كلام منطقي، كلام واضح، كلام رب العالمين،
ربنا عزَّ وجل يسوق العذاب للإنسان إذا لم يتعظ يأتي العذاب الثاني بلا ممهِّدات:
﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ
الله وصف المؤمنين ووصف الكافرين، أنت طبِّق صفات المؤمنين، وصف أهل الجنَّة ووصف أهل النار، كن من أهل الجنَّة، أحسن:
سياسة ربنا مع المجرمين:
مرَّة ذكرت قصَّة من الممكن أن نستفيد منها: إنسان صار معه مرض عُضال، مغتصب محل تجاري، وهو بالإنعاش - العناية المشدَّدة - طلب مسجِّلة وذكر بالشريط أن هذا المحل ليس لي، هذا لإخوتي، الأرض الفلانيَّة، أعطى كل ذي حقّ حقِّه، بعد عدة أيام شعر براحة لم يعد شيء في صدره، طلب الشريط ثم كسره، وعاد إلى ما كان عليه، بعد ثمانية أشهر بالتمام والكمال كانت القاضية، أول عذاب فيه ممهِّدات، أما الثاني فقاصم، قصم، أول واحد فيه ممهِّدات:
﴿ إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)﴾
أحياناً ربنا عزَّ وجل يسوق العذاب ويرفعه، يعطيه نفس، ماذا تفعل؟ تأتيه كريزة فلا ينام منها، ثاني يوم لا يوجد شيء، مغرم بالأفلام المعيَّنة، كريزة فما نام الليل، رفع العذاب،
المصائب إنذار من الله سبحانه لعباده:
﴿
الإنسان لو أن الله عزَّ وجل ما ربَّاه، تركه، أنزل الكتاب على نبيِّه، وبُلِّغ الكتاب، ولم يأتمر بما أمر الله، ولم ينتهِ عما عنه نهى، والله عزَّ وجل أطلقه من دون علاج، من دون مصائب، من دون مشكلات، إلى أن جاء أجله فاستحقَّ النار، لو أن الإنسان هكذا عومل، لقال هذا الإنسان:
﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ
من جملة النذير المصائب.
إذا ساق الله للإنسان مصيبة فيجب أن يتعامل معها تعاملاً إيمانياً:
أيها الأخوة الكرام؛ المصائب إنذار من الله، نصيحةٌ لوجه الله إذا ساق الله للإنسان مصيبة فيجب أن يتعامل معها تعاملاً إيمانياً، أول سؤال يقول: الله غني عن تعذيبي، الله ليس له مصلحة أن يعذبني، لابد من سببٍ يدعو إلى هذه المصيبة، ما هو السبب؟ لابد من خطأٍ، لابد من انحرافٍ، لابد من تقصيرٍ، لابد من كسبٍ حرام، اتهم نفسك ما شئت، وبالغ في اتهام نفسك،
لا يوجد شعور يهز النفس كالندم:
﴿ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ
المسجد مبارك، هذا بيت الله، تعال وذكَّر نفسك، اشحن البطاريَّة، أعطها شحنة، جدِّد إيمانك، تذكَّر ربك عزَّ وجل، فإذا الإنسان أبقى نفسه جاهلة فرَّط في جنب الله، ما عرَّفها بربِّها فرَّط في جنب الله، ارتكب المعاصي فرَّط في جنب الله، قصَّر في واجباته فرَّط في جنب الله،
البطولة أن تضحك آخر الناس:
يقول لك: فلان أصبح شيخاً، مرحباً شيخ، إذا له رفيق صار شيخاً يريد أن يتسلَّى، عندما يستقم هذا الإنسان، أصدقاؤه، أهله يقولون: أين الشيخ لم نره اليوم؟ يكون شاباً صغيراً يقولون: أين الشيخ؟ سخرية،
﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)﴾
البطولة أن تضحك آخر الناس، الكافر:
﴿ إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13)﴾
يضحك، ويسترخي، يتابع الأفلام كلها، وسهرة مختلطة، وكل شيء وصل ليده قبضه، يقول لك: ضع في الخرج لا تدقِّق، هذه شطارة، هكذا البيع والشراء، ألبسناه إياها، هكذا يظن:
الفرق بين حال المؤمن وحال الكافر:
أما المؤمن:
الإنسان الذكي العاقل لا يوصل نفسه إلى طريقٍ مسدودٍ مع الله:
﴿ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)﴾
هيهات:
ألا ليت الشباب يعودُ يوماً فأخبره بما فعل المشيبُ
* * *
هيهات، الزمن لا يرجع للوراء، عقارب الزمن لا تَرجع، أنت بين يومٍ مفقود، ويومٍ مشهود، ويومٍ ممدود، ويومٍ مورود، ويومٍ موعود، اليوم المفقود لا جدوى من الحديث عنه، لأنه مفقود، انتهى، ما مضى فات، والمؤمَّل غيب، والغد لا تملكه، الماضي خرج من يدك، والغد لا تملكه، ماذا بقي أمامك؟ الساعة التي أنت فيها، ما من يومٍ ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم أنا خلقٌ جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة، الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما، إذا استيقظ الإنسان يجب أن يوقن أن الله سمح له أن يعيش يوماً جديداً، اعمل فيه قبل أن يعمل فيك:
﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا
أي ليس الحين حينَ مناص، عندما يرتكب الإنسان جريمة، ويحاكم، ويُحكم بالإعدام، ويُصدَّق الحكم، ويُساق للمشنقة، هل الرجاء يُجدي؟ انتهى الرجاء، التوسُّل؟ التذلُّل؟ البكاء؟ النحيب؟ يحب يبكي ويحب لا يبكي، قد يتوسَّل وقد يظل ساكتاً، قد يقول: يا أولادي وقد لا يقول يا أولادي، كل هذا لن يجدي، لابد من تنفيذ الحكم، الإنسان الذكي العاقل لا يوصل نفسه إلى طريقٍ مسدودٍ مع الله، قصَّر، وقصَّر.
ما من آية أعطانا الله فيها الرجاء إلا عَقَّب بالخوف:
أنا والله أعجب عندما أرى شخصاً في الخامسة والخمسين أو في الستين من عمره ويلعب طاولة في القهوة، لا يصلي، يا لطيف هذا ماذا ينتظر؟ الموت محقَّق، الموت على الأبواب، من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة. ماذا ينتظر؟ كيف سيواجه الله عزَّ وجل؟ عجيب أمر الناس، غارقون في الملاهي، غارقون في الأعمال الساقطة، غارقون في كسب المال الحرام، غارقون في الاختلاط، يطلقون أبصارهم في الحرام، يمتِّعون أبصارهم بما حَرُم عليهم أن يمتِّعوا به أبصارهم، يا أخي الله غفور رحيم، هذا الكلام سذاجة، اسمع الآيات:
﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)﴾
ما من آية أعطاك الله فيها الرجاء إلا عَقَّب بالخوف، صحيح الله عزَّ وجل:
الموت عرس المؤمن على عكس الكافر:
﴿ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ(55)﴾
هذه ساعة الغفلة، الإنسان كل يوم يستيقظ مثل اليوم الماضي إلى ما شاء الله؟ لا، غير معقول، في يوم يوجد خبر جديد، يقول لك: لم أعد أستطيع أن أرى، أتألَّم، يقول لك: أشعر بضيق، بذبحة صدريَّة، إذا إنسان مقيم على المعاصي في يوم من الأيام يوجد شيء جديد أمامه، أما إذا كان مقيماً على الطاعات يا مرحباً بقضاء الله، يوجد سرور، يوجد استسلام لله عزَّ وجل، الموت تحفة المؤمن، الموت عُرس للمؤمن، الموت ساعة اللقاء مع الله عزَّ وجل، أما الشيء المؤلم الذي يهزُّ النفس إنسان مقيم على المعاصي، تكلَّس عقله على أنماط من الحياة كلها مخالفات، كلها اختلاطات، سهرات، إطلاق بصر، مزاح رخيص مع النساء، كسب مال حرام، أساليب ملتوية في كسب المال في إنفاق المال، ثم فجأةً شعر أن عنده مرض عضال، وأنه قاب قوسين من القبر، والله الذي لا إله إلا هو يُحِسُّ بآلام لو وزِّعَتْ على أهل بلدٍ لكفتهم، الآن صار الطريق مسدوداً، فالإنسان وهو في بحبوحة، صحَّته جيِّدة، بمقتبل حياته، بشبابه، الله أسمعه الحق يستجيب:
﴿
دعوةٌ للحياة:
﴿ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)﴾
هذا الذي كذب على الله، أشاع أن هذه ليست حراماً، فيها فتوى يا أخي، ومعنى الآية ليس هذا، معناها كذا، جرَّ النصوص إلى أهوائه، جرَّ الآيات والأحاديث إلى تغطية انحرافاته، أي كذب على الله، هذه قد أفتى فيها عالِم، أنت أفهم منه؟ لا، لست أفهم منه، هذه قضيَّة خلافية، هذه هكذا قال العلماء عنها، كل معصية يغطيها بحجَّة واهية، هذا كذب على الله.
حال المستكبرين يوم القيامة:
﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ(60)﴾
أي مُقام!!
من يكذب على الله يسوَّد وجهه:
﴿
مصير الكاذبين على الله ومصير المتقين يوم القيامة:
لا يوجد إنسان أظلم ممن كذب على الله، أوهم نفسه أن هذا الشيء غير حرام، يجوز، جرَّ النص إلى أهوائه، أوَّل الحديث تأويلاً باطلاً،
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16)﴾
الفوز العظيم والفلاح يوم القيامة بتقوى الله سبحانه:
﴿
اتقوا أن يعصوا ربَّهم، اتقوا غضبه، اتقوا الكفر بالإيمان، اتقوا الشِرك بالتوحيد، اتقوا العقاب بالطاعة،
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)﴾
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)﴾
﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾
﴿
مصير المتقين كما ورد في القرآن الكريم:
﴿ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44)﴾
﴿ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)﴾
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)﴾
المؤمن يوم القيامة ينتقل من ضيق الدنيا إلى سعَةِ الآخرة:
الآية التالية غطَّت المستقبل والماضي:
﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا
وفي درسٍ قادمٍ إن شاء الله نأخذ قوله تعالى:
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)﴾
والحمد لله رب العالمين