- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (013)سورة الرعد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، وصلنا في سورة الرعد إلى قوله تعالى:
﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنْ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنْ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(33) ﴾
أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ
الشكل الحسي لمعنى الآية :
﴿ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ
﴿ وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ
كالأعمال والنيات والمطامح وما يخفيه الإنسان وما يعلنه ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ الجواب محذوف، لأن ما قبله يدلُّ عليه.
كلُّ مخلوق تحت مراقبة الله :
المراقبة تبعث على الاستقامة :
﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ
أي أنك إذا علمت أن الله يعلم حُلَّت كل المشكلات، لأنك إذا علمت أنك مراقب تستقيم، فلو جاءك خبر أنك مُراقَب تنضبط انضباطاً عجيباً، هذا إذا كان الذي يراقبك إنساناً، فكيف لو تأكَّدت أن خالق السماوات والأرض يراقبك، وقائمٌ على نفسك، يراقبها، ويرقب مسعاها، تحركها، نياتها، مطامحها، أمانيها، رغباتها، ما تعلنه، ما تضمره، ما تسرُّه، ما تخفيه.
كيف يعصي الإنسان ربَّه و هو يعلم أنه يراقبه وسيحاسبه ؟!
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ
وقوله تعالى :
﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(14) ﴾
وقوله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(7)﴾
هذه الآيات الكريمة التي توضح أن الله معنا، وهذه الآيات لو عقلنا معناها لاختلفت خطتنا في الحياة كلها، فانتهى الكذب، وانتهى الخداع، انتهى التدليس، انتهت الانحرافات، انتهت المعاصي، فالعبرة أن تعلم أن الله يعلم.
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ
الشركاء أسماء لا حقيقة لمسمياتتها :
أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ
علمُ الله وسِع كل شيء في الأرض والسماء :
أحياناً يكون في دائرة شخص موجود، لكنه غير موجود، لأنه لا يفعل شيئاً لا يقدِّم، ولا يؤخِّر، لا يمنع، ولا يعطي، لا يوافق، ولا يرفض، فالوجود وجود تحرُّك، وهذه الآلهة التي يعبدونها من دون الله لا تستطيع أن تفعل شيئاً، إذاً غير موجودة.
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ(213) ﴾
في أي زمانٍ، وفي أي مكان، لمجرد أن ترى أن في الأرض إنساناً يستطيع أن يفعل شيئاً ما، فهذا شرك، والشرك من لوازمه العذاب
أَمْ بِظَاهِرٍ مِنْ الْقَوْلِ
الأسماء الكاذبة لا تغير من حقيقة مسمياتها :
قل: فلان يستطيع أن ينفعني، ظاهرٌ من القول، هو عبدٌ ضعيف، لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الضر، ولا أن يجلب لها الخير، لو أن الخلايا نمت نمواً عشوائياً ماذا يفعل هذا الذي تعبده من دون الله؟ يُصاب بالذعر، لو أن مجموعة كريات حمراء تجمَّدت في بعض الشرايين فاختل توازنه، أو اختل سمعه، أو اختل بصره، أو اختلت محاكمته، أو اختل تفكيره، أو أصيب بالشلل، ماذا يفعل؟ هذا الذي تعبده من دون الله، أو تخافه، أو ترجوه، أو ترى أن بيده شيئاً ما، هذا لا يستطيع أن يحرِّكَ ساكناً، ولا أن يدفع عن نفسه الضر، ولا أن يجلب لها النفع، كيف تعبده من دون الله؟
بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنْ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
الكافر زُيِّن له عملُه فأعرض عن الله :
إذاً: هذا الكافر حينما أعرض عن الله -عزَّ وجل- زُيِّنَ له سوء عمله، فنفسه تنطوي على شهوات، المؤمن ضبط شهواته وفق الشرع، أما الكافر فحركته شهواته فقط، فأصبحت شهواته محركاً لأفعاله، إذاً بدافعٍ من شهوته، وبسبب عمى قلبه، وإعراضه عن الله -عزَّ وجل-، رأى أن يروي هذه الشهوات من أي طريقٍ كان، وقع في الزنا، وقع في الكسب الحرام، وقع في النِفاق، وقع في الكذب، وقع في الخيانة.
كلّ حركة الإنسان وراءها رؤية :
إذاً: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ﴾ إعراضهم عن الله، وجهلهم به، وبعدهم عنه، وإقبالهم على الدنيا، وجعل الشهوات هدفاً لحياتهم، جُعِلَ مكرهم يبدو لهم مُزيَّناً، والحقيقة أنّ وراء أي سلوك رؤية.
سيدنا يوسف حينما دعته امرأة العزيز قال: معاذ الله، تحليل علمي، لماذا قال: معاذ الله، رأى أن الشقاء كله في الزنا، و رأى في الزنا بعداً عن الله -عزَّ وجل-، رأى خيانة الزنا، رأى انحراف الزاني، رأى دناءة الزاني، فقال: معاذ الله، ولو ملك الناس رؤيةً كرؤية هذا النبي الكريم لأعرضوا عن الزنا، هذا الذي يسرق لماذا يسرق؟ رأى أن هذه السرقة خير له، رأى فيها خيراً، فقد رأى أن المال الوفير يأخذه بلا مسؤولية، وغاب عنه أنه سوف يُكْشَف، وسوف يُحاسَب، وسوف يغضب الله -عزَّ وجل-، وسوف يَعتدي، وسوف يُعتدى عليه، هذا لم يره.
إذاً: ما من تحركٍ للإنسان إلا وراءه رؤية، فطوبى لمن كانت رؤيته مطابقةٌ للحق:
هذا الذي يعتدي على أعراض الناس يرى في ذلك متعةً، ومكسباً وغنيمةً، لكنه لو رأى الحق لرآها مغرماً، فالبطولة أن تمتلك الرؤية الصحيحة، هذه بطولة في زمانٍ عَمِيَت فيه البصائر، وغلبت الشهوات، وصار هم الرجل بطنه، وفرجه، وخميصته، والدرهم والدينار في زمن العمى، في زمن البعد عن الله -عزَّ وجل-.
(( إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ))
في هذا الزمن إذا امتلكت الرؤية الصحيحة فأنت بطل:
ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتقي الله البطل
يجب أن ترى أن المال الحرام لا خير فيه، ولا نفع فيه، ولا يسعد، بل يشقي، يذهب ويُذهَب معه صاحبه، نهاية المال الحرام هو الدمار، فيجب أن ترى هذه الرؤية، ويجب أن ترضى بألف ليرة، وأن تعرض عن مئة ألف ليرة بالحرام، يجب أن ترى أن ألف ليرة تكسبها بالحلال يبارك الله لك فيها، ويسعدك، ويوفِّر عليك نفقاتٍ أنت في غنى عنها، يحفظ صحتك، وصحة زوجتك، وصحة أولادك، ويبارك لك فيها، خيرٌ لك من مئة ألف ليرةٍ تذهب، ويذهب صاحبها معها.
الاتصال بالله تصحيح للرؤية :
الرؤية أيها الإخوة المؤمنون تحتاج إلى اتصالٍ بالله -عزَّ وجل-، فإذا اتصلت بالله، قال عليه الصلاة والسلام :
(( وَالصَّلَاةُ نُورٌ ))
فأنت موجودٌ على وجه الأرض، مزوَّدٌ بشهواتٍ كثيرة، والشهوات قِوى تدفعك نحو جهةٍ ما، تجوع فتنطلق لتأكل، تجوع جوعاً من نوع آخر فتنطلق لإرواء هذا المَيْل، فالشهوات تحرِّك، فإذا كان مع هذه الحركة نورٌ كشَّاف وهي التقوى، كان هذا التحرُّك سليماً، تنطلق السيارة بسرعةٍ فائقة وقوةٍ شديدة، فإذا كان وراء المقود سائقٌ ذو عينين نفَّاذتين، وأذنين مرهفتين، وحكمةٍ في القيادة، ينطلق بهذه السيارة من مكانه إلى هدفٍ آخر، وتحقق له نفعاً، فإذا أغمض عينيه، وسد أذنيه، وثَمِلَ في قيادته كانت نهايته الدمار، فالشهوات حركة، والتقوى نور، إذا اجتمعت الحركة والنور أدتا إلى السلامة، فإذا انعدم النور مع الحركة لابدَّ من حادث.
فلذلك هؤلاء الذين كفروا بإعراضهم عن الله -عزَّ وجل- انقطعوا عنه، وبانقطاعهم عنه أصبحوا في عمى، بقيت الشهوة وحدها تحركهم، والشهوة عمياء.
إنّ الهرة إنْ وضعت لها قطعة لحمٍ تنقضُّ عليها لا تملك الهرة بصيرةً، ولا شرعاً، ولا فقهاً، ولا شيء من هذا القبيل، تنقض على اللحم ولو لأي سبب، لكن الإنسان قد يجوع، ولا يأكل إلا حلال، هناك شرع ورؤية ونور وبصيرة .
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنْ السَّبِيلِ
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ
المعنى الأول :
الآية من قبيل أنك إذا سرت في أول الدرب بلغت آخره، لمجرد أن تمشي في هذا الطريق سوف تصل إلى نهايته، هذا المعنى الأول.
المعنى الثاني :
أن الله -سبحانه وتعالى- يعزى إليه أمر الصد فعلاً، ويُعزى إلى الإنسان كسباً، كأن تقول: المعلم قرر أن يُرَسِّب الطالب فلاناً، فالمعلم يُعزَى إليه الرسوب فعلاً، تنفيذاً، ويُعزَى إلى الطالب كسباً.
من كان على طريق الحق فليفرح :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ
تمام النعمة الهدى، لو أنك اهتديت إلى الله -عزَّ وجل- لهانت عليك الدنيا، فمن عرف الله زهد فيما سواه، ولا شيء يعدل الهدى، فإذا اهتديت لا تثريب عليك، فلا تندم على شيءٍ فاتك من الدنيا، الدنيا عاريةٌ مُستردَّة.
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ
﴿ لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) ﴾
﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ
وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
الإضلال جزاء للضلال :
﴿
لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ
الدنيا فيها من أنواع العذاب ما لا يُحتمَل :
في الحياة الدنيا عذاب لا يحتمل، وهناك آلام لا تُحتَمل، وأحياناً يصاب الإنسان بمرضين متضادين، أدوية هذا المرض تزيد هذا المرض سوءاً، وأدوية هذا المرض تزيد هذا المرض سوءاً، ولذلك يقف الأطباء حائرين، ويرفعون أيديهم، ويقولون: لا حيلة للطب في هذين المرضين
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ
هناك في الدنيا أمراضٌ لا تحتمل، وآلامٌ لا تحتمل، ومشكلاتٌ لا تحتمل، وهناك فقرٌ مدقع كاد أن يكون كفراً، وهناك حاجةٌ إلى لئيم، وهناك ذُل، في الأرض عذابات لا يعلمها إلا الله، فالجسم وحده مسرح لملايين الأنواع من العذاب، آلام الرأس، آلام الضغط في المعدة، آلام الأورام الخبيثة، آلام الظهر، آلام الأعصاب، فكل مريض يظن أن مرضه من أشد الأمراض، لأن جميع الأمراض صعبة.
عذاب الآخرة أعظم وأشقّ :
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ
أسلوب الترغيب والترهيب في القرآن :
﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ(35)﴾
ربنا -عزَّ وجل- إذا ذكر صورةً مُنتزَعة من عذاب النار يُتْبِعُها بصورةٍ من أحوال أهل الجنة حتى نعبد الله خوفاً وطمعاً، رغباً ورهباً .
المؤمن موعودٌ بالجنة :
﴿
﴿ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ
إذا انطبقت على المؤمن صفات المؤمنين انطبقت عليه أيضاً الوعود التي وعده الله بها، فإذا وُعِدَ المؤمن بجنةٍ عرضها السماوات والأرض، لا ينبغي أن يبالي في الدنيا، من بلغ الأربعين دخل في أسواق الآخرة، لا ينبغي أن يهتم للدنيا، ومن جعل الدنيا أكبر همه خسرها، ومن جعل الآخرة أكبر همه ربح الدنيا والآخرة، والأول خسر الدنيا والآخرة، فلذلك:
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
أنهار الجنة كثيرة ومتنوعة :
طعام الجنة دائمٌ غير مقطوع :
عاقبة مؤمن الجنة وعاقبة الكافر النار :
﴿
﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ
هل يستوي أهل الجنة وأهل النار؟
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21) ﴾
وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ
فرحُ المؤمنين بنزول القرآن :
﴿
هذا الفرح فرح تطابق الرؤية مع النفس، أحياناً ترى رؤيةً بسبب اتصالك بالله -عزَّ وجل-، فإذا جاء النص القرآني، وأكَّدها، وصَدَّقها تفرح فرحاً لا يعرفه إلا من فرح ذلك الفرح.
﴿
هم يغضون أبصارهم قبل نزول الآية، سمو نفوسهم حَمَلَهُم على هذه الطاعة، فلما جاءت في نص الكتاب فرحوا، فالمؤمن إذا اتصل بالله -عزَّ وجل-، وهذه ثقتي لو لم يقرأ كتاب الله لكان في مستواه، لطبّقه من دون أن يدري، من دون أن يشعر، لأنه ارتفع إلى مستواه، وهذا الذي يتلوه صباح مساء، إن لم يتصل بالله -عزَّ وجل- فهو في واد وكتاب الله في وادٍ آخر، يتلو كتاب الله ويستمع إلى الغناء ويَطْرَبُ له، فما هذا؟ أبغير كتاب الله تتغنَّى؟ أتستطيع أن تستمع إلى غير كتاب الله؟ أيطربك صوتٌ غير صوت القارئ للقرآن أو المادح بالمديح، وكيف تتفاعل مع هذه المعاني، كيف تطرب لها؟
فلذلك:
غيرُ المؤمن ينكر القرآن أو ينكر بعضه :
قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ
تطبيق تعليمات الصانع رقيُّ بمستوى الإنسان :
﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ
الشرعة هي هذا الشرع الحنيف الشريف وهذا المستوى الراقي، فإذا سلكت المنهاج ترتفع نفسك إلى مستوى الشرع، وهناك من يُعرِض عن سماع الغناء خوفاً من الله -عزَّ وجل-، وهناك من يعرض عن سماع الغناء اشمئزازاً، هذا الذي يعرض عنه اشمئزازاً سمت نفسه، وهناك من يكظم غيظه خوفاً، وهناك من يتصرف بحلمٍ شديد، والحلم الشديد دليل رقي النفس، افحص نفسك من حين لآخر، فهل أنت في مستوى الشرع؟ أم أنت في واد والشرع في وادٍ آخر؟
﴿ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ(37)﴾
وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا
المعنى الأول :
ولا واق يقيك، ولا وليٍ يتولى أمرك إن اتبعت أهواءهم، كأن هذه الآية موجهةٌ إلى المؤمنين، إن اتبعت أهواءهم، وأحياناً يسلك الإنسان مسلكاً بدافع الهوى، فيعرف أن هذا حرام، وأن هذا لا يرضي الله، ولكن نفسه تغلبه وهذا الذي يفعل هذا بعيدٌ عن الإيمان الصحيح بعداً كبيراً.
المعنى الثاني :
﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ(44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ(45) ﴾
فلو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- داس نملة بغير حق لحاسبه الله عليها،
(( لا أمثل بهم فيمثل الله بي، ولو كنت نبياً ))
فكمال الله -سبحانه وتعالى- يقتضي أنه لن يستطيع أحد أن يتقرَّب إليه إلا بالكمال، لكن ليس هناك علاقات أخرى، فالله لا يحابي أحداً، ولا يرتقي الإنسان عند الله إلا باستقامته، ولو أن سيد الأنبياء مَثَّل بأعدائه لمَثَّلَ الله به، أما أهل الدنيا فقد يقربون إنساناً مبطلاً لمصلحةٍ ما، وقد يقربون منحرفاً، وقد يقربون معتدياً، وقد يقربون ظالماً، ولكن الله -سبحانه وتعالى- لا يقرِّب إليه إلا من كان مستقيماً .
﴿ مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ
لا أتخذهم عضداً.
﴿
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً
الأنبياء بَشَر :
الأنبياء بشر ..
محمدٌ بشرٌ وليس كالبشر لأنه جوهرةٌ والناس كالحجر
هل الجوهرة حجر؟ لا، ليس حجراً، حجر كريم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- بشر، فيجوع ويشعر بالحر، ويشعر بالبرد، ويغضب.
(( إِنَّما أنا بشرٌ مثلُكم ، أَنسَى كما تنسونَ ، فإذا نسيتُ فذكِّرونِي ))
﴿
(( عَنْ أَنَسٍ، أنَّ نَفَرًا مِن أَصْحَابِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ سَأَلُوا أَزْوَاجَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عن عَمَلِهِ في السِّرِّ؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: لا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقالَ بَعْضُهُمْ: لا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقالَ بَعْضُهُمْ: لا أَنَامُ علَى فِرَاشٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه. فَقالَ: ما بَالُ أَقْوَامٍ قالوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي. ))
النبي بشر، ولئلا يُظَن أنه إله يتزوج، وينجب ذرية، ويأكل الطعام، بحاجةٍ إلى أكل الطعام، ووجود النبي ليس ذاتياً، بل مفتقرٌ إلى فضل الله، ويمشي في الأسواق، ومشيه في الأسواق له معنى دقيق، أي محتاج إلى الكسب، محتاجٌ إلى الطعام ومحتاج إلى كسب الطعام.
هو بشرٌ وليس كالبشر لأنه جوهرةٌ والناس كالحجر
***
فالنبي -عليه الصلاة والسلام-سيد الخلق وحبيب الحق، لكنك إذا غلوت ورفعته إلى منزلةٍ فوق ما وصفه الله بها فقد حدت عن الطريق، وأشهد أنا سيدنا محمداً عبده ورسوله .
﴿
من بشرية النبي عليه الصلاة والسلام :
(( الشمس كُسِفَت، ووافق كسوفها موت سيدنا إبراهيم ابن النبي عليه الصلاة والسلام، فظن أصحاب النبي أن الشمس كُسِفَت له، وبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام، فعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ : كَسَفَتْ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ ))
ليس هناك علاقةٌ أبدا بين كسوف الشمس وموت إبراهيم، وهذا هو الموقف العلمي، ليس فيه دجل، ولا تزوير، ولا إيهام، ولا تدليس، ولا رغبة في أن يرتفع الإنسان إلى مستوى فوق المستوى الذي أهَّله الله به، وكل إنسان له حجم، وإذا أراد أن يصور الناس أنه بحجمٍ أكبر من حجمه فهذا هو الضلال
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ :
(( أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَالَ لَهُ: هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ ))
ودَّعه سيدنا عمر قبيل ذهابه إلى العمرة فعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُمْرَةِ فَأَذِنَ لِي وَقَالَ:
(( لَا تَنْسَنَا يَا أُخَيَّ مِنْ دُعَائِكَ ))
هكذا النبي، متواضع، مفتقر إلى الله -عزَّ وجل-، وحينما فتح مكة ما استطاع أحدٌ أن يرى وجهه لشدة إطراقه، والدموع تبلل خده ولحيته الشريفة، دخلها مُطأطئَ الرأس تواضعاً لله عزَّ وجل، هكذا النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا الذي يتكبر على ماذا؟ هذا الذي يقول لك: أنا وأنا، فعلت كذا وفعلت كذا، هو الحُمق بعينه وهو الغباء بعينه.
وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ
مطالبة قريش النبي بالمعجزات المادية :
الجواب الإلهي : لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ
يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ
﴿ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ(39)﴾
هذه الآية في السياق لها معنى، وإذا نُزِعَت من السياق لها معنى آخر.
المعنى السياقي للآية :
معناها في السياق: أن الله -سبحانه وتعالى- جعل لكل عصرٍ معجزاته المتعلِّقة به، ففي عصورٍ سابقة كان أفضل شيءٍ أن يأتي النبي بالعصا، أصبحت ثعباناً مبيناً، وفي زمنٍ آخر كان إحياء الموتى أفضل شيءٍ يُقنع الناس بنبوة سيدنا عيسى، لكن هذا الزمان محا الله تلك المعجزات، وأثبت مكانها معجزاتٍ أخرى لحكمةٍ يراها الله -عزَّ وجل-، سياق هذه الآية:
المعنى العام للآية :
لها معنى آخر، وبعض العلماء قالوا: أحياناً يتجه إنسان يتجه وجهةً معينة، وهذه الوجهة يستحق عليها العقاب التالي المناسب، فإذا عدَّل وجهته مُحي هذا العقاب، أي أن الأشياء كلها معلقة.
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ
﴿ إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ
﴿
﴿
﴿
إذاً غَيِّر يُغَيِّر، عُد يعُد، استقم عندئذٍ لا تحصي الخيرات.
كتابة الأشياء أزلا في أم الكتاب :
وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ
مهمة النبي البلاغ ، وعلى الله الحساب :
﴿ وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ(40) ﴾
أنت أيها النبي ليس من مهمتك أن تنتظر ما سيحل بهؤلاء الكفار، هذه لله -عزَّ وجل-، يعذبهم عاجلاً أو آجلاً، يأخذهم الآن، أو يأخذهم بعد أمد، وهذا ليس من مهمتك، مهمتك أن تبلِّغهم الحق.
﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ(25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ(26) ﴾
فهذا الذي ينحرف تقول عنه: لابدَّ من ضربةٍ قاصمة، قد تراها، وقد لا تراها، هناك آيتان.
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ(69) ﴾
هذه الفاء للترتيب على التعقيب، فأحياناً يحلف الإنسان يميناً غموساً، ما إن يخطو خطوةً خارج المحكمة حتى يقع مشلولاً، هذه وفق الآية الأولى
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ َانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(11) ﴾
أحياناً يقول لك الإنسان: فلان لم يحدث معه شيء، لي رفيق في المدرسة يشرب الخمر مثلاً، وماله حرام، وينكر وجود الله -عزَّ وجل-، ومضى عليه عشرون سنة، ولم يحدث له شيء وهو مثل البغل.
﴿ قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ(144)﴾
﴿ بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ(66) ﴾
لماذا لم يحاسب الله -سبحانه وتعالى- فلاناً؟ لماذا لم ينتقم من فلان؟ لماذا أمدّ لفلان؟ هذا تدخُّل في شؤون الله -عزَّ وجل-، رحم الله عبداً عرف حده فوقف عنده، ولم يتعدَّ طوره. هذا موقف سيدنا عيسى:
﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(118)﴾
وأحدهم قال لعبد: بلغني أن سيدك سيبيعك، قال له: هو يعرف ما يريد، قال له: لعلي أشتريك، فقال: تعرف شغلك، قال له: اهرب، قال له: أنا أعرف شغلي، كل إنسان يعرف، فهذا من مهمة الله -سبحانه وتعالى-.
﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ(40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(41) ﴾
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا
بقيت آياتٌ قليلة ننهيها في هذا الدرس :
المعنى الأول :
المعنى الثاني :
وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
لا أحد يستأنف أو يعقب على حكم الله :
الله سريع الحساب :
﴿
مكرُ الكفار مكشوف لا يخفى على أحد :
مكر الكفار مكشوف، والمكر قوَّته في عدم كشفه، فإذا انكشف انتهى. فالله :
﴿ وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) ﴾
كل شيء بإذن الله :
إذاً: ليس في الأرض مكرٌ ينجح إلا إذا أَذِنَ الله له، وليس في الأرض كلها مكرٌ ينجح إلا إذا سَمَحَ الله له، لأن الأمر جميعاً بيد الله.
يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ
العبرة من يضحك في الأخير :
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ
الآية الكريمة :
﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ(34) ﴾
﴿ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ
﴿ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ(55) ﴾
جاءت العنكبوت، ونحن في يوم الهجرة فنسجت:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ
نصره الله بأضعف خلقه، أما سُراقة فجعل الله قدمي خيله تغوصُ في الرمال، فالله -سبحانه وتعالى- كيف يشهد للنبي أنه نبي؟ بنصرته إيَّاه، بالخندق.
﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا(10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا(11) ﴾
بعدئذٍ جاء الله برياحٍ عاتية، أطفأت نارهم، وقلبت قدورهم، وقلعت خيامهم، ودبَّت الفرقة فيما بينهم.
﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ
فنصره الله في بدر وفي الخندق، في أحد ونشر هذه الدعوة وهذا الدليل، فإذا كان الله -عزَّ وجل- راضياً عن إنسان يدعمه، وينصره ويوفقه، فكأن الله -عزَّ وجل- يقول: أنا أشهد له أنه نبي .
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ(43) ﴾
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًاقُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ
الآية لها معنيان :
المعنى التقريري :
معنى تقريري: والذين هم من أهل الكتاب الصادقون يعلمون أني نبي، لأن ذكري موجودٌ عندهم في التوراة والإنجيل.
المعنى التعريفي :
والمعنى الثاني:
وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ
النبي -عليه الصلاة والسلام- بيَّن هذا الكتاب أوسع بيان، وأحاديثه الشريفة التي تزيد عن مائة ألف حديث فيما يقدِّر علماء الحديث تشهد للنبي الكريم أنه نبيٌ مُرسَل.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين