الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، وصلنا في تفسير سورة الرعد إلى قوله تعالى:
﴿ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ(30) ﴾
كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
إرسال الرسل سنة خالية في الأمم السابقة :
أنْ يبعث الله -سبحانه وتعالى- رسولاً إلى الأمة العربية شيءٌ طبيعي، لأن الله -سبحانه وتعالى- أرسل إلى كل أمةٍ رسولاً، فإرسال هذا النبي الكريم لهذه الأمة شيءٌ له ما يقابله في الأمم السابقة.
﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ﴾ كل أمةٍ بدافعٍ من رحمةٍ أو حرصٍ أو رغبةٍ في إسعادٍ الله -سبحانه وتعالى- أرسل لها رسولاً يهديها سواء السبيل.
الله محمودعلى خلق الكون وعلى إنزال الكتب :
الله -سبحانه وتعالى- يقول:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ(1) ﴾
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا(1) ﴾
فكأن خلق السماوات والأرض لا يقابله إلا إنزال هذا الكتاب، أي أن الله -سبحانه وتعالى- لرحمته، وللطفه، ولحرصه على سعادتنا خلقنا، أنعم علينا بنعمة الإيجاد، وأنعم علينا بنعمة الإمداد
﴿ الرَّحْمَٰنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ﴾
الحكمةمن كون النبي أميًّا :
﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ لِمَ جعل الله -سبحانه وتعالى- النبي -عليه الصلاة والسلام- أُميَّاً؟ لو أنه تعلَّم من ثقافة عصره، ثم جاءه الوحي من الله -عزَّ وجل- لاختلط الأمر على الناس، أهذا من الوحي أو من ثقافته؟ ولكن حكمة الله البالغة جعلت النبي عليه الصلاة والسلام أميَّاً، لأن كل الذي سيقوله وحيٌّ من عند الله، إما أنه وحيٌ متلوٌ وهو هذا الكتاب الكريم، وإما أنه وحيٌ غير متلوٍ، وهذه هي السُنَّة المُطَهَّرة.
﴿ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) ﴾
على كلٍ:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) ﴾
حينما نعتقد اعتقاداً جازماً أن هذا الكتاب من عند الله، من عند خالق السماوات والأرض.
﴿ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) ﴾
لا ريب فيه، إذا اعتقدنا هذا الاعتقاد وجب أن نُعنى بكل كلمةٍ، وبكل حرفٍ، بل وبكل حركةٍ في هذا الكتاب.
لو طبَّق الناس ما في القرآن لسعدِوا في الدنيا والآخرة :
أحياناً تقرأ كلمةً على ورقةٍ، ولكنَّ هذا الكلام خطير، مثلاً: لو قرأت على ورقةٍ طريقة تفجير القنبلة النوويَّة. فالكلمات حبرٌ على ورق، ولكنَّ هذه الكلمات لو طُبِّقت لكان حدثاً عظيماً، وعلى شكلٍ آخر كلمات لو طُبِّقت لسَعِدَ البشر كلُّهم، هذه الحروب الطاحنة التي تشقي البشريَّة، هذا الشقاء الذي شقي به الناس، لأنه من صنع أيديهم، ولو أنهم قرؤوا هذا الكتاب وطبَّقوه لكان أثر هذا الكتاب إلى درجةٍ فوق التصوُّر.
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) ﴾
﴿ إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا(9) ﴾
للتي هي أصلح، والمطلق على إطلاقه، أقوَم في كل شيء، في حياتك الخاصَّة، وفي حياتك العامَّة، فلذلك: ﴿لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ وقيمة الكتاب من قيمة مُرْسِلِهِ، فكيف إذا كان من عند الله؟ وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، فهل يُوازى كتابٌ في مكتبة مع كتاب الله؟ لا يوازى، هذا الكتاب "كتاب البشر" فيه خطأ وفيه صواب، وفيه موضوعات توسَّع في بحثها، وموضوعات اختصر في بحثها، وقد نجد تناقضاً، وقد نجد خللاً، وقد نجد عدم انسجامٍ أو نجد ضعفاً، ولكن كتاب الله -سبحانه وتعالى- لا ريب فيه.
﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ هؤلاء الذين جاءهم الكتاب ليهديهم إلى سواء السبيل، لينقذهم من الظلمات إلى النور، ليخرجهم من الظلمات إلى النور، لينقذهم من الشقاء إلى السعادة، ومن حول الشهوات إلى قمم الطاعات، هؤلاء يكفرون بالرحمن، والكفر هنا لا يعني إنكار الوجود إنما يعني الإعراض.
﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) ﴾
يصلي ويُنفِق وهو كافرٌ بالله، أي معرضٌ عنه.
وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ
﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ الرحمن اسم الله الجامِع، أي لطفه من رحمته، وقبضه من رحمته، وبسطه من رحمته ، ومنعه من رحمته ، وعطاؤه من رحمته ، ورَفعه من رحمته ، وخَفضه من رحمته ، وعزُّه من رحمته ، وذلُّه من رحمته، فإذا أذلَّ إنساناً فهذا من رحمته.
فالرحمن اسم الله الجامع، والله اسم الله الأعظم، علمٌ على الذات الكاملة، والرحمن اسم الله الجامع، فالرحمن يجمع أسماء كثيرة ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ ﴾ وقد تلتقي بإنسان يرى الدنيا عنده كبيرة ولها أهميَّةٌ قصوى، لكن الله -سبحانه وتعالى- سواءٌ أعرفه أم لم يعرفه، أأرضاه أم لم يرضه، أتقرَّب إليه أم تباعَد عنه، أكان عمله وفق الشرع أم خلاف الشرع، فإنه لا يبالي، و لا يعبأ، ولا يهاب الله -عزَّ وجل-، ولا يخشاه، فلمَّا هان الله على الناس هانوا على الله، و ضَيَّق عليهم، و شَحَّت السماء، وغَلَت الأسعار، فحينما ينحرف الناس عن الله سبحانه وتعالى يؤدِّبُهُم ويعالجهم.
قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ
﴿قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ﴾ ومعنى ربي أي الذي يمدُّني، و ما من كلمةٍ أقرب إلى الإنسان من كلمة رب، كأنك إذا ربَّيت نبتةً رعيتها، و وراقبتها، و ولاحظتها، وأمددتها بالماء وبالسماد، وقلَّمتها، وحاولت أن تقدِّم لها كل شيء، فإذا أَيْنَعَت ثمارها، واخضرَّ عودها شعرت بجذَّةٍ من السعادة لأنك قدَّمت لها شيئاً ثميناً، والمربي في المدرسة؛ يلاحظ، ويوضِّح، ويقوِّم، ويؤدِّب، ويكافئ، ويجازي.
﴿قُلْ هُوَ رَبِّي﴾ سمعت مرَّة كلمة من إنسان قال يخاطب آخر: إن لم يكن له أب أليس له رب؟ إن كنت يتيماً، أو لم تكن، لك رب بيده كل الأمور.
﴿قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ أي لا مسيِّر لهذا الكون إلا هو، هذا هو التوحيد، فكأنَّ هذا الكتاب كلَّه ينطوي على حقيقة واحدة، وهي أنه لا إله إلا الله، وهذه كلمة الإسلام الأولى، وكلمة التوحيد، فلماذا تعصي الله؟ لأنك رأيت أن هذا الذي تفعله أثمن من الله وأغلى، أما إذا عرفت أنه لا إله إلا الله فإنك لا تطيع إنساناً في معصية الله.
التوكل على الله قوة وغنى :
﴿قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ﴾ إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكَّل على الله، وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك، وإذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله.
وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى
﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ۗ بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ۗ أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ۗ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) ﴾
تروي كتب التفسير أن بعض كفَّار قريش سألوا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يُسَيِّر جبال مكَّة، ويباعد فيما بينها كي تتسع الأرض، وتكون أرحب لهم، وسألوه أيضاً أن يُسَخِّر لهم الريح فينتقلوا بها إلى بلاد الشام غدواً وعشيَّا، وسألوه أيضاً أن يحيي لهم أجدادهم ليكلِّموهم، ويستنبئوهم عن الدار الآخرة وعن الجنَّة والنار، و هذا بعض ما قاله المُفَسِّرون، وهناك معانٍ أخرى تُستفاد من هذه الآية.
حذف جواب ( لو )وفائدة ذلك :
﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾ لم يأتِ الجواب لأن كلمة (لو) أداة شرطٍ غير جازمة، أي أنها تحتاج إلى فعل شرطٍ وجواب شرط، لو جئتني لأكرمتك، ولو أعطيتني لكافأتُك، لو أقبلت علي لزرتك، فلو أداة شرطٍ غير جازمة، ولها معنى دقيق حرف امتناعٍ لامتناع، أي امتنع وقوع جوابها لامتناع وقوع شرطها، لو جئتني لأكرمتك، أنا لم أكرمك، امتنع الإكرام لامتناع المجيء.
﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾ لا جواب، قال بعض المفسِّرين: " الجواب مُقَدَّر، وكل كلامٍ فُهِمَ من دون أن يُذْكَر الأوْلى أن لا يُذْكَر، لأن البلاغة في الإيجاز".
لو رأوا كل الآيات لما آمنوا :
إذاً: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾ لَمَا آمنوا، لماذا؟ لأنهم حينما غفلوا عن هذه الآيات الكبرى التي بثَّها الله في الأرض وفي السماء، إذا غفلوا عن كل هذه الآيات أفيؤمنون ببعض الآيات؟ إذا غفلوا عن الكل أفيؤمنون بالجُزء؟ أي أن الله -سبحانه وتعالى- خالق السماوات والأرض . وفي كل شيءٍ له آية تدل على أنه واحدٌ.
فحيثما التفت، و حيثما نظرت، وأينما ذهبت ترى الآيات طافحة.
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ(20) ﴾
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ(105) ﴾
﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ(1) ﴾
﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا(1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا(2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا(3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا(4) ﴾
﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ(21) ﴾
﴿ فَلْيَنْظُرْ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24) ﴾
فالنبات آية، والحيوان آية، وجسمك آية، وأسرتك آية، والطعام آية، والماء آية، والجبال آية، وفي كل شيءٍ له آية، كل هذه الآيات غفلوا عنها وما رأوها، وما فكَّروا فيها، وما دقَّقوا، وما تأمَّلوا، أفيؤمنون ببضع آياتٍ طالبوا بها تعجيزاً وليس استفهاماً؟
كأن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية يؤكِّد أن الذي لا يفكِّر في الآيات التي بثَّها الله وهي على وضعها الراهن، ما كان له أن يؤمن بالله من خلال خرقٍ لنواميس الكون، إذا كانت نواميس الكون لا تكفي كي تؤمن بالله فإن خرق هذه النواميس لا يكفي أيضاً، إن خرق النواميس لن يحملك على الهدى ما دامت النواميس كلُّها لم تجد فيها ما يكفي كي تؤمن بالله سبحانه وتعالى.
المعنى الثاني: أن هذا القرآن لو أُنزل على جبل لسار الجبل، لو أُنزل على الأرض لقطِّعت الأرض و لو أنزل على الموتى لتكلَّموا، وأنتم أيها الناس ألم يهُزَّ هذا القرآن عقولكم؟ ألم يهُزَّ مشاعركم؟
﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) ﴾
على جبل، والقرآن بين أيدينا فيه ذكر ما قبلنا، وذكر ما بعدنا، هو حبل الله المتين، لا يبلى على كثرة الترداد، كلَّما زدته فكراً زادك معنى، لا يحزن قارئه، من تعلَّم القرآن متَّعه الله بعقله حتى يموت.
﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى ﴾ وهو كذلك، لو تصوَّرتم أن هذا الكتاب إذا تُلِيَ على جبل لسار، وإذا تلي على أرضٍ لتقطَّعت، وإذا تلي على ميِّتٍ لتكلَّم، وهو كذلك، فلو طبَّقتموه لقَلَبَ حياتكم رأساً على عقِب، لو طبَّقتموه لحُلَّت كل مشكلاتكم، لو طبَّقتموه لانتقلتم من الشقاء إلى السعادة، ومن الضياع إلى الوجود، من سفاسف الأمور إلى عظائم الأمور، من جهلٍ إلى علم، من تعبٍ إلى راحة، من قلقٍ إلى طمأنينة، من شعورٍ بالفقر إلى شعورٍ بالغنى، من شعورٍ بالتفاهة إلى شعورٍ بالأهميَّة، هذا هو القرآن.
﴿بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا﴾ شيءٌ آخر في هذه الآية: أن هذا القرآن الكريم -هذا المعنى الثالث- لو جاء به النبي الكريم، فحينما قرأه سارت جبال مكَّة، وحينما قرأه تقطَّعت الأرض أو قُطِعَت به الأرض.
معنيان: إما أنها تقطعَّت أو قُطعت به، لو جاء النبي الكريم بهذا الكتاب فتلاه على الميِّت لنطق هذا الميت، ومع كل هذا لا يؤمن هذا الإنسان إلا إذا سار في الطريق التي رسمها الله له.
تقريباً لهذا المعنى: لو أن إنساناً اشترى كل المجلات الطبيَّة، وقرأها لا يكون طبيباً، ولو أنه قرأ كل المسرحيات لا يكون مؤلفاً، إلا أن يسلك الطريق المحدودة التي رسمتها الجامعة كي تمنح هذا الإنسان هذه الشهادة، فإن لم يفكِّر الإنسان بهذه الآيات التي بَثَّها الله، إن لم يستنبط منها أن هناك إلهاً عظيماً، رحيماً، سميعاً، بصيراً، عليماً، قديراً، قدَّر فهدى، وخلق فسوَّى، إن لم تستقم على أمره، و إن لم تتقرَّب إليه فإن الآيات لا تقدِّم ولا تؤخِّر.
لو أن طالباً نظر إلى مدرسٍ قدير، وهو يحلُّ مسألةً عويصة في الرياضيات، أترى هذا الطالب لو نظر إلى هذا الأستاذ هكذا أيصبح عالماً بالرياضيات؟ لا، ما لم يفتح الكتاب ويقرأ، ما لم يحل المسائل تلو المسائل، ما لم يسأل، وما لم يحفظ، و ما لم يجرِّب، و ما لم يخطئ ويُصيبْ فلن يكون عالماً بالرياضيات.
هناك طريق رسمها الله -عزَّ وجل-؛ إن لم نسلكها فلا جدوى من كل ما نفعله من ظواهر العبادات، هناك صلاةٌ يصليها الناس، هناك صومٌ يصومه الناس، هناك حَجٌ يحجُّه الناس، إن لم نكن في الطريق التي رسمها الله -عزَّ وجل- فلن نقطف ثمار هذا الدين، ولن نسعد لا في الدنيا ولا في الآخرة.
إذاً: في هذه الآية ثلاثة معان.
﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ﴾
الأمر كلُّه لله، فمن الممكن أن تُسيَّر الجبال، ولكن ليس هناك جدوى منها.
مرَّةً قال لي مدرِّس: إن ابنه طلب إليه أن يكتب له موضوعاً في التعبير، والأب أستاذٌ في اللغة العربية، وابنه في صفٍ انتقالي، وليس شيءٌ أهون على الأب من أن يمسك بالقلم، ويكتب هذا الموضوع في خمس دقائق ليأخذ ابنه غداً علامةً تامَّة، ولكن هذا الأب رفض هذا الطلب، لا لشيء إلا لأن هذا العمل لا يجدي، ولا يرفع مستوى ابنه في اللغة ولا شعرة، أما إذا كتب الابن الموضوع، وارتكب أغلاطاً كثيرة، وصُحِّحت له فقد يرقى أسلوبه، فحينما يمتنع الأبُ عن كتابة هذا الموضوع لابنه فلا يعني هذا أنه لا يستطيع، حاشا لله، ولا يعني هذا أنه لا يريد نفعه، حاشا لله إنه يستطيع، ويريد نفع ابنه، ولكنَّه لعلمه وخبرته وحكمته رأى أن كتابة هذا الموضوع لابنه من دون أن يبذل الابن جهداً لا يجدي إطلاقاً في رفع مستواه اللُغوي.
إذا أردت أن أعقِّب مرَّةً رابعة على هذه الآية: أي أن الله -سبحانه وتعالى- حينما لم يسيِّر جبال مكَّة بهذا الكتاب، ولم تُقطَّع به الأرض، ولم يُكلَّم به الموتى لا لأن الله لا يستطيع، حاشا لهر، ولا لأن الله لا يريد الهداية، حاشا لله، إنه يستطيع ولو فعل ذلك لما اهتدوا بل زادهم هذا كفراً، ولكنَّهم لو تأملوا وفكَّروا، واستقاموا وتقرَّبوا، وأصغوا واختاروا وأرادوا لاهتدوا، وهذا هو الطريق التي رسمها الله -سبحانه وتعالى- لعباده كي يهتدوا إلى الله -سبحانه وتعالى-.
بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا
﴿بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ﴾ الأمر كلُّه بيدِ الله، كن فيكون، زُل فيزول، تحريك الجبل بكلمة، وبحرٌ عظيم بكلمة واحدة صار طريقاً يبساً.
﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ(62) ﴾
سُراقَة بن مالك حينما تبع النبي ليقبض عليه، ويأخذ الجائزة غاصت قدما فرسه في الرمال، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، كل شيء في الأرض على الله يسير.
(( لو أن أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ))
نارٌ أضرمها قوم سيدنا إبراهيم سبعة أيام إلى أن كانت كالجبل، كلمة واحدة:
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ(69) ﴾
انتهى الأمر، سيدنا رسول الله -اللهمَّ صلِّ عليه- وهو في الغار، قال سيدنا أبو بكر : " يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا "، قال:
(( قلتُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونحن في الغارِ لو أنَّ أحدَهم ينظرُ إلى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنا تحتَ قَدَمَيْهِ فقال يا أبا بكرٍ ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُما ))
لا يرونا، انتهى الأمر، كل شيءٍ بيدِ الله عزَّ وجل، كن فيكون، حتى أجهزتك، تعمل فحصاً فيقول لك: هناك ضيق في الدسَّام الفلاني، لو شاء الله -عزَّ وجل- لوسَّعه من دون عمليَّة، ولكن هات ثقةً بأن الله على كل شيءٍ قدير، وخذ هذا الشفاء من الله -عزَّ وجل-.
والله أعلم أُناساً كثيرين وضعوا كل ثقتهم بالله -عزَّ وجل- والتجؤوا إليه فشفاهم الله سبحانه وتعالى، وهذا يسمِّيه الأطبَّاء الشفاء الذاتي، فحينما يدرس طلاَّب الطب بعض الأمراض يأتي ذكر الشفاء الذاتي.
﴿بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا﴾ فالدماغ بيد الله عزَّ وجل و العضلات بيد الله، و السمع و البصر بيد الله، وهذا سيدنا عمر وهو على المنبر يخطب إذا به يقول: << يا سارية، الجبلَ الجبلَ >> ، و سارية قال: << أسمع صوت أمير المؤمنين يحذِّرنا الجبل >>، الآن تحتاج إلى أجهزة، وأجهزة اتصال، وأجهزة معقَّدة، " يا سارية الجبل الجبل "، من المدينة إلى العراق، كن فيكون.
﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) ﴾
(( لَوْ أَنّ أَوَّلَكُمْ، وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ ))
أَفَلَمْ يَيْئَسْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا
الهدى القسري لا يسعِد صاحبه :
﴿بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا﴾ أيها المؤمن، آن لك أن تعرف الهدى القسري، فلو أن الله -سبحانه وتعالى- أنزل بهم نازلة، ولم يرفعها عنهم إلا إذا اهتدوا، إلا إذا صلوا مثلاً فيصلون خوفاً من هذه النازلة، فهل معنى هذا أنهم قد اهتدوا؟ لا والله، ليس هذا هو الهدى، وشيءٌ يسيرٌ عليه أن يهديهم هدىً قسرياً، ولكن هذا الهدى لا يسعدهم، ولا ينفعهم.
كما لو قلت: إن كتابة موضوع التعبير من قِبَلِ الأب المدرِّس شيءٌ يسيرٌ على الأب، ولكن كتابة هذا الموضوع لا تُجدي، ولا تنفع الطالب شيئاً، لو أن الله هداهم لأصبحوا ملائكة، لماذا، لأن طبيعة الإنسان أنه مخيَّر، ومعنى مخيَّر أنه مُبتلى، فإذا كان الهُدى قسرياً تعطَّلت علَّة الابتلاء.
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2) ﴾
فطبيعة المدرسة هناك امتحان، فلو أنَّك ألغيت الامتحان، أو وَزَّعْتَ على الطلاب أوراقاً مكتوبة بالإجابات الكاملة، لو جئت إلى هذه الأسئلة.. مثلاً.. وكلَّفت كبار المدرسين بكتابة أجوبةٍ عنها، ثم بُعِثَت أوراق الإجابة إلى المطبعة، وطُبِعَت الإجابة التامَّة، ووُزِّع على الطلاب أوراق الأسئلة وأوراق الأجوبة مطبوعةً في المطبعة، وما على الطالب إلا أن يكتب اسمه ورقمه، ويغلق الورقة ويقدِّمها للمراقبين، أهذا امتحان؟ أهذا نجاح؟ أيعدُّ الذي نجح ناجحاً؟ أيسمى هذا امتحاناً؟ كلا.. فتصوَّر أن إدارة جامعة وزَّعت أوراق الأسئلة وأوراق الإجابة مطبوعاً عليها الإجابة بشكلٍ أمثل كالكتاب تماماً، وما على الطالب إلا أن يكتب اسمه ورقمه فقط تقول: هذا امتحان؟ إن شيءٌ مضحك، أأنت ناجح؟ تستهزئ منه، أهذا نجاح؟
لو أن الله -سبحانه وتعالى- أراد أن يهدي الناس هدىً قسرياً لكان مثل هذا النجاح لا قيمة له، لا يسعد، لا يرفع صاحبه، لكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يسعدنا سعادةً أبديَّة، فجعلنا نختار، جعلنا نُبْتَلى.
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ علَّة الخلق الابتلاء، و لو كان الهُدى عامَّاً قسرياً لتعطَّلت علَّة الخلق، ولفقد الإنسان هويَّته، فمن أنت؟ هل أنت إنسان؟ لست ملك، لأن الملك لم يُبْتَلَ، ولم يكن مختاراً، بل كان مسيَّراً لا مخيَّراً.
﴿أَفَلَمْ يَيْئَسْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا﴾ كأن تقول الأم لزوجها المدرس: يا أخي أعطِ الأسئلة لابنك، إنه مسكين، يقول لها: ألا تعلمين بأن إعطاء الأسئلة لا يجدي، وإن أعطيته الأجوبة، وكتبت ما أعطيته فما قيمة هذا النجاح؟ دعيه يدرس.
﴿َفَلَمْ يَيْئَسْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا﴾ القضيَّة سهلة، ولكن غير مجدية.
وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ
الإنسان حرٌّ في اختياره :
﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ﴾ أما هذه الآية ففيها نقطة دقيقة جداً، أي أن الله سبحانه وتعالى لا يتدخَّل أبداً باختيار الإنسان، لكنه يتدخُّل بالظروف المحيطة به، أي رحمة الله تقتضي أن الله عزَّ وجل إذا رأى عبداً قد انحرف، يخلق حوله صعوباتٌ في حياته، فهو مختار، فلو أن كرةً على منبسط لا يمكن أن أمسك بالكرة، وأضعها في المكان الذي أريد، ولو فعلت هذا لأبطلت حريَّة اختيارها ، ولكنني أُغَيِّر طبيعة الأرض، فأضع أمامها عقبات، أو أسهِّل الطريق أمامها فرحمة الله -سبحانه وتعالى- تنصبُّ على الظروف المحيطة بالإنسان، أما لو تدخَّل الله في اختياره لأبطل الابتلاء، ولأبطل عِلَّة الخلق في الدنيا، ولمَا كان لهذه الأمانة من معنى.
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) ﴾
فما الأمانة؟ إنها التكليف، وما التكليف؟ إنه الاختيار، أنت مخيَّر، فالله -عزَّ وجل- يتدخَّل في الظروف المحيطة، إذا اخترت اختياراً صحيحاً شجَّعك الله ويسَّر أعمالك.
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10) ﴾
" أنت تريد، وأنا أريد، فإذا سلَّمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلِّم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد " .
معالجة الله للعبد إذا انحرف :
﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ﴾ أي مصيبةٌ ﴿أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ﴾ لو فرضنا أباً خيَّر ابنه فقال له: يا بني، إن شئت أن تدرس فأنا مستعد لدفع كل النفقات، وإن شئت أن لا تدرس فأنا مستعد لدفع مصروفك، خيَّره، لكنَّ الأب عالِم يعلم بقيمة العلم، ومع أنه خيَّره لو أن الابن اختار أن لا يدرس لضيَّق عليه، نصحه، وبيَّن له، و وبَّخه قرَّعه، وأنَّبَهُ، ولفت نظره، حرمه المال، و ضربه.
﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ﴾ المعالجة مستمرَّة، أما لو أن الله -سبحانه وتعالى- خيَّرنا وتركنا، فاختار واحدٌ منَّا طريق الضلال فأمدَّه الله بالقوَّة، والمال، والصحَّة، والوجاهة، وغَرِقَ في شهواته والاستمتاع بالملذَّات إلى أن انتهى أجله، فجاء ملك الموت، فإذا هو في جهنَّم، ينشأ في نفس هذا الإنسان عتبٌ على الله شديد يقول له: يا رب أنا جاهل، ذكِّرني، نبِّهني، أدبني، و عالجني، ضيِّق علي، أمرضني، خوفني.
﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى(134)﴾
إذاً: هذه المصائب لابدَّ منها.
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ(147)﴾
تقتضي رحمته أن لا يردُّ بأسه عن أحد، فإذا أحبَّ الله عبداً عَجَّل له بالعقوبة، وإذا أحبَّ الله عبداً ابتلاه.
(( إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يحمي عبدَهُ المؤمِنَ من الدُّنيا كما يحمي أحدُكُم مريضَهُ الطَّعامَ والشَّرابَ ))
المصائب سببها عمل الإنسان :
المؤمن مبْتَلى ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا﴾ فيضان ﴿بِمَا صَنَعُوا﴾
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(112) ﴾
قوارع التأديب كثيرة ومتنوعة :
﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا﴾ بفسقهم وفجورهم.
﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ﴾ في بلاد أمريكا هناك أعاصير تدمِّر كل شيء، مدينةً بأكملها لا يبقى منها شيء، وهناك سفنٌ ضخمة يَدَّعي صانعوها أنها لا تغرق، في أول رحلةٍ لها غرقت، قالوا: " إن القدر لا يستطيع إغراق هذه السفينة "، في أول رحلة عليها ثلاثة آلاف مسافر هم قِمَم المجتمع الأوروبي في القرن التاسع عشر، أغنياؤهم، عليَّة القوم، لقد غرقت في أول رحلة.
أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ
﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ﴾ الزلازل.
﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) ﴾
إذاً رحمة الله تقتضي أن يصيب الذين كفروا بقارعةٍ ﴿أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ﴾ فإذا أردت أن تنجو فكن مؤمناً.
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾
عندما دخل سيدنا يونس إلى بطن الحوت.
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ(87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾
الله ينجي من مصائبه وقوراعه من يشاء من عباده :
أبْشِر، والله الذي لا إله إلا هو لو أن مصيبةً كُتِبَت على ستَّة آلاف مليون إنسان، أي على جميع سكَّان الأرض إلا واحداً الله -سبحانه وتعالى- يُنَجِّي هذا الواحد بقدرةٍ فائقة.
طائرةٌ تُحَلِّقُ فوق جبال الألب على ارتفاع ثلاثة وأربعين ألف قدماً احترقت، فمات جميع ركَّابها إلا واحداً وقع في المكان الذي تصدَّعت منه الطائرة، فنزل على غابةٍ من الصنوبر مجللةٍ بخمسة أمتارٍ من الثلج، فكانت هذه الأمتار الخمسة وأغصان الصنوبر المرنة كامتصاصٍ لهذه الصدمة، نزل واقفاً على قدميه، وكذلك إذا أراد الله -عزَّ وجل- أن ينجي إنساناً فلابدَّ من أن ينجو، فحينما تأتي المصائب، والكوارث والزلازل، والفيضانات، فالمؤمن وحده ينجو.
إذا أتى وعد الله فلا ينفع اعتذار :
﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ﴾ حينما يأتي وعد الله لا يستطيع هذا الكافر أن يقول: ربي لو ذكرتني، ذكَّرتك مليون مرَّة، ربي لو أنذرتني، لو حذَّرتني، لو وبَّختني، لو قرَّعتني، لو أدَّبتني، لو عالجتني، كل يوم عندك خمسون درساً وأنت أصم وأعمى.
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾
فإذا الإنسان تابعه الله -عزَّ وجل- وضَيَّق عليه وعالجه فعليه أن يفرح، لأن معنى هذا أن فيه خيراً، فإذا تركه هَمَلاً فمعناه مقطوعٌ منه الرجاء.
﴿حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ هنيئاً لمن اتعظ قبل أن يأتي وعد الله ، هنيئاً لمن عرف الله قبل فوات الأوان.
﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ(158)﴾
" من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظةً فمصيبته في نفسه أكبر ".
فالذي تأتيه المصائب، ويفسِّرها تفسيراً أرضيَّاً فهذا مصيبته في نفسه أكبر، نفسه هي المصيبة.
وَلَقَدْ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ
الإمهال وإرخاء الحبلبداية النهاية :
﴿ وَلَقَدْ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ(32)﴾
الكافر أحياناً يُمَد، و يُمْهَل، و يُرْخَى له الحبل حتى يتوهم أن الله يحبه، ولكن مقياس محبَّة الله ليست عدم نزول المصيبة، ولكن انطباق سلوك الإنسان على شرع الله، أناسٌ كثيرون يُمدُّ الله لهم مدَّاً، فتجد أن الدخل كبير والمعاصي كثيرة، ويظن أن هذه الحياة هكذا، ولا يوجد حساب.
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(115) ﴾
فحينما تأتي الضربة القاصمة عندئذٍ يتذكَّر الإنسان.
﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ (23) ﴾
لا تنفعه عندئذٍ الذكرى، فمقياس محبَّة الله لك شيءٌ واحد، هو انطباق عملك على الشرع، أما سلامتك من المصائب فهذا قد يكون إمداداً وإمهالاً، واسترسالاً، وإرخاء الحبل، الحبل مُرْخَى، لكن إذا شُدَّ الحبل وقعت في الفخ فعلى الإنسان ألا يطمع، فإذا رأيت الله يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذره، لأن في هذا موعظةً بليغة.
﴿وَلَقَدْ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ هناك صاحب معمل حلويَّات، من أشهر أصحاب معامل الحلويات، كانت طائرة يوميَّة تُرسل إلى بلاد الحجاز من إنتاج معمله، طائرة شحن بكاملها يومياً، دخل إلى معمله مرَّةً فلم يعجبه عمل بعض العمَّال، فأمسك عجينة المعمول ووضعها على الأرض وداسها بأقدامه، وقال لهذا العامل: هكذا تُعْرَكُ العجينة، فقال: يا سيدي أبأقدامك؟! قال: نعم الناس تأكل من تحت أقدامي، مضى على هذه الحادثة أربعون أو خمسون يوماً أصيبت رجلاه بمرض المُوات "الغرغرين" فقُطِعَت رجلاه من الرُكبتين ﴿فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ أيأكل الناس من تحت أقدامك؟ أهكذا تهين نعمة الله عزَّ وجل؟ أهكذا بلغ بك الغرور؟ قُطِعَت رجلاه من ركبتيه ﴿فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ .
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12) ﴾
الله عزَّ وجل يُمهل، ولا يُهمل، حتى إذا أخذه لم يفلته، الله -سبحانه وتعالى- هذا الذي يستهزئ برسل الله قد يجعل تدميرَه في تدبيرِه، يفكِّر يفكِّر ويدبِّر، فيُدَمَّر في تدبيره.
﴿وَلَقَدْ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ ما قولك؟ فالسعيد من اتعظ بغيره، والشقي لا يتعظ إلا بنفسه، السعيد من عرف الله في الرخاء، والناجي من عرفه بعد الشدَّة، ولكنَّ الشقي كل الشقي الذي لم يعرفه لا في الرخاء ولا في الشدَّة.
أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ
في درسٍ قادم إن شاء الله هناك آية مهمَّة جداً أرجأتها لهذا الدرس:
﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۗ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ ۚ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ ۗ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) ﴾
وبهذه الآية تجسيد، مثل واحد واقفٌ فوق رأسه، أحياناً يقف المراقب فوق رأس الطالب، بينه وبينه ثلاثون سنتيمترا.. وهكذا.. يراقب كل حركةٍ، و كل همسةٍ، و كل نظرةٍ، و كل شيءٍ.
﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنْ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنْ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾
إن شاء الله تعالى في درسٍ آخر قادم نشرح هذه الآية بتوفيقٍ من الله وفضل.
الملف مدقق