- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (055)سورة الرحمن
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ: آية من أشدّ آيات الوعيد:
أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الخامس من سورة الرحمن، ومع الآية الحادية والثلاثين وهي قوله تعالى:
﴿ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32)﴾
قال بعض العلماء: إن هذه الآية من أشدّ آيات الوعيد، وهي تشبه قوله تعالى:
﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)﴾
محاسبة الناس حساباً دقيقاً يوم القيامة:
هذه الآية وهي قوله تعالى: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ﴾ فَرَغَ يَفْرُغُ كان مشغولاً ففرغ من شغله، وهذا المعنى لا يليق بالله إطلاقاً، لكن المعنى الآخر الذي ورد في اللغة والذي يليق بكمال الله: فرغ إلى الشيء، قصد إليه، أي سنقصد إلى محاسبتكم حساباً دقيقاً.
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)﴾
الناس لجهلهم يتوهَّمون أنك إذا أكلت مالاً حراماً باحتيالٍ أو بقوةٍ أو بقهرٍ فأنت ذكي، أنك إذا اعتديت على أعراض الناس فأنت فَحْل، إذا فعلت كذا وكذا فأنت شاطر، الله سبحانه وتعالى يُبَيِّن أن هناك حساباً دقيقاً دقيقاً:
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾
العاقل من يبحث عن جواب لربه عن كل سؤال يوم القيامة:
ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يعفو الله أكثر، وسوف يفاجأُ الإنسان يوم القيامة أن أعماله في الدنيا كلها صغيرها وكبيرها، جليلها وحقيرها، مسجلةٌ عليه بوقتها وزمانها وحجمها ونواياها وأهدافها، وأن هذا الكتاب كتاب الإنسان:
﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ
من هو العاقل؟ العاقل هو الذي يبحث عن جوابٍ لربِّه في كل لحظة من حياته، لماذا ابتسم لهذا الطفل ولم يبتسم لهذا؟ لم يعدل بينهما، لماذا أعطى هذا ولم يعط هذا؟ لماذا وصل هذا وقطع هذا؟ كله في حسابٍ دقيق، إن لكل حسنةٍ ثواباً ولكل سيئةٍ عقاباً.
محاسبة الإنسان لنفسه قبل حساب ربه له:
تهديد الله عز وجل للعباد لأنه يعلم السر وأخفى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الدنيا هدنة وامتحان للمؤمن والكافر:
الله عزَّ وجل حينما يهدد هو خالقنا، هو القوي.
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾
فإذا قال لك إنسان: شكوتك إلى الله، إذا كنت تعرف من هو الله ينبغي أن ترتعد فرائصك، ينبغي أن ينقصم الظهر إن قيل لك: شكوتك إلى الله، لأن الله بصير، وبيده كل شيء
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ: آية وعد للمؤمن ووعيد للكافر:
إذاً: لا يغتر الإنسان أنه في صحة، هو في بحبوحة، له مكانة، له منصب رفيع، له شأن بين أسرته، هذا كله مؤقت، لكن الغنى والفقر بعد العرض على الله:
محاسبة الخلق وتسوية الحساب يدعو العاقل إلى التفكر:
قال بعضهم: الحمد لله على وجود الله، في الحياة الدنيا الأوراق مختلطة، يوجد أقوياء، يوجد ضعفاء، يوجد أغنياء، يوجد فقراء، يوجد أصحَّاء، يوجد مرضى، يوجد مقهورون، يوجد متجبرون، يوجد أصحاب أعمار مديدة، يوجد أصحاب أعمار قصيرة، يوجد إنسان وسيم، يوجد إنسان دميم، يوجد إنسان موفَّق في زواجه، إنسان غير موفَّق في زواجه، الأوراق مختلطة، لكن الله سبحانه وتعالى سيسوي كل الحسابات، وسيحاسب الخلائق كلها عن كل الهَنات، وسوف يفرغ كما قال الله عزَّ وجل لمحاسبة الخلق، فإذا كان هناك حساب، البطولة في الاستقامة، لو فرضنا افتراضاً ليس هناك حساب، وليس هناك آخرة، والدنيا هي كل شيء، وليس هناك مبادئ، ولا قِيَم، ولا رحمة في قلوب العباد، لكان القوي هو الذكي، ولكان الغني هو العاقل، ولكان الذي يبني مجده على أنقاض الآخرين هو الشاطر، والذي يأخذ ما عند الناس ليستمتع به وحده هو المفلح، ولكن لأن هناك موتاً بعد الحياة، ولأن هناك حساباً دقيقاً بعد الموت، ولأن هناك جنةً إلى أبد الآبدين، وناراً إلى أبد الآبدين، ولأن هناك إلهاً يُحاسب على دقائق الأمور، ويحاسب على الذرَّات، وكل شيءٍ عنده بمقدار.
﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا
العاقل من يمضي وقته في طاعة الله:
لأن هناك موتاً وبعثاً ونشوراً وحساباً وجنةً وناراً، وإلهاً يحصي على عباده كل حركاتهم وسكناتهم، إذاً العاقل هو المستقيم، العاقل هو الذي يكسب المال الحلال، العاقل هو الذي يمضي وقته في طاعة الله، في معرفة الله، في خدمة الخلق، في التقرُّب إلى الحق، هذا هو العاقل، لذلك قال العلماء: ما كل ذكيٍّ بعاقل.
قد تجد إنساناً أوتي قدرةً فكريةً فائقة تفوَّق بها في دراسته أو في جمع المال، أو تفوَّق بها فوصل إلى منصبٍ رفيع، لكنه إن لم يعرف ربه، وإن لم يعرف أن هناك آخرةً بعد الدنيا، وأن هناك حياةً أبديةً سرمديةً بعد الحياة الدنيا، وإن لم يستعد لهذه الحياة، وإن لم يستعد للحدث الذي لابدَّ منه، ألا وهو الموت فليس بعاقل لذلك قال تعالى:
﴿ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)﴾
﴿ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ (6)﴾
أرجح الناس عقلاً أشدهم لله حباً:
رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً مجنوناً، فسأل سؤال العارف: من هذا؟ قالوا: هو مجنون، قال: لا، إنه مبتلى، المجنون من عصى الله، هذا هو المجنون، لذلك: أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً، كلما نما عقل الإنسان اختار الله على خلقه، واختار ما عنده على ما عند خلقه، واختار الحياة الأبدية على الحياة الدنيا العابرة، ما هذه الحياة الدنيا؟ إن كل مكتسباتك فيها منوطةٌ بضربات القلب، إن كل مكتسباتك فيها منوطةٌ بسيولة الدم، نقطةُ دمٍ إذا تجمَّدت في رأس أي إنسان كائناً من كان ولو كان ملكاً يفقد منصبه، أليس كذلك؟ الله جلَّ جلاله هو مالك المُلك، ولا أحد يملك شيئاً في حياته، إذاً الآية الكريمة:
المؤمن يُلقي الله في قلبه السكينة والطمأنينة:
الله عزَّ وجل أثنى على نفسٍ إنسانية، قال:
﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)﴾
هذا الذي يجلس قبل أن ينام ماذا فعلت؟ ماذا قلت؟ كيف نظرت؟ إلى ماذا استمعت؟ هل صُنت سمعي عمَّا حرَّم الله؟ هل صُنت بصري عمَّا حرم الله؟ هل ضبطت لساني؟
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
هل ضبطت جوارحي؟ هل ضبطت بيتي؟ هل ربَّيت أولادي؟ هل حفظت بناتي؟ هل دللت زوجتي على الله؟ هل أعطيت ما بذمَّتي؟ هل أدَّيت واجبي؟ هل أحسنت رعاية من استرعاني الله به؟ هذا المؤمن يسأل نفسه كل يوم:
﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)﴾
إن كانت نفسه لوَّامةً في الدنيا أصبحت نفسه مطمئِنَّةً عند لقاء الله عزَّ وجل، كلهم يخاف إلا المؤمن، يلقي الله في قلبه السكينة والطمأنينة.
خير أعمال المرء خواتيمها:
أيها الإخوة الكرام؛ البطولة في خريف العمر، والبطولة عند لقاء الله، والبطولة في خواتيم الأعمال، من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام:
(( اللهم اجعل خير عمرنا آخره، وخير أيامنا يوم لقاك، نلقاك وأنت راضٍ عنا. ))
شتَّانَ بين حياة المؤمن وحياة الكافر، ذكر لي أحد الإخوة يعمل في مستشفى طبيباً، جاءهم مريض مصاب بورمٍ خبيث في أمعائه، لكن هذا المريض مؤمن، قال لي هذا الطبيب: والله أمره لعجيب، ما دخل عليه أحدٌ إلا أشهده أنه راضٍ عن الله، يقول له: اشهد أنني راضٍ عن الله، يا رب لك الحمد، المرض خبيث ومؤلم، والآلام لا تُطاق، وما سُمِعَ له صوتٌ ولا أنين، وكان إذا قرع الجرس يتهافت الأطباء والممرضون على خدمته، وتفوح من غرفته رائحة المِسك، وتوفَّاه الله عزَّ وجل، وأراد الله أن يعطي هؤلاء من بالمستشفى درساً بليغاً، دخل إلى الغرفة نفسها، مريضٌ مصابٌ بورمٍ خبيثٍ في أمعائه، لم يدع نبياً إلا كال له السباب، كلامٌ، اعتراضٌ، سخطٌ على الله، كلامٌ بذيء وقاسٍ، ومات على هذه الحالة على حالة الكفر، مرضٌ واحد، وآلامٌ واحدة، وشتَّان بين المؤمن والكافر، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: عن صهيب:
(( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ. ))
قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن:
المؤمن يرى يد الله فوق أيدي الناس، يرى يد الله تعمل في الخفاء، يرى الأفعال أفعال الله عزَّ وجل، لا يشرك مع الله أحداً، لا يرى غير الله، هذا التوحيد يريحه، يُلقي في قلبه السكينة والطمأنينة، لا ينام مقهوراً، لا ينام حاقداً، لا ينام في حيرةٍ من أمره، لا يرى في الأرض آلهةً تتحرك، لا يرى إلا إلهاً واحداً، هو في السماء إلهٌ، وفي الأرض إله، يرى أن الأمر كله يرجع إليه، وأن الله بيده كل شيء، وبيده مصير كلُّ مخلوق، وأن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف يشاء، علاقته مع الله، هذه الراحة النفسية، هذه الطمأنينة، هذه السكينة هي الصحة، ضغط الدم يأتي من ضغط الهَم، ضيق الشرايين، هناك ضيق للشرايين عصبي وليس وعائياً، يوجد أمراض للشرايين لا علاقة لها بتصلُّبها ولكن بالشدة النفسية التي تنزل بصاحبها.
الشرك أساس الرعب والخوف والحقد:
أيها الإخوة؛ كلَّما تقدَّم الطب -وأنا أعني ما أقول-كلما تقدم الطب كشف أن أحد أسباب السلامة من الأمراض السكينة النفسية والطمأنينة، بل إن المرض الذي حَيَّر العلماء وحتى هذه الساعة ليس له دواء، الورم الخبيث، في أحدث تفسيرات هذا المرض أن الإنسان إذا أصابته شدةً نفسية خاف، أو حَقَد، أو قُهِر، وهذا يأتي من الشرك، لقوله تعالى:
﴿
الرعب والخوف والقهر والحقد يأتي من الشرك، يقول العلماء: إن الشدَّة النفسية تُضعف جهاز المناعة، وجهاز المناعة مكلَّفٌ بضبط نمو الخلايا، فإذا ضَعُف جهاز المناعة تفلَّتت الخلايا من عُقالها، وقد يعجب إنسانٌ أن هذه الأمراض الوبيلة تتفاقم بشكلٍ وبائي مع نقص الإيمان، ومع التعلُّق بالدنيا، ومع الانغماس في المعاصي والآثام.
نفس الإنسان أمانة بين يديه:
أيها الإخوة الكرام؛ كما قال الله عزَّ وجل:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)﴾
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)﴾
النفس الزكية والنفس الآثمة:
نفسك أمانةٌ بين يديك، إن عرفَّتها بربَّها، وعرفتها بمنهج ربِّها، وحملتها على طاعة ربِّها فقد أَدَّيت الأمانة، أديت الأمانة حينما زَكَّيت هذه النفس، وإذا زكيتها استحقت جنة ربها، فسعدت نفسك إلى أبد الآبدين، أما إذا أبقيتها جاهلةً جهلت ربها، وجهلت منهج ربها، وجهلت سبيل سعادتها، وتعلَّقت بالدنيا، وانغمست في ملذَّاتها، ثم جاءها الموت وهي صفر اليدين، وهي معتدية، وآثمة، ومرتكبة للمعاصي، هذه النفس تستحق النار إلى أبد الآبدين:
معنى الثقلان:
1 ـ الثقلان من حملوا أمانة ثقيلة:
الله جلَّ جلاله عرض الأمانة على السماوات والأرض أشفقت الخلائق منها وحملها الإنسان، حملها الإنس والجن، هؤلاء هما الثقلان، أما معنى الثقلين أي حملوا أمانةً ثقيلة.
2 ـ الثقلان سيتحمَّلون عذاباً ثقيلاً إن هم خانوا الأمانة:
المعنى الثاني: سيتحمَّلون عذاباً ثقيلاً إن هم خانوا الأمانة، إنسان تعطيه مصروفاً يومياً، لا له ولا عليه، لكن إنسان تُعِدُّه إعداداً ليكون في أعلى منصب، فإن لم ينجح في دراسته، تُحَمِّلُه أعباء لا يحتملها، الغرم بالغنم، أي الإنسان لأنه قَبِل حمل الأمانة سخَّر الله السماوات والأرض تسخير تعريف وتكريم، فإن وفَّى بما عاهد عليه الله سبق الخلائق كلها، رُكِّبَ الملك من عقلٍ بلا شهوة، وركب الحيوان من شهوةٍ بلا عقل، وركب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته كان فوق الملائكة، وإن سَمَت شهوته على عقله صار دون الحيوان، والإنسان إما أن يكون فوق الخلائق كلِّهم، أو دون الخلائق كلهم.
تسخير السماوات والأرض لمن كُلف بحمل الأمانة:
الآية الكريمة:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)﴾
أي خير ما بَرَأَ الله أما:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)﴾
﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ﴾ أي الإنس والجن المخلوقات التي حملت الأمانة، ولأنها حملت الأمانة سُخِّرَت لها السماوات والأرض، وأنيطت بها مسؤوليةً جسيمة، وقد أُعْطِيَت سعادةً أبديةً متنامية، فإذا وفَّى الإنسان بما عاهد عليه الله فاز ونجح، وتفوَّق وأفلح، وإن لم يوفِ بما عاهد عليه الله، كانت ذنوبه ثقيلةً لا يحتملها، أي لا يوجد حل وسط مع الإنسان، إما أن يتفوَّق فيسبق الملائكة المقرَّبين، وإما أن يَسْفُل فيكون أحط مخلوقات الله قاطبةً.
انقطاع الإنسان عن الله سبب استحقاقه للنار:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾
فإن لم يعرف الله:
﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)﴾
قرأت مرة خبراً في جريدة: في أستراليا تمّ إعدام عشرين مليون رأس غنم، وحُفِرَت لها الحُفَر ووضعت فيها للحفاظ على أسعار اللحوم في العالم، كم من شعبٍ يموت جوعاً؟ أليست هذه وحشية؟ كم شعبٍ يتلوَّى من الجوع؟ وكم شعبٍ يُعاني من الفقر ما يعاني؟ عشرون مليون رأس غنم يتمُّ إعدامها في أستراليا حفاظاً على أسعار اللحم المرتفعة، ومحاصيل الحمضيات في أمريكا تُتْلَف حفاظاً على أسعارها المرتفعة، فلما بدأ الزنوج يتسللون إليها ليأكلوها سُمِمَت هذه المحاصيل في العام القادم ليحافظ أصحاب هذه المزارع على دخلهم المرتفع:
استخلاف الإنسان في الأرض لإقامة العدل:
أيها الإنس وأيها الجن، ألم يقل الله عزَّ وجل:
﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)﴾
الإنسان مخلوق مهم، إنسان حمل الأمانة، أُنيط به إعمار الأرض، أُنيط به إقامة حدود الله في الأرض، أنيط به الاستخلاف في الأرض، الإنسان مستخلف، قال تعالى:
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ
أَمَرَنَا أن نعمر الأرض، وأن نقيم العدل، وأن نحسن، فأثقال الأرض الإنس والجن.
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف وتكريم:
﴿ وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾
الجنة أكبر نعمة من نعم الله على الإنسان:
الآلاء هي الآيات الكونية الدالَّة على عظمته وهي النعم العُظمى الدالة على كرمه، الآيات الدالة على عظمته، والنعم الدالة على كرمه:
﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)﴾
هذه الدنيا فانية، عرضٌ حاضر يأكل منها البر والفاجر، والآخرة وعدٌ صادق يحكم فيه ملكٌ عادل، ما الذي يجعلك مطمئنا راضياً وقد لا تملك قوت يومك، وقد لا تملك مأوى تأوي إليه؟ لأن الله وعدك بجنةٍ عرضها السماوات والأرض.
مجازاة المحسن ومعاقبة المسيء من رحمة الله بالعباد:
قد يقول قائل: ما العلاقة بين:
العقاب لمن عصى الله ورفض الدين:
﴿
هذه الآية دقيقة جداً:
﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
أي أنتم في قبضة الله، إذا الإنسان عصى الله ورفض الدين وقال: الدين أفيون الشعوب، وقال: الدين غيبيَّات، ونحن نحب الواقعية، ونريد أن نعالج مشكلات الواقع، ودعنا ما بعد الموت فمن مات وعاد إلينا فأخبرنا؟ هذا ما يقوله الجهلة، الإنسان إذا رفض منهج الله، ورفض أصل الدين، وانكبّ على الدنيا، انكبّ على جمع الدرهم والدينار، انكبّ على الانغماس بالملذات، انكبّ على العلو في الأرض، انكبّ على أن يبني مجداً على أنقاض الناس، نقول له: ثم ماذا؟ ماذا بعد التفوُّق؟ وماذا بعد الغنى؟ وماذا بعد القوة؟ وماذا بعد الصحة؟ وماذا بعد السيطرة؟ وماذا بعد الزواج؟ ثم ماذا؟
عدم استطاعة الإنسان الكافر التفلت من عقاب الله:
قال:
تسخير أجهزة الإنسان لتتوازن مع الحياة الدنيا:
الإنسان إذا ارتفع عن الأرض -كما قرأت قبل حين-من مستوى البحر إلى عشرة آلاف قدم فوق سطح البحر، أجهزته تحتمل هذا الارتفاع، أما إذا زاد عن عشرة آلاف قدم فقد سخَّر الله له في جسمه أجهزةً تتوازن مع هذا الضغط المنخفض، ونقص الأوكسجين، لكن بعد الستة عشر ألف قدم يغيب عن الوعي لضعف التروية، وتتمدد الغازات في جسمه فتتمزق رئتاه، وينفر الدم من أذنيه، ويشعر بآلامٍ في مفاصله، وبآلامٍ في أمعائه لا تطاق، ستة عشر ألف قدم، اي الطائرة الآن تطير على ارتفاع أربعين ألف قدم، أي عشرة كيلو متر، أو اثني عشر كيلو متر فقط.
أما القمر الذي وصلوا إليه وقالوا: غزونا الفضاء، قطعوا ثانيةً ضوئيةً واحدة، وقد كَلَّفت المركبة التي وصلت إلى القمر ثمانية وأربعين ألف مليون دولار، رجلان وصلا إلى القمر بألبسةٍ خاصَّة تقيهم انخفاض الضغط، وبأجهزة هي قِمَّة العلم البشري من أجل أن يصل اثنان إلى القمر لثانيةٍ ضوئيةٍ واحدة، أما الشمس فتبعد عنا ثماني دقائق ضوئية، المجموعة الشمسية ثلاث عشرة ساعة ضوئية، درب التبابنة مجرتنا تبعد عنا مئة وخمسين ألف سنة ضوئية، أما نجم القطب فأربعة آلاف سنة ضوئية، المرأة المسلسلة؟ مليون سنة ضوئية، قبل أحدث مجرة أربعة وعشرون ألف مليون سنة ضوئية، أحدث مجرة ثلاثمئة ألف بليون سنة ضوئية، ماذا قطع الإنسان؟ ثمانية وأربعون ألف مليون دولار كلَّفوه ليقطع ثانيةً ضوئيةً واحدة، ومن شدة فظاظته يقول: غزونا الفضاء، ماذا غزوت من الفضاء؟ انتقلت بمركبةٍ إلى القمر كَلَّفت أموالاً لا تُحْصى ولا تُعَد، ثم عدت إلى الأرض.
عدم استطاعة الإنسان الفرار من الموت:
إذا قلت:
﴿
سورة الجمعة
تصور إنساناً يعدو وقلبه منخلعٌ خوفاً من واحد يتبعه، كم هي المفاجأة إذا رآه أمامه؟
تقديم الجن على الإنس لأنه يستطيع اختراق السماء والأرض:
الله عزَّ وجل قال:
﴿
أينما ذهبت؟ إذا ذهبت إلى أقصى الدنيا، إذا ذهبت إلى أطراف الأرض يأتي بكم الله جميعاً:
تقديم الإنس في بعض الآيات على الجن لأنه أقدر على البلاغة:
وحينما قال الله عزَّ وجل:
﴿
قَدَّمَ الإنس لأنه أقدر في البلاغة من الجن، تقديم دقيق.
الله تعالى علَّم الإنسان ما لم يعلم:
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
المركبة الفضائية التي وصلت إلى القمر هذه مصنوعةٌ في الأرض من مواد خلقها الله، ومن حقائق كَشَفَها الله للإنسان، ولولا أن الله خلق المواد وكشف الحقائق ما وصل الإنسان إلى القمر.
السلطان هو العلم الذي سمح الله به للإنسان:
العقل أثمن شيء في الكون:
هل من المعقول إنسان يشتري حاسوباً مثلاً ثمنه ثلاثون مليوناً يحل له مليون مشكلة ثم يستخدمه طاولة، معقول؟ ألا يكون قد احتقره؟ نقول له: هذا تستعمله لغير ما صنع له؟ هذا يحل لك مليون مشكلة، يعطيك معلومات دقيقة، إنسان يستخدم حاسوباً بثلاثين مليون طاولة معقول؟ والذي يستخدم عقله لكسب المال فقط، للإيقاع بين الناس، للعلو في الأرض، وينسى ربَّه، فقد احتقر عقله.
أيها الإخوة؛ مثل آخر الآن يوجد طابعات ملونة، إذا الإنسان استخدمها في اختصاص معين يحقق أرباحاً كبيرة جداً، إن استخدمها طاولة يكون قد خسرها، أما إذا استخدمها في تزوير العملة يدخل السجن، الآلة واحدة، آلة واحدة يمكن أن تحقق أرباحاً طائلة، ويمكن أن تخسر قيمتها بتعطيلها واستخدامها لغير ما صُنعت له، ويمكن أن تكون هذه الآلة الغالية الثمينة سبباً لدخول السجن، أليس كذلك؟ وهذا العقل، هذا العقل أثمن شيء في الكون على الإطلاق، أنت المخلوق الأول، وأثمن ما فيك العقل، لأن الجماد شيء، له طول، عرض، ارتفاع، وزن، يشغل حيِّزاً، أما النبات شيء له وزن، ويشغل حيزاً لكنه ينمو، غير الجماد، الحيوان، يشغل حيزاً وينمو ويتحرَّك، الإنسان يشغل حيزاً، وينمو، ويتحرك، ويفكِّر، فالإنسان إن لم يستخدم عقله لما خُلق له هبط إلى مستوى الحيوانية، الحيوان لا يحاسب وليس مكلفاً ولا يشقى، الإنسان الذي أوتي العقل إن لم يستخدمه أو عطله أو أساء استخدامه يشقى به، فلذلك الله عزَّ وجل أعطانا أثمن نعمة على الإطلاق ينبغي أن نستخدمها وفق منهج الله عزَّ وجل.
علامة ذكاء المؤمن استقامته على أمر الله:
الآن استخدم الأجانب العقل في أعلى مستوى، أي المنجزات شيء لا يصدق، ممكن جهاز حاسوب يقرأ أربعمئة وخمسين مليون معلومة بثانية واحدة، ثورة المعلومات، ومع ذلك فالمجتمع البشري الآن شقي لأن هذا العقل ما نقله إلى الله، ولا عرَّفه بمنهج الله، فمجتمع الجريمة، مجتمع الانحطاط، مجتمع تبادل الزوجات، مجتمع زنا المحارم، مجتمع الشاذين جنسياً، مجتمع الانحلال، هذا إنسان استخدم عقله للمادة، صنعوا الطائرات، صنعوا المركبات الفضائية، نقلوا الصور الملونة، يقول لك: يلتقط مئتي محطة، هذه سهلة؟ غير موضوع حرام أم حلال، سهلة تتحرك هذه الحركة الواسعة؟
لذلك العقل البشري ورد عنه في بعض الآثار:
ممكن بتفكير صحيح، بساعة تأمل صحيحة، بنظرة مجرَّدة يمكن أن تسعد إلى أبد الآبدين، والمجرم بساعة تفكير حَمْقاء يرتكب جريمة، إعدام شنقاً حتى الموت، أين عقله؟ لما سيدنا خالد أسلم، ماذا يقول له النبي؟ قال له: عجبت لك يا خالد أرى لك فكراً، ما الذي أخَّرك؟ أنت عاقل، أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً، أي من علامة ذكائك، من علامة رجاحة عقلك استقامتك على أمر الله، من علامة إعمال فكرك وفق ما أمر الله أن تلتزم شرع الله، فتجد هناك علاقة بين التفوق العقلي وبين الالتزام الأخلاقي.
الأحمق ينظر أمامه والعاقل يعيش مستقبله:
﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34)﴾
من عرف نهاية الكون؟ هذه أحدث مجرة ثلاثمئة ألف بليون سنة ضوئية، ماذا بعدها؟ والأغرب من ذلك أن هذه المركبة التي نقلت لنا صورة هذه المجرة، هذه المجرة كانت هنا قبل ثلاثمئة ألف بليون سنة، الآن وصل ضوءها إلينا، أين هي الآن؟ هل تصدِّقون أن هذه المجرات تمشي بسرعة مئتين وأربعين ألف كيلو متر بالثانية، تقترب هذه المجرَّات بسرعة الضوء، أين هي الآن؟ هذا الكون فماذا عن خالق الكون؟ أهذا الخالق العظيم لا نتعرَّف إليه؟ لا نقرأ كلامه؟ لا نتبع منهجه؟ لا نخاف منه؟ الإمام الغزالي قال كلمة، قال:
الله صادق لكن وعيد الطبيب أشدّ عنده من وعيد الله، يقول لك: جلطة، أو ضغط يرتفع فيسبب خثرة في الدماغ، شلل، ثم يقول لها:
فالإمام الغزالي وصم نفسه بالكفر أو بالجهل إذا فكَّر في معصية الله، والإنسان حينما يعصي الله مدموغ بالجهل، والكفر، والحمق، والغباء، ضيّق الأفق، ينظر إلى أمامه ولا ينظر إلى ما بعد الذي يراه، من هو العاقل؟ هو الذي يصل إلى الشيء قبل أن يصل إليه، العاقل يعيش مستقبله.
المؤمن في القبر أسعد منه في الدنيا:
أيها الإخوة؛ صدِّقوني أعقلكم من أدخل الموت في حساباته اليومية؛ في كسب المال، في إنفاق المال، في إدارة البيت، في معاملة الزوجة، في تربية البنات، في تربية الأولاد، في إنفاق المال، هذا هو العاقل، الذي يُعِدُّ لساعة القبر حسابها.
شخص ساكن بغرفة، غرفة نوم، غرفة استقبال، غرفة طعام، مطبخ، بلاط، سجاد، تدفئة، حمام سيراميك مثلاً، ألم تتبع جنازة؟ أين يوضع هذا؟ على التراب، والله مرة كنت حاضراً دفن أخٍ كريم، الحفَّار ترك فرجةً مفتوحةً في القبر، فلمَّا أهال التراب على القبر قدَّرت أن كميةً كبيرةً جداً وقعت فوق الميت من التراب، الواحد وهو في الدنيا كله ملمَّع، كله نظيف، عنده حمام، عنده غرف نوم، عنده ملاءات نظيفة، أما إذا دخل القبر، هذا مصيرنا جميعاً، من منا يستطيع أن يتفلَّت من القبر؟ لكن القبر صندوق العمل، القبر روضة من رياض الجنة، يتسع القبر للمؤمن حتى يكون مدّ بصره، وهو روضة من رياض الجنة، والمؤمن في القبر أسعد منه في الدنيا.
الكافر في القبر من أتعس الناس:
أما الكافر:
﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)﴾
من ستة آلاف سنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ضرب اثنين والخير إلى الأمام:
الاستعداد للموت بالاستقامة والعمل الصالح:
إخواننا الكرام؛ الموت قريب جداً استعدوا له بالعمل الصالح، بالاستقامة، بالإيمان، بطلب العِلم، شخص معه ضغط مرتفع كيف يعالجه؟ ليس له أعراض، لا تعالج هذا الضغط المرتفع إلا بقياس الضغط أولاً لكي تعرف أن معك ضغطاً مرتفعاً، إنسان جاهل يقول لك: ماذا أفعل؟ يكون مرتكب ألف معصية يقول لك: ماذا أفعل؟ هكذا الناس كلها، احضر مجلس علم تعرف نفسك، تعرف استقامتك، تعرف الحلال، الحرام، الخير، الشر، فالإنسان بلا علم جاهل، وهذه المجالس مباركة إن شاء الله، هذه مائدة الله، هذا كتاب الله، هذا الوحي الذي نزل على رسول الله، هذه معجزة مستمرَّة إلى يوم القيامة، والله ما من عملٍ على وجه الأرض أعظم من أن تتعرف إلى كلام الله، تعرف أبعاده:
الناس في قبضة الله يوم القيامة:
سمعت من يومين مقابلة مع إنسان له باع طويل بكتابة القصة، والقصة إذا حرَّكت القسم الأسفل للإنسان هذه تحطِّم القارئ وقد تصرفه عن القيم العُليا، فسئل وهو في الثانية والثمانين ما مشاعرك وأنت في هذا السن؟ قال: أنا أخشى ذنوبي، كم شاب قرأ هذه القصة فانحرف، وكم شاب قرأ هذه القصة وزَلَّت قدمه إلى الفاحشة، طبعاً أين التفلُّت؟ الله عزَّ وجل قال: أنتم في قبضتي يوم القيامة:
أيها الإخوة الكرام؛ أرجحكم عقلاً أشدُّكم لله حباً، من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يُمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح.
صليت الفجر في جماعة يوجد درس علم صغير، نحن مقدمون على رمضان، عندنا إن شاء الله في رمضان درس الفجر ودرس بعد العشاء، هذا رمضاء شهر القرب، شهر الطاعة، شهر التوبة، شهر الصلح مع الله، شهر الاستقامة، فإذا الإنسان صلَّى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح، أنت بالفجر والعشاء تغطي اليوم بكامله والليل بكامله، أنت في ذمة الله، والطاعة جميلة، أي الطائع لله والله يرقص فرحاً.
الإنسان المؤمن خفيف الوزن والمنحرف مثّقل بالذنوب:
قال له: ما هذا أكبرٌ؟ قال له: أعوذ بالله هذا عِزُّ الطاعة، الإنسان النظيف، دخله حلال، إنفاقه حلال، بيته منضبط، زوجته مؤمنة، بناته منضبطات، أولاده رَبَّاهم تربية دينية صحيحة، لا يوجد معصية ببيته، لا يوجد معصية بدخله، هذا إنسان خفيف الوزن كأنه يطير في الهواء، أما الإنسان المنحرف مثقل بالذنوب، الذنوب معها هموم، معها خوف، معها قلق، معها تمزُّق، معها سوداوية، معها تشاؤم.
استحالة التفلت من قبضة الله يوم القيامة:
إن تفلَّتُم من قبضة الله، وهذا الشيء مستحيل.
﴿ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(36)﴾
شخص بأعلى درجة من العلم الاقتصاد يحمل دكتوراه من أمريكا، ويرأس شركة تأمين بأغنى بلاد العالم، ويركب أحدث سيارة، احترقت السيارة، ولحكمةٍ أرادها الله لم يستطع أن يخرج منها حتى أصبح فحمةً هو وزوجته، لكنه مُؤَمِّن على حاله:
عاقبة المتفلت:
كلكم يرى لما الإنسان ينحرف ماذا يحل به؟ يوجد بصائر تحت سمعنا وبصرنا، يوجد زلازل، يوجد براكين، يوجد حروب أهلية، يوجد قهر، أليس كذلك؟ يوجد تشرُّد، يوجد قحط، يوجد فقر، يوجد مجاعات:
﴿ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38)﴾
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ