- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (055)سورة الرحمن
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
تسخير ما في السماوات والأرض للإنسان:
أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثالث من سورة الرحمن، ومع الآية العاشرة، وهي قوله تعالى:
﴿ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10)﴾
أي الأرض التي نحن عليها بحجمها، وشكلها، وقِوامها، وتضاريسها، ومُناخها، وبرِّها، وبحرها، ومائها، وسمائها، وهوائها، وأنهارها، ونباتاتها، وحيواناتها، وأطيارها، وأسماكها، ومعادنها، وفِلْذاتها، وكل ما فيها مصممةٌ خصيصاً لمصلحة الإنسان، بل إن الله سبحانه وتعالى سخرَّ ما في السماوات وما في الأرض جميعاً لهذا الإنسان:
﴿
تسخير الأرض لراحة الإنسان:
هذه الأرض حجمها مناسب، شكلها كُروي، الخطوط عليها مستمِرَّة:
﴿
ليس في الأشكال الهندسية إلا شكلٌ واحد الخطوط تستمر عليه إلى ما لا نهاية، أما أي شكلٍ آخر له حروف، فالأرض كرةٌ وقوامها وحجمها ودورتها حول نفسها، ليلها ونهارها، سرعتها، ميل محورها، حركتها حول الشمس، فصولها الأربع، كلُّها مصممةٌ خصيصاً لراحة الإنسان، ولك أن تفصِّل في هذه الآية ما شئت، والسنوات تلو السنوات تنقضي ولا ينقضي شرح هذه الآية على وجه التفصيل:
ضرورة شكر الله تعالى على نعمه التي لا تحصى:
هل شكرت الله عليها؟ ماءٌ عذبٌ فُراتٌ تشربه من صفَّاه لك؟ هواءٌ مركبٌ وفق نسبٍ مناسبةٍ تماماً تستنشقه، من صممه لك؟ من حافظ على توازنه، من جعل النبات يأخذ هذا الفحم ويطرح الأوكسجين؟ ومن جعل جسمك يحتاج إلى أوكسجين ويطرح غاز الفحم؟ من خلق البحار الشاسعة؟ تلك المسطَّحات المائية التي لولاها لما كانت الحياة على سطح الأرض،
أعز مكانٍ في الدُّنى سَرج سابحٍ وخير جليسٍ في الأنام كتابُ
* * *
الأنام البشر، أي هذه الأرض بحرارتها، أي كوكب آخر حرارته تقدر بثلاثمئة وخمسين فوق الصفر، مئتان وسبعون تحت الصفر، الحياة مستحيلة على بعض الكواكب، أما الأرض معتدلة، تدور حول نفسها، بدورانها على محورٍ ليس متوازياً مع مستوي دورانها ينشأ الليل والنهار، ومع الليل والنهار تنشأ الحرارة المُعتدلة، فالأرض تمتص حرارة الشمس ثم تدفعها في الليل:
كل شيء في الأرض ينطق بعلم الله وحكمته:
أيها الأخوة الكرام؛ ينبغي أن نعلم أن كل شيءٍ في الأرض مصممٌ خِصيصاً للإنسان.
مثلٌ بسيط: الحُجَّاج والعُمَّار وهم يطوفون حول الكعبة المشرَّفة، إن الرخام الذي يسيرون عليه يظنه الإنسان مبرداً، مكيفاً، والحقيقة أنه نوعٌ من الرخام خلقه الله عزَّ وجل لا يمتص الحرارة أبداً، الشمس تُسلَّط على هذا الرخام سبع عشرة ساعة، ودرجة الحرارة خمس وخمسون ومع ذلك تمشي عليه وهو مبرد، ليس هناك تكييفٌ إطلاقاً إنما هو نوعٌ من الرخام لا يتأثَّر بأشعة الشمس، من صممه؟ الله جلَّ جلاله.
قد تجد أن حجم الأمطار في مكان لا يكفي لغزارة هذا النبع، من وضع مستودعات هذا النبع؟ الله جلَّ جلاله، قد تجد في رؤوس الجبال ينابيع ماء لابدَّ من أن تكون مستودعاتها في جبالٍ أخرى أبعد منها وأعلى، من جعل هذه التمديدات من جبلٍ إلى جبل؟ الله جلَّ جلاله.
الحقيقة هذه الآية الحديث عنها يطول، والحديث عنها لا ينتهي، إنّ كل شيءٍ في الأرض ينطق بعلم الله وحكمته، من جعل هذا السقف المحفوظ؟ هذه طبقة الأوزون التي تمنع الأشعة القاتلة، وحينما تخلخلت ارتفعت نسب سرطان الجلد إلى سبعين في المئة في بعض البلاد لأن الأشعة المؤذية وصلت إلى الأرض، وهذه الطبقة طبقة رقيقة جداً تمنع الأشعة المؤذية أن تخترقها إلى الأرض، من صممها؟ من جعل الماء في الدرجة (+4) يتوسَّع حجمه بخلاف كل عناصر الأرض ولولا هذه الظاهرة لما كانت حياةٌ على وجه الأرض؟
أية آية في الأرض تدل على عظمة الخالق:
مرَّةً أخرى؛ الأرض بحجمها، وشكلها، وقِوامها، وكثافتها، وتضاريسها، وسطوحها، وبَرِّها وبحرها، وجبالها ووديانها وسهولها، بأطيارها وأسماكها، بحيواناتها، بكل شيءٍ فيها مصممٌ خصيصاً ليكون في مصلحة الإنسان، أي أنت في أمس الحاجة إلى مادة تنقل لك الضوء ولا تنقل لك الهواء –البلور-من وضع في بعض الرمال هذه الخاصَّة؟ إذا مزجتها وأدخلتها في الفرن شكَّلت هذا البلور الذي ينقل لك أشعة الشمس، ويسمح لك أن ترى، ولا يأتيك البرد ولا الحرُّ ولا الهواء منه، لا يظن أحدكم أن القضية هكذا صدفةً كُشِفَ هذا، هذا من تصميم الله، ومن حكمته البالغة، فالإنسان المؤمن أية آيةٍ وقعت يده عليها أو أدركها علمه ينبغي أن يعلم علم اليقين أن هذه الآية إنما هي من آيات الله الدالة على عظمته.
قيمة الإنسان عند الله عز وجل:
﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ
يصغر أمام نفسه، كل شيءٍ حوله من الجمادات والحيوانات والنباتات تسبِّح الله عزَّ وجل، وكل هذه المخلوقات خلقت للإنسان خصيصاً، فالمخلوقات المسخَّرة تُسَبَّح وتذكر والإنسان المكرَّم الأول المسخَّر له يغفل ويسهو ويغفو ويعصي!!
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
* * *
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في الــمقال شنيع
لـو كان حبك صادقا لأطعتــه إنّ المـــحب لمن يحب يطيــع
* * *
المؤمن الحق لا يسمح للدنيا أن تستهلكه:
أيها الأخوة الكرام؛ نحن في الدنيا والدنيا مَشْغَلَة، والدنيا فيها زلات، وفيها مُنْزَلَقات، وفيها شهوات مستعرة، وفيها فتن يقظى، وفيها نساءٌ كاسياتٌ عاريات، وفيها ذهبٌ وفضةٌ وأنواع النقود، الإنسان في زحمة الحياة قد ينسى سرَّ وجوده، وقد ينسى عظمة ربه، وقد ينسى منهج الله الذي بين يديه، فلذلك الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا، لكن المؤمن هو في الدنيا يصحو ويعرف، يقتطع من وقته وقتاً لمعرفة الله، الله عزَّ وجل قال:
﴿
يمشون هوناً أي لا يسمحون للدنيا أن تستهلكهم، لا يسمحون للدنيا أن تُنهي رسالتهم، لا يسمحون للدنيا أن تصرفهم عن غايتهم، ولا عن وجهتهم، أي يقتطعون من وقتهم وقتاً لمعرفة الله، يقتطعون من وقتهم وقتاً لمعرفة أمر الله ونهيه، يقتطعون من وقتهم وقتاً للعمل الصالح، لتربية أولادهم.
الحكمة وراء كل آية في القرآن:
هذه الآيات لماذا ذَكَّرَنا الله بها؟ ما الحكمة من قول الله عزَّ وجل:
المؤمن يعرف نعم الله بدوامها لا بزوالها:
قد يقول أحدكم: أنا فقير مثلاً، أنت لا تعرف نعم الله التي أنت فيها، نعمة استنشاق الهواء، نعمة خروج الماء، نعمة أن الطريق من الفم سالك، أن الأجهزة تعمل بانتظام، أنَّك في بيتك آمن، هذه نعمٌ لا تعدُّ ولا تحصى، لا تُعرف إلا إذا فُقِدَت، لكن المؤمن يعرف نعم الله بدوامها لا بزوالها، يعرفها وهي موجودة، قبل أن يعرفها وهي مفقودة، لذلك الإنسان لا ينبغي أن تستهلكه الحياة، لا ينبغي أن تأكله الهموم، ليفكر، أنت المخلوق الأول، الكون كله مسخرٌ من أجلك، الكون كله مصممٌ لراحتك، فحينما يكون ردُّ فعلك صحيحاً يقول الله عزَّ وجل:
﴿
دقق في هذه الآية، الله عزَّ وجل سخَّر هذا الكون، الآن دخلنا في موضوع دقيق.
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف وتكريم:
ثم أراد الله أن تكون هذه الأرض لمصلحتك، لترتاح فيها.
ردّ فعل تسخير التعريف وتسخير التكريم:
ردّ فعل تسخير التعريف أن تؤمن به، أن تؤمن بوجوده، بوحدانيته، بكماله، بأسمائه الحُسنى، بصفاته الفُضلى.
وردّ فعل تسخير التكريم أن تشكره، معنى ذلك أن الكون مصممٌ أو مسخرٌ لك تسخيرين؛ تسخير تعريف وتسخير تكريم، تسخير التعريف يقتضي أن تؤمن به، وتسخير التكريم يقتضي أن تَشكره.
الإنسان بحاجة إلى العلاج إن وجد الإيمان ولم يوجد الشكر:
إذا آمنت بالله وشكرته حقَّقت الهدف من وجودك، عندئذٍ يتوقَّف العلاج، الآية الكريمة:
﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا
منهج الإنسان المؤمن الإيمان والشكر:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)﴾
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾
المعنى الذي ينبغي أن نقف عنده قليلاً رَدُّ فعلك أيُّها الإنسان، تلقَّيت هذه الأرض أنت عليها وهي مسخرةٌ لك، مسخرةٌ لك من أجل أن تعرف الله من خلالها، مسخرةٌ لك من أجل أن تشكر الله عليها، فلابدَّ من ردّي فعلٍ من قِبَلك الإيمان والشكر، فإن لم تؤمن وإن لم تشكر فقد حِدَّتَ عن المنهج الصحيح.
تكريم الله للإنسان من خلال نعمه التي لا تحصى:
﴿
الله عزَّ وجل كان من الممكن أن يخلق لك القوتَ فقط، قمح، أرز، هذا قوت، لكن لأنَّك مكرمٌ عليه، ولأنك المخلوق الأول، ولأن الله تحبب إليك بنعمه، ولأن الله سبحانه وتعالى ودودٌ إليك، يوجد فواكه، الفاكهة ليست قوتاً، للتفكُّه، للتنعم، الإنسان يأكل قمحاً، يأكل خبزاً فيملأ معدته، ولعل القمح كما قال العلماء:
التمر من آيات الله الدالة على عظمته:
سمعت أن هناك ما يزيد عن ثلاثمئة نوع من التمر، وأن هذا التمر فيه ست وأربعون مادة غذائية، وأنه لا يقبل التلوّث، لأن تركيز السكر فيه يمتصُّ ماء أي جرثوم، وهذا التمر فيه مادة مليِّنة، ومادة مهدِّئة، وهذا التمر فيه أعلى مستوى من السكر، ينتقل من الفم إلى الدم خلال عشرين دقيقة؛ ثلاثمئة نوع، وأشجار النخيل معمِّرة، قال:
﴿ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11)﴾
نحن ليس في بلادنا تمرٌ غزير، لكن بلاد التمر تجد فيها أنواعاً لا يعلمها إلا الله، أنواع منوَّعة، بالأشكال والأحجام والقِوام والطعم، وشيء لا يصَدِّقه الإنسان، قال: ﴿فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ﴾ الأكمام: الكؤوس التي فيها غُبارُ الطلع، والتي تُلَقَّح فتكون منها الثمار، من صمم هذا التصميم؟ من جعل من كل شيءٍ زوجين اثنين؟ أي هذا التمر وحده من آيات الله الدالة على عظمته، والإنسان كلما كان أقرب إلى التصميم الإلهي، وأقرب إلى الطبيعة التي أرادها الله عزَّ وجل يقوى جسمه.
نظام التلقيح الذي أبدعه الخالق:
﴿
هذه المحاصيل، القمح، الشعير، الذرة، العدس، الحمص:
فوائد القمح:
قرأت في كتاب نباتٍ كيف أن القمح مادة غذائية أولى في العالم، لأن القمح غذاء كامل، ونحن لجهلنا نأخذ لُبَّه النشوي وندع قشره الذي فيه الفيتامينات، وفيه المعادن، وفيه كل الخير، وأول بدعةٍ ابتدعها المسلمون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نَخْلُ الدقيق، وهذا الخبز الأبيض النقي والملح الأبيض والسكر الأبيض هذه سمومٌ ثلاث، أما الله عزَّ وجل حينما صمم هذه القمحة، وجعل في قشرها المواد الفيتامينية والمعدنية، وكيف أن قشر القمح يحرِّك الأمعاء ويجعل الهضم جيداً، نحن نُلقي بقشر القمح ونأخذ لبه، كيف أن القمح يُعد غذاءً كاملاً للإنسان، ساق القمح الذي يسمى في النهاية تبناً يُعَدُّ الغذاء الكامل للحيوان، هي ساق، تظن أنه ساق السُّنبلة، أما هذا الساق في تركيبه غذاءٌ كاملٌ للحيوان، لذلك التبن مادة أساسية جداً في علف الحيوان، فربنا عزَّ وجل يقول:
نضج الفواكه والخضراوات تباعاً رحمة بالعباد:
هناك نباتاتٌ فوَّاحة الرائحة، ذات رائحة، في الأرض تراب وماء، رائحة الكُمِّثرى، ورائحة التفَّاح، ورائحة الدرَّاق، لكل فاكهةٍ رائحة، كما أنه لكل وردةٍ رائحة، ولكل نباتٍ تزييني رائحة، من وضع هذه الروائح؟ والعطورات التي تشترونها بأغلى الأثمان مأخوذةٌ من النباتات:
نضج الفواكه والخضراوات مبرمج بقدرة الله تعالى:
كذلك أيها الإخوة من جعل هذه الفاكهة تنضج أولاً وبعدها هذه الفاكهة وبعدها هذه الفاكهة؟ تصوَّر حال صاحب بستان نضجت عنده كل الفواكه في يومٍ واحد، ماذا يفعل؟ صاحب البستان يبدأ بالكرز، ويُثَنِّي بالدرَّاق، ثم بالأجاص، ثم بالتفاح، يوجد برمجة، الكون مبرمج، أنواع الفواكه مبرمجة، ونضجها مبرمج، قال:
﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ
أحياناً لبعض الفواكه روائح فوَّاحة، النباتات، الفواكه التي تُسمد بسماد طبيعي، وهواؤها نقي، وماؤها نقي، لها رائحةٌ تأخذ بالألباب، لكن هذا التسميد الكيماوي كان نجاحاً في صفات الثمرة الفيزيائية على حساب صفاتها الكيماوية، لذلك الآن العالم يعود إلى السماد الطبيعي لتعود للفاكهة طعمُها الطيِّب ومذاقها ورائحتها الفوَّاحة.
صنعة الله المتقنة:
ثم يقول الله عزَّ وجل:
﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)﴾
أي هل هناك خلل؟ هل هناك نقص؟ هل هناك شيءٌ على غير ما يُرام؟
﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا
صنعته كلها مُتْقَنة:
﴿
جني الثمار بسهولة من فضل الله على الإنسان:
لذلك تجد النبات في أبدع شيء، أشياء قد لا ننتبه إليها، عُنقود العنب، إن أردت أن تقطعه شداً نحو الأسفل يُعْصَرُ في يدك ولا يُقطع، أما إن حرَّكت قضيبه نحو الأعلى هكذا يصبح في يدك، من صممه بهذه الطريقة؟ الله جلَّ جلاله، أي كل فاكهة لها طباع، لها طريقة جني، هذه النخلة العالية جداً الباسقة كيف نصل إليها؟ لها درج، أوراقها حينما كانت تُقطع بعد مسافةٍ من أصلها، من منبتها، هذا النخل له درج نصعد إليه، كل فاكهةٍ لها طريقةٌ في جنيها، هذا من تصميم الله لنا، البطيخ كبير، لو أن البطيخ معلقٌ في الأشجار ووقعت بطيخةٌ وزنها عشرين كيلو فوق إنسان تقتله، البطيخ تجده على الأرض، الثمار الكبيرة أرضية، اليقطين في الأرض، البطيخ في الأرض، أما التفَّاح فمعلقٌ بالأشجار، لكن هذه الأشجار أيضاً مصممة بشكل أن تجني ثمارها وأنت مرتاح.
﴿ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)﴾
تصميم النبات بشكل يقاوم عوامل الإهمال:
أما بعض النبات الذي أنت بأمسِّ الحاجة إليه طعاماً لحيواناتك يُجنى ست مرات، تزرع البرسيم، تجني البرسيم، تطعمه للدواب، ينبت مرة ثانية، تجنيه مرة ثانية، تطعمه للدواب، ينبت مرة ثالثة، تجنيه مرة ثالثة، ينبت مرة رابعة، تجنيه مرة رابعة، ينبت مرة خامسة، مرة سادسة، من صمم هذا الشكل؟ هذا النبات من صممه؟ أنه إذا لم يرتوِ بالماء يستهلك ماء أوراقه أولاً، ثم ماء أغصانه ثانياً، ثم ماء فروعه ثالثاً، ثم ماء الجذع رابعاً، ثم ماء الجذور خامساً، لو أن الآية عُكِست لماتت الشجرة لأول غلطٍ في سُقياها، إذاً هي مصممة تصميماً يقاوم عوامل الإهمال، عوامل الجفاف.
خلق الإنسان من تراب والجان من نار:
﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14)﴾
طبعاً اتفق العلماء على أن الإنسان هنا آدم عليه السلام، خلقه من صلصالٍ من طينٍ:
﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)﴾
هذه آيةٌ إخبارية، أي أن الله عزّ وجل خلق الإنسان من تراب وخلق جنس الجن من النار.
إتقان الله لخلقه:
دورة الأرض حول الشمس دائمة لا تحيد:
﴿ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17)﴾
بعضهم قال:
نظام الشروق والغروب نظام دقيق ومذهل:
تُمسك تقويماً يقول لك التقويم: في الخامس والعشرين من تشرين الأول الشمس تشرق في الساعة الخامسة والثلاث دقائق، هذا التقويم مصمم من خمسين سنة وصالح لمئة سنة قادمة ولألف سنة قادمة، معنى هذا أن هناك نظاماً مذهلاً ودقيقاً جداً:
يوجد رأي ثانٍ أن الشمس لها نهايةٌ عُظمى في الصيف ونهايةٌ عُظمى في الشتاء، إذا شخص له بيت باتجاه الشرق ومرتفع يلاحظ أنها تُشرق في الصيف من هذه الجهة، أما في الشتاء فمن هذه الجهة، فهناك مسافةٌ كبيرة بين أقصى مكان شروقٍ في الشتاء، وبين أقصى مكان شروقٍ في الصيف، وهذا يتأتَّى من دورة الأرض حول الشمس ومن ميل محورها، فكأن هذا شرق وهذا شرق، شرق الصيف وشرق الشتاء، والأصح أن كل يومٍ بالتحديد هناك مكانٌ لشروق الشمس يغطِّي هذه الحقيقة قوله تعالى:
من رحمة الله بالإنسان خلق الأرض كروية:
كل يوم يوجد شروق، وكل يوم يوجد غروب، لكن قد لا يبدو للعينين، أما يوجد تحرُّك، أما الذي يبدو لك أقصى شروق في الصيف نحو الشمال، وأقصى شروق في الشتاء نحو الجنوب، أو على البحر، الذي له بيت على البحر غربي في بلادنا هذه الحقيقة واضحةٌ تماماً أمامه، يرى مسافةً تكاد تكون أقل من رُبع دائرة بين الصيف وبين الشتاء، هذا معنى قول الله عزّ وجل:
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ
التكوير تداخل الضوء مع الظلام، والضوء والظلام لا يتداخلان إلا بحالةٍ واحدة أن يكون الشكل كروياً فقط، أما أي شكل آخر؛ موشور، مكعب، متوازي مستطيلات، شبه منحرف، مادام هناك أضلاع فهناك شروق مفاجئ وهناك غروب مفاجئ، أما الأرض كرة، الله عزّ وجل لطيف، تغيب الشمس الأرض مضيئة، هذا الضوء يقل بالتدريج شيئاً فشيئاً، بعد ساعةٍ وربع يغيب الشفق الأحمر فيدخل وقت العشاء، وقت المغرب غياب قُرص الشمس، أما وقت العشاء فهو غياب الشفق الأحمر، هذا بالتدريج:
الحكمة من تحرك الشمس:
لحكمةٍ أرادها الله عزّ وجل الشمس عند الشروق أشعتها لازَوَرْدِيَّة، نقول: شمس الأصيل عند الغروب أو شمس الشروق، العين تحتملها، تقبلها، تُحَدِّقُ بها، لا تتأثر بها أبداً، ولكن الشمس وهي في كَبَدِ السماء إن نظرت إليها بهرتك أيضاً هذه حكمةٌ بالغة.
الْبَحْرَيْنِ: مطلق أي بحرين:
﴿ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19)﴾
الخط المتبدل في حركته بين أي بحرين يمنعهما من الاختلاط:
لكن:
﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)﴾
الحكمة من وجود الحجر المحجور بين المياه العذبة والمالحة:
بل إن الأنهار الضخمة العملاقة التي تصبُّ في البحار بين مائها العذب وبين الماء المالح أيضاً حجر محجور.
﴿ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ
البرزخ يمنع اختلاط كل مياهٍ بالمياه الأخرى، وأما الحجر المحجور فيمنع انتقال الأسماك التي تعيش في المياه العذبة إلى المياه المالحة والعكس، لذلك أكثر مكان تُصطاد فيها الأسماك هي مصبَّات الأنهار، لأن أسماك الأنهار لا تنتقل إلى البحار لوجود هذا الحِجر المحجور بين المياه العذبة والمياه المالحة:
خلق اللؤلؤ ليكون زينة للمرأة:
﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)﴾
اللؤلؤ حيوانه اسمه المَحَار، حيوان بحري هلامي رخو، غلافه هذا الصدف الذي ترونه، أي صفيحتان كلسيَّتان قاسيتان جداً، ولهذا الحيوان طِباع وله أجهزة دقيقة جداً إلا أن هذا الحيوان لو دخلت حَبَّة رملٍ إلى مملكته عنوةً لعالج هذا الخطر الداهم بإفراز مادةٍ كلسيةٍ فسفوريةٍ على هذه الحبة من الرمل، هذه المادة الفسفورية الكلسية التي يُفرزها على حبة الرمل هي اللؤلؤة، هو لا يدري، يدافع عن نفسه ويهاجم أعداءه ويصنع اللؤلؤ، واللؤلؤ خُلق خصيصاً ليكون زينةً للمرأة:
﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا
اللؤلؤ مصمم خصيصاً ليكون زينةً للمرأة، لذلك هذا المحار من خلقه؟ ومن جعل طبعه أنه يُهاجم حبة الرمل بمادةٍ كلسيةٍ فسفورية؟ الآن هناك لؤلؤ مزروع زراعة، يستخرجون المَحار، ويضعون فيه حبة رمل، ويعيدونه إلى البحار بصناديق خشبية مربوطة ببواخر، ويبقى المحار في البحر أشهراً طويلة ليُفرز مادةً كلسيةً على حبة الرمل الموضوعة فيه، ولكن هناك فرقاً بين اللؤلؤ الطبيعي وبين اللؤلؤ الزراعي، أما الصناعي فإنه مصبوب صباً، يوجد عندنا لؤلؤ طبيعي، ولؤلؤ زراعي، ولؤلؤ صناعي، فرقٌ كبير في صفاء اللؤلؤة الطبيعية عن اللؤلؤة الزراعية.
اللؤلؤ والمرجان من آيات الله الدالة على عظمته:
قال تعالى:
تكرر قوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ لإيقاظ العقول:
﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(23)﴾
طبعاً هذه الآية التي تتكرر لتوقظ العقول، هل فكَّرت في هذا؟ اشتريت حبلاً من اللؤلؤ لزوجتك هل فكَّرت من خلق هذا اللؤلؤ؟ من صممه؟ من جعله ليكون وسيلةً لِخَطْبِ ودِّ المرأة؟
الحكمة من قوة تماسك الماء:
﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23) وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24)﴾
أي من جعل في الماء قوة تماسك؟ طبعاً كما تعلمون الجسم الصلب له شكلٌ ثابت، وله حجمٌ ثابت، أما الجسم المائع فله حجمُ ثابت، وشكلٌ متغيِّر، أما الجسم الغازي فله شكلٌ متغيِّر، وحجمٌ متغيِّر، معنى هذا أن الماء وسط بين الغاز وبين الصلب، معنى هذا ما دام الماء حجمه ثابت إذاً هناك تماسك بين ذرَّاته، هذا التماسك الذي بين ذراته يرفض دخول جسم فيه، هذا الرفض أو هذا الدفع كما سمَّاه أرخميدس هي القوة التي تدفع الأشياء نحو الأعلى في الماء، لذلك تجد باخرة مدينة، الآن توجد ناقلات نفط تحمل مليون طن:
تصميم البحر كالجبال:
قال:
﴿ وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25)﴾
الفناء مصير كل شيء في الكون:
كل هذا الكون:
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)﴾
كل من في المسجد بعد مئة عام ولا واحد منا موجود، أخذت أقصى شيء، وقبل مئة عام لم يكن منا واحد موجود،
العمل الصالح أساس نجاة الإنسان يوم القيامة:
كل مخلوقٍ يدِبُّ على الأرض فان، هل استثني أحد؟ أبداً، الأنبياء ماتوا، قال تعالى:
﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)﴾
أي محكومٌ عليكم بالموت، فإذا الإنسان أيقن بالموت يستعد له بالعمل الصالح، بالإنفاق، بخدمة الخَلق، بالأمر بالمعروف، بالنهيّ عن المنكر.
الجلال والإكرام أعظم صفات الرحمن:
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)﴾
كل صفات القوة مجموعةٌ في الجلال، وكل صفات الكمال مجموعةٌ بالإكرام، فالله سبحانه وتعالى:
الله عز وجل جعل الإنسان خليفة للإنسان في الأرض:
أوضح مثل: اذهب إلى أحد الأسواق القديمة كم طقم تجَّار استلموا هذه المحلات؟ جيل بعد جيل بعد جيل بعد جيل، الله جعلنا خلائف، كان لبيت فلان توفي الأب، المحل تسلم، أخذه فلان أسسه، وعمل فيه مشروعاً، كبر، مات، سلَّموا المحل، وهكذا والبيوت كذلك، الله جعلنا خلائف:
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30)﴾
هذه الآيات إن شاء الله نشرحها إن أحيانا الله في الدرس القادم.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين