- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (051)سورة الذاريات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الأوَّل من سورة الذاريات.
خلق الله الإنسان من أجل طاعته و عبادته:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَٱلذَّٰرِيَٰتِ ذَرۡوًا(1) فَٱلۡحَٰمِلَٰتِ وِقۡرًا(2) فَٱلۡجَٰرِيَٰتِ يُسۡرًا(3) فَٱلۡمُقَسِّمَٰتِ أَمۡرًا(4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ(5) وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِعٌ(6)﴾
هذه الآيات ومثيلاتها في القرآن الكريم، ومثل هذه الآيات تحتلّ مساحة كبيرة في القرآن الكريم، الآيات الكونيّة الدالة على عظمة الله جلّ جلاله، هذه الآيات، لو أنّ واحدًا منا سأل نفسه، لماذا أورَدَها الله في كتابه الكريم؟ الحقيقة أنَّك خُلِقْتَ مِن أجل أن تعبُدَهُ، أن تعبُدَهُ أي أن تُطيعَهُ، لن تستطيع أن تُطيعَهُ إلا إذا عرفْتَهُ فمعرفتهُ سبب عبادته.
عبادة التفكر من أرقى العبادات:
الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن تراهُ بِحَواسِّك الخمس، قال تعالى:
﴿
لكنَّك بإمكانك أن تعرفَهُ إذَا دقَّقْت في خلقه، فلذلك هذه عِبادة تُعدُّ مِن أرْقى العبادات على الإطلاق، عِبادة التَّفكُّر، فأنت إذا فكَّرْتَ في خَلْقِهِ تتعرَّف إليه، إن عرفْته، عرفت الآمِر، هان عليك تطبيق الأمر، فالآمر قبل الأمر، والأصول قبل الفروع، والإحسان قبل البيان، والقدوَة قبل الدَّعوة، هذه وسائل لِمَعرفة الله عز وجل.
الهواء مِن أكبر الآيات الدالة على عظمة الله:
مثلاً هذا الهواء لا يحول بيني وبينكم، لكنَّ طائرةً يزيدُ وزنها على ثلاثمئة وخمسين طنًّاً يحملها! فما هو هذا الهواء اللطيف؟ أما إذا تحرَّك وزادَت سُرْعتُهُ على مئتي كيلو متر، ووصَلَتْ إلى الثمانمئة كيلو متراً أصْبَحَ إعْصاراً ودمَّر كلّ شيء، فبينما هو نسيم عليل إذا هو إعْصار مُدمِّر، فما هذا الهواء؟ هذا الهواء سبب تناثر الضوء، فلو ذَهَب الإنسان إلى القمر، وهو في رابعة النهار يرى الفضاء أسْودَ، وفي وسطِهِ قرْص الشمس، بينما في الأرض ترى الدنيا مضيئة وسببها هذا الهواء الذي ينثر الضَّوء، ففي غرفتك ضَوء من دون أشِعَّة الشمس، فالهواء وحدهُ مِن أكبر الآيات الدالة على عظمته، لطيف ويتحرَّك، كيف يتحرّك؟ مِن خصائصه أنَّه إذا سُخِّن تمدَّد، فالهواء الذي فوق الصَّحراء حرارته خمسون درجة يتمدد، والهواء الذي فوق المناطق الباردة ينكَمِش، فهنا ضَغط منخفض، وهنا ضَغط مرتفع، والهواء يتحرَّك من الضَّغط المرتفع إلى الضّغط المنخفض، فلولا أنّ هناك مناطق صَحراوِيَّة في الأرض هواؤُها حار، ومناطق باردة هواؤُها بارد منكمِش لمَا تحرَّك الهواء، وهذا تفسير بسيط جدًّا لِحَركة الهواء! هناك تفسيرات أخرى مُعقَّدة جدًّا، فالهواء يتحرَّك من القطبين إلى خطّ الاستِواء، ومن المناطق الباردة إلى المناطق الحارة، ومن الغرب إلى الشَّرق، فلولا حركة الهواء لَكُنَّا في حالة لا تُحْتمل.
ذَرْوًا: كلمة لها عدة معان:
ربُّنا عز وجل أشار في مطلع هذه السورة إلى هذه الظاهرة التي يُمكن أن تكون أحدَ أكبر الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل، قال تعالى:
إذا كانت السُّحب فوق البِحار وسَكَنت الرِّياح فمن ينقلها إلى اليابسة قال تعالى:
﴿
فهذه الرياح تسوق السحب
ظاهرة التبخر والتقطير و التكاثف:
إنبات النبات سببه الرياح التي خلقها الله عز وجل:
هذه الذاريات التي تذرو السُّحب، وتسوقها إلى بلد ميت، أو تذرو حبوب الطَّلع الملقِّحة للنباتات فلولا الرياح لمَا أنبتَ النبات، وكلّكم يعلم -وفي ذلك آية كريمة تشير إلى ذلك- أنَّ النبات مخلوق من ذكر وأنثى، النبات كله مخلوق من ذكر وأنثى، وهذا الذَّكر والأنثى لا بدّ من أن يتلاقَحا عن طريق الرياح، لذلك سمّى الله الرياح في آية أخرى لواقح، لأنها تلقح النبات.
عبادة الإنسان لخالقه واجب عليه:
هذا الهواء الذي يتحرّك يُجدِّد الجو، لو أغلقت النوافذ في غرفة لضاقت نفسك، نسمة لطيفة تنعش الإنسان، يتحرّك وتحرّكه له قوانين دقيقة جدّاً، يسوق السُّحب ويسوق حبوب الطَّلع الملقِّحة للنباتات، فهذا الذي صمَّم وهذا الذي قنَّن وهذا الذي وضَع هذه السُّنن هو ربّ العالمين، ألا يستحقّ أن تعبده؟ قال تعالى:
ثمّ يقول الله تعالى:
﴿
هذا تشبيه بليغ مصدري!
قسم الله لفتُ لنظر الإنسان إلى عظمة هذه الآية:
قال تعالى:
الماء موضوع من موضوعات التفكر في عظمة الخالق:
طبعاً ظاهرة الهواء، حركة الهواء، قوانين الهواء، الهواء يُضْغَط ولكنَّ الماء لا يُضْغَط، لو وضَعنا متراً مكعَّباً من الماء تحت مِكبس ثمانمئة طن لا يمكن أن يُضغَط الماء ولا ميليمتر! أما إذا أراد أن يتمدَّد بِفِعل التَّجَمّد لا شيء في الأرض يقف أمامه! بل إنَّ أحدث طريقة لِتَفكيك الرُّخام أن تثقبَهُ وأن تضع فيه ماءً ثمَّ تبرِّدَهُ! عندها ينفجر، أو يتصدع الرخام، وهو من أقسى الأحجار، مُحرِّك مَصنوع من خلائط نادرة لو أنَّ الماء تجمَّد فيه لشَطَرهُ شَطرين، ما هذا الماء؟ لا لوْن له، ولا طعم له، ولا رائحة له، ولا ينضَغط، وإذا تمدَّد لا شيء يقف أمامه، فالماء موضوع من موضوعات التَّفكّر، والهواء موضوع من موضوعات التَّفكّر، ولماذا ذكر الله ذلك في القرآن الكريم؟ إنّما ذكر ذلك كي نتعرَّف إلى الله مِن خِلال خلقه، قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ(190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191)﴾
خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط:
قال تعالى:
أيها الإخوة الكرام، فِكرةٌ دقيقة جدًّا ذكرتها مِراراً أنت مخيّر، لك أن تختار هذا البيت أو هذا البيت، حينما تُقْدِم على الزَّواج لك أن تختار هذه الفتاة أو هذه الفتاة، وحينما تُجْمِع أن تعمل لك أن تختار هذا العمل أو ذاك، أما خِيارُك مع الإيمان ليس خِيار قبول أو رفض، إنَّما هو خِيار وقت فقط، فالأشياء التي جاء بها الأنبياء، لا بدّ من أن تؤمن بها عند الموت، ألم يقل فرعون كما في قوله تعالى:
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ
وعد الله للإنسان لا ينتفع به إلا إذا آمن بربه:
قضيتك مع الإيمان قضية وقت، فإمَّا أن تؤمن وأنت صحيح شَحيح، وإما أن تؤمن وأنت غنيّ شابّ قَوِيّ فارغٌ، وإما أن تؤمن بعد فوات الأوان، قال تعالى:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)﴾
تصوّر طالباً خرج من الامتحان، ولم يكتب شيئًا، توجَّه إلى البيت وفتح الكتاب وقرأ الإجابة الصحيحة! ولكن متى عرف الجواب؟ بعد فوات الأوان، فالله عز وجل قال:
عدم وجود الحساب يتناقض مع كمال الله عز وجل:
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93)﴾
خَلْقٌ عظيم، وخالق كبير، لا يُعْقل أن يخلق الإنسان سُدى، قال تعالى:
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36)﴾
قويّ وَضعيف، غني وفقير، وحاكم ومحكوم، وظالم ومظلوم، ومُسْتغِلّ ومُسْتَغَلّ، ومُحْتال ومُحتال عليه ويموتون جميعًا، ثمّ ينتهي الأمر من دون شيء! ومن دون حِساب! هذا يتناقض مع كمال الله عز وجل:
محاسبة الله للإنسان محاسبة شديدة:
قال تعالى:
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ(7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ(8)﴾
وقال تعالى:
﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ
أيها الإخوة الكرام، حينما تؤمن أنّ الله تعالى معك، ويعلم ما تفْعل وسيُحاسِبُكَ، وهناك يوم لا ينفَعُكَ إلا عملُكَ الصالح عندئذ تستقيم.
الإيمان بالله و اليوم الآخر من لوازم الإيمان:
من لوازم الإيمان أن تؤمن بالله واليوم الآخر، وأن تؤمن أنَّ الله تعالى يعلم وسَيُحاسِب، وأن تؤمن أنّ كلّ شيءٍ تفعلُهُ ينبغي أن تُجيب الله عنه، فالإنسان الموفَّق قبل أن يتكلم كلمة، وقبل أن ينطق ببنت شَفَة، قبل أن يعبِس، قبل أن يبْتَسِم، قبل أن يُعطي، قبل أن يمْنع، قبل أن يتزوّج، قبل أن يُطلّق، قبل أن يضرب، قبل أن يُسامح، قبل أن يأخذ، قبل أن يُعطي يقول: ماذا سَأُجيب الله عز وجل عن هذا الموقف؟ لِقول الله عز وجل:
إخواننا الكرام: فالمؤمن الموفَّق لا تغيب عن ذِهنهِ ولا لحظة ساعة الحِساب وساعة نزول القبر، فمهما اعْتَنَيْنا بِبُيوتنا، مهما زيَنَّاها، ومهما زخرفْناها، مهما أغْنَيْناها بالفرش، لا بدّ مِن مُغادرة المنزل، فالإنسان داخل وخارج من البيت عمودياً، إلا أنَّ مرَّةً سيخرج أفقياً ولن يعود، فمهما كان قويّاً سيموت،
واللّيـــلُ مهمــــا طـــــــالَ فلا بدّ من طُلـــوعِ الفجْـــــــــرِ
والعُمــرُ مهمــــا طـَــــــالَ فلا بدّ مـــن نُـزولِ القَبــــــــــرِ
****
يقول الشاعر:
كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ
فـإذا حملتَ إلى القبـــــورِ جنــازةً فـاعلمْ بأنّك بعدَهـــــــا محمـولُ
****
الموت و الحساب نهاية كل حي:
قال تعالى: أيها الإخوة الكرام:
تصوير الله ليوم القيامة لنستعد لها قبل فوات الأوان:
قال تعالى:
﴿ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ(21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ(22)﴾
قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ(19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ(20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ(22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ(23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ(24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ(25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ(26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ(27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ(28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ(29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31)﴾
هذا كلام ربِّنا، وكلام خالق الكون، صُوَرُ يوم القيامة إنما ذكرها الله عز وجل كي نسْتعدّ لها قبل فوات الأوان،
(( مَرَّ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال له: يا حارِثُ،
طلب العِلم أهم عمل يفعله الإنسان في الدنيا:
العاقل يعيش المستقبل دائماً، أما الجاهل فيعيش حاضره، والأجهل يعيش ماضيه.
ما مضى فاتَ والمُؤمَّلُ غيبٌ ولكَ الساعة التي أنتَ فيها
فيا أيُّها الإخوة الكرام، لا بدّ من الصُّلْح مع الله تعالى، ولا بدّ من التوبة النَّصوح، ولا بدّ من معرفة منهج الله تعالى، والله الذي لا إلا هو طلب العِلم أخطر عملٍ تفعلهُ في دُنياك، وهو أهمّ مِن أيّ نشاطٍ آخر، لأنَّه منْجاة، فيجب أن تعلم من أنت؟ ولماذا أنت في الدُّنيا؟ وما هو سِرُّ وجودك، وما هي غاية وُجودك؟ وما المنهج الذي ينبغي أن تسير عليه؟ وكيف تتزوَّج؟ وكيف تكْسِبُ المال؟ وكيف تنفق المال؟ وكيف تُمضي وقت الفراغ؟ هل تعلم أيُّها الأخ الكريم أنَّ أثْمن شيءٍ تمْلِكُهُ على الإطلاق هو الوقت؟ فالإنسان قد يملك مئة مليون أو خمسمئة مليون، الوقت أثمن منها، والدليل أنَّه لو مضى الوقت وجاء الأجل لا تنفعُكَ هذه الأموال الطائلة، ينفعُكَ أن تعرف الله في هذا الوقت هذا الوقت غِلاف الزَّمن، غِلاف العمل.
كل إنسان مدان في الآخرة بأفعاله:
قال تعالى:
قال تعالى:
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(38)﴾
فالذي فعل، وترك، وقبض، ودفع، وأعطى، ومنع، وقطع، ووصل، وغضب، ورضي، هذه الحركة سوف نُحاسَب عليها جميعًا، قال تعالى:
على الإنسان أن يغتنم صحته و غناه و شبابه قبل موته:
لهذا قال عليه الصلاة والسلام:
(( اغتنمْ خمسًا قبلَ خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِكَ وصحَّتَكَ قبلَ سقمِكَ، وغناكَ قبل فقرِكَ، وفراغكَ قبل شُغلِكَ، وحياتكَ قبل موتِكَ. ))
أي أحدنا معافى، والحمد لله، أما لو توجد علة خطيرة، دخل في عالم آخر، ينسى كل شيء، فالإنسان مُعافى صحيح الجسم، مرتاح من قضية أولى، وثانية، وثالثة، ورابعة، له مأوى، وله دخْل يكفيه، له زوجة وأولاد، هذه حالة مناسبة جدًّا للهدى لذلك قال الله عز وجل:
﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ(1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ(2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ(3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ(4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ(5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ(6)﴾
أي شخص راكب مَركبة، وهي منطلقة بأقصى سرعة في منحدَرٍ شديد، وفي آخرها منعطف حاد مسرور، السرعة يرتاح لها الإنسان، الهواء يلطف الجو، ثم اكتشف فجأة أن ليس معه مكبح:
على الإنسان أن يستغل أيامه المتبقية بالأعمال الصالحة:
مرَّةً ذكر النبي عليه الصلاة والسلام: كيف أن عَبدين وقفا بين يدي الله عز وجل أحدهما مظلوم والآخر ظالم، فقال المظلوم: يا رب خُذْ لي ظُلامتي من فلان فأعطاه كلّ حسناته فلم تفِ، وطُرِحت عليه سيّئات المظلوم فلم تفِ، فأُلقيَ في النار، وحينها بكى النبي عليه الصلاة والسلام.
فنحن الآن في بحبوحة، نحن أحياء، نحن على وجه الأرض، نحن سُمِح لنا أن نعيش يوماً، فكلّ إنسان يستَيقظ يجب أن يعلَمَ عِلم يقين أنَّ الله سمَح له أن يعيش يوماً جديدًا، سمَح له أن يعيش يوماً جديداً،
أكبر مصيبة تصيب الإنسان أن لا يعلم لماذا هو في الدنيا:
مرَّ عليه الصلاة والسلام على قبر فقال:
(( ركعتان أحبُّ إلى هذا من بقيَّةِ دنياكم. ))
النبي اطَّلَعَ على حالة صاحب القبر، يتمنى أن تكون الدنيا كلها بيده، ويُسمَح له بركعتين، هي خير له من كل الدنيا، فنحن في بَحبوحة، لا تدع مجلس العلم، به يذكرك بربك، به يشحنك شحنة روحية، به يبقيك على الصراط المستقيم.
(( عليكُم بالجماعَةِ، وإيَّاكُم والفُرقةُ؛ فإنَّ الشَّيطانَ معَ الواحدِ، وهوَ معَ الاثنينِ أبعَدُ. ))
(( فَعَلَيكُمْ بِالجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الغَنمِ القَاصِيَةَ. ))
فالإنسان يحتاج إلى شحنة علمِيَّة وروحِيَّة كل أسبوع، الحد الأدنى، حتَّي يبقى متوازناً، كحال المصباح يُشحَن بالكهرباء، إن شحنته يتألق، وإن نسيته من دون شحن، يخفت ضوءه، وكذلك الإنسان بلا شحن يقترب من حطام الدنيا، يدخل في دوامة كسب المال، وإنفاق المال، والعلاقات التجارية، والمالية، وزيد، وعبيد، وفلان وعلان، وهذا أعطاني، وهذا لم يعطني، دوامة لا تنتهي، لا بد من أن تكون لك مكابح، لابد أن تخلو مع الله مِن حينٍ لآخر، ولا بدّ من أن تفكِّر لماذا أنا في الأرض؟ فلا يُعقل أن يُسافر الإنسان إلى بلد وهو لا يدري لماذا أنا هنا؟ فرْق كبير بين أن تكون سائحاً وبين أن تكون تاجِراً وبين أن تكون طالب عِلم، فرق كبير جدّاً، السائح له برنامج، المكان الفلاني، المتحف الفلاني، إلخ...، والتاجر له برنامج، وطالب العلم له برنامج، فإذا إنسان سافر إلى بلد أجنبي، ولا يعلم لماذا هو هناك هذه أكبر مصيبة.
تسيير الله لكل شيء في الكون:
ثمّ يقول تعالى:
﴿ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلۡحُبُكِ(7)﴾
آيةٌ أخرى، هذه آية التَّجاذب الحركي:
الكون أكبر دليل على عظمة الله و وحدانيته:
الآن: دراسة الجاذبية، وقوى الجذب، والاحتكاك، وما إلى ذلك، أمّا مليون مليون مجرة، وكل مجرة فيها مليون مليون كوكب، والكواكب متفاوِتَةٌ في الأحجام والمسافات، أدقّ ساعة في العالم تُضْبط على نجم، فالنَّجم لا يتأخَّر ولا يتقدّم ولا مِعشار ثانية، ساعة تُضبَط عليها ساعات العالم، هي تضبط على نجم يتحرك، فحركة النُّجوم تسير بِدِقَّة متناهِية، وبِدقّة أُسطورِيَّة، فمن يُسيِّرُها؟
مثل بسيط، هذه الأرض تدور حول الشمس، والمسار ليس دائرياً، المسار إهليلجي، معنى ذلك أنّ هناك قطرين؛ قطر أكبر وقطر أصغر، لو أنَّها في القطر الأصغر في مسارها حول الشمس، في الجهة ذات القطر الأصغر يزداد جذب الشمس لها، إذًا هناك احتِمال أن ترتطم بالشمس، فما حكمة الله في ذلك؟ تزداد سرعتها لِيَنشأ عن هذه الزِّيادة قوَّة نابذة تُكافئ القوَّة الجاذبة، أما إن ابتَعَدت للقطر الأوسَع تَقِلّ سرعتها لِتَقِلّ قوَّة النَّبذ حتى تتوازن مع ضَعف الجاذِبِيَّة، مَن يرفع سرعتها رفْعًا تَدريجيًا؟ ومن يخفض سرعتها خفضًا تدريجِيّاً؟ الله خالق الكون، ولو أنّ هذه السرعة ارتفَعَتْ فجأةً لانْهَدَم كلّ ما على الأرض! فهذه المدن الكبرى، وناطحات السحاب هذه كلُّها تنهدِم، لو أنَّ التسارع سريع، التسارع بطيء والتباطؤ بطيء، هذا مِن حِكمة الله عز وجل، فلذلك الكون أكبر دليل على عظمة الله تعالى، ووُجوده ووَحْدانِيَّتِهِ، وكماله.
قدرة الله عز وجل في رفع السماء بلا عمد:
قال تعالى:
﴿
هل يمكن أن تقيم بناءً مئة طابق، والطابق الأوّل كله هواء، ليس فيه عضاضة واحدة؟ هل بالإمكان بناء مئة طابق وزنه رقم فلكي من الإسمنت المسلح، وليس له أي عمود على الأرض، وارتفاعه مئة متر، وتمشي تحته؟ تصور! مستحيل، بناء مئة طابق، من إسمنت مسلح، وتحته كله فارغ، لا يستند إلى شيء، بل إلى قوة لا تُرى بالعين، الكون هكذا، الجاذِبيَّة قوَّة تمشي وسطها أنت، وهناك جذب، ولكنَّه جذب لطيف لا تشعر به.
التوازن الحركي في الكون:
قال تعالى:
تعدد الباطل و الحق واحد:
لذلك:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ(7) إِنَّكُمۡ لَفِي قَوۡلٍ مُّخۡتَلِفٍ(8)﴾
أهل الحق كلامهم واحد، فمُؤمن من بلاد الشام، ومؤمن من الباكستان، ومؤمن من الهند، من كندا، من أستراليا، من إفريقيا، كلّهم فِكر واحد ومبادئ واحِدَة، وقِيَم واحدة، أهداف واحدة، هناك توحّد، لكنّ مِلَّة الكفر ألف اتِّجاه واتِّجاه، وألف سبيل وسبيل، قال:
﴿
الحق يجمع الناس و الباطل يفرقهم:
الحق لا يتعدد، والباطل لا يتحد، والباطل متعدِّد ولا نِهاية له، أما الحق فواحِد لذا وردَ في الآية طريق الاستِقامة مفرد:
﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ
جمع، إِلَى النُّورِ مفرد، ما قال من الظلمات إلى الأنوار، وما قال من الظلمة إلى النور، قال من الظلمات إلى النور، النور واحد، الحق واحد، الحق مثل الخط المستقيم، بين نقطتين لا يمرّ إلا مستقيم واحد، ضع النقطتين على ورق، و ائتِ بمسطرة، وارسم أول خط، الثاني فوقه، الثالث فوقه، لو رسَمْت ألف خطّ كلها فوق بعضها بعضاً، الحق واحد، الباطل متعدد، لذلك ما الذي يَجمعنا؟ الحق، ما الذي يُفرِّقنا؟ الباطل!
الله عز وجل شَرًّف الإنسان بعبادته و معرفته:
مذاهب، واتِّجاهات، وآراء، ومنطلقات، وتفسيرات، ونظريَّات ما أنزل الله بها من سلطان، وفي الهند يعبدون البقر، وفي بلاد اليابان -وقد لا تُصدِّقون- يعبدون عَورة الرجل، وفي أمريكا يعبدون الجرذان، وفي بعض البلاد يعبدون مَوْج البحر، ويضعون أطيب الطعام، والشراب، والفواكه أمام الموج ويقذفونه في الموج ثمّ يُصلُّون، وفي بلاد يعبدون الجرذان، يضعون في طبق الحليب، تأتي الجرذان، ويعبدونها من دون الله، وفي الهند يعبدون البقر، وفي بعض البلاد المتقدمة صناعياً جداً يعبدون عورة الرجل، يعني شيء لا يصدق، لكن الله سبحانه وتعالى شرَّفنا بِعِبادته، شرّفنا بِمَعرفَتِه، شرّفنا بِمَنهج سليم صحيح.
أخٌ كريم كان في بعض مدن الهند، وهو في غرفته بالفندق رأى أمام الفندق ساحة عامَّة والناس مجتمعون، وقد وُضِعَت أكداس مكدَّسة من الحطب فلما سأل قيل له: مات رجل وسوف يُحْرق! فقال: ومن هذه التي بِجانبه؟ قال: زوجته، قال: أراها تتحرك! قال: نعم، ويجب أن تُحْرق وهي حيَّةٌ، فإن لم تحرق سَقطت اجتماعيّا،ً هذا دين هذا؟ امرأة متّعها الله بالحياة، ينبغي أن تُحرق مع زوجها! قال تعالى:
انهيار الدعوات الباطلة مهما كانت قوية:
ثمّ يقول تعالى:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ(7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ(8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ(9)﴾
هِرَقل سأل سيّدنا أبي سفيان قبل أن يُسْلم فقال: أصحاب نبيّكم يزيدون أم ينقصون؟ فقال: يزيدون، قال هرقل: إذًا هو نبي.
(( عَبْدَ اللَّهِ بنَ عَبَّاسٍ، أخْبَرَهُ قالَ: أخْبَرَنِي أبو سُفْيَانَ بنُ حَرْبٍ، أنَّ هِرَقْلَ،
لأنَّ الباطل قد تنخدِعُ به إلى حين ثمّ ينكشف فتنْسحب، فإذا كان هناك دخول وخروج، أو خروج من دون دخول معنى ذلك هناك باطل، أما إذا كان هناك ثبات، ونماء وازْدِياد، معناها حق، قال تعالى:
﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ
الحق نعمة لا تقدر بثمن:
مهما ظَنَنْتَهُ قويّاً، مهما ظننته مُتماسِكاً، مهما فلْسفْتَه، مهما دَعَمْتَهُ بالأدلّة الواهِيَة، ومهما جمَعْتَ الناس حوله، مهما رفعت شعاراته، فالباطل يبقى باطلاً:
لذلك أنتم أيها الإخوة تتمتَّعون بِنِعمة لا يعرفها إلا مَن فقَدَها ما هذه النِّعمة؟ إذا كنتَ مع الحق فليس في حياتك مُفاجأةٌ أبداً، المفاجآت تكون لِمَن كان مع الباطل، يفاجأ لأنّ مبدأه باطل، مبدأَهُ غير صحيح، ومبدأهُ فيه دَجل، أما المؤمن لن تزيدَهُ أيَّامهُ إلا اعْتِقاداً بِمَبدئِهِ، وكلّ أحداث الأرض تؤكد هذا المبدأ وتدعمه، لأنّه دينُ الله عز وجل، لذلك إذا كان الإنسان مع الحق فهذه نِعمة لا تعْدِلها نِعمة.
الإسلام مبدأ الله العظيم و منهجه القويم:
صَديقٌ ذَهَب إلى بلدٍ في شرق آسيا، وكان هناك لِقاء مع مُدير شركة، وإذْ به يُفاجأ أنَّ أمَّه قد تُوُفِّيَتْ، فهو توقَّع أنْ تُلغى المواعيد كلها، فقال المدير: لا، كل شيء على حاله، قال له والوفاة؟ قال له: ضَعوها في البراد إلى أن يأتي دورها في الحرق، فقال هذا الأخ: ولمَ تحرقونها؟ قال: لأنَّ القبر مُكْلف، أما الحرق أيسر، أرخص، نضعها في قارورة، الرماد، ونأخذها إلى المعبد، تتقدس هناك، في الأعياد نأتي بها، القارورة طبعاً، هي أمه، يرجعها، سبحان الله، شيء مضحك، لهذا ضحكتم أنتم:
انغماس المنافقين في شهواتهم و مباهجهم في الدنيا:
الحق ما أقرَّ به العقل، وما ارْتاحَت له الفِطرة، وما أيَّدَهُ الواقع، وما أيده النَّقل، فكلمة الحق؛ الحق والنقل والعقل والواقع والفطرة كلّها متطابقة، فالفِطرة ترتاح، قال تعالى:
﴿
﴿ قُتِلَ ٱلۡخَرَّٰصُونَ(10)﴾
الكذابون:
﴿ قُتِلَ ٱلۡخَرَّٰصُونَ(10) ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي غَمۡرَةٍ سَاهُونَ(11)﴾
في غَمرة الشَّهوات، وغمرة جمْع الأموال، وغمرة اقتِناص الملذَّات، وغَمرة القيل والقال، وغمرة البحث عن الأمجاد الزائفة في الدنيا، وغمرة التمتع بمباهجها:
غفلة الإنسان الكافر عن يوم الحساب:
غافلون عن هذا اليوم، يوم الحِساب،
﴿ يَسۡـَٔلُونَ أَيَّانَ يَوۡمُ ٱلدِّينِ(12)﴾
اسْتِهزاءً، قال تعالى:
﴿ يَوۡمَ هُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ يُفۡتَنُونَ(13) ذُوقُواْ فِتۡنَتَكُمۡ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ(14)﴾
الصدق يهدي إلى البر و الكذب يهدي إلى الفجور و النفاق:
أحياناً تجلسُ جلسةً كلّ ما قيل فيها كَذِب في كذب، كلها نفاق، فالذي يُدَمِّر حياتنا هو الكذب، لذلك المؤمن صادِق:
(( إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا. ))
المؤمن لا يكذب، ويجب أن تعتقِد ما هو واقِعيّ، فلا تعتقِد بالأوهام، ولا التّرُّهات ولا بالأباطيل، لا تقبل شيئًا من دون دليل، وأنت كريم على الله عز وجل والنبي عليه الصلاة والسلام أرْسَل سريَّة وأمَّر عليها أنصاريّاً ذا دُعابة، فأمر بإضرام نار عظيمة، وقال: اقتحموها، ألست أميركم؟ أليست طاعتي طاعة رسول الله؟ بعض أصحاب النبي وقفوا مترددين، قال بعضهم: كيف نقتحمها؟ وإنما آمنا بالله فراراً منها، وقال بعضهم: بل نطيعه؛ لأن طاعة الأمير طاعة رسول الله، اختلفوا، فعرضوا الأمر على النبي عليه الصلاة والسلام، قال: والله لو اقتحمتموها ما زلتم فيها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في معروف.
(( بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا فَأَوْقَدَ نَارًا فَقَالَ ادْخُلُوهَا فَأَرَادَ نَاسٌ أَنْ يَدْخُلُوهَا وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا فَرَرْنَا مِنْهَا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا لَوْ دَخَلْتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَالَ لِلْآخَرِينَ قَوْلًا حَسَنًا وَقَالَ لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ. ))
إكرام الله للإنسان بنعمة العقل:
العقل لا يُعطَّل أبداً، والله تعالى وهَبَك عقلاً، وأعطاك منهجاً، وأعطاكَ قرآنًا بِلِسان عربيّ مبين، أخي هذا القرآن إذا الإنسان فكّر فيه يغرق، لا، ما أنزله على النبي عليه الصلاة والسلام إلا لكي تفهمه، قال تعالى:
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا(24)﴾
ما أمرك أن تتدبَّرَهُ إلا لأنَّه في مستواك، يمكن أن تفْهمه، أنزله على نبيه بلسان عربي مبين، لا تدخل بدوامة أن القرآن لا يُفهَم، إذا هو لمن؟ يعني ممكن جهة ترسل رسالة لا يفهمها المُرسَل إليه؟ هذا شيء غير معقول.
الدنيا عرض حاضر و الآخرة وعد صادق:
إذاً:
﴿ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ(83)﴾
قال تعالى:
﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ(196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(197)﴾
قال تعالى:
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
إنَّ هذه الدنيا عرَضٌ حاضِر، يأكل منه البرّ والفاجر، والآخرة وَعْدٌ صادِق، يحْكُمُ فيه ملِكٌ عادِل.
عرض الكفار على النار:
قال تعالى:
﴿ إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٍ وَعُيُونٍ(15) ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ(16)﴾
آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ: آية لها عدة معان:
1 ـ أخذوا أمر الله بالطاعة:
بعضهم قال: أخذوا أمرهُ بالقَبول والطاعة:
2 ـ هم في ضيافة الرحمن:
والمعنى الآخر أنَّهم الآن في ضِيافة ربِّهم:
ثمَنُ الجنَّة أن تكون مُحْسِناً:
(( إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح،
مُحسِن، يعني المؤمن لا يصدر عنه إلا كل خير، المسلم لا يُقلق أحداً، أما الكافر:
المؤمن مصدر أمْن و سعادة و الكافر مصدر خوف و تعاسة:
هذا الذي يتَّقيه الناس مخافة شره، هو شرّ الناس، الذي يتَّقيه الناس مخافة شره هذا ليس مؤمنًا، المؤمن مصدر أمْن، مصدر سعادة، مصدر طمأنينة، مصدر عطاء، وهو يبني حياته على العطاء، أما الكافر فيبني حياته على الأخذ، وإذا أردت أن تعرف ما إذا كنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة، فانظر ما الذي يسعدك؟ أن تأخذ أم أن تعطي؟ المؤمن يسعده العطاء، أهل الدنيا يمْلِكون الرِّقاب بِقُوَّتهم، والأنبياء يمْلِكون القلوب بِكَمالهم، أنت مع من؟ فهل تُحبّ أن تملِكَ قلوب الناس بِكَمالك، بلُطفك، بتواضعك، بحِلمِكَ، برحمتك، بإنصافك، بخدمتك للخلق؟ إما أن تملك قلوبهم بكمالك، وإما أن تملك رقابهم بقوَّتك، فالطُّغاة يملكون الرِّقاب بالقوّة، والأنبياء فيملكون القلوب بكَمالهم، لذلك:
المؤمن محسن ينصف الناس من حوله:
وفيّ لِزَوْجته، ويربِّي أولاده تربيَةً عالية جداً، كريم لجيرانه، ومُحسن لطلابه، ومُحسِن لِزَبائِنِه، ومُحسِن لِمَرضاه، لا يكذب، لا يغشّ، لا يسْتحكِم، لا يسْتغلّ، لا يبتز أموال الناس بالباطل، لا يتكبَّر، لا يستعلي، لا يتغطْرسَ، ولا يقول: أنا وأنا، متواضع:
امرأة تزوّج عليها زوجها من دون أن يُعلمها، فلما علِمَت سَكَتَتْ، ولما مات هذا الزوج، بعثت لضَرَّتِها بالتَّرِكة، ففوجئت أن هذه الضُّرة قد طُلِّقت قبل أسبوعين، الزوجة الأولى التي تزوج عليها زوجها، حينما مات زوجها بعثت لضرتها بنصيبها من الإرث، ولم تُعلَم رسمياً بهذا الزواج، وهذه التي أُرسِل لها المبلغ، قالت لا: لقد طلَّقني قبل أسبوعين، ليس لي عنده شيء، هذا هو المؤمن.
الإحسان سببه الاتصال بالله عز وجل:
قال تعالى:
﴿ كَانُواْ قَلِيلًا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ(17)﴾
كانت لهم صِلَة بالله،
الناس رجلان برّ تقي و فاجر شقي:
قلت لكم سابقاً: الناس على اختلاف مِلَلِهم، نِحلهم، واتجاهاتهم، وأجناسهم، وأعرافهم، ومذاهبهم، ومعتقداتهم، وأصلهم، وفصلهم، مهما قسَّمتَ البشر، ففي النِّهاية هم رجلان؛ موصول بالله، ومقطوع عن الله، فالموصول مُحْسِن، والمقطوع مُسِيء والموصول مُنْصِف، والمقطوع مُجحِف، والموصول عادِل، والمقطوع ظالم، الموصول متواضع، المقطوع متكبر، أبداً، محسن، منضبط، مسيء، متفلت، وهذا التَّقسيم الحقيقيّ، مؤمن وكافر، موصول ومقطوع، محسن ومسيء، مستقيم ومنحرف، مخلص وخائن، يرحم ويقسو، يعطي ويمنع، يعلو ويتواضع، أبداً هذا التقسيم الحقيقي، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( النَّاسُ رَجُلَانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ وَالنَّاسُ. ))
لا قيمة له عند الله.
قال تعالى:
﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ
لَهُم صَغار عند الله.
من صفات المؤمن الاتصال بالله و صلاة الفجر في جماعة:
قال تعالى:
﴿ وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ(18)﴾
يصلون الفجر في جماعة.
((
على الإنسان أن يبحث عن العفيف الذي لا يطلب:
﴿ وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقٌّ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ(19)﴾
من ألطف تفاسير هذه الآية أنَّ السائل الذي يسأل ويأخذ، لكن الذي يتعفَّف ولا يسأل يُحْرَم، لا يعطيه أحد، فالجريء يسأل ويأخذ، الحيِي لا يسأل فيُحْرم، لذلك واجبنا أن نتحرَّى هؤلاء الذين لا يسألون، بل يتعفَّفون، والذين:
﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ
وهذا هو واجبنا اتِّجاه هؤلاء أما الذي يسأل، يسأل ويأخذ، وهو يجرؤ على أن يسأل،
الإنسان إذا طلب الحقيقة كلّ شيءٍ حوله يدله على الله:
قال تعالى:
﴿ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ ءَايَٰتٌ لِّلۡمُوقِنِينَ(20)﴾
كلّ ما في الأرض آيات دالة على عظمة الله تعالى، العِبرة أن تملك آلة التصوير مع الفيلم، فإذا لم يكن هناك فيلم، فكلّ هذه الآيات لا تنطبع، إذا الإنسان طلب الحقيقة، كلّ شيءٍ فيما حوله يدلّ على الله، وإذا أعرض عن الحقيقة لا شيء ينفعُهُ، قال تعالى:
الماء حينما يتجمد، يزداد حجمه، فتقل كثافته، فيطفو، وتبقى البحار دافئة، أما إذا بُرِّد فقلَّ حجمه، كثافته زادت، فغاص في أعماق البحر، بعد حقبة من الزمن، تصبح البحار كلها متجمدة، ينعدم التبخر، ينعدم إنبات النبات، يموت الحيوان، يموت الإنسان.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.