- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (049)سورة الحجرات
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الغيبة والنميمة وسوء الظن من الآفات الكبرى التي تفتت المجتمع:
أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الخامس من سورة الحجرات، مع الآية الثانية عشرة وهي قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)﴾
أيها الأخوة؛ ربنا سبحانه وتعالى في هذه السورة يعلِّمنا الآداب الاجتماعية، فالشيء الذي يفكِّك المجتمع، ويمزِّقه، ويضعفه هي الغيبة، والنميمة، وسوء الظَّن، وهي من الآفات الكبرى التي تفُتُّ في عضد المجتمع.
المؤمن الصادق لا يبني مواقفه وتصرُّفاته إلا على حقيقة يقينية:
أولاً:
من أكبر أسباب تفتت المجتمع وضعفه الظن الآثم:
المؤمن لا يتعامل بالظنون إنما بالبينة الصادقة:
المؤمن كلَّما ارتقى في سُلَّم الإيمان تصبح تصرُّفاته موضوعية:
﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)﴾
لو أن المؤمنين تعاملوا بهذه الطريقة، لا يقبلون شيئاً إلا بالدليل، ولا يرفضون شيئاً إلا بالدليل، تجربة متواضعة؛ لو أنك استمعت من طرفٍ واحد على حِدة لأمضى معك الساعات الطِوال يتحدَّث عن زيدٍ أو عبيد، اجمعه مع زيد هذا الحديث يُختَصَر إلى العُشر، فالظن أن تبني موقفًا، أن تعطي، أن تمنع، أن تصل، أن تقطع، أن تغضب، أن ترضى، لا وفق حقيقة بل وفق وهم، الوهم فتَّت الأُسَر، والظن الكاذب مزَّق الأسر أيضاً وشرَّد الأولاد.
من أساء الظن بأخيه كأنما أساء الظن بربه:
تناقض السذاجة والغفلة مع الإيمان:
لماذا قال الله عزَّ وجل:
شخص لا تعرفه إطلاقاً قد يطلب منك شيئاً لا تقوى على تحمُّله، تحقَّق من دون أن تُشعِرَه،
﴿
لذلك السذاجة أحياناً والغفلة تتناقض مع الإيمان، كما ورد:
المؤمن ليس ساذجاً ولا بسيطاً:
أحياناً إنسان له دعوة أراد أعداؤه الكيد به، دعوه إلى بيت لا يوجد فيه إلا طفلٌ صغير، طبعاً دخل إلى بيت هو وغلامٌ وحدهما، والأب هيَّأ الترتيبات لاتِّهامه بفعل شنيع، بعض أنواع الظن عصمة، بعض أنواع الظن حزم، بعض أنواع الظن احتراس، فالمؤمن ليس ساذجاً، وليس بسيطاً، ولا يُقاد لكل إنسان بلا تبصُّر، بلا توهُّم، بلا تحقُّق، بلا دليل، وبعض الظن إثم، أي بعضه من الحزم، بعضه من العصمة، بعضه من الاحتراس، وبعضه من الإثم، كيف نفرِّق بينهما؟ إذا كان هناك دليل على سوء النيَّة، إذا كان هناك دليل يُشعِر أن هناك مشكلة، هذا صار سوء ظن، لكن ليس إثماً، أما أن تتهم الناس بلا دليل فهذا سوء الظن الذي يُعَدُّ إثماً، أي لا يوجد أي دليل، هناك وسوسة، هناك شك، وهذا يحدث بين الأزواج أحياناً، متى يحقُّ للزوج أن يسيء الظن بزوجته؟ إذا بدر منها أشياء تُشْعِر بذلك، إذا بدر أشياء تُشْعِر أنها ليست مستقيمةً فهذا الظن في محلِّه، لابدَّ من التحقيق، لابدَّ من التدقيق، لابدَّ من المتابعة، أما إذا لم يبدُ أي شيء إطلاقاً، وسوسة فقط، أو نوع من أنواع الترف في سوء الظن فهذا لا يجوز، متى يكون سوء الظن عصمة؟ إذا كان هناك ما يُشْعِر بهذا السوء، أما إذا وُجد دليل فسوء الظن عصمة، وإذا لم يوجد دليل فإن هذا لا يجوز أن يكون.
الظالم من أنزل العقاب الأليم بالناس دون بينة أو دليل:
يروى أن سيدنا عمر رضي الله عنه جاءته رسالة من أحد الولاة، قال:
إذاً التفرقة بين سوء الظن الذي يعدُّ عصمةً، وحزماً، واحتراساً، وبين سوء الظن الذي يعدُّ إثماً، التفرقة بينهما إذا كان هناك دليل يُشْعِر بخطأ جسيم عندئذٍ لك أن تسيء الظن، وإن لم يكن هناك أي دليل فعليك أن تُحْسِنَ الظن، ومن أساء الظن بأخيه فكأنَّما أساء الظن بربه:
الفرق بين علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين:
لكن كلمة الظن وردت في القرآن الكريم في أماكن أخرى بمعنى اليقين الفكري:
﴿
الظن هنا بمعنى اليقين الفكري، عندنا يقين، عندنا علم اليقين، وهناك حق اليقين، وهناك عين اليقين، علم اليقين الاستدلال المنطقي على حقيقةٍ غائبةٍ عنك بدليلٍ مادي بين يديك، هذا اسمه علم اليقين، سمَّاه القرآن ظنَّاً، أما حقُّ اليقين فحينما تشاهد هذا الشيء الغائب عنك، تعاينه معاينةً حسِّيّة فهذا حقُّ اليقين، أما حينما تمسّ هذا الشيء مسَّاً مباشراً بحواسِّك الخمس فهذا عين اليقين.
الفرق بين التحسس والتجسس:
قال الله عزَّ وجل:
﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)﴾
التحسُّس تتبع الأخبار الطيِّبة، والتجسُّس تتبع الأخبار السيئة، هناك أناسٌ مغرمون بتتبّع الأخبار، هوايةٌ لهم، يستمتعون أشدَّ الاستمتاع بتتبع قصص الناس، فلانة طُلِّقَت لماذا؟ فلان لم يُنجب أولاداً، منه أم من زوجته؟ وماذا سيفعل بزوجته إن لم تُنْجِب أيطلقها يا ترى؟ وما شأنك أنت بهذا؟ طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
الله عز وجل يحب معالي الأمور ويكره دنيها:
الإنسان المؤمن لشدَّة تعلُقه بربه، وشدَّة قيامه بالأعمال الصالحة ليس عنده وقتٌ لهذه السخافات، وتلك المجالاَّت لأن الله عزَّ وجل، أو لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: عن الحسين بن علي بن أبي طالب:
(( إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ، وأَشرافَها، ويَكرَهُ سَفْسافَها. ))
أكثر من إنسان إذا التقى بإنسان يسأله: أين تعمل؟ في المكان الفلاني، كم يعطونك في الشهر؟ ما لك ولهذا السؤال؟ أيكفيك هذا المبلغ؟ أراض أنت به؟ يجب أن تعترض، هذا الذي يخبِّب امرأةً على زوجها، أو يخبِّب عبداً على مولاه، أو الذي يخبِّب موظَّفاً على سيده، هذا ليس من عمل المؤمنين، دع الناس يرزق بعضهم بعضاً، دع الناس في غفلاتهم، لا ينبغي لك أن تثير الفتن، ولا أن تلقي في القلب الشك، ولا أن تفرِّق بين إنسانٍ وإنسان لأن هذا ليس من شأن المسلم، "وليس منَّا من فرَّق" كما قال عليه الصلاة والسلام، أحياناً تدخل على أختك المتزوجة تسألها: كيف زوجك؟ كم يعطيكِ في الشهر؟ ماذا قدَّم لكِ هديَّةً عند الولادة؟ ما هذه الأسئلة؟ هي راضيةٌ عن زوجها، وبينهما وئام واتفاقٌ وسرور، لماذا تثير هذه الموضوعات؟ هذا الإنسان يسلك سلوكاً خاطئاً بعيداً عن سلوك الإيمان:
العاقل من ينشغل بنفسه عن الآخرين لا من يتتبع أخبارهم:
مرَّةً سيدنا عمر سألته زوجته عن قضيَّةٍ حَكَمَ بها:
غيبة القلب غيبة يحاسب عليها الإنسان:
أحياناً أنت لا تقول شيئاً لكن تتهم أخاك البريء بقلبك، هذه التهمة تُحَاسَب عليها، لأنه لا يوجد معك دليل، بلا دليل تقول: فلان حرامي، هذه كلمة كبيرة جداً، فالمؤمن الصادق لا يأكل دِرَهَماً حراماً، والمقولة الشهيرة:
الغيبة والبهتان:
لذلك الغيبة أن تقول في أخيك كلاماً يتألَّم منه إذا بلغه ولو كان صحيحاً:
(( أَتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ:
البهتان أي الافتراء، تهمة ليس لها أساس من الصحة، هذا بهتان وإفك، أما الغيبة فأن تذكره بشيءٍ فيه، لكن هذا الذكر يؤلمه إذا وصل إليه، طبعاً:
﴿
العلماء أجازوا الغيبة في ستَّة مواطن منها:
1 ـ في شأن الزواج:
العلماء أجازوا الغيبة في ستَّة مواطن: في شأن الزواج؛ إنسان يشرب، إنسان زانٍ، إنسان دخله حرام، إنسان زير نساء، وتعلم أنت عنه العلم اليقين، سُئلت في شأن الزواج فأثنيت عليه، هنا الغيبة واجبة، قضية مصير فتاة، مصير أسرة، فتاةٌ طاهرةٌ مؤمنةٌ صادقةٌ تزجُّها مع زوجٍ فاسقٍ فاجر يقترف الحرام ولا يبالي!! ففي شأن الزواج لابدَّ من أن تذكر الحقيقة وإن كان ذكرها يؤلم الإنسان.
2 ـ في شأن الشراكة:
في شأن الشراكة، الشراكة أموال سوف توضع بين أيدي الطرف الثاني، الطرف الثاني لص لا يتورَّع عن أخذ المال الحرام وتبقى أنت ساكتًا؟ ورع، هذا الورع ليس في محلِّه.
3 ـ في شأن القضاء:
4 ـ من يقترف المعاصي دون أن يأبه:
هناك مواقف عدَّة أُجِيزَت فيها الغيبة، أما الذي يقترف المعاصي دون أن يأبه، يقترفها أمام الناس.
5 ـ من يفطر في رمضان على مرأى الناس:
الذي يفطر في رمضان في الطريق على مرأى الناس، هذا لا غيبة له، هذا فاجر، من هو الفاجر؟ هو الذي يقترف المعصية جهاراً، أو هو الذي يقترفها سرّاً ويذكر أنه فعلها مُتباهياً، اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس.
6 ـ من يقترف المعاصي جهاراً أو سراً ويذكرها متباهياً:
الذي يقترف المعاصي جهاراً، أو يذكر معاصيه جهاراً ولا يبالي هذا لا غيبة له.
الغيبة تكون بالقلب وبالحركات والإشارات:
الغيبة أيضاً كما أنها تكون بالقلب تكون بالحركات، والمحاكاة، وتكون بالإشارة كما ذكرت، حركة القميص، إن ذُكِرَت فلانة، يقول لك: الله أعلم، هذه غيبة يا سيدي، أشدُّ أنواع الغيبة، هذه إشارة إلى أنها ليست طاهرة، فهناك حركات، يوجد تقليد، يوجد محاكاة، يوجد غيبة القلب، وأحياناً يقول لك: أنا لم أذكر اسمه، ذكرت خمسين علامة تدلّ عليه، ذكرت أين يسكن، ونوع عمله، وحادثة مشهورة عنه، هذه كلها قرائن تشير إليه، طبعاً لك أن تروي قصَّةً من أجل أن تعظ الناس بها بشرط ألا يعلم الناس أبداً من صاحب هذه القصَّة، أما إذا ذكرت علامات وقرائن تشير إليه والناس عرفوه معرفةً يقينية فأنت تقول: أنا لم أذكر اسمه، لكنك ذكرت كل شيءٍ عنه، لم يبقَ إلا أن تذكر اسمه، واسمه صار معروفًا، هذه غيبة أيضاً.
النار مصير كل إنسان يغتاب الناس:
الذي يغتاب الناس الأحاديث الصحيحة تؤكِّد أنه يوم القيامة تؤخذ من حسناته، فإذا فَنِيَت حسناته طُرِحَت عليه سيّئاتهم، لهذا النبي الكريم سأل أصحابه: عن أبي هريرة رضي الله عنه:
(( أتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ. ))
فيمكن إنسان يغتاب الناس ويكون مصيره إلى النار، وقد قيل:
أضرار الغيبة:
الغيبة تمزِّق المجتمع، تفتِّت الأسر، تجعل المجتمع الإسلامي ممزَّقاً، ضعيفاً، تنتشر فيه العداوات والخصومات، والمناحرات والمنافسات بسبب الغيبة، والذي يغتاب الناس عليه أن يطلب السماح منهم قبل أن يموت، فإن لم يسامحوه فلابدَّ من أن يلقى العِقاب الأليم، فلذلك الإنسان عليه أن يضبط لسانه، والشيء الدقيق جداً في هذا الموضوع أنك إن اغتبته في ملأ عليك أن تبرِّئَهُ في الملأ نفسه، أما تغتابه في أوسع دائرة وتعتذر منه بينك وبينه فهذا ليس معقولاً، هناك مجلس فيه خمسون شخصاً، اغتبته أمام خمسين، ثم زرته وقلت له: سامحني أنا اغتبتك، هذه المسامحة غير مقبولة، يجب عليك أن تجمع الخمسين مرَّةً ثانية وأن تبين لهم الحقيقة وإلا فأنت آثم، أي المسامحة لا تكون إلا بالإصلاح.
﴿ إِلَّا الَّذِينَ
الله عز وجل جعل الغيبة بمثابة أن تأكل من لحم أخيك ميتاً:
(( الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ. ))
أي الإنسان لو قاء هل يوجد إمكان أن يستعيد هذا القيء ويأكله؟ شيء تتمزَّق منه أمعاؤه، هذه من الأساليب التربويَّة، والله سبحانه وتعالى جعل الغيبة بمثابة أن تأكل من لحم أخيك ميتاً، أليس هذا مستكرهاً؟ أليس هذا مستقبحاً؟ كذلك الغيبة، البديل أن تذهب إليه وأن تقول له: لقد بلغني عنك كذا وكذا وأنت أخي في الإسلام فما حقيقة ذلك؟ فإن كان وقع الذي وقع فانصحه، وإن لم يقع الذي تصوَّرته وقع فقد عافاك الله من سوء الظن به، وهكذا.
المبتدع والمظلوم والمستشير هذه حالات ليست من الغيبة:
هذا الدرس نُحب أن يترجم عملياً، حاول ألا تقبل شيئاً إلا بالدليل، وحاول ألا تغتاب أحداً إلا حينما يسمح لك الشرع في الحدود الضيقة جداً، إنسان مبتدع جاء بعقيدة غير صحيحة، سألك إنسان هذا ليس من الغيبة، هناك عقائد فاسدة، هناك عقائد زائغة، هناك انحرافات فكرية، هناك انحرافات في السلوك، وهذا الإنسان السائل يريد أن يلتزم مع إنسان ذي عقيدة سيِّئة، هذا ليس من الغيبة، المبتدع، والمظلوم، والمستشير، هناك حالاتٌ نصَّت عليها كتب الفقه أما فيما سوى ذلك فلا ينبغي لك أن تقول في الناس شيئاً.
كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه:
أيها الأخوة الكرام؛ قال عليه الصلاة والسلام:
(( عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى هاهنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. ))
طبعاً المال واضح، الحكم فيه واضح.
﴿
والقتل الحكم فيه واضح، أما العِرْضُ فهو موضع المدح والذمِّ من الإنسان، فأن تتهم إنساناً بالكفر دون أن تتأكَّد.
من كفَّر مسلماً فقد كفر:
أغلى شيء يملكه الإنسان إيمانه، أنت ببساطة وسهولة تطعن في إيمانه، تتهمه بالكفر، بالانقطاع عن الله عزَّ وجل، بمصيره إلى النار، بهذه البساطة؟ ومن أنت؟ هل أنت وصيٌّ عليه؟ أليس هذا تألّياً على الله عزَّ وجل؟ هذا معنى قول الله عزَّ وجل:
(( إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا. ))
الله عز وجل يدعو الناس إلى عدم الكِبر فيما بينهم لأنه خلقهم بطريقة واحدة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ
الآن توجَّه الخطاب إلى عامَّة الناس، والله سبحانه وتعالى يبيّن للناس أن الله خلق الناس من ذكرٍ وأنثى خلقاً موحّداً، ما من إنسانٍ على وجه الأرض إلا خرج من عورة، ودخل في عورة، ثم خرج من عورة، وخُلِقَ من ماءٍ مهين، لو أن هذا الماء كان على ثياب أحدنا لاستحيا به، فالناس جميعاً أغنياؤهم وفقراؤهم، وأقوياؤهم وضعفاؤهم، أشرافهم وصعاليكهم، الناس جميعاً خُلِقوا بطريقةٍ واحدة، وبأسلوبٍ واحد، وهذا يدعو إلى عدم الكبر فيما بينهم:
العمل الصالح ثمن الجنة:
لكن أريد أن أقف قليلاً عند حكمة هذه الآية في قوله تعالى:
الفضائل لا تكون إلا في المجتمع:
الله سبحانه وتعالى قهرنا بأسلوبٍ لطيفٍ جداً أن نعيش في مجتمع، لأن الفضائل لا تكون إلا في المجتمع، والجنَّة ثمنها العمل الصالح، هذا على مستوى الأفراد، أما على مستوى الشعوب فالله عزَّ وجل لحكمةٍ أرادها جعل كل شعبٍ له لغة، وله طِباعاً، وله عادات، وله إمكانات، شعب قوي، شعب دؤوب على الصناعة، شعب يحب التجارة، شعب في بنيته العامة تاجر، شعب بلاده جميلة جداً، شعب فيه ثروات نفطيَّة، شعب بلاده حارَّة، شعب بلاده معتدلة، فتنوُّع الأقاليم، تنوع الثروات، تنوع الطباع، تنوع الخصائص، هذا الشعب بحاجة إلى طاقة لأنه لا توجد طاقة عنده، عنده تكنولوجيا عالية جداً، هذا شعب عنده طاقة وهو مرتاح من النواحي الإبداعية يبيع نفطه، ويستقدم بهذا الثمن كل ما يحتاج، فالله عزَّ وجل وزَّع الثروات في مكان، والطاقات الفكرية في مكان، وبلاد جميلة، وبلاد حارَّة، وبلاد معتدلة، وبلاد جبلية باردة في الصيف، وبلاد صحراوية، الأقاليم والبيئات متنوِّعة، الثروات؛ هنا يوجد نفط، هنا يوجد حديد، هنا يوجد زنك، هنا يوجد يورانيوم، كل بلد فيها معدن معيَّن، هذا البلد يزرع الشاي، هذا يزرع الموز، الموز ينتقل من بلد إلى بلد، الله عزَّ وجل جعل بعض الأقاليم تناسب إنتاجاً زراعياً معيَّناً، فنحن في حاجة بعضنا بعضاً.
ليس لأي إنسان حق أن يفتخر بشيء منحه الله إياه من دون جهدٍ:
الفقرة السابقة نحن في حاجة بعضنا البعض على مستوى الأفراد، أما هذه الآية فعلى مستوى شعوب:
الله جلَّ جلاله وزَّع القدرات والطاقات والثروات ليتكامل المجتمع ويتعارف:
لذلك:
لا يحقُّ لفردٍ ولا لشعبٍ أن يتيه على الشعوب الأخرى:
قال:
(( رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ'. ))
فلذلك لا يحقُّ لفردٍ ولا لشعبٍ أن يتيه على الشعوب الأخرى، الآن توجد بعض الشعوب صنَّفت نفسها في الدرجة الأولى وصنَّفوا الآخرين في الدرجة السفلى، هذا تعصُّب، لَيسَ مِنَّا مَنْ دَعا إِلى عَصبيَّة، وليس منا من قاتل عصبيَّة، وليس منا من مات على عصبيَّة، هذا ليس منَّا إطلاقاً.
ليس بين الله وبين عباده قرابة إلا الطاعة:
الآن تأتي الآية:
الإيمان والطاعة مقاييس للترجيح بين الناس:
(( أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خطب الناسَ يومَ فتحِ مكةَ فقال: يا أيها الناسُ إنَّ اللهَ قد أذهبَ عنكم عبيةَ الجاهليةِ وتعاظُمَها بآبائها
الناس رجلان بر تقي أو فاجر شقي:
أقول لكم هذه الحقيقة: الناس على اختلاف مشاربهم، واختلاف أعراقهم، واختلاف أنسابهم، واختلاف مللهم، واختلاف نِحلهم، واختلاف مستوياتهم الاقتصادية، والثقافية، والفكرية، والاجتماعية، والعرقية، الناس في النهاية رجلان؛ مؤمن والثاني كافر، مستقيم منحرف، محسن مسيء، منضبط متفلِّت، موصول مقطوع، رحيم قاس، منصف ظالم، أبداً، الناس رجلان، فالمستقيم، المحسن، المقبل، المنضبط، الرحيم، هذا عند الله له شأنٌ كبير بصرف النظر عن عرقه، وعن جنسه، وعن أسرته، وعن عشيرته، وعن قبيلته، وعن إقليمه، هذه عنعناتٌ جاهلية، الذي قال لسيدنا بلال: "يا بن السوداء"، قال له النبي عليه الصلاة والسلام:
(( لَقِيتُ أبَا ذَرٍّ بالرَّبَذَةِ، وعليه حُلَّةٌ، وعلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عن ذلكَ، فَقال: إنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بأُمِّهِ، فَقالَ لي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : يا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟
العنصري هو الإنسان الذي يقيم مقاييس غير مقاييس القرآن الكريم:
الآن إذا كان عندك شعور أن ابنك من أسرة راقية يجب أن يكون مكتفياً، متنعِّماً، وهذا الموظَّف الذي يعمل عندك في المحل هذا أبوه ميت، يتيم، فقير، يجب أن يعمل عملاً شاقاً دون أن ينال نصيبه منك، أنت إنسان عنصري، هذا العنصري الذي يقيم مقاييس غير مقاييس القرآن الكريم، مقاييس الأنساب والأعراق، مقاييس الغنى والفقر، مقاييس أسرية عشائرية قبلية إقليمية، هذه كلها مقاييس ما أنزل الله بها من سلطان، سيدنا الصديق رضي الله عنه عندما رأى صفوان يعذِّب بلالاً اشتراه منه، قال له:
وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يخرج إلى ظاهر المدينة لاستقبال بلال الحبشي، مرَّة وقف أبو سفيان في باب عمر ساعاتٍ طويلة لم يؤذَن له، فلمَّا دخل عليه عاتبه وقال:
أكرم الناس عند الله عز وجل أتقاهم له:
مرَّة ثانية:
الدين والخلق مقاييس مهمة في الزواج وليس الناحية المادية:
على كل:
(( إذا جاءكم مَن ترضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ فأنكِحوه، إلَّا تَفعَلوا تكُنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وإن كان فيه؟! قال: إذا جاءكم مَن ترضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ فأنكِحوه، ثلاثَ مرَّاتٍ. ))
على الإنسان أن يتقي الله ويحسن إلى خلقه إخلاصاً وليس نفاقاً لأن الله عليم بحاله:
ثم يقول الله عزَّ وجل:
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين