- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (049)سورة الحجرات
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الغيبة والنميمة أساس تمزق المجتمع:
أيها الأخوة الكرام؛ مع الدرس الرابع من سورة الحجرات، مع الآية الحادية عشرة وهي قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)﴾
أيها الأخوة الكرام؛ كما تعلمون من قبل أنَّ الله سبحانه وتعالى يخاطب الناس بأصول الدين، ويخاطب المؤمنين بفروعه، فهناك دعوةٌ إلى الإيمان بالله، إلى الإيمان بوجوده، إلى الإيمان بوحدانيته، إلى الإيمان بكماله، وهناك دعوةٌ إلى تطبيق منهجه، فهذه السورة من فروع الدين، أي بعد أن آمن هذا الإنسان بربه الآن تأتيه التوجيهات التفصيلية؛ افعل ولا تفعل، فمن هذه التوجيهات التفصيلية أن نظام العلاقات الاجتماعية إذا شاعت فيه الغيبة والنميمة تمزَّق المجتمع، والله سبحانه وتعالى أراد أن نجتمع، وكيف أراد أن نجتمع؟ سمح لكل واحدٍ منا أو مَكَّنَهُ أن يتقن عملاً، وجعله في أمس الحاجة إلى ملايين الحاجات، وهذا التصميم الإلهي أراده الله لنا ومن محصلته ونتائجه الاجتماع.
مناط التكريم عند الله عز وجل ما استقر في القلب من معرفة الله:
نحن مقهورون للاجتماع، أنت محتاجٌ إلى أن تأكل، وإلى أن تشرب، وإلى أن ترتدي ثياباً، وإلى أن تسكن في بيت، وإلى أن تعلِّم أولادك، وإلى أن تعالج نفسك عند طبيب، وإلى أن تقاضي عند قاضٍ عن طريق محام، فأنت تتقن عملاً واحداً أو عملين، لكنك في أمس الحاجة إلى ملايين الأعمال، لذلك نحن نجتمع، نظام الاجتماع من أجل أن نبقى متماسكين، متعاونين، متحابّين، متناصرين، متفاهمين، من أجل أن تغدو الحياة جميلةً، فاضلةً، مسعدةً، مريحةً، ناعمة البال، هادئةً، جاء التشريع الإلهي المتعلَّق بالعلاقات الاجتماعية:
الجاهل من يسخر من الإنسان الفقير المستضعف:
لذلك الذي يسخر من إنسان فقير هو جاهل، قد يكون هذا الفقير أرقى عند الله منك، الذي يسخر من إنسان ضعيف مستضعف أيضاً جاهل، الله عزَّ وجل لحكمةٍ بالغة قوَّاك وضَعَّفَهُ، وليست القوة دليل قربك من الله، الله عزَّ وجل أعطى الملك لمَن لا يحب، أعطاه فرعون، وأعطى المال لمَن لا يحب، أعطاه قارون، فهذه الصور التي يتيه الناس بها، هذا المتاع الذي يتفاخر الناس باقتنائه، هذه المركبات التي يزهو الناس بركوبها، هذه البيوت التي يبالغ الناس في الاعتناء بها، أي هذه الصور التي تلتقطها أعينكم لا قيمة لها عند الله عزَ وجل، وليست هي مناط التكريم.
التكريم ما استقر في قلوبكم من معرفةٍ بالله، ما استقر في قلوبكم من تعظيمٍ له، ما استقر في قلوبكم إخلاصٍ له، من إخلاصٍ للخَلْق، من رغبةٍ في خدمة الخلق، من رحمة: عن أبي هريرة رضي الله عنه:
(( إِنَّ اللهَ تعالى لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ، ولكنْ إِنَّما ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم. ))
هذا مقياس دقيق.
المؤمن كلما اقترب من الله اقتربت موازينه من موازين الشرع:
لذلك الله عزَ وجل قال: إياكم يا عبادي، إياكم ثم إياكم أن تسخروا ممن هو دونكم في مظاهر الدنيا، فلا ينبغي للغني أن يسخر من الفقير، ولا للقوي أن يسخر من الضعيف، ولا للصحيح أن يسخر من المريض، ولا للوسيم أن يسخر من الدميم، حتى ولا المستقيم الطاهر مسموحٌ له أن يسخر من العاصي، الآن عاصٍ لكن بعد حين قد يكون أقرب إلى الله منك، حتى العاصي لا ينبغي أن تسخر منه، ينبغي أن ترثي لحاله، وأن تدعو له بالهدى، وأن توجِّهَهُ إذا أمكنك التوجيه،
العلم والعمل أقرهما الله عز وجل لوزن الخلق فقط:
أيّ ميزانٍ أقره الله عزَّ وجل لوزن الخلق؟ ميزان الجمال لا قيمة له قال:
﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا
﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53)﴾
﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ(22)﴾
الله عز وجل كل هذه المقاييس التي تواضع الناس على أنها مُرَجِّحات بين الخلق، القرآن الكريم لم يعترف بها، ولم يقم لها وزناً إلا مقياسين حصراً؛ العلم والعمل، قال تعالى:
﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ
وقال تعالى:
﴿
قيمة الإنسان عند ربه بإيمانه وعمله الصالح:
أنت كلما اقتربت من الله تقترب في الموازين التي تستخدمها من موازين القرآن، وكلما ابتعدت عن الله عزَّ وجل تستعمل موازين ما أنزل الله بها من سلطان، تُقّيم الإنسان بحجمه المالي، أو بقوته، أو بمدى تمكنه من السيطرة على الآخرين، أو بوسامته، أو بذكائه الشيطاني، أو بنسبه، وكلها عنعنات ما أنزل الله بها من سلطان، فلذلك كأن الله سبحانه وتعالى يبيِّن أن هذه الصور التي تقع على أعينكم؛ بيت فخم، مركبة فخمة، قامة منتصبة، لون متألِّق، ذكاء عالي المستوى لكن ليس في سبيل الله، هذه الصور التي تقع على أعينكم، والتي يتفاضل الناس بها لا قيمة لها عند الله، القيمة لإيمانك وعملك الصالح، القيمة لِما استقر في القلب من رحمةٍ ومن معرفةٍ ومن إخلاصٍ ومن إنابةٍ إلى الله عزَّ وجل، وهذا يؤكده النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
تناقض الكبر مع العبودية لله عز وجل:
ورد من الحكم:
الجاهل من يستعلي على الناس ويتيه عليهم:
يمكن الحليب أن يضاف له من دون غش ضمن البيت، تضيف له لبنًا أوضح، ممكن أن تضيف إلى اللبن ثلاثة أمثاله ماء وتعمله شراباً، يتحمل اللبن أن تضيف له ثلاثة أمثال، لكن لا يتحمل قطرة نفط واحدة، عندئذٍ يفسد وتلقيه في قارعة الطريق، فكذلك العبودية لله عزَّ وجل لا تحتمل كبراً أبداً، يجوز للإنسان أن يغلط آلاف الأغلاط عن غير قصد، وعن غير تصميم، ويتوب منها سريعاً، أما أن يأخذه العُجْب، وأما أن يستعلي على الناس، وأما أن يتيه على الناس بشكله، أو بماله، أو بقوته، أو بوسامته، أو بذكائه، فهذا الكِبر يتناقض مع العبودية لله عزَّ وجل، لذلك:
المؤمن الغني هو المؤمن المتواضع أمام الفقراء والسخي في إنفاق المال:
أذكر أنني في الدرس الماضي قلت هذه الكلمة: السخرية جملةً وتفصيلاً في أي موضوع، وفي أي مستوى، وفي أي درجة ليست داخلةً في حياة المؤمن إطلاقاً، لا يسخر إطلاقاً، وإن أردت التفصيل لا يمكن أن يضاف على كلمة مؤمن ولا كلمة أخرى، تقول: مؤمن، مؤمن فقير، الفقر وسام شرف، النبي كان فقيراً، والفقير المؤمن متجمل، عفيفٌ عن المطامع، عفيف عن المحارم، وراضٍ بنصيبه من الله عزَّ وجل، وعزيز النفس، ولا يبذل ماء وجهه لإنسانٍ لا يثق بمودته، تقول: مؤمن غني، الغني مقيد بالشرع، سخي في إنفاق المال، متواضعٌ أمام الفقراء، إذاً لم يعد غنياً، غني بحجمه المالي، أما بأخلاقه فمؤمن، والفقير لم يعد فقيراً، عنده نقص في المال، ولكن لا يوجد عنده نقص بالأخلاق، أخلاقه عالية، مؤمن ريفي، الإيمان رفع شأنه إلى أعلى مستوى، عنعنات لا يوجد في الإسلام، لا يضاف كلمة.
الناس رجلان برّ تقي أو غافل شقي:
الناس كما تعلمون أيها الأخوة رجلان؛ في النهاية، الناس على اختلاف مللهم، ونحلهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وانتماءاتهم، واتجاهاتهم، وحضاراتهم، ورقيهم، ودخلهم..إلخ، الناس رجلان رجل عرف الله فاتصل به، وانضبط بشرعه، وأحسن إلى خلقه فسعد بقربه في الدنيا والآخرة، ورجل لم يعرف الله عزَّ وجل، من لوازم عدم المعرفة أنه مقطوعٌ عن الله عزَّ وجل، متفلتٌ من منهجه، مسيءٌ إلى خلقه، شقي في الدنيا والآخرة، وهذا القرآن أمامكم، ليس في هذا الكتاب كله إلا هذان الصنفان، مؤمن وكافر، محسن ومسيء، موصول ومقطوع، مستقيم ومنحرف، رحيم وقاسٍ، مقبل ومعرض، أبداً هذا هو التقسيم الحقيقي، وأيّ تقسيمٍ آخر تقسيمٌ جاهلي لا قيمة له، النبي سمع كلمة قالها رجل بحق إنسانٍ ملون، قال له: يا بن السوداء، فقال له النبي عليه الصلاة و السلام:
(( لَقِيتُ أبَا ذَرٍّ بالرَّبَذَةِ، وعليه حُلَّةٌ، وعلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عن ذلكَ، فَقالَ: إنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بأُمِّهِ، فَقالَ لي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟
وانتهى الأمر.
الجاهلية استخدام ميزان غير ميزان الكتاب والسنة:
الجاهلية أن تستخدم مقاييس غير مقاييس هذا الكتاب، الجاهلية أن تزن الناس بميزان غير ميزان الكتاب والسنة، هذه هي الجاهلية، أن تعظِّم إنساناً بماله، مقياس جاهلي، أن تعظمه لقوته، مقياس جاهلي، أن تعظمه لقربه منك، أن تحابيه لقربه منك، مقياس جاهلي: من ولي أمر عشرة وولى عليهم رجلاً فيهم من هو خيرٌ منه فقد خان الله ورسوله، المحاباة غير موجودة:
(( عن عائشة رضي الله عنها : أنَّ قُرَيْشًا أهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتي سَرَقَتْ، فَقالوا: ومَن يُكَلِّمُ فِيهَا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فَقالوا: ومَن يَجْتَرِئُ عليه إلَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قالَ: إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ،
أبداً:
(( لا تصاحبْ إلا مؤمنًا ، ولا يأكلْ طعامَك إلا تقيٌّ. ))
اللمز هو إشاعة العيوب والتعيير وكشف العورات:
﴿
اللمز الطعن، والتشهير، وأن تعيب على الناس متاعَهُم الخشن، حياتهم المتواضعة، أن تعيب على الفقير فقره، أن تعيب على الضعيف ضعفه، أن تعيب على المريض مرضه، أن تعيب على صاحب المتاع الخشن متاعه الخشن، النقد، التعيير، إشاعة العيوب، كشف العَوْرات، هذا هو اللمز، قال:
دعوة الله عز وجل للمؤمنين إلى أن يكونوا كالجسد الواحد:
أما: ﴿أنفسكم﴾ كأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يكون المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، أي كيف قال الله عزَّ وجل:
﴿
أي إنك إن أكلت مال أخيك فكأنما أكلت مالك لأنه أخوك، إن قويَ فقوته لك، وإن أضعفته تضعف أنت معه، فإذا أكلت ماله فكأنما أكلت مالك:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ
أنت أخرجت عنصراً مؤمناً من المجتمع فضعف المجتمع.
وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ: آية لها عدة معان:
1 ـ على الإنسان ألا يكون طعاناً أو لعاناً أو منتقداً:
حيثما وردت هذه الآية ومثيلاتها:
2 ـ على الإنسان ألا يفعل عملاً يُلام عليه:
العاقل من يبحث عن الفضائل ويوسعها:
صار لهذه الآية معنيان؛ الأول: لا تعمل عملاً تُلام عليه، النبي عليه الصلاة والسلام كان من أسمائه أنه محمود، محمودٌ عند الله وعند الناس وعند نفسه، بعلاقاتك، ببيعك، بشرائك، بمواعيدك، بأفراحك، لا تفعل شيئاً تُلام عليه، لا ترتكب عملاً تضطر أن تصغر أمام الناس، أن تعتذر، هذا الموقف الكامل، إيَّاك أن تدخل مُدخلاً لا تحسنه، أن تقوم بعمل لا تستطيعه، أن توهِم الناس بحجمٍ أنت أقل منه:
والمعنى الثاني، لا تطعن، لا تكن طَعَّاناً، ولا عَيَّاباً، ولا منتقداً، لا تكن معول هدمٍ في المجتمع، كن بَنَّاءً، لا تكن سلبياً، كن إيجابياً، لا تبحث عن العيوب، ابحث عن الفضائل ووسِّعها ونَمِّها:
من يستقم على أمر الله يحترم نفسه:
حينما يحترم الإنسان نفسه يستقيم على أمر الله، شعور المستقيم.
﴿
هذه الآية الكريمة أيها الأخوة الكرام هي قانون الذل والعز.
الجنة والنظر إلى وجه الله الكريم عاقبة المتقين:
الإنسان متى يذل؟ إذا أساء، متى يُلام؟ إذا قَصَّر، متى يصغر؟ إذا أخطأ، فإذا الإنسان جهد ألا يخطئ، وألا يقصر، وألا يتوانى عن شيءٍ مُكَلفٍ به يرفع رأسه، عندئذٍ لا يستطيع أحدٌ أن ينال منه.
الإنسان حينما يطمح فيما عند الله يحبه الله:
قالوا:
(( إيَّاك وما يُعتذرُ منه. ))
كل موقف، كل تصرُّف سوف تضطر أن تقول: لا مؤاخذة، عفواً، هذا الشيء الذي تُضطر أن تعتذر منه لا تفعله، وارفع رأسك، ارفع رأسك يا أخي، قال سيدنا عمر لرجل:
المسلم عندما يطبق منهج الله عز وجل يشعر بعزة كبيرة:
هناك صحفي غربي يحلل هذا الحقد الشديد على المسلم الآن فقال: إن الشخصية الغربية الآن صغيرة أمام شخصية المسلم الأخلاقية، فصار هناك شعور بالتفوق أنه هو غارق في الجنس، في المخدرات، غارق في الانحلال الخلقي، بينما المسلم حياته نظيفة، مشكلاته قليلة، دخله أعلى، انضباطه شديد، أسرته ناجحة، طبعاً هذا منهج الله عزَّ وجل، فلذلك الإنسان عندما يطبق منهج الله عزَّ وجل يشعر بعزة ما بعدها عزة، يُروى أن أحد الصحابة -ربما سيدنا الحسن-مشى مشية تيهٍ فقالوا:
أحد أسباب استقامة المؤمن أنه يحترم نفسه:
المؤمن الحقيقي من كان أداة بناء في المجتمع لا معول هدم:
على الإنسان ألا يحتقر الآخرين أو ينتقص منهم:
المؤمن الحقيقي من ابتعد عن موضوع السخرية جملة وتفصيلاً:
مرة أخٌ يرعى عملاً اجتماعياً خيرياً، هناك رجل قدم بيتاً بمبلغ كبير، أقيمت له حفلة لتكرمه على هذا التبرع السخي، فكل الخطباء أثنوا على سخائه وعلى إحسانه وعلى جوده وعلى وعلى، إلا أخًا كريماً لفت نظر هذا المحسن إلى حقيقة قال له: كان من الممكن لو أراد الله أن تكون أحد المنتفعين بجمعيتنا، أن نعطيك معاشاً شهرياً، ولكن الله شاءت حكمته أن يغنيك، فهذا من فضل الله عليك أنه أغناك وسمح لك أن تعطي، ولو شاء لكنت الطرف الآخر الذي يأخذ، فالإنسان لا يسخر، كما قلت قبل قليل: موضوع السخرية جملةً وتفصيلاً، بقضه وقضيضه لا يدخل في حياة المؤمن أبداً، ولا يسخر حتى ممن يعصي الله عزَّ وجل، بل يدعو له بالهدى والتوفيق، يقال:
الكمال يقتضي إذا وقع أخ في ذنب وتاب منه أن تتجاهل ذنبه تماماً:
لو أن لك أخاً، إخوة يوسف عليه السلام ماذا فعلوا بأخيهم؟ وضعوه في الجب لماذا؟ ليموت، أي أرادوا قتله، فلما دخلوا عليه قال:
﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا
ولماذا لم يذكر الجب؟ الجب أخطر، الإنسان تكون حياته مضمونة في السجن، وغذاؤه موجود لكن تؤسر حريته، أما في الجب فموته محقق، لماذا يا أيها النبي الكريم لم تذكر موضوع الجب بل ذكرت موضوع السجن؟
الذنب شؤمٌ على غير صاحبه:
النقطة ذكرتها في الدرس الماضي ولكن يحسن أن نعيدها مرة ثانية؛ الذنب شؤمٌ على غير صاحبه، إن ذكره فقد اغتابه، وإن عيَّره ابتلي به، وإن رضي به شاركه في الإثم، احذر إن اقترف أخوك ذنباً أن تشيع هذا الذنب بين الناس فقد اغتبته، ثم احذر أن تُعَيِّرَهُ به عندئذٍ تبتلى به، ثم احذر أن تُقِره عليه عندئذ أنت شريكه في الإثم، لا هذه، ولا هذه، ولا هذه، اشكر الله عزَّ وجل على أن نجَّاك من هذا الذنب وادعُ لأخيك بالتوبة منه وانتهى الأمر.
لا ينبغي للإنسان أن ينادي الناس إلا بأحبّ الأسماء إليهم:
إحدى قواعد التعامل مع المؤمنين أنه إذا ترك الإنسان ذنباً فلا تذكّره به:
هناك نقطة أن هذا كان هناك يهودياً فأسلم - عندنا يهود أسلموا-كان بعض المنافقين يقول له: يا يهودي بعد أن أسلم، كان منافقاً، استقام وصلح أمره، حتى الألقاب التي كانت لهم قبل الإسلام بعد أن أسلموا وتابوا لا ينبغي أن تطلق عليهم أبداً، هذه إحدى قواعد التعامل مع المؤمنين، إذا ترك الإنسان ذنباً انتهى الأمر، لا تذكِّره به لا من قريب، ولا من بعيد، ولا إشارة، ولا عبارة، ولا تنويهاً، ولا تعليقاً، تاب فتاب الله عليه، إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هَنِّئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله، إذا تاب العبد توبةً نصوحاً أنسى الله حافظيه والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه.
الله عز وجل ستّار يحب كل من يستر على أخيه:
إذا كان الإله تاب عليه أفلا تتوب أنت؟ الإله ستره أنت تفضحه؟ ليس هذا من أخلاق المؤمنين، والله عزَّ وجل ستَّار يحب كل من يستر على أخيه، وقد ذكرت قصة سابقاً؛ بنت زلَّت قدمها ثم تزوجت، فلا تقل: هذه كانت هكذا، إذا سمع زوجها بهذا الشيء يطلقها، لا يوجد رحمة، يريد أن يتسلى، معه معلومات يريد أن يتكلم بها، شيطان يتكلم، فإنسان كان له ماضٍ وتاب واستقام، له ترتيب سابق ورجع عنه قال:
من تاب إلى الله توبة نصوحة عليه أن يستر نفسه مادام الله ستره:
بالمناسبة نحن لا يوجد عندنا بالدين اعتراف أبداً يا إخوان، فإذا كان للإنسان أخطاء، له تقصيرات، له زلاَّت قَدَم، وتاب الله عليه لا ينبغي له أن يقول هذا لأحدٍ كائناً من كان، الإنسان لا ينسى، كلما رآه يتذكر الماضي، إذا كان لك غلطة فلا تقلها لأحد، ما دام الله سترك وتاب عليك فأنت اسكت، لا يوجد حاجة، فالذي يفضح نفسه يجترئ على الله، لأن الله سترك وأنت تتكلم!! إذا تكلم الإنسان وعرف الناس أخطاءه السابقة عيَّروه بها دائماً،
من تاب إلى الله عليه أن يعمل جرداً لأعماله السابقة دون أن يفضح نفسه:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ
المؤمن العاقل من يطلب الدليل قبل أن يظن بغيره:
﴿
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ(6)﴾
المؤمن يطلب الدليل، لما قال الناس: كذا، أحياناً يقولون لك: لا نعرف، هذه ألعن أنواع الغيبة، لا يعرف، إنك بهذه الإشارة بيدك قلت عنه كل شيء، بهذه الحركة لم يبق شيء لم تقله، وأحياناً كلمات تؤدي إلى طلاق، وإلى انفصام شركات، وإلى خراب بيوت:
على الإنسان ألا يسيء الظن بالآخرين حتى يتأكد بالدليل القاطع:
المؤمن الذي غلب عليه الصلاح والتستُّر علينا ألا نظن به السوء:
هنا الآية تحتاج إلى تفاصيل إن شاء الله نعيدها في الدرس القادم لكن:
من حُكِّم بين الناس عليه أن يجمع الطرفين معاً:
صدقوني لو أنك استمعت إلى إنسان عن إنسان وكان الطرف الثاني حاضراً تسعة أعشار الكلام يُلْغَى، كل إنسان يتكلم على حسب هواه، يبالغ، ينمِّق الكلام، يدعم أفكاره بوقائع من خياله حتى يشكِّل لك كلاماً مرفوضاً عن الإنسان، فلذلك:
على كل في درسٍ قادم إن شاء الله تعالى نعيد شرح هذه الآية مع تفصيلاتها:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ(12)﴾
والحمد لله رب العالمين