- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (007)سورة الأعراف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الأنبياء قمم البشر تجري عليهم كل خصائص البشر :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الرابع والأربعين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الرابعة والخمسين بعد المئة، وهي قوله تعالى:
﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ(154)﴾
أيها الإخوة، أولاً سيدنا موسى نبي من أولي العزم، لكنه بشر، يغضب كما يغضب البشر، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر تجري عليه كل خصائص البشر لمَا كان سيد البشر، هو يغضب، ويتألم، ويفرح، ويخاف، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( لقد أُخِفْتُ في الله ما لم يُخَفْ أَحدٌ، وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد ، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال ))
فالأنبياء قِمم البشر، لكنهم بشر، ولأنهم بشر، ولأنه تجري عليهم كل خصائص البشر كانوا سادة البشر.
على كل إنسان أن يسلك المنهج الذي جاء به الأنبياء :
سيدنا موسى نبي كريم، ورسول من أولي العزم، ومع ذلك الله عز وجل يقول :
﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ﴾
إذاً: هم بشر، وهم قمم البشر، والمنهج الذي جاؤوا به يصلح للبشر، وينبغي على كل إنسان أن يسلك هذا المنهج، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))
أيها الإخوة، الآية الدقيقة :
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ
للتقريب: ممرض بأقل درجة، وجراح قلب بأعلى درجة، إذا أراد الممرض أو جراح القلب أن يعطي المريض حقنة لا بد من التعقيم، الإجراءات واحدة، مقام هذا غير مقام هذا، عظم المكان ليس له علاقة بالاستقامة، الممرض إذا أراد أن يعطي حقنة لابدّ من تعقيمها، ولابدّ من تعقيم المنشار، ولابدّ من تعقيم الإبرة، ولابدّ من تعقيم المكان، هناك إجراءات لابدّ منها .
علامة كمال الإيمان أن تغضب لله وأن ترضى لله :
لذلك: (وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين)
﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ﴾
﴿ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ
لمّا رأى قومهم وقد أراهم الله الآيات، كيف أصبح البحر طريقاً يبساً، وكيف أصبحت العصا ثعباناً:
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ
كل هذه المعجزات رأوها رأي العين، وبعد ذلك يعبدون عجلاً من دون الله، هو كان بالميقات، كان في لقاء مع الله، كان في مناجاة، وبقي في المناجاة أربعين يوماً، هم استغلوا غيابه، ورأوا أناساً يعبدون من دون الله فقالوا :
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ
الآن غضب:
﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ
كان في حالة غضب شديد، هذا غضب لله، علامة كمال الإيمان أن تغضب لله وأن ترضى لله، وأن تصل لله، وأن تعطي لله، أن تغضب وأن ترضى، وأن تعطي وأن تمنع وأن تصل وأن تقطع.
الألواح التي كانت في جعبة سيدنا موسى منسوخ عليها توجيهات الله عز وجل :
سيدنا موسى أخذه الغضب الشريف، أخذه غضب الغيرة على هذا الدين، أخذه الغضب على المؤمنين الذين تاهوا وعبدوا صنماً من دون الله، هنا سكت عنه الغضب ﴿أَخَذَ الْأَلْوَاحَ﴾
﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا﴾
فهذه الألواح نُسخ عليها مناهج الله عز وجل، وتعليمات الصانع، والتوجيهات، وطريق السلامة والسعادة، لما غضب ألقاها، فلما سكت عنه الغضب حملها وأخذها.
ما فيها؟ قال: ﴿وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ﴾
الرحمة كلمة جامعة مانعة فالله عز وجل خلقنا ليرحمنا :
﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ
ماذا تعني الرحمة؟ كلمة واسعة جداً، يا ترى راحة نفسية؟ راحة نفسية، ثقة بالله؟ ثقة بالله، طمأنينة؟ طمأنينة، سعادة؟ سعادة، رؤية صحيحة؟ رؤية صحيحة، شجاعة؟ شجاعة، كرم؟ كرم، مكانة علية؟ مكانة علية، صحة؟ صحة، زواج موفق؟ زواج موفق، أولاد أبرار؟ أولاد أبرار، كلمة الرحمة شيء جامع مانع، تشمل كل شيء، كل شيء الله عز وجل تفضل بها علينا، أحياناً الأمطار رحمة، النبات رحمة، الجو اللطيف رحمة، أحياناً التوفيق بالتجارة رحمة، التوفيق بعمل رحمة، التوفيق بشهادة عالية تخدم بها المسلمين رحمة، تحقيق أهدافك رحمة، كلمة واسعة.
هذه الرحمة أيها الإخوة، تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، بل إنك مخلوق للرحمة، للتقريب :
طالب ما كتب وظيفته، والذنب تكرر، المعلم ضربه، فقال: هذه المدرسة أُنشئت لضربنا، هذه المدرسة أُنشئت لتعليمنا، كي نكون قادة للأمة، كي نكون علماء، كي نعيش حياة مريحة، كي نسهم في بناء الأمة، هذه أهداف المدرسة، أما هذا الطالب أفقه ضيق جداً، ولما تلقى ضرباً من أستاذه تأديباً على تقصيره اتهم المدرسة بأنها بُنيت، وأُسست لضرب الطلاب .
على المسلمين مراجعة حساباتهم قبل كل شيء :
عوام المسلمين لهم كلمات هي الكفر بعينه، يقول: سبحان الله! الله خلقنا للعذاب، ويقول سبحان الله أيضاً، سبحان الله! لا يوجد أحد مرتاح، هكذا طلع معك؟ سبحان الله! الله يعطي الحلاوة للذي ليس له أضراس.
والله أيها الإخوة، هناك كلمات للعوام هي الكفر بعينه، فلان شرب خمراً، سبحان الله! هكذا قدّر الله عليه، هو ما له علاقة أبداً، الله كتب عليه يشرب الخمر، اسمعوا ماذا حكى الناس، قال: طاسات معدودة بأماكن محدودة .
يا أخي الكريم يجب أن تراجعوا كل مصطلحاتكم، والله مئات المصطلحات، مئات التعبيرات، مئات الكلمات والله هي الكفر بعينه.
الأم: مسكينة هذه البنت ما لها حظ، هي طاهرة، نقية، عفيفة، ملك، لكن لا حظ لها، هذا الكلام غير صحيح.
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10)﴾
هذا قانون للتيسير والتعسير، لذلك نحن بحاجة إلى مراجعة حساباتنا، إلى مراجعة مصطلحاتنا، إلى مراجعة عباراتنا التي نرددها دائماً، إنسان مرتكب معصية كبيرة، الله عتره ما هذا الكلام ؟!
﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(3)﴾
أو فلان الله كاتب عليه الشقاء، الله يعافينا، وكله سبحان الله، يحكي كلمات الكفر وقبلها سبحان الله .
الأوامر و النواهي في منهج الله تعالى غرضها الوصول إلى رحمة الله و جنته :
فهنا: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ﴾
﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ
في الأرض جاءنا وحي السماء، وجاء المنهج وطبقنا، والنتيجة جنة عرضها السماوات والأرض.
مخافة الله عز وجل أكبر صفة يتمتع بها المؤمن :
إذاً ﴿وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى﴾
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5)﴾
أي يا رب لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك، أما إذا قلنا يا رب نعبدك، وقد نعبد غيرك، هنا
﴿لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) ﴾
يرهبون، عرفوا عظمته، عرفوا قدرته، عرفوا غناه، عرفوا رحمته، عرفوا عدله، عدله الدقيق، فلذلك يخافونه، أكبر صفة في المؤمن أنه يخاف الله، و للعوام كلمة صحيحة (هذه المرة صحيحة) إذا شخص لا يخاف الله خاف منه، لأنه وحش، أعظم شيء بالمؤمن أنه مقيد .
(( الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ ))
لا يستطيع، إذاً ﴿هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾
الله عز وجل لا يعذب أحبابه أبداً :
﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً(13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً(14)﴾
بالمناسبة: المؤمن الله عنده كبير، يضحي بكل شيء ولا يضحي بطاعته، الناس في آخر الزمان هان أمر الله عليهم فهانوا على الله، لا يدقق المال حلال حرام، يقول ماشي لا تدقق، ما هذه لا تدقق هل هي آية أم حديث؟ لا تدقق، حرام، حلال، هذه الجلسة يجوز أن نجلس بها لا يجوز، هذه الحرفة ترضي الله، لا ترضي الله، فيها معاصي، فيها آثام، المادة محرمة شرعاً يقول عليها طلب، أنا أبيع طاولات زهر، قلت له: لكن حرام، عليها طلب كثير أستاذ لا أقدر، عليها طلب كثير، المهم أن يربح المال.
إذاً هان أمر الله عليهم فهانوا على الله، قد عصيتك ولم تعاقبني، قال وقع في قلبه أن عاقبتك ولم تدرِ، الله عز وجل يعاقب المسلمين، وضعهم صعب جداً، وضعهم لا يرضي.
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ
ردّ الله عليهم: ﴿فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾
ذهاب سيدنا موسى مع سبعين رجلاً من قومه للاستغفار و الاعتذار من الله تعالى :
﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً
نحن عندنا ميقاتان، الميقات الأول ميقات المناجاة مع الله أربعين يوماً، هذا الأول أما لما عبد قوم موسى العجل صار هناك ميقات ثانٍ للاعتذار والاستغفار، سيدنا موسى اختار من قومه سبعين رجلاً يمثلون كل أطياف قومه.
﴿وَاخْتَارَ مُوسَى﴾
﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا﴾
الله عز وجل متكفل أن يمتحن كل إنسان و يضعه في حجمه الطبيعي :
﴿فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾
﴿فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ﴾
﴿رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ﴾
﴿لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ﴾
شاب ظل يُسمع أمه كلمات معسولة تفوق حدّ الخيال، إن شاء الله حينما أتزوج سأكون أنا وزوجتي في خدمتك، أنت أمنا، أنت بركتنا، أنت، أنت، أنت، أسمعها كلاماً معسولاً، لما تزوج انحاز لزوجته، قال لها: كل البلاء منك .
المشكلة أحياناً الإنسان يعطي نفسه حجماً كبيراً، أنا لا آكل قرشاً حراماً، طبعاً عرضوا عليك مئة ليرة، لا تأخذها، وألف لا تأخذها، وخمسة آلاف لا تأخذهم، جاءك مليون، يا أخي أصبحت هذه بلوى عامة، لا حول ولا قوة إلا بالله، أنا عندي أولاد، اختلف الوضع، كلامك باطل، الله عز وجل يعرف بالضبط من أنت، إذا تبجحت زيادة، أعطيت نفسك حجماً كبيراً، الله فقط يحجمك، يضعك بظرف صعب، صعب جداً .
الله عز وجل رحمة بالإنسان يريه من هو :
﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ﴾
بمعمل الاسمنت يصنعون طبخات، كل طبخة يصبون منها مكعبات، هناك جهاز بسيط جداً مكعب يُمسَك من الأعلى، ومن الأسفل كفة، توضع في هذه الكفة أوزان متدرجة بأي وزن يكسر هذه مقاومته.
وكل مؤمن له وزن يكسر فيه، كلما كان إيمانك أقوى يصبح الوزن عالٍ جداً، أما الأنبياء:
(( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتى يظهره الله أو أهلك دونه ))
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً(23)﴾
﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ﴾
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2)﴾
هو موظف، دخله محدود، وله جامع، وله شيخ، وكل أموره تمام، عملَ عملاً تجارياً، وهناك مادة رائجة جداً لكنها محرمة، ماذا نفعل؟ مضطرين .
مرة قال لي شخص: نحن عنا مطعم درجة أولى، لكن المشكلة نبيع الخمر، إن شاء الله برقبة شريكي أنا ما لي علاقة، قلت له: ألا تأخذ نصف الربح؟ قال لي: بلى، لكن هو الذي أراد هذا، قلت له: لماذا وافقت؟
الإنسان أحياناً يدّعي مكانة لنفسه، يدعي حجم إيمان معين، فربنا عز وجل رحمة به يحجمه، يريه من هو، هذه الفتنة ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾
المؤمن القوي الصادق لا تضعفه سبائك الذهب اللامعة ولا سياط الجلادين اللاذعة :
بصراحة إخواننا الكرام، هناك بالحياة ضغوط، ويوجد مغريات، المؤمن القوي الصادق لا تضعفه سبائك الذهب اللامعة، ولا سياط الجلادين اللاذعة، المؤمن رقم صعب، الآن أي إنسان يغير قناعته برقم، وليكن مئة مليوناً انتهى عند الله، إذا هناك رقم يغيرك انتهيت، والله المؤمن لو يعطونه ألف مليوناً وهو فقير على أن يقول كلاماً بخلاف قناعته لا يتكلم، الصحابة كانوا من هذا النوع، كان الواحد بمليون، الآن المليون بأف وليس بواحد، بأف، كلمة أف شيء تافه لا قيمة له إطلاقاً، تأفف، المليون بأف، وكان الواحد بألف، كن رجل مبدأ، الله موجود، كلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تقرب أجلاً.
﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ﴾
أذكر إنسان حدثني عن قصة، ذهب مع صديقه ليشتريا سيارتين من ألمانيا، ويأتيان بها إلى الشام ليتاجرا بالسيارات، قال لي: نزلنا بفندق ببولونيا، الساعة الثانية عشرة طُرق بابي وباب صديقي، من امرأتين مومسيتين، قال لي: أنا ما فتحت خفت من الله، شريكه فتح، طرق الباب من امرأة وأنت مسافر وحدك طبعاً هذه فتنة، شخص قال:
﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ
والله يا إخوان أبلغني أنه بعدما عادوا إلى الشام أحدهما عمله في صعود، هذا الورع في توفيق، في بحبوحة، والثاني اضطر أن يسلم محله التجاري، واشتغل صانعاً، شخص هكذا وشخص هكذا، الله فتن الاثنين، أحدهما نجح، والآخر لم ينجح .
استغفار قوم موسى عن خطئهم الناجم عن عبادة الأصنام :
﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا﴾
﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا﴾
﴿أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا﴾
﴿فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾
الله عز وجل سمح لذاته العلية أن توازن مع بعض خلقه
الله عز وجل سمح لذاته العلية أن تُوازَن مع بعض خلقه ، قال :
﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
هناك إنسان عالم كبير صنع كلية صناعية، جيد، صنعها من كل شيء، صنعها من مئات القوانين التي قنّنها الله عز وجل، صنعها من التقدم العلمي المذهل، لكن هذه الكلية الصناعية بحجم هذه الطاولة، ومن أجل أن تصفي الدم يجب أن يجلس المريض إلى جانبها ثماني ساعات، أو ست ساعات، بالأسبوع ثلاث مرات، وكل مرة 3000 ليرة، وازن مع الكلية الطبيعية، حجمها بحجم البيضة، تعمل بصمت، لا تشعر بوجودها، تصفي الدم باليوم خمس مرات، كل كلية فيها احتياطي عشرة أضعاف حاجتك، الاثنتين عشرين ضعفاً، بلا صوت، بلا نفقات، لا تجمد نفسك ثماني ساعات بالأسبوع ثلاث مرات، وازن بين كلية صناعية، وكلية طبيعية، وازن بين وردة بلاستيك ووردة طبيعية .
الله سمح لذاته العلية أن توازَن مع بعض خلقه قال: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾
الله عز وجل ستير يُخفي عن الناس نقائصك إن تبت إليه :
هناك :
﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ
هناك :
﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ
هنا ﴿خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾
﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾
فلذلك الإنسان لا يطمع بستر الله عز وجل إلى مالا نهاية، ليس كل مرة تسلم الجرة، مرة هناك فضيحة .
إذاً ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ ـ امتحانك ـ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾
الحسنة في الدنيا لها معنيان معنى لغوي و معنى شرعي و المقصود هنا حسنة الشرع :
﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ
الحسنة في الدنيا لها معنيان، لها معنى لغوي، شيء تستحسنه، ولها معنى شرعي الشيء الذي حسّنه الشرع، إنفاق المال حسنة في الشرع، أما إنفاق المال بنظر البخيل حُمق، فهناك معنى لغوي للحسنة، كل شيء تحبه أنت، وقد تحب المعاصي لا سمح الله، أما البطولة بالمعنى الشرعي الحسن ما حسّنه الشرع.
تكون نائماً في الشتاء، والفراش وثير، ودافئ، فالحسنة عندك أن تبقى نائماً، أما الحسنة بالشرع أن تستيقظ كي تصلي الفجر في وقته .
الحسنة بالشرع لها معنى، وباللغة لها معنى، المقصود هنا حسنة الشرع .
رحمة الله عز وجل في الدنيا لكل الخلق و في الآخرة للمؤمنين فقط :
﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾
﴿وَفِي الْآخِرَةِ﴾
(( ولو كانت الدنيا تَعْدِلُ عند الله جَناح بعوضة ما سَقَى كافراً منها شَربة ماءٍ ))
لكن الآية دقيقة: ﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾
﴿قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ﴾
﴿عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ
سيدنا إبراهيم: ﴿مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾
﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾
العاقل من يسعى لعمل يفضي به إلى الجنة :
﴿قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا ـ بالآخرة ـ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾
نِعَم الله في الآخرة للمؤمنين فقط، أنت الآن في الدنيا مثلك مثل غيرك، تجد شارعاً فيه مئة بيت، بيوت فيها معاصي، وفيها آثام، في خيانة زوجية، فيها استقامة، وفيها غناء، وفيها رقص، وفيها تفلت، بيوت، والكل عندهم سياراتهم، ولهم دخلهم، ولهم مكانتهم، ويعطيك بطاقة، والكل مثل بعض الآن، متى التمايز؟ يوم القيامة .
﴿ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ(59)﴾
فالبطولة من يسعى لعمل يفضي به إلى الجنة .
﴿وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ(61)﴾
والحمد لله رب العالمين