- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (007)سورة الأعراف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
اتخاذ قوم فرعون العجل إلهاً و عبادته من دون الله :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث والأربعين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الثامنة والأربعين بعد المئة، وهي قوله تعالى :
﴿ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ(148)﴾
قوم موسى رأوا بأعينهم كيف أن البحر أصبح طريقاً يبساً، رأوا بأعينهم هذا الطاغية الذي ما كان أحد يصدق أن يموت، وقد أهلكه الله عز وجل، قوم موسى رأوا هذا النبي الكريم ينزع:
﴿ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ
يضرب :
﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ
هؤلاء ما الذي فعلوه ؟
﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ﴾
الشرك الخفي و الشرك الجلي :
أحياناً إنسان يعبد إنسان دون أن يشعر، يعني يطيعه ويعصي الله، يعلّق عليه الآمال، يتوكل عليه، يعطيه كل حبه، وكل ولائه، ولا يعبأ بمنهج ربه، هذا نوع آخر، ألا ترى إلى الشمس، إلى القمر، إلى النجوم، إلى الأمطار، إلى خلق الإنسان؟
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ(8)﴾
إلى طعام الإنسان، إلى شراب الإنسان، إلى الماء العذب الزلال، ألا ترى هذه الآيات الدالة على عظمة الله؟ فكيف تطيع إنساناً وتعصي خالقك؟ كيف تطيع مخلوقاً ضعيفاً وتعصي خالق السماوات والأرض؟ يعني الصورة اختلفت أما حقيقة الشرك واحدة .
لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( إن أخوف ما أتخوف على أمتي الإشراك بالله أما إني لست أقول يعبدون شمساً و لا قمراً و لا وثناً و لكن أعمالاً لغير الله و شهوة خفية ))
هذا المعنى تؤكده الآية الكريمة :
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ(106)﴾
الشرك الجلي لا وجود له في العالم الإسلامي، ولكن الشرك الخفي أن تطيع مخلوقاً وتعصي خالقك، أن تطيع زوجتك، وتعلق عليها كل الآمال، وتكسب المال الحرام إرضاءً لها هذا شرك.
عظمة الله عز وجل تظهر في الكون بواقعه الحالي أكثر مما تظهر بخرق نواميسه :
على كلٍ هم رأوا المعجزات الحسية ونحن نرى الآيات الكونية، الكون لا نهاية له، آلاف مليارات المجرات، وكل مجرة ملايين ملايين الكواكب، وخلق الإنسان آية، وخلق النبات آية، وخلق الحيوان آية، نزول الأمطار آية، الماء آية، الهواء آية، نحن محاطون بآيات لا تعدّ ولا تحصى، والحقيقة أن عظمة الله عز وجل قد تتبدّى في الكون بواقعه الحالي أكثر مما تتبدّى بخرق نواميسه، لكن من ضعف الفهم قديماً كانت المعجزة خرق النواميس، لكن الآن خلق الإنسان.
تمشي في الطريق تستمع إلى بوق مركبة تنزاح نحو اليسار، هل تدري ما الذي حصل؟ أودع الله في دماغك جهازاً دقيقاً جداً، يحسب هذا الجهاز تفاضل وصول الصوت إلى الأذنين، الصوت من هنا هذه أقرب، وهذه أبعد، التفاضل واحد على ألف وستمئة و خمسين جزءاً من الثانية، هذا الجهاز من أجل أن تعرف جهة الصوت ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ﴾
حاسة الشم عشرين مليون عصباً شمياً، ينتهي كل عصب بسبعة أهداب، الهدب مغطى بمادة تتفاعل مع الرائحة، ينشأ شكل هندسي، رمز الرائحة، يُشحن للدماغ ، هذا الرمز يُعرض على الذاكرة الشمية، عشرة آلاف بنداً، حيثما يتطابق الرمزان تكتشف أنه يوجد بالطعام المادة الفلانية .
أتحسب أنك جرم صغير
* * *
عبادة اليهود للأوثان التي لا منهج معها و لا يُنتفع بعبادتها :
أنا بدأت أن قوم موسى رأوا العصا التي ألقاها فأصبحت ﴿هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾
﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ﴾
لذلك ماذا قال الصديق؟ من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات.
(( أنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عنه خَرَجَ، وعُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقالَ: اجْلِسْ، فأبَى، فَقالَ: اجْلِسْ، فأبَى، فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عنه، فَمَالَ إلَيْهِ النَّاسُ، وتَرَكُوا عُمَرَ، فَقالَ: أَمَّا بَعْدُ، فمَن كانَ مِنكُم يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإنَّ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ مَاتَ، ومَن كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فإنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ ))
الرسالة مستمرة، الرسالة هذا المنهج الذي جاء به النبي الكريم مستمر.
لكن أيها الإخوة، نقطة دقيقة جداً الآن، الإنسان حينما يعبد عجلاً من ذهب صنعه الإنسان، هذا العجل عنده منهج؟ لا يوجد شيء، له أمر؟ له نهي؟ لا، الذين عبدوا الشمس معها منهج؟ الذين عبدوا البقر في الهند، البقرة معها منهج؟ هل هناك أوامر؟ هل هناك نواهٍ؟ هل هناك وسائل للتقرب من الله؟ هناك وسائل للبعد عنه، معاصي تبعدك عنه، هناك أسباب سلامتك، هناك أسباب سعادتك، هذا العجل ماذا يفعل؟
الله عز وجل مع الإنسان أينما كان يحاسبه على كل تصرف صدر عنه :
لذلك بالمناسبة: قد يعجب الإنسان، يقول لك تسعمئة مليون بوذياً، لماذا عبادات الأديان الأرضية الوضعية أتباعها كثر، أعتقد هناك سبب، والسبب واضح، لأنه ما من منهج، القضية سهلة، افعل ما شئت، أعلن ولاءك وافعل ما شئت.
إذا عبد الإنسان شيئاً دون الله عز وجل هذا الشيء ما له منهج، بالإسلام هناك أمر، هناك افعل وهناك لا تفعل، هناك حرام، هناك حلال، هناك واجب، هناك سنة، هناك فرض، هناك مندوب، هناك شيء لا يجوز، هناك شيء مُستقبح، هناك شيء غير مستحسن، هناك شيء يغضب الله، المسلم أمام منظومة لا تنتهي من الأوامر والنواهي .
وأساساً تخلف المسلمون حينما فهموا أن الدين عبادات شعائرية فقط، كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، وما أكثر الأوامر في القرآن الكريم، وما أكثر الأوامر في السنة المطهرة، أنت أمام منهج .
فلذلك عبادة الأوثان سهلة جداً، عبادة البقر سهلة جداً، الحجر، الشمس، القمر، هذه الجوامد لا منهج معها، لا تنتفع بعبادتها، وأحياناً أضيف على ذلك: وأن تعبد إنساناً ليس معك، تعلن ولاءك له، وتفعل ما تشاء، تأخذ من الأموال ما تشاء، وتظلم ما تشاء، ليس معك هو .
لذلك من السهل بمكان أن تعبد إنساناً ليس معك، تلتقي به وتكون في أعلى درجات الأدب والمحبة والولاء، مرتاح، تبتعد عنه تكون وحشاً مع الناس، عبادة الأشخاص سهلة جداً، أما أن تعبد الله هو معك، لو حلفت يميناً كاذبة سقطت من عينه، لو كذبت سقطت من عينه، لو ظلمت هرة سقطت من عينه، لو قتلت مخلوقاً لا يحق لك أن تقتله سقطت من عينه، الفرق كبير جداً بين أن تعبد مادة، حجر، مدر، شمس، قمر، بقرة، نار، وبين أن تعبد خالق السماوات والأرض.
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ
معك يحاسبك .
الله عز وجل مُطلع على نوايا كل إنسان :
لذلك لا يمكن لأمر شرّعه إنسان أن يُنفَّذ مئة بالمئة، هذا الأمر يُنفَّذ مادام هذا الإنسان يطولك علمه.
أوضح مثل قانون السير، ما دام في النهار كله واضع الأحزمة أما الساعة الثالثة بالليل، لا أحد يضعها، لما الإنسان يضع قانون هذا القانون يطبق حينما يكون واضع القانون يطولك علمه، أو تطولك قدرته، أما إذا كنت مع الله فالله بأي لحظة معك، أوضح مثل :
بشهر رمضان، في شهر آب، والحر لا يحتمل والحرارة خمس و أربعون، والعطش يكاد لا يحتمل تدخل لبيتك، للمطبخ، تفتح الثلاجة، يوجد ماء بارد في الثلاجة، تستطيع أن تضع نقطة ماء في فمك؟ لا تستطيع، لأن الله معك، عظمة الدين شيء لا يصدق، بينما بالأنظمة الوضعية ما دام واضع القانون ليس معك تستطيع أن تفعل كل شيء، فرق كبير بين أن تطيع خالقاً معك، مطلع على نواياك.
كلمة أقولها: مريض مخدر هناك مثلاً حاجة ثمنها 150 ألفاً توضع في أحد شرايين قلبه، هي متفاوتة بالأسعار، هناك قسم غالٍ جداً، هناك قسم رخيص جداً، إن وضعت الرخيص وهو مخدر، وتمّ وضع هذا النابض في أحد أوعية القلب، وانتهت العملية وخيطت وانتهى الأمر، يستطيع المريض أن يكشف الخطأ؟ ما من قوة تكشفه إلا الله، وضعت نوعاً سيئاً جداً، وسجلت بالفاتورة نوعاً غالياً جداً.
الحياة لا تستقيم إلا بالإيمان بالله :
هناك أخطاء لا يمكن حتى بالقانون أن نكشفها، إن قال لك الطبيب: أريد عشرة تحاليل تستطيع أن تناقشه؟ لا تستطيع، من يراقبه؟ الله عز وجل، أقول لكم كلمة أخرى: الحياة لا تستقيم إلا بالإيمان بالله، ما دام واضع القانون إنسان، والإنسان المواطن قد يكون أذكى من واضع القانون.
مرة كنت بأمريكا، واضعين أجهزة لكشف السرعات الزائدة، كنت بمركبة سمعت صوتاً جديداً لم يكن، ما هذا الصوت؟ قال لي: هذا صوت جهاز اشتريناه ينبهنا عن قرب الجهاز الذي وضع لكشف السرعات الزائدة، معناها التغت العملية، جهاز وضع بالمركبة، ينبه السائق إلى أن الجهاز الذي سيكشف السرعة الزائدة اقترب، انتبه، انتهى إذاً.
إذا إنسان واضع قانون المواطن قد يكون أذكى منه، فكل شيء يوضَع يأتي مواطن يستطيع أن يحتال ويلغي مفعوله، لذلك الآن الضبط بالعالم الغربي إلكتروني، ضبط بالغ الدقة قُطِعت الكهرباء بليلة واحدة تمت 200 ألف سرقة، مجموع المسروقات 30 مليار دولار، لأن الضبط إلكتروني، لا يوجد كهرباء ما بقي في ضبط .
لذلك تدخل سوق كبير في العالم الغربي، أنا أقول لا يوجد أمين، إن لم تدفع ثمن السلعة اللصاقة التي على السلعة فيها مادة إن لم يؤشَّر عليها أنها دُفعت تصدر صوتاً أمام قوس تغلَق الأبواب آلياً، من هو الأمين في هذا السوق؟ ضبط عجيب، لذلك كلما كان الضبط إلكتروني كان الأجر لا شيء، لا يوجد أجر .
ربط اليهود الدين بوجود سيدنا موسى عليه السلام :
القصة أنه ﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ﴾
﴿مِنْ حُلِيِّهِمْ﴾
﴿عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ﴾
قال تعالى:
﴿وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ﴾
المؤمن وقاف عند كتاب الله و سنة رسوله و الكافر لا مولى له :
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ(11)﴾
مثل واضح جداً، لكنه مؤلم: تصور ابن له أب محترم، أب مربٍّ، أب عالم وغني، اعتنى بتربيته عناية صار شخصية فذة، علماً، وأدباً، وديناً، وسلوكاً، تابعه متابعة دقيقة جداً، تابع له صحته، دراسته، دينه، صلاته، أناقته، ثيابه، كلامه، حتى أوقات فراغه، صرفها فيما ينفعه، هذا الابن للتقريب كالألماسة، وإذا ابن يتيم مات أبوه، ومتشرد، كل يوم بمخفر، وكل يوم بمأوى أحداث، وهناك فاحشة، وهناك سرقات، وكلامه بذيء، وثيابه رثة، وحركاته مؤلمة، هناك موازنة بين هذا الطفل الذي له أب يرعاه، وبين هذا الطفل المشرد؟ ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾
سائق تكسي أشارت له امرأة، أين؟ قالت له: خذني إلى أي مكان تريد، عدّ هذا مغنماً كبيراً، قضى حاجته، وأخذ رسالة منها، ظنها مبلغاً من المال كبير، فتحه: مرحباً بك في نادي الإيدز.
يكون تدميره في تدبيره، قد يعد المغرم غنماً.
(أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ)
العاقل من شكر الله عز وجل على نعمة الهدى :
والله يا أخوان هناك معلومات يصعب تصديقها، يوجد قبائل في آسيا تعبد الجرذان، عندي تحقيق مطول مع الصور، بناء فخم، حجر منحوت، والآلهة في هذا البناء هم الجرذان والأتباع يأتون، يقفون على ظهورهم، وعلى رؤوسهم، يقدمون لهم الحليب، والطعام الطيب، هناك من يعبد ذكر الرجل في اليابان، هناك من يعبد موج البحر، اشكروا الله عز وجل، نعبد الله، نعبد خالق السماوات والأرض، نعبد الذي معنا في كل حين، نعبد الذي بيده كل شيء، نعبد الذي بيده أعداؤنا، والأقوياء، نعبد من يسمعنا، من يستجيب لنا، من ينصرنا، من يرحمنا.
﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ﴾
لاشك أنكم مندهشون لهذه المفارقة الحادة، والله الذي لا إله إلا هو في كل عصر إنسان يؤذي الناس، ليبتزَّ أموالهم، ولا يعلم أن الله سيحاسبه حساباً عسيراً .
أذكر قصة، طالب من طلابي خاله صاحب دار سينما، سينما مستواها منحط جداً، تستقطب الشباب، الصائعين، المنحرفين، الشاردين، يعني بنى ثروة كبيرة جداً على حساب أخلاق الشباب، بالأربعينات جاءه المرض الخبيث، قال لي: كنت في زيارته صار يبكي أمامي، قال لي: جمعت هذا المال الكبير حتى أستمتع به في حياتي ها قد عاجلني المرض، ولم أستمتع به.
الله كبير، أغبى إنسان الذي لا يدخل الله في حساباته، لا تعجبوا من هذه المفارقة الحادة، نعيش مفارقات أكثر منها حدة، اغتصاب بيت؟ لا يوجد آخرة؟ لا يوجد يوم حساب؟ تطليق زوجة تطليقاً تعسفياً، كتبت له البيت ثم طلقها، يظن ما عليه حساب، والله هناك ظلم بالعالم الإسلامي بالبيوت، بالطبقة الدنيا هناك ظلم لا يعلمه إلا الله، وكل واحد يظلم الناس يظن أنه لن يحاسب.
العاقل من أدرك خطأه قبل فوات الأوان :
﴿ وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ
يبدو هناك قسم من هؤلاء كانوا في غفلة، فلما أدركوا الخطأ، خطأ كبير .
﴿وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ﴾
﴿وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾
﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً
سيدنا موسى نبي كريم، من أولي العزم، ذهب لمناجاة الله عز وجل، وهو كليم الله، ذهب أربعين ليلة، في هذه الليالي الأربعين انحرف قومه انحرافاً شديداً ورجعوا وثنيين.
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :
﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً﴾
﴿غَضْبَانَ أَسِفاً﴾
(( بلِّغُوا عني ولو آية ))
تبلغ من؟ زوجتك، أخوك، ابنك، عمك، ابن عمك، خالك، ابن خالك، زميلك بالوظيفة، جارك، كنا بندوة، بسهرة، بنزهة، ماذا سمعت يوم الجمعة؟ عود نفسك أن تكتب نقاطاً أساسية يوم الجمعة، أن تجعل هذه النقاط محور حديثك طوال الأسبوع، زرت أختك، جالس صهرك، وابن أختك، وأختك، وسمعت تفسير آية تأثرت بها، بلغهم، اكتب عندك هذه النقاط التي تحب؟ وزع شريطاً، ليس هدية، إعارة، حتى يسمعه، سمعه أعطه شريطاً آخر .
والله عندي أخ من إخواننا لا يحسن الدعوة إلى الله، أمّن مئة شريط، ووزعهم على أقربائه، وتابعهم، أربعة، خمسة، عشرة، صاروا بالجامع من أقربائه، لما الإنسان يصدق الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، يعني أقرباؤك، أصدقاؤك، جيرانك، زملاؤك.
غضب سيدنا موسى الشديد بسبب تنكر قومه لعبادة الله عز وجل :
﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ﴾
﴿أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ﴾
﴿يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي﴾
﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي﴾
﴿وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾
أنا أقول أيها الإخوة الدعاء: اللهم إنا نعوذ بك من شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء، ومن عضال الداء.
خروج سيدنا موسى عن طوره بسبب شدة إيمانه و ألمه من قومه :
﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾
﴿ قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي
من أين جره؟ من لحيته ﴿وَلَا بِرَأْسِي﴾
﴿إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾
﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(151)﴾
يعني كل واحد منا إذا أخطأ ينبغي أن يتوب إلى الله، وأن يرجع إليه، ليس لنا إلا الله .
من أراد أمراً فليتدبر عاقبته :
لكن الله عز وجل يقول :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ(152)﴾
أين عقلك؟ أين إيمانك؟ من أراد أمراً فليتدبر عاقبته، يعني الإنسان لَأن يسقط من السماء إلى الأرض فتنحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله، مؤمن مريض ممكن، فقير ممكن، زواجه غير ناجح ممكن، ما رزقه الله بالأولاد ممكن، كله ممكن، لكن تعصي الله؟ تأخذ ما ليس لك؟ تحلف يميناً كاذباً؟
﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا
غضب الله عز وجل شديد و مدمر :
﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12)﴾
والله أروي قصة كثيراً لكنها مؤثرة: إنسان راكب مركبته إلى المطار موظف هناك لكن موظف رفيع المستوى، أراد أن يعرض خبراته الدقيقة في القيادة على من إلى جانبه، فهناك جرو صغير في أيام الشتاء الزفت الأسود أكثر دفئاً من التراب، لأنه يمتص أشعة الشمس، فهذا الجرو جالس على طرف الطريق، فاستطاع قائد هذه السيارة بمهارة بالغة أن يقص يديه فقط دون أن يدهسه كله، وأطلق ضحكة هستيرية، يقسم لي بالله من كان إلى جانبه، في السبت القادم بعد أسبوع، في المكان نفسه إحدى العجلات أصبحت بحاجة إلى إصلاح، وقف، عنده رافعة، رفع المركبة، وحرر العجلة، فالرافعة فاسدة انكسرت وقعت المركبة فوق العجلة بشكل أفقي، والعجلة فوق رسغيه فهُرِسَتا، إلى أن وصل إلى المستشفى اسودت يداه وقُطعتا، يقسم بالله أنه في السبت الماضي قطع يدي جرو صغير، وفي السبت الذي تلاه قُطعت يداه من الرسغين ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾
والله أيها الإخوة، هناك آلاف القصص لكن نحن مشكلتنا القصة نعرفها من آخر فصل ما لها معنى، الذي راكب إلى جانبه قال لي: أمامي دهس، أو سحق يدَيّ جرو صغير وضحك، في السبت القادم فقد يديه ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾
التوبة النصوح أساس مغفرة الله عز وجل للإنسان :
﴿ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(153)﴾
﴿إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا﴾
﴿مِنْ بَعْدِهَا﴾
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين