وضع داكن
23-11-2024
Logo
الدرس : 28 - سورة الأعراف - تفسير الآيات 80 - 84 ، البعد عن الله يؤدي إلى الانحراف
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .


مقدمة لتفسير الآية :


أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثامن والعشرين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الثمانين، وما بعدها، الله عز وجل يقول :

﴿  وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ(80)  ﴾

[ سورة الأعراف ]


معنى الشفع والوتر :


أولاً من أدق معاني الشفع والوتر، أن الوتر هو الله، لأنه واحد أحد فرد صمد: 

﴿  لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ(4)  ﴾

[  سورة الإخلاص  ]

صمد بمعنى أنه لا يحتاج إلى واحد، لا يحتاج إلى أي شيء، بل يحتاجه كل شيء، واحد لا شريك له، وأحد لا مثل له .

﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) ﴾

[  سورة الجن  ]

شأن الله عز وجل الأحدية، وشأن الخلق الزوجية .

﴿ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) ﴾

 

[ سورة الذاريات  ]


مبدأ الافتقار في عالَم المخلوقات :


الذرة في النواة إيجابية، والكهارب سلبية، وأي شيء يخطر في بالك بدءًا من الجماد وانتهاءً بالإنسان، زوجان ذكر وأنثى، أو إيجابي وسلبي، شأن مخلوقاته أن كل مخلوق مفتقر إلى مخلوق آخر، فالرجل مفتقر إلى المرأة، والمرأة إلى الرجل، والصديق إلى صديقه، والزميل إلى زميله، وكل مخلوق يفتقر إلى مخلوق آخر .

الافتقار أنواع، هناك افتقار جنسي، فالذكر مفتقر إلى الأنثى، والأنثى مفتقرة إلى الذكر، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان حاجات ثلاث، أودع فيه حاجة إلى الطعام والشراب تحقيقاً لبقاء الفرد، وأودع فيه حاجة إلى الجنس تحقيقاً لبقاء النوع، وأودع فيه حاجة إلى تأكيد الذات تحقيقاً لبقاء الذكر، فالإنسان يبحث عن الطعام والشراب، فإذا أكل وشرب بحث عن الطرف الآخر، فإذا كان مؤمناً تزوج، وإذا كان غير مؤمن يزني، فإذا أمّن الاثنتين بحث عن الرفعة، والقوة، والتفوق، والعلو، وتأكيد الذات .


افتقار الرجل إلى المرأة و افتقار المرأة إلى الرجل :


الآن لو أخذنا الشهوة الثانية، الشهوة إلى الآخر، الله عز وجل رسم منهجاً، فالأنثى خُلِقت خصيصى للذكر، والذكر خُلِق خصيصى للأنثى، خصائص الرجل الفكرية والنفسية والاجتماعية والجسمية كمالٌ مطلق للمهمة التي أنيطت به، وخصائص الأنثى الجسمية والنفسية والاجتماعية والفكرية كمالٌ مطلق للمهمة التي أنيطت بها، هما متكاملان، إذاً: هما شفع .

﴿  وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ(3)  ﴾

[  سورة الفجر  ]

لكن هذه العلاقة مع المرأة قد تأخذ شكلاً مشروعاً، هو الزواج، وقد تأخذ شيئاً غير مشروع، هو الزنا، فالزنا خروج عن الشرع، وقد أودع الله في الإنسان هذه الحاجة، فالمؤمن الذي يخاف الله عز وجل ما عنده قناة لإرواء هذه الحاجة إلا الزواج، بينما غير المؤمن فعنده قناة أخرى هي الزنا.

طبعاً الزنا خروج عن منهج الله، ومعصية كبيرة، بل تسمى جريمة الزنا، وفيها ضياع أنساب، وفيها اختلاط أنساب، وفيها سقوط المرأة الزانية، وسقوط الزاني، والمجتمع ينكر الزنا، والشرع ينكر الزنا، وأي شيء أنكره الشرع تُنكِره الفطر السليمة .

لذلك في تاريخ البشرية يقولون: فضيحة أخلاقية، في الدول الإباحية، في الدول التي لا تلتزم بأي منهج، فضيحة جنسية، أو فضيحة مالية، يعني في تاريخ البشرية الفضائح الكبرى نوعان: فضائح مالية؛ سرقة، واختلاس، ونهب، وتزوير، أو فضائح جنسية، والذي يقع على رأس البيت الأبيض تورط مع موظفة، فعرضوا في الإنترنت 2800 صفحة تفاصيل هذه العلاقة الآثمة، فضيحة


وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ


1 – الخروج عن منهج الله في الشهوة شذوذ وانحراف :

لكن حينما تسلك هذه الشهوة طريقاً آخر، غير الطريق الذي رُسِم لهذه الشهوة، والله عزوجل رسم لهذه الشهوة طريق الزواج، وغير المؤمن خالف المنهج فزنى، لكن في الأصل المرأة للرجل، والرجل للمرأة، أما الشاذ فخالف المنهج والفطرة معاً، وسلك طريقاً لا يؤدي إلى الولد، طريقاً قذراً، فالله عز وجل سمّى هذا الانحراف الفاحشة، أول من أتى بهذه الفاحشة قوم لوط .

فلسفة الشهوة عند الغرب :

ولكن أيها الإخوة، أتمنى عليكم أن تنتبهوا إلي، في العالم الغربي الإنسان يخترع أفكاراً كي يرتاح بها المنحرفون، يقولون: هذا الشاذ في جيناته يوجد شذوذ، لا ذنب له، هذا مركوز في أصل تكوينه، وفي أصل خلقه، والله الذي لا إله إلا هو لو قطّعت المؤمن مليار قطعة على أن يصدق أن الله سبحانه وتعالى خلق في الإنسان شذوذاً، ثم يحاسبه على هذا العمل الشنيع، ثم يضعه في جهنم، والله ما من مؤمن مستعد لو قطعته مليار قطعة أن يصدق ذلك، لكن هذا منطق الغرب!

نظرية داروين بين الحقيقة العلمية وفلسفة الراحة الوهمية :

أحياناً الإنسان يسمع تفسيراً، أو طرحاً يصدقه، لا لأنه صحيح، بل لأنه مريح، فنظرية داروين مثلاً لا يمكن أن يصدقها أحد في الأرض، لأن داروين نفسه قال: " إن لم يثبت العلم هذه النظرية فهي باطلة " .

داروين اعتقد أنه الفأرة تأتي من الخِرق البالية مع القمح، وأن الضفدع يأتي من الوحل، يعني الوحل يصنع ضفدعاً، هذا شيء مضحك الآن، النظرية منذ عام 1800، العلم لم يكذّب هذا، بل يستهزئ بهذا، وتوقع أن المخلوقات تطورت من حيوانات أو مخلوقات أحادية الخليلة، حتى الإنسان عنده تطور طبيعي عبر ملايين السنين، إذاً: لا بد من كائن مرحلي وحيد خلية، سمكة بعدها زاحف، بعدها قرد، بعدها إنسان.

مع التفاصيل: فتحوا الأحافير فوجدوا صورَ الحيوانات التي طُمِرت برماد بركاني، وأصبح هيكلها مطبوعًا على الحجار، هذه اسمها أحافير، وجدوا مئات، بل ألوف المخلوقات قبل 530 مليون سنة كما هي الآن، فالنظرية باطلة كلياً، مَن أبطلها؟ علماء الغرب، ومع ذلك العالم كله الآن يؤمن بها، ليس لأنها صحيحة، لكن لأنها مريحة، ما مِن إله، هذا الشعب اسحقه، أبد هذه الشعوب، انهب الثروات، هذه مريحة جداً لأعداء الدين، ما من إله يحاسب أبداً، ولا يوم آخر، ولا آدم، هناك قرد فقط!!!

أنا هذه النظرية صدقتها حديثاً، لكن صدقتها معكوسة، كان المخلوق إنسانًا فصار قردًا الآن، صار الإنسان ماديًّا، القرد رمز المادية، لما قال الله عز وجل : 

﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) ﴾

[  سورة المائدة  ]

أنا أتصور المسخ هكذا، إنسان إلهه المال، هذا قرد، وإنسان إلهه الجنس، هذا خنزير.

فهذه النظرية باطلة كلياً، لكن لأنها مريحة تمسك العالم بها، الآن يقال للناس الشاذين، وللملايين المملينة في العالم الغربي: إن الشذوذ أصله في جسم الشاذ، وهذا أمرٌ مريحٌ جداً.

أنا زرت مدينة بأمريكا، لوس أنجلوس، 75% من سكانها شاذون، صدقوا في يوم بأكمله ما لمحت طفلاً، من أين سيأتي الطفل ؟!

فالشذوذ انحراف الفطرة، الزنا انحراف شرعي، الله أمر بالزواج، زنى، لكن الزواج رجل مع امرأة، والزنا رجل مع امرأة، لكن هذا وفق منهج الله، هذا بخلاف منهج الله، أما الشذوذ فتوجُّه إلى مكان قذر، إلى مكان ليس فيه حرث ولا نسل، الشذوذ تحطيم الشاذ.

لهذا أيها الإخوة، الشذوذ عقابه القتل، مع أنه مطروح في العالم الآن آلاف الأفكار أن الشاذ إنسان سويّ، لكن جيناته شاذة، لذلك بكل بساطة يقول وزير الصحة البريطاني: " أنا شاذ" قالها في مؤتمر صحفي، وهناك وزير إيطالي قال: " أنا شاذ " ، وسفير أمريكا في بوخارست لما تسلم أوراق اعتماده من الخارجية الأمريكية أُقيم له حفل في الخارجية، فكان حاضراً مع شريكه الشاذ، عوضاً عن زوجته، والآن يعطون في أمريكا ميزات الزوجة للشريك الجنسي، وفي كندا مَن كان له شريك جنسي كندي يستحق الجنسية الكندية، شيء مخيف، نحن في نعمة كبيرة جداً في بلادنا.

حدثني أخ من أستراليا، هو رئيس الجالية، في أثناء وداعي في المطار والله بكى، قال لي: بلغ إخواننا في الشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا، قلت: لمَ ؟ قال لي: احتمال أن ترى ابنك يضع حلقة في أذنه اليمنى بالـ %50 ، معناها أنه شاذ، أو أن تكون في اليسرى، بمعنى آخر، فهناك شاذ إيجابي، وشاذ سلبي، أو في الأذنين معاً أسوأ وأسوأ 50%، بل إن أستراليا تعد ملجأ لكل الشواذ في العالم، وفي بلاد في أوربا الشواذ أشخاص محترمون ومديرو شركات، رؤساء بنوك، قضاة لهم شريك جنسي، وفي دول عديدة الآن يُعقَد عقد زواج مثلي، وهناك بعض البلاد والآن بدأت تكثر هذه البلاد أصبح الزواج المثلي مشروعاً، أرأيتم إلى هذا المجتمع البشري ؟! .

لكن المفاجأة التي يصعب أن تُصدَّق أن الرئيس الأمريكي كلنتون قبل نهاية ولايته ألقى قنبلة علمية، حيث أعلن الخارطة الجينية، فقال -سبحانك يا رب! الحق أبلج- قال: ليس هناك من علاقة بين الجينات والسلوك، لا لأسباب دينية، ولا إسلامية، ولا غير إسلامية، قضية علم، لا علاقة أبداً بين الجينات والسلوك، هذا انحراف وشذوذ، لكن يبدو أن الإنسان إذا نشأ عليه يتأصّل فيه، ويقول لك: لا أستطيع تركه، لأنه ألِفه، أما أن يكون في تركيب أصل الإنسان شذوذ فهذا مستحيل، وألف ألف ألف مستحيل، إله عظيم، رحيم، عادل، يخلقك شاذّاً ويحاسبك ؟ مستحيل.

2 – مرض الإيدز خرج من رحم هؤلاء الشاذين :

هؤلاء القوم قوم لوط، لكن ببلاد الغرب لهم تجمعات، ونوادٍ، ومنتجعات خاصة بهم، هم لهم شعار خاص بهم، ويطالبون بحقوقهم، وقد أخذوها، ما معنى ذلك؟ كما قال عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث من دلائل نبوة النبي، قال : 

(( لم تظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعْلِنوا بها ، إلَّا فشا فيهم الطَّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تكُنْ مضَتْ في أسلافِهم الَّذين مَضَوا قبلَهم، ولا انتقَصوا المكيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذُوا بالسِّنينَ وشِدَّةِ المؤنةِ وجورِ السُّلطانِ عليهم، ولم يَمْنعوا زكاةَ أموالِهم إلَّا مُنِعُوا القَطْرَ من السَّماءِ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَروا، ولم يَنْقضوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلَّا سلَّطَ اللهُ عليهم عدُوًّا من غيرِهم، فأخَذَ بعضَ ما في أيديهم، وما لم يَحْكمْ أئمَّتُهم بما أنزَلَ اللهُ وتَخيَّروا فيما أنزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ، إلَّا جعَلَ اللهُ بأْسَهم بينهم. ))

[ أخرجه ابن ماجه عن عبد الرحمن بن عمر ]  

حتى يفتخروا: (إلَّا فشا فيهم الطَّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تكُنْ مضَتْ في أسلافِهم)

بالمناسبة مرض الإيدز من أسبابه الأولى الشذوذ ( لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ) والآن المصابون بمرض الإيدز يقتربون من مئة مليون في العالم، وكل ثلاث ثوانٍ يموت شخص واحد به، وحتى الآن ما من علاج له، ولا مصل مضاد، والأغرب من ذلك لو دفعنا ملايين مملينة، بل مليارات ممليرة للبحث عن مصل مضاد فإنه يكفي أن هذا الفيروس يغيِّر شكله، فإذا غيّر شكله ذهبت كل هذه الأموال أدراج الرياح، لا أمل، والأغرب من ذلك أن هذا الفيروس له دور حضانة ستة أشهر، فإذا فحص الإنسان دمه، ومعه مرض الإيدز، لكن أقلّ من ستة أشهر لا يظهر في الفحص، احتمال أن يكون الدم ملوثاً بهذا الفيروس، والفحص سليم ليس إيجابيًا، هذا بلاء من الله، لذلك قال تعالى :

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) ﴾

[  سورة الروم  ]

هذه الأمراض التي انتشرت في العالم: ﴿لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ زلزال تسونامي، لمّا جاء في جنوب شرق آسيا، هذه السواحل من أجمل السواحل في العالم، وفي الشتاء في أيام البرد والثلج في النصف الكرة الشمالي جو لطيف دافئ حار، مياه ساخنة، مناظر جميلة، غابات، 400 ألف طفل معدّ للدعارة هناك، ولهم صور موزعة في كل أنحاء أوربا، يختار السائح الطفل قبل أن يأتي برقم معين، أين أنتم ؟ العالم وصل إلى فساد يفوق حد الخيال.

رئيس دولة كبرى في شرق آسيا يفتخر في خطابه أنه ما عنده أي فتاة عذراء، سياحة الجنس، نحن نعيش في نعمة كبيرة، وعندنا فساد أيضاً، لكن نحن نعيش ببقية مروءة، ببقية طهارة، ببقية أدب، ببقية حياء، ببقية استقامة، بأُسَر منضبطة .

على كلٍ هذه المعصية الكبرى بدأها قوم لوط، الرد العلمي أن الخارطة الجينية تؤكد أنه لا علاقة بين الجينات وبين السلوك، هذه أنا سميتها قنبلة ألقاها كلنتون قبل انتهاء ولايته، حيث قال: لا علاقة للجينات بالسلوك أبداً.

الزواج هو الطريق الطبيعي لتلبية الشهوة :

هذا شرع الله عز وجل، أينهانا الله عن معصية هو ركبها فينا!؟ الله ركب فيك الشهوة، هذا صحيح، لكن الشهوة حيادية، هذا شيء دقيق جداً، الله ركّب فيك شهوة الأنثى، تصور أسرة الآن بشاب نظيف، طاهر، عفيف، ما عرف امرأة قبل الزواج، تزوج زوجة طاهرة، وفية، عفيفة، أنجبت له أولاداً كالأقمار، امتلأ البيت سعادة، تربى الأولاد، فهذا طبيب، هذا مهندس، الوالد محترم، الوالدة محترمة، جاءه أصهار، الزواج كله خير، والله الزواج قطعة من الجنة، هذا منهج الله عز وجل، والشهوة بنزين، عندما وُضع في المستودع المحكم، وسال في الأنبوب المُحكم، وانفجر في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب، ولّد حركة نافعة .

إذا أخذت أهلك في نزهة بسيارتك، ما الذي يحدث في السيارة ؟ انفجارات، لكن سائل بمكان محكم، بأنبوب محكم، الانفجار بوقت معين، بزمن معين، فصار حركة .

ائتِ بصفيحة البنزين، وصبّها على المركبة، وأعطِها كبريت، تحرق المركبة ومن فيها، البنزين هو هو، والشهوة هي هي، إما أن تجد أسرة زوجة وفية، صادقة، تحبها وتحبك، تحصنها وتحصنك، ترعاها وترعاك، وأنجبت لك أطفالاً كالورود في البيت، هذا هو الزواج .

مرة صديقي حدثني، قال لي: طُرق بابي الساعة الرابعة صبحاً، فتحت فلم أجد أحدًا، لمّا نظرت إلى الأسفل فإذا بكيس يتحرك، جنين ولد لتوه، وضعوه أمام بيتي، وقرعوا الجرس وهربوا، أنا فكرت، إنسان يتزوج، يقرؤون الفاتحة، هذه ليست عقد طبعاً، بعدها كتابة الكتاب، هذا عقد، بعدها عرس، بعدها يأتي الخبر السار الذي ينتشر في الآفاق، المرأة حامل، الحمد لله، الآن نستعد لهذا المولود، السرير الخاص، والألبسة الخاصة، والعطورات الخاصة، يُستعَد لهذا الضيف الجديد أشهراً مديدة، يولد هذا الجنين، الاتصالات، المباركات، جاءنا صبي أو بنت، والبنت مقدسة، تجد الحفل، والتبريكات، والهدايا، والورود، هذا الزواج المشروع، أما إذا كان من زنا، فإن الطفل يوضع في كيس أمام الباب، ويطرق الباب ويهرب أهل الطفل.

والله في الشام حادثة، صلى أحدُهم الصبح، وجاء إلى البيت، وجد خربشة في الحاوية، صوت، الفضول دفعه إلى أن ينظر، هو ظن هناك هرة تنقّب في الحاوية، لا ليست هرة، هناك كيس يتحرك، فتحه فإذا طفل مولود لتوه، أخذه إلى الحاضنة فوراً، القصة إلى هنا، وضعه عند الحاضنة، وكبر ورباه، أنا أكملتها بخيالي، وضعه في الحاضنة حتى تجاوز الخطر، رباه، جاء له بمربية، وأرضعه الحليب بقوارير، وكبر، أدخله إلى الروضة، ثم الابتدائي، ثم الإعدادي، ثم الثانوي، أدخله جامعة، أدخله الطب، أخذ دكتوراه في الطب، بعثه إلى أمريكا فحصّل على بورد، زوجه ابنته، هيّأ له بيتاً، هيّأ له سيارة، وعيادة، أين كان؟ في الحاوية، هذا المُتبنَّى يسير بسيارته الفارهة، لقي عمه سيد نعمته، قال له: الله يرضى عليك أوصلني إلى البيت، تردد ثانية واحدة، يكون في هذه الثانية بحق هذا الإنسان مجرماً، فقط لأنه تردد .

منحك نعمة الإيجاد، نعمة الإمداد، نعمة الهدى والرشاد، الآن نقول لك: تعال واحضر الدرس فقط، لا أن تقتل نفسك، الآن الطلبات خفيفة جداً، فقط اسمع الدرس، غض بصرك، اضبط لسانك، حرر دخلك، ارحم من حولك، فقط، الذي تردد في بذل حياته هبط مقامه في الجنة . 

(( فرأيتُ في سريرِ عبدِ اللهِ بنِ رواحةَ ازورارًا عن سريريْ صاحبيْهِ ))

[  فقه السيرة النبوية وفيه ضعف  ]

3 – وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةََ

لذلك أيها الإخوة، قال تعالى: 

﴿وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾ سبحان الله! قد يسأل سائل، لماذا الشذوذ؟ سؤال محرج، أهو أمتع من المرأة؟ لا أبداً، لكن الإنسان إن لم يكن له هدف في الحياة فإنه يملّ الشيء الطبيعي، هذا تفسيري لما يجري في الغرب، الشيء الطبيعي مُمَل، يبحث عن شيء جديد، لأنه لا هدف له، كل شيء يُمَل، فجعلوا مكان الزواج الزنا، وبعد الزنا الشذوذ، وبعد الشذوذ مع البهائم أحياناً، وهناك انحرافات لا يعلمها إلا الله، سببها أنه إنسان بلا هدف، وأية شهوة يستوعبها، ثم يمل منها، أما المؤمن هدفه الله عز وجل، وهذه الشهوة يأخذ منها بالمساحة المتاحة فقط، فيسعد بأهله، وتسعد زوجته به .

4 – مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ 

 إذاً: ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾

﴿  إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ(81) ﴾  

[  سورة الأعراف  ]

مرة ثانية، الإنسان إذا لم يكن له هدف في الحياة .

أذكر قصة مشهورة، أن بين أوربا وآسيا مدينة على الطرف الأول آسيا، والطرف الثاني أوربا، أنشئ جسرٌ، وهو ثاني أطول جسر في العالم، يعبره 300 ألف سيارة يومياً، فالذي صمم هذا الجسر المعلَّق بين قارتين، وهو ثاني أطول جسر، الأطول في سان فرانسيسكو الأطول، هذا في اسطنبول، المهندس الذي صمم هذا الجسر ألقى بنفسه في البوسفور، شيء عجيب، خامس مهندس في العالم، دخل فلكي، شاب وسيم الصورة، ذهبوا إلى غرفته في الفندق، كتب ورقة فيها: "ذقت كل شيء في الحياة، فلم أجد له طعماً، فأردت أن أذوق طعم الموت" فالحياة من دون هدف مملة، فيها سأم.

والله سافرت إلى بلاد كثيرة، تجد الناس قد ملّوا، وكل شيء مؤمَّن، ما عندهم مشكلة، واستراليا قارة بأكملها 18 مليوناً، قارة بأكملها فيها رفاه يفوق حد الخيال، وفيها ملل، وسأم، كل شيء مؤمَّن، لكن ليس لهم هدف، وقد تجد شخصًا في بلاد إسلامية يعاني ما يعاني، يعاني مليون مشكلة، له هدف، يقنع إنساناً في الدين فيفرح، يعمل عملاً صالحاً فيفرح، حياته متجددة . 

﴿وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾


بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ


هناك عاصٍ، وهناك مسرف، ويبدو أن الإسراف معصية كبيرة جداً.

﴿  وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ(82) ﴾  

[  سورة الأعراف  ]


فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ


طبعاً المؤمن طاهر، المؤمن نظيف، علاقاته نظيفة، سره كجهره، ظاهره كباطنه، خلوته كجلوته، واضح .

﴿  فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ(83)  ﴾

[  سورة الأعراف  ]

سيدنا لوط امرأته تعاطفت مع قومها، لذلك حينما يتعاطف الإنسان مع عاصٍ، ويتغافل عن معصيته، بل يثني عليه فكأنه وقع في المعصية نفسها، فمن غاب عن معصية فأقرها كان كمن شهدها، ومن شهد معصية فأنكرها كان كمن غاب عنها .

(( إذا عُمِلتِ الخطيئةُ في الأرضِ ؛ كان من شهِدَها فكرِهَها كمن غاب عنها ، و من غاب عنها فرضيَها كان كمن شهِدَها ))

[ أخرجه أبو داوود عن العرس بن عميرة الكندي ]

تُصدق أنك لو سمعت قصة بكندا أن فلاناً تمكن أن يسرق بنكاً، وجمع أموالاً طائلة، وما استطاعت الحكومة أن تكتشفه، وعاش حياة بحبوحة كبيرة، قلت: والله دبّر أمره، فأنت شريكه في هذه الجريمة.

فمن غاب عن معصية فأقرها كان كمن شهدها، ومن شهد منكراً فأنكره كان كمن غاب عنه.

هذه المرأة ما لها مصلحة أن يكون زوجها منحرفاً، ليس في صالحها إطلاقاً، ومع ذلك لأن امرأته تعاطفت مع قومها: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾


وقفة متأنية عند الآية : وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ 


هناك سؤال يتوارد كثيراً، ما معنى قوله تعالى :

﴿ الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) ﴾

[ سورة النور ]

أو بالعكس: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً﴾ ما من امرأة لم تزنِ وزوجها زانٍ؟ يوجد، ما معنى الآية؟ لما يبلغونها أنه كان زير نساء، ما من مشكلة، تريد أن تتزوجه، حينما تساهلت في هذه الجريمة التي ارتكبها وقبِلته زانياً، فهي في حُكم الزانية.

أنت مثلاً تعرف رجلاً أمواله كلها حرام، وشاركته، أمواله كلها حرام؟ ليس ثمة مشكلة، فأنت مثله، الحلال ما له قيمة عندك، ما دام أنك قبِلت أن تشارك سارقًا، فالسرقة لا قيمة لها عندك إطلاقاً، أنت وإن لم تسرق في حكم السارق، الفكرة واضحة ؟

إذاً : ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾

﴿  وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ(84)  ﴾

[  سورة الأعراف  ]


وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ


قصص الأقوام السابقة هدفها أن نتعظ بها، وما من قوم إلا أهلكهم الله عز وجل بذنوبهم .

﴿  وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ(117)  ﴾

[  سورة هود  ]


هلاك الأمم له أسباب :


هلاك الأمم له أسباب، وأسبابه كثيرة، من أسبابه :

﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) ﴾

[  سورة المائدة ]

من أسبابه : 

((  كانوا إذا سَرقَ فيهم الشَّريفُ تَرَكُوه ، وإذا سَرَقَ فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ  ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة أم المؤمنين  ]

له أسباب كثيرة، فوضى الجنس أحد أسباب هلاك الأمم، فوضى المال أحد أسباب هلاك الأمم، عدم التناصح أحد أسباب هلاك الأمم.

فيا أيها الإخوة الكرام، هذه القصص ليست للمتعة، لكن للموعظة، لأن ما من قوم انحرفوا عن منهج الله عز وجل، وأصروا على هذا الانحراف إلا أهلكهم الله عز وجل، والأمة الإسلامية لأن أمر الله هان عليها هانت على الله .


خاتمة :


القصة بشكل مختصر : 

﴿وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ يعني أصابتها غبار هذه المعصية أنها رضيت بها ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ 

والحمد لله رب العالمين 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.


الملف مدقق 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور