2 – عبادةُ الظرف :

هناك عبادة الظرف، عندك قريب مريض، العبادة الأولى العناية بالمريض، عندك ضيف، العبادة الأولى إكرام الضيف، عندك ابن في أسبوع الامتحان، العبادة الأولى رعاية هذا الابن، وتهيئة الجو المناسب له . 

3 – عبادةُ الوقت :

هناك عبادة الوقت، وقت الفجر وقت ذكر، وصلاة، وعبادة، وتلاوة، وقت النهار وقت عمل، وقت العيد وقت سرور وبهجة، يعني كل وقت له عبادة، وكل ظرف له عبادة، وكل شخص له عبادة. 

4 – عبادةُ العصر :

وهناك عبادة العصر، إذا أراد أعداء المسلمين إفقارنا فكسب المال الحلال، واستخراج الثروات، وإنشاء السدود، وتطوير الصناعات، والبحث عن دخل كبير تُحَلّ به مشكلات المسلمين هي العبادة الأولى .

إن أرادوا إضلالنا فترسيخ معالم الدين، وتوضيح قيم الدين، والرد على المفترين، وتوضيح بعض الشبهات هي العبادة الأولى .

إن أرادوا إفسادنا فرعاية الشباب والشابات، وتهيئة مناشط إسلامية لهم، وصيانة أخلاقهم هي العبادة الأولى .

إن أرادوا إذلالنا، فبذل الغالي والرخيص، والنفس والنفيس أول عبادة، هذه عبادة العصر .

فالعبادة أوسع مفهوم في الدين، يدور معك حيثما دُرتَ، أينما سافرت، وفي أي سن كنت، في سن الشباب، في سن الكهولة، في سن الشيخوخة، متزوجاً كنت أو غير متزوج، عاملاً كنت أو غير عامل، موظفاً كنت، أو طبيباً، أو مهندساً، فما من إنسان إلا وهناك مئات الأحكام الشرعية التي ينبغي أن يفعلها حتى يعبد الله عز وجل. إذاً : 

لماذا نعبد الله ؟

﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ﴾   لماذا نعبد الله ؟ لأنه الخالق .

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) ﴾ 

[  سورة البقرة  ] 

مَن الجهة التي تستحق أن تعبدها؟ الجهة الصانعة، إنها خبيرة في صنعتها.

﴿ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ  (14)﴾ 

[  سورة فاطر ] 

الله وحده يعلم وسائل سلامتك وسعادتك، قال تعالى : 

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) ﴾ 

[  سورة الرعد  ] 

هذا قانون .

قال تعالى :

﴿مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا  ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (46) ﴾ 

[ سورة فصلت  ] 

وفي آيات كثيرة قال عزوجل :

﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ  (123)﴾ 

[  سورة طه  ] 

﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ  (38) ﴾ 

[  سورة البقرة  ] 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً  ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾ 

[  سورة النحل ] 

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) ﴾ 

[  سورة طه  ] 

فلذلك الله عز وجل بيّن كل شيء، فعبادته هي علة وجودنا، وغاية وجودنا، العبادة هي أن تعرفه فتطيعه، فتسعد بقربه في الدنيا والآخرة، فهو تعالى خلقك ليسعدك .

﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ  ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119) ﴾ 

[  سورة هود ] 

لابد أن تعبد الله وحدَه ، و لا تعبد معه غيرَه :

﴿اعْبُدُواْ اللّهَ﴾  وحده، لذلك هناك من يعبد إنساناً، ولئلا تعجبوا فهو لا يقول: هو إله، يقول: فلان، لكن يعامله كإله، يعصي الله ويطيعه، يترك فرضاً دينياً إرضاءً له، أو تملقاً له .

فالعبادة لها شكل، أن تقول: بوذا إله، هذه عبادة ظاهرها شرك أكبر، لكن أن ترضي إنساناً، وتغضب خالق الأكوان فهذه عبادة من نوع ثانٍ، هذه عبادة ضمنية، فأنت حينما تطيع مخلوقاً وتعصي خالقك تكون بهذا قد عبدته من دون الله .

واللهُ عز وجل أكد هذا المعنى فقال :

﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ  وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) ﴾ 

[  سورة الجاثية  ] 

هناك من يعبد المرأة من دون الله، هناك من يعبد الدرهم والدينار من دون الله، هناك من يعبد الطعام والشراب من دون الله، هناك من يعبد السياحة من دون الله، فالشهوات آلهة في الأرض تُعبَد من دون الله. 

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ

﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾ 

1 – معنى 

(مِن)   تفيد استغراق أفراد النوع، للتوضيح: لو قلت لأحدِهم: أَمَعك مال أشترك معك في مشروع يحتاج إلى مليونين؟ فإذا قال: ما عندي مال، فالمعروف أنه ما عنده المليون الذي طلبته لهذا المشروع، ما عنده المال الكافي، أما إذا قلت له: ما عندي من مال، أي ما عندي ولا ليرة، فـ (من)  تفيد استغراق أفراد النوع .

إذا دخلت إلى صف، وقلت: لكم عندي هدية، فإنك تشمل بقولك هذا الحاضرين فقط، أمّا إذا قلت: ما من طالب في هذا الصف إلا وله عندي هدية، فإن الغائبين يشملهم كلامُك، فـ (من) تفيد استغراق النوع .

2 – مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ

﴿اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾  

الإله المسيِّر، وما في جهة في الأرض مهما بدت لك قوية يمكن أن تفعل شيئاً .

﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ  ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ﴾ 

[  سورة الأنفال  ] 

الله وحده هو الفعال.

﴿ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (16) ﴾ 

[ سورة البروج ] 

الله : 

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) ﴾ 

[  سورة الزمر  ] 

3 – التوحيد ينجي صاحبَه :

ولا يعد الإيمان إيماناً منجياً إلا بالتوحيد، وهو ألاّ ترى مع الله أحداً، ألاّ ترى فاعلاً إلا الله، ألّا ترى معطياً إلا الله، ألاّ ترى مانعاً إلا الله، ألاّ ترى مُعِزًّا إلا الله، ألاّ ترى مذلاً إلا الله، ألاّ ترى خافضاً إلا الله، ألاّ ترى ضاراً إلا الله، ألاّ ترى نافعاً إلا الله، هذا هو التوحيد، ألاّ ترى مع الله أحداً، أن تعلم أن يد الله تعمل وحدها، ولا أحد معه إطلاقاً .

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ  ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) ﴾ 

[  سورة الزخرف  ] 

﴿اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾  

مرة ذكرت أنّ طائرة دخلت في سحابة مكهربة، وهي على وشك السقوط، وفيها خبراء من دولة، شعار هذه الدولة (لا إله) وقد تداعت من الداخل، هؤلاء الملحدون دون أن يشعروا توجهوا إلى الله يلجؤون إليه، الإيمان شيء فطري في كيان الإنسان، لكن وهو في غنى وقوة يستغني عن الله.

﴿  كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى(6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى(7)﴾ 

[  سورة العلق  ] 

﴿اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾  ليس في الكون إلا الله، لا فعال إلا الله، لا رزاق إلا الله، لا معطي إلا الله، لا مانع إلا الله، لا معز إلا الله، لا مذل إلا الله، لا موفق إلا الله، كل شيء حينما تعلم أنه بيد الله تتجه إلى الله وحده، ولا تتجه إلى سواه . 

4 – الشركُ لا يغفره الله :

لذلك :

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ  وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا (48)﴾ 

[  سورة النساء  ] 

لماذا؟ لو أن لك في حمص مبلغاً ضخماً جداً يُقدَّرُ بخمسة ملايين ليرة، وركبت قطار حمص، وقطعت بطاقة من الدرجة الأولى، لكنك ركبت في عربة من الدرجة الثالثة، أليس هذا خطأ كبير؟ لكن القطار متحرك نحو حمص، وسوف تصل إليها، سواء ركبتَ في الدرجة الأولى أو الثالثة، لكن الخطأ أنك دفعت مبلغاً كبيراً، والعربة متواضعة جداً، وجلست بعكس سيرِ القطار، فأُصبتَ بالدوار، هذا خطأ ثانٍ، وجلست أمام شباب غير منضبطين فأزعجوك كثيراً، هذا خطأ ثالث، لكن القطار في طريقه إلى حمص، والمبلغ سوف تأخذه، ثم تلوّى بطنُك من الجوع، ولا تعلم أن هناك عربة فيها مطعماً، فأمضيت ساعتين أو ثلاثاً وأنت جائع جوعاً شديداً، هذا خطأ رابع، لكن القطار في طريقه إلى حمص، والمبلغ سوف تأخذه، يمكن أن ترتكب أخطاء كثيرة تُغتَفر، أما لو أخطأت فركبت قطار مدينة درعا، واتجهت نحو الجنوب، لا يوجد شيء هناك، ولو كانت درجة القطار فخمة جداً ومريحة ومكيفة، وفيها نوافذ رائعة، وفيها خدمة عالية، لكن سفرك لا تجني منه خمسة ملايين ليرة، لأنك اتجهت إلى لا شيء .

الآن اتجهْ إلى الله، هناك أخطاء يغفرها الله لك، هناك تقصير يسامحك الله عنه، هناك زلة يقيلك الله من هذه العثرة، هناك تقصير في العبادة يسامحك الله عنها، هناك عدوان فتستسمح منه فيعفو عنك، لكن لو أنك كفرت بالله -لا سمح الله - وتوجهت إلى إنسان ما عنده شيء، ليس الموضوع أن الله عاقبك، وأنه لم يغفر لك، لا، هذا يسمونه تحصيل حاصل، لكنك توجهت إلى لا شيء .

أحدُهم كان يعاني آلاماً شديدة جداً، فتوجه إلى أرقى مستشفى فيها عناية الأطباء، ومخابر تحليل، وتصوير، وحالات تخدير، وعناية مشددة، وتحليل دقيق، أما وأنت في حالة مرضية شديدة توجهت إلى مستودع خشب، لا فيه طبيب، ولا مستشفى، ولا غرفة عمليات، ولا مسكِّنات ولا حِقن، ولا يوجد فيه شيء على الإطلاق، لذلك: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾ لا لأنه يعاقبك، أنت حينما اتجهت إلى غيره فغيرهُ ما عنده شيء، هو مفلس مثلك، فلو أن فقيراً يتلوّى من الجوع توجه إلى أفقر منه لقال له: ما عندي شيء أعطيك إياه، فخاب ظنه فيه. فلذلك: 

﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾ هو المسير، بيده الأمر، دقق: بيده الخلق والأمر، كل شيء خلقه أمره بيده: 

﴿ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) ﴾ 

[ سورة الأنعام ] 

5 – أَفَلاَ تَتَّقُونَ

﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾   ألا تتقون سخطه، ألا تتقون ناره، ألا تتقون المعيشة الضنك التي توعّد الله بها المعرضين؟ أفلا تتقون ناره التي توعد بها الكفار والمجرمين؟ ﴿أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾   أيها الإخوة ، 

﴿  قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ  إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ(66) ﴾ 

[ سورة الأعراف ] 

قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ

1 – قَالَ الْمَلأُ

الملأ شخصيات كبيرة، الوجهاء، علية القوم، بكل مجتمع فيه أكابر، وقد يكون هؤلاء الأكابر:

﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا  لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) ﴾ 

[ سورة الأنعام  ] 

شخصيات مهمة، مرموقة جداً، قوية، غنية، حولها جماعات كثيرة . 

2 – الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ

﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾  هذه إشارة إلى أن هناك ملأ مؤمنين، الله عز وجل أعطى المُلك لمن لا يحب، وأعطاه لمن يحب، إذاً: لا علاقة له بالتقييم، أعطى الملك لفرعون وهو لا يحبه، أعطاه لنبي كريم سيدنا سليمان وهو يحبه، أعطى المال لقارون وهو لا يحبه، أعطى المال لسيدنا عثمان بن عفان وهو يحبه، فما دام الشيء الواحد يُعطَى لمن يحب ولمن لا يحب، إذاً ليس مقياساً للتقييم إطلاقاً . 

3 – إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ من الْكَاذِبِينَ

﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾  السفاهة هي الأعمال العابثة، تقول: فلان سفيه.

بالمناسبة، المؤمن قد يُتَّهم بأنه أبله، لكنه أبله عند مَن؟ عند البُله، لمّا يمتنع المؤمن عن دخل كبير فيه شبهة يتهمه المنحرفون بالجنون، لكنه عند العقلاء عاقل جداً، وعند البلهاء أبله، فلا تعبأ إذا كنت عند البلهاء أبلهَ، لا تعبأ بهذا الكلام، وقالوا عن النبي: إنه مجنون، والمجنون من عصى الله، والله عز وجل أخرسهم، فقال له :

﴿  مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ(2) ﴾ 

[  سورة القلم  ] 

أنت العاقل، لذلك قد يضحك الإنسان أولاً، والذي يضحك أولاً يبكي كثيراً آخراً، لكن البطولة أن تضحك آخراً .

﴿  فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ(34) ﴾ 

[  سورة المطففين  ] 

مثلاً: هناك شريكان، أحد الشريكين تمنى أن يستخدم بضاعة مُحرَّمة أو ممنوعة في القوانين، كالتهريب، لكنّ الشريك الآخر رفض، فُحلَّت الشركة، الذي أراد أن يعمل ببضاعة غير نظامية جاءته ملايين مملينة، فاتهم هذا الشريك بالغباء والحمق، ثم أُلقي القبض على الشريك الأول، وأُخِذت كل أمواله، وأُودِع في السجن، من هو الفهيم؟ ومن هو الأذكى والأعقل والأنجح؟ فأنت مع الله في تفوق حقيقي، والآية الكريمة :

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ  ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) ﴾ 

[  سورة آل عمران  ] 

يقول لك أحدُهم: أرضي الدنم فيها بخمسة آلاف ليرة، فصار ثمن الدنم خمسة ملايين، يكاد يذوب، أخذها بخمسة آلاف، الآن الدنم ثمنه خمسة ملايين، يكاد يذوب، ليس هذا هو الفوز، الفوز: ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ 

الدنيا تغر، وتضر، وتمر  ﴿وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ 

﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ من الْكَاذِبِينَ﴾ 

﴿  قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(67) ﴾ 

[  سورة الأعراف  ] 

قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ 

أنا لست سفيهاً، لكنني رسول، أنا معي وحي، معي منهج، معي منهج خالق الأكوان ﴿لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾ 

﴿  أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ(68) ﴾ 

[  سورة الأعراف  ] 

أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ:

أنصحكم، وأنا أمين على مستقبلكم الأخروي.

﴿  أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(69) ﴾ 

[  سورة الأعراف  ] 

أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُم 

النبيُّ بشرٌ كباقي البشر :

أي من غير المعقول أن يرسل خالق السماوات والأرض لهؤلاء البشر الشاردين التائهين رسولاً يبين لهم، يشرح لهم، يهديهم، يدلهم إلى طريق السعادة والسلامة .

هل يعظم على أب إن رأى ابنه شارداً أن ينصحه؟ هل يعظم على أب يمتلئ قلبه رحمة إن رأى ابنه على مشارف السقوط في دراسته أن يعظه؟ 

﴿أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ﴾   من بني جلدتكم، تعرفونه، تعرفون ماضيه، تعرفون أمانته وصدقه، وعفافه ونسبه، يتكلم بلغتكم، وهو بشر، يشعر بما تشعرون، ويتألم لما تألمون، ﴿أَوَ عَجِبْتُمْ﴾  لذلك ؟ 

من معاني الذِّكر :

المعنى الأول :

﴿أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ﴾ القرآن هو الذكر .

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ﴾ 

[ سورة الحجر ] 

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚفَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ  إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)﴾ 

[ سورة النحل ] 

أهل القرآن .

المعنى الثاني :