- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (007)سورة الأعراف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث والعشرين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الخامسة والخمسين، وهي قوله تعالى :
﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ(56) ﴾
الدعاء :
1 – الدعاءُ عبادة :
2 – لماذا كان الدعاء عبادة ؟
أيها الإخوة، لماذا الدعاء عبادة؟ لأن الإنسان بفطرته لا يدعو جهةً لا يؤمن بوجودها، لا أحد يدخل إلى بيت فارغ ويخاطب جهة ليست موجودة، يُتَّهم بعقله، أنت لا تدعو جهة لا تؤمن بوجودها، وأنت لا تدعو جهة لا تسمعك، وأنت لا تدعو جهة ليست قادرة على تحقيق ما تطلب منها، وأنت لا تدعو جهة تسمعك وقادرة، ولكنها لا تريد أن ترحمك، لا تدعوها، أعداء، لمجرد أن تدعو الله عز وجل حُكماً أنت مؤمن بوجوده، ومؤمن بأنه يسمعك، ومؤمن أنه قادر على أنْ يلبّيك، ومؤمن بأنه يحب أنْ يلبّيك، خلقك ليرحمك.
لذلك يقول الله عز وجل :
﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ
يعني علامة المؤمن أنه يدعو الله عز وجل .
3 – ضعفُ الإنسانِ يضطره إلى الدعاء :
لكن هناك تمهيد لا بد منه، أراد الله عز وجل لحكمة بالغة بالغةٍ بالغة أن يكون الإنسان ضعيفاً.
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا
هذا ضعف في أصل خلقه، والإنسان كما قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً(19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً(20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً(21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22) ﴾
لماذا خلقه الله هلوعاً، جَزوعاً، مَنوعاً، ضعيفاً؟ لأنه لو خلقه قوياً لاستغنى بقوته عن الله عز وجل، فشقي باستغنائه، خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره، يعني خلقنا ضعفاء، وساق لنا بعض المصائب كي نتعرف إليه، ونتصل به، ونسعد بقربه، ونذوق طعم القرب منه .
4 – علة الدعاء الاتصالُ بالله :
هذه النقطة دقيقة جداً، علّة الدعاء أن تتصل به، هناك نُخبة من البشر يتصلون بالله عز وجل من دون مشكلة، من دون مصيبة، من دون ابتلاء، هؤلاء الأنبياء والمرسلون، وكبار العلماء، الصديقون، الصحابة الكرام، لكن عامة المؤمنين يحتاجون إلى بواعث، إلى دوافع، إلى محفزات، أحياناً يضعف الإنسان أمام مشكلة، ليس له إلا الله، يدعو الله عز وجل فيستجيب له، فتزداد عقيدته بالله، يدعو الله فيستجيب له، ويذوق طعم القرب منه، فيلزم هذا الباب، كم مِن مشكلة سبّبت قرباً من الله، كم من مشكلة سبّبت عودة إليه؟ كم من مشكلة سبّبت قرباً منه، كم من مشكلة سبّبت أن الإنسان بعد أن يعرف الله يزهد فيما سواه .
هناك قصة رمزية يرويها بعض العلماء: أن شاباً أحب فتاةً وخطبها، اشترط عليه والدها وهو له عمل في الدعوة أن يلزم دروسه، فلما لزم دروسه ذاق طعم القرب، وشعر بسعادة الإيمان.
أحياناً تأتي مشكلة خلاصك فيها، ساق الله لك مشكلة، وأنت ضعيف، أنت في الأساس ضعيف﴿وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾
حينما تصيب الإنسان مشكلة، ويرى الأبواب كلها مُغلّقة، لكن باب السماء مفتوح، يتوجه إلى الله.
لذلك ورد في بعض الأحاديث الصحيحة أنه إذا كان الثلث الأخير من اليل :
(( ينْزِلُ رَبّنَا كُلّ لَيْلَةٍ إِلى السّمَاءِ الدّنْيَا حَتّى يَبْقَى ثُلثُ اللّيْلِ الآخر، فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْألُنِي فأُعْطِيَهُ ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فأَغْفِرَ لَه ؟ حتى ينفجر الفجر ))
القصد من الدعاء الحقيقي أن تتصل بالله، وأن تذوق طعم القرب منه، وأن ترى ألوهيته، الأمر كله بيده .
5 – الدعاء يقوي العقيدة :
أجمل كلمة قرأتها عن الدعاء أنه يقوّي العقيدة، أنت ضعيف، والأمور صعبة جداً، وهناك مشكلة كبيرة جداً لا تُحَل، قمت في الليل، وركعت ركعتين، وتوجهت إلى الله عز وجل، وقلت: يا رب، ليس لي سواك، في اليوم التالي شعرتَ بتبدّل جذري، الذي كان مُصرّاً على منعك تساهل معك، ما الذي حصل؟ تشعر أن الله بيده كل شيء، بيده مَن هم دونك، مَن هم فوقك، بيده الأقوياء، بيده الجبابرة .
يعني سيدنا موسى لمَ لم يقتله فرعون؟ لمَ هابه، وأجرى معه مناظرة ؟ وجاء بالسحرة، الأمر بيد الله عز وجل .
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى(45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى(46) ﴾
﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِقَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61( قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ
أبو بكر قال: يا رسول الله، لقد رأونا -في الغار- قال له :
(( يَا أَبا بَكْرٍ مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا ؟ ))
أنا الذي أراه، وأرجو أن أكون على صواب: أن الهدف من الدعاء أن تتصل بالله، المشكلة التي ساقها الله إليك باعث، سبب، وسيلة، أما الهدف أن تقترب منه، أن تدعوه، إن دعوته أجابك، وإن استغفرته غفر لك، وإن تبت إليه قبِلك، وإن تضاءلت أمامه رفعك.
لذلك أيها الإخوة، الإنسان خُلق ضعيفاً ليفتقر بضعفه، فيسعد بافتقاره، ولو خُلق قوياً لاستغنى بقوته، فشقي في استغنائه، خُلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه، فيسعد بافتقاره، ولم يُخلق قوياً لئلّا يستغني عن الله بقوته، فيشقى باستغنائه ﴿وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾
يعني بربك بالمثل الواضح: أب عنده ابن، وجاء فصل الشتاء، والبرد شديد، وهذا الابن ليس عنده معطف يقيه البرد، هل هناك أب حكيم، عاقل، رحيم، قوي، غني، لا يعطي ابنه هذا المعطف إلا إذا سأله؟ لا، كمال الأب يقتضي أن يعطيه المعطف سأله أم لم يسأله، ولكن حينما يؤخر شراء المعطف يأتي الابن ويسأل أباه هذا المعطف، يقول له: حباً وكرامة يا بني، أنت ابني، أنت غالٍ عليّ، فنشأت علاقة .
6 – عدمُ إجابة الدعاء لحكمة بالغةٍ :
العطاء عطاء، والمنع منع، أدق من ذلك الله عز وجل يتصرف بحكمته، وبرحمته، وبعدله، والدعاء لا يقدم ولا يؤخر، ولكن الدعاء تذوق به طعم القرب، أحياناً هناك خطة إلهية، مهما دعونا لن يُستجاب لنا، لا لأنه لا يحبنا، ولكن تماماً كإنسان مفتوح بطنه بعمل جراحي، والعملية طويلة، تحتاج إلى عشر ساعات، والمرض خطير، والطبيب ماهر ومُحسِن ومتفوق، فجاء أولاد هذا الأب المريض المُلقى على سرير العمليات يرجون الطبيب أن ينهي الأمر، لا بد من أن تأخذ العملية أمدها .
نحن ندعو الله كثيراً، فإن لم يستجب فنحن في عناية مشددة، نحن في عمل جراحي صعب جداً إلى أن تنتهي العملية، فلا تيئسوا، ولا تقطنوا من روح الله، وتفاءلوا، وكان عليه الصلاة والسلام يحب الفأل الحسن .
7 – شأن العبد الافتقار ، وشأنُ الواحدِ القهارِ القوةُ والكرمُ :
لكن الله عز وجل يقول :
﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا﴾
لذلك هذا المتألّه، المستكبر، هذا حُجِب عن الله،
﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُفَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا
أمّا إبليس قال :
﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖقَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ
ما كنت لأسجد له ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾
لذلك أيها الإخوة، الدعاء يُقبَل إذا أظهرت ضعفك أمام الله، وهناك علاقة دقيقة جداً، فكلما أظهرت ضعفك أمام الله، كلما أظهرت افتقارك إليه كلما رفعك، وما من مخلوق فيما أعلم على وجه الأرض أكثر افتقاراً إلى الله من رسول الله، وما من مخلوق رفع الله ذكره، وأعزّه في الدنيا والآخرة كرسول الله، علاقة عكسية، كلما ازددت خضوعاً لله، كلما مرّغت جبهتك في أعتاب الله، كلما قلت: يا رب، أنا عبد ضعيف .
اسمحوا لي أن أقول لكم هذا النص: نور الدين الشهيد الذي واجه المغول، مرة سجد قبل معركة، وقال: يا رب ، مَن هو الكلب نور الدين حتى تنصره؟ انصر دينك يا رب .
كلما ازددت افتقاراً إليه كلما غمرك بالعطاء، كلما رفع ذكرك، كلما أعزّك، كلما ألقى عليك الهيبة، وكلما قلت: أنا وأنا يتخلى عنكَ .
﴿ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ
قارون :
﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي
﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ
جرب قل: أنا، يتخلى الله عنك، قل: الله، يتولاك .
درسان بليغان من سيرة الصحابة : درس حُنين ، ودرسُ بَدْرٍ :
الصحابة الكرام، وهم نخبة الخلق في بدر، وعلى رأسهم النبي عليه الصلاة والسلام افتقروا إلى الله.
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ
مفتقرون ضعفاء، وفي حُنين، أقوى قوة في الجزيرة فُتِحَت مكة، ودانت الجزيرة من أقصاها إلى أقصاها، بعد حنين قالوا في أنفسهم، وهم الصحابة الكرام: لن نُغلَب من قِلّة:
(( لن يهزم اثنا عشر ألفا من قلة ))
قال تعالى :
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25)﴾
يعني درس بليغ، درس حُنين، ودرس بدر، ببدر قالوا: الله ، فتولاهم الله، بحنين قالوا: نحن كثر، فتخلى الله عنهم، جرب بعملك، بزواجك، ادخل إلى البيت قل: بسم الله الرحمن الرحيم، اخرج من البيت قل:
أيها الإخوة، لذلك الدعاء يحتاج إلى خضوع، إلى تضرع، إلى افتقار، أنت حينما تفتقر للواحد الديان يرفعك في أعلى عليين، يمنحك الحكمة، يمنحك الهيبة، يمنحك الوقار، يمنحك القوة، يمنحك العلم، يمنحك النجاح، التفوق، اخضع، تذلل.
وما لي سوى فقري إليك وسيلة فبالافتقار إليك فقري أدفع
وما لي سوى قرعي لبابك حيلة فإذا رددت فأي باب أقرع
لا تعتمد على أحد، اعتمد على الله .
(( لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لكان أبو بكر خليلي ، لكن أخ وصاحب في الله ))
معنى : ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا
لذلك: ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا﴾
سيدنا يوسف نبي عظيم قمة في مجتمعه، قال :
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ
حتى استقامته وعفته ما نسبها إليه ﴿وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ(1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ(2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ(3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ(4) ﴾
وهذه الآية تنسحب على كل المؤمنين، بقدر استقامتك، وطاعتك وإخلاصك يرفع الله لك شأنك، يلقي محبتك في قلوب الخلق، إذا أحبك الله ألقى محبتك في قلوب الخلق، وإذا أبغض الله عبداً ألقى بغضه في قلوب الخلق، لا أحد يحبه، إذا أحب الله عبداً كتب له القبول عند الخلق.
لذلك: ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا﴾
8 – لا ترفع صوتَك بالدعاء :
أيها الإخوة، لكن ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾
حدثني أحد العلماء: كان في حفل بدأ المتكلم بالدعاء، خمس دقائق، عشر دقائق، ربع ساعة، فنام، استيقظ وقال له: أين وصل؟ هذا عدوان، رفع الصوت عدوان، والإطالة عدوان، عدوان في الدعاء.
9 – حقُّك في الدعاء محفوظ :
أيها الإخوة، يجب أن تتأكد أنك إن دعوته، أو لم تدعه لا يفعل معك إلا الأصلح، فإذا كان الأصلح لك أن يستجيب لك استجاب لك، وإذا كان الأصلح لك ألا يستجيب لا يستجيب، لكنك حقك في الدعاء محفوظ .
دقق، إذا كان الأصلح لك وهو الحكيم الخبير، أن يستجيب لك استجاب لك، إذا كان الأصلح لك ألا يستجيب لا يستجيب لك، ولك أجر الدعاء، ويقرّبك لكن مضمون الدعاء لا يتحقق، لذلك الله عز وجل لا يفعل إلا الأصلح لك، دعوته أو لم تدعُه .
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) ﴾
لأن الله علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون
قد يكون طموح الإنسان أن يكون ذا دخل غير محدود، والله عز وجل شاءت حكمته أن يكون ذا دخل محدود، يوم القيامة حينما يكشف الله لك عن الذي ساقه إليك، عن الظروف التي وضعك فيها، لماذا أنت من فلان ومن فلانة؟ لماذا جئت في هذا العصر؟ ولم تكن في عصر الصحابة؟ لمَ كنت من ريف أو من مدينة؟ لمَ كنت وسيماً أو لست وسيماً؟ لمَ كنت حاد الذكاء أو أقلّ من ذلك؟ حينما يكشف الله لك ما ساقه لك في الدنيا يجب أن تذوب كالشمعة شكراً لله على ما ساق لك.
لذلك مشكلة البشر مع خالقهم يوم القيامة في كلمة واحدة :
﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
أيها الإخوة﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا﴾
﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً(3) ﴾
كنت في بلد إسلامي، ودخلت إلى أضخم مسجد في إفريقيا، يعني يقترب من الحرم النبوي، الذي أشاد هذا المسجد استقبلني، وقال لي: كنت في سجن الفرنسيين وقت الاستعمار، ورأيت التعذيب بعيني، أقسم لي بالله، قال لي: لم أحرّك شفتاي، لكنني أضمرت، إذا أنجاني الله من هذا البلاء سأبني له أضخم مسجد ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾
لما جاء الحجاج بالحسن البصري ليقطع رأسه، لمّا دخل، رأى السياف واقفًا واضح وضوح الشمس جاء ليُقتَل، حرك شفتيه، لم يفهم أحد ما قال، فإذا بالحجاج يقف له جاء ليقتله وقف له؟! يقول: أهلاً بأبي سعيد، أنت سيد العلماء، وما زال يقربه من مجلسه حتى أجلسه على سريره، واستفتاه، وأكرمه، وعطّره، وضيّفه، وشيّعه إلى باب القصر، السيّاف صُعق، لماذا جيء بي؟! جيء به لأقتله، الحاجب صُعق، تبعه الحاجب قال: يا أبا سعيد، ماذا قلت لربك؟ قال له: قلت: يا ملاذي عند كربتي، يا مؤنسي في وحشتي، اجعل نقمته علي برداً وسلاماً، كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم .
لا تحتاج إلى صوت مرتفع، ولا إلى فصاحة، ولا إلى سجع، ولا إلى كلمات رنانة .
هناك إخوة كُثُر يقولون: ما الدعاء المرغوب؟ قل:
لذلك أيها الإخوة
10 – حظُّك من الدعاء الاتصالُ لا الإجابةُ :
أيها الإخوة، حظك من الدعاء ـ دقق ـ حظك من الدعاء ليس الإجابة، ولكن الاتصال
معنى : إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
لكن :
﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾
المعنى الأول :
﴿لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾
المعنى الثاني :
ولكنه أيضاً: ﴿لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾
صورٌ مِن العدوان في الدعاء :
1 – إطالةُ الدعاء :
إخواننا الكرام، أحياناً الدعاء فيه عدوان بالإطالة، أو برفع الصوت.
2 – العدوانُ من حيث المضمونُ:
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا
اطلب الهداية، اطلب الإيمان، اطلب عملاً صالحاً، اطلب أن يجعلك الله عالماً، أن يجعلك داعية، اطلب زوجة صالحة، يا رب امرأة جميلة، اطلبها صالحة .
لذلك هناك عدوان في مضمون الدعاء، طبعاً الأنبياء قمم في الكمال، لكن ليعلِّمنا الله من بعض الآيات :
﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ(45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ(46) ﴾
أحياناً يقال: يا رب انتقم منه، الله ينصر دينه بالقوي، من دون أن يشعر، صدقوا أيها الإخوة، ولا أبالغ ما مِن قوي على وجه الأرض طاغية من آدم إلى يوم القيامة، إلا ويوظفه الله لخدمة المؤمنين، لكن خدمة سلبية، وليست إيجابية، لخدمة أهل الإيمان، من دون أن يشعر، ومن دون أن يريد، ومن دون أجر ولا ثواب، هذا له دور، دوره أن يشد الناس إلى الله، شِدته، وغِلظته، وطغيانه، وجبروته يرجئ الناس إلى باب الله .
لذلك مرة سُئل تيمورلنك: مَن أنت ؟ والله أجاب إجابة رائعة، قال: " أنا غضب الرب " ، الإنسان يغضب يكسر، يرفع صوته، يخبط الباب، إذا غضب الواحدُ الديان يرسل طاغية، إن أحسنت لم يقبل، إن أسأت لم يغفر، إن رأى خيراً كتمه، إن رأى شراً أذاعه، وما مِن إنسان يطغى إلا ويسوق الناس إلى باب الله، تجد البلاد الغنية جداً مستغنية عن الله، وهناك بلاد فيها مشكلات كثيرة، تجد المساجد ممتلئة، الحجاب منتشر، الشباب في المساجد، هل تعلم ما السبب؟ هناك شدة شديدة جداً، هذا القوي لو يعلم أنه موظف عند الله لخدمة المؤمنين لا يصدق، وبلا أجر، وبلا ثواب، وبوِزْرٍ وعقاب .
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ
هذا الدليل: ﴿عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾
دقق الآن :
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ(5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ(6) ﴾
اصطلح مع الله فقط، اصطلح مع الله يغيّر الله لك كل شيء .
وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا
الآية التي بعدها :
﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾
فلذلك أيها الإخوة، ما دام هذا بإمكانك إياك أن تفسد في منهج الله، تزوجت زوجة، إياك أن تسمح لها أن تبرز مفاتنها في الطريق، أنت أفسدتها، لمّا سمحت لها أن تخرج هكذا انتبهت إلى مفاتنها، فأصبحت تظهرها لا لك بل لمن لا يستحقها، بل للأجنبي، بل للذئاب، أنت أفسدتها، ربيت أولاداً ربِّهم على طاعة الله، لا على منهج استوردناه من الغرب .
﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ﴾
هنا ﴿خَوْفًا وَطَمَعًا﴾
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12) ﴾
منتقم، ينتقم من العصاة، ادعُ ربك أن تنجو من صفات جبروته، من صفات جلاله، من صفات قدرته، واطمع في صفات غفرانه ورحمته، خوفاً من صفات جلاله، وطمعاً بصفات كماله، خوفاً من جبروته، وطمعاً برحمته.
﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾
إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ
﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾
1 – معنى : قريب :
﴿قَرِيبٌ﴾
﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ﴾
﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ﴾
2 – الإحسانُ عامٌّ : مِّنَ الْمُحْسِنِينَ :
﴿مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾
(( إنَّ اللَّهَ تَعالى كَتَبَ الإِحْسانَ على كُلَ شَيْءٍ ، فإذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ))
تقول رجل صبور، وامرأة صبور، رجل مِعطار يستخدم العطر كثيراً، وامرأة معطار، رجل قتيل، وامرأة قتيل ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ﴾
﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيب﴾
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
الملف مدقق