- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (007)سورة الأعراف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس العشرين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الرابعة والأربعين، وهي قوله تعالى :
﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ(44) ﴾
أسماء الله الحسنى محققة كاملة في الدنيا إلا اسم العدل فمحقق كاملا في الآخرة :
أيها الإخوة، أسماء الله تعالى كلها حُسنى، وكلها مُحقَّقة في الدنيا، اسم الرحيم تراه في خلق الله، كيف ترحم الأم ابنها، والعجماوات كيف ترحم أبناءها، اسم الحكيم، اسم اللطيف، اسم القوي، اسم القدير، اسم الجبار، كل أسماء الله الحسنى محققة في الدنيا إلا اسم العدل، محقق في الدنيا جزئياً، ويُحقَّق تحققاً كاملاً يوم القيامة، الدليل :
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ
﴿ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ
الدنيا دار عمل ، والآخرة دار جزاء :
إذاً: الله عز وجل في الدنيا يعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، ويكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، لكنّ الدنيا ليست دار جزاء، إنما دار عمل، ليست دار تشريف إنما هي دار تكليف .
من الممكن لإنسان يعاني ما يعاني وهو على طاعة الله، ويموت، ويمكن لإنسان يفعل كل الجرائم ويموت دون أن يُصاب بشيء .
إياكم أن تتوهموا أن الدنيا دار جزاء، إنها دار ابتلاء، إنها دار عمل، إنها دار كدح، أما الآخرة فهي دار جزاء، دار تكريم، دار إعطاء العبد الذي أطاع الله كل ما يشتهي .
﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا
فلذلك، النقطة الدقيقة جداً: أنّ اسم العدل ليس مُحققاً كلياً في الدنيا، مُحققٌ تحقيقاً جزئياً، أي أنّ الله يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، ولكنّ الحساب الختامي يوم القيامة :
﴿ كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ
هذه حال المؤمن حين يرى أعداءه في النار :
إن المؤمن حينما يرى أصحاب المال في النار، حينما يرى الطغاة في النار، حينما يرى العصاة في النار، حينما يرى المجرمين في النار، حينما يرى الذين بنوا مجدهم على أنقاض الناس في النار، حينما يرى الذين بنوا غناهم على إفقار الناس، بنوا عزّهم على إذلال الناس، بنوا قوتهم على إضعاف الناس، حينما يراهم في النار تتحقق سعادته التامة، لماذا؟ لأنه كان يعيش وعداً ووعيداً، فأصبح الوعد والوعيد حقيقة، كان يعيش وعداً ووعيداً، فإذا بالوعد يتحقق، وبالوعيد يتحقق .
فالكافر أيضاً حينما يرى المؤمن الذي كان يحتقره، وكان يزدريه، وكان يراه محدوداً، وكان يراه ضيّق الأفق، وكان يراه مُغفلاً، وكان يراه مُتزمّتاً، وكان يراه يعيش في أوهام، إذَا بهذا المؤمن الذي كان يزدريه في الدنيا في الجنة تتضاعف آلامه في النار، كلام دقيق، حينما يرى المؤمنُ الكبراءَ، كبراء المجرمين، الذين ملكوا الأرض، وتصدروا الشاشات، وتبجحوا، وتوعّدوا، واستكبروا، وتغطرسوا، وعاشوا في نعيم لا يوصف حينما يراهم في النار، ويكون وعيد الله لهم قد تحقق، وأصبح واقعاً، عندئذٍ ما الذي يحصل؟ تتضاعف سعادة المؤمن بتحقق وعيد الله، ويتضاعف عذاب الكافر بتحقق وعد الله للمؤمن.
يعني المؤمن إذا رأى الكُبَراء في الدنيا الذين حاربوا الدين، ووقفوا في خندق معادٍ للدين، هذا المؤمن حينما يرى أعداء الله في الأزلِّين، في نار جهنم يحمد قراره في الإيمان، يحمد استقامته، يحمد إيمانه، يحمد علمه، يحمد ورعه، يحمد خوفه من الله، تتضاعف سعادته، وحينما يرى الكافر الذين كان يزدريهم، هم في نعيم مقيم تتضاعف عذاباته في الآخرة.
إذاً:
﴿ يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَٰفِقُونَ وَٱلْمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ
لو دخل زائر إلى عيادة طبيب، للتقريب، ورأى العيادة ممتلئة، وكل مريض يجب أن يدفع ألفي ليرة، وعددُ المرضى خمسون، بألفين، 100 ألف ليرة كل يوم، ذهب هذا الزائرُ فسأل الطبيب، هل مِن طريقة أن أعمل مثلك، وافتح عيادة، هو لا يقرأ ولا يكتب، اذهب وارجع إلى المدارس، وادخل الابتدائي، والإعدادي، والثانوي، واحصل على 230 نقطة، وادخل كلية الطب، وخذ الدبلوم، والماجستير، والدكتوراه، وسافر إلى بلاد بعيدة، واجلس ثماني سنوات، وحصّل على البورد، وافتح عيادة ﴿قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً﴾
شيء مضحك، إنسان ما قدم شيئًا يتمنى ممن بذل حياته في سبيل شيئًا؛ أن يكون مثله:
﴿ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ
كنا بحيٍّ واحد، كنا بمدينةٍ واحدة، كنا بسوقٍ واحد
زعم المنجم والطبيب كلاهما لا تبعث الأموات قلت إليـكما
إن صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسارة عليكما
﴿ وَقَالَ ٱلشَّيْطَٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلْأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُم ۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ ۖ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ
ولكنكم فتنتم أنفسكم في الدنيا، وتربّصتم بالمؤمنين، وارتبتم بوعد الله ووعيده
﴿ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(15) ﴾
إذاً: في الجنة، أو في الآخرة المؤمن تتضاعف سعادته، لأنه يرى مصير الكفار المجرمين، المنحرفين، العصاة، الذين تفننوا في قتل البشر، وفي إذلال البشر، وفي إفقار البشر، وفي إضلال البشر، واستعلوا، وتغطرسوا .
﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً
﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ(34) ﴾
كانوا يتغامزون .
﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ(30) ﴾
كانوا يزدرون المؤمنين .
فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ
1 – لعنةُ الله على الكافرين نوعٌ من العذاب :
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ(15) ﴾
2 – الوعدُ أصبح واقعا :
أيها الإخوة، النقطة الدقيقة أنّ الذي كان وعداً أصبح واقعاً، وأنّ الذي كان وعيداً أصبح واقعاً، أنت في الدنيا أمام إنسان مُرابٍ ولا يعبأ، يزدري آية الربا، ثم يقول: من قال: إن الله سيحاسبني؟ أموالي تضاعفت أضعاف مضاعفة، هذا المُرابي الوقح، المُستعلي، الذي يتباهى بأنه يعصي الله، وأمواله تزيد، حينما تُدمَّر أمواله كلها يحصل للمؤمنين توازن، أنّ هذا الوعد للمؤمنين بالرزق .
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) ﴾
وأن وعيد الكفار بالمحق: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾
يعني بشكل عام حتى في الدنيا تحقُّقُ الوعد والوعيد يريح المؤمن، ويُتعِب الكافر، أنت من؟ أنت إنسان تعلّقتَ بوعد الله، دققوا :
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ(61) ﴾
هل يستويان؟ إنسان وعده خالق السماوات والأرض بالجنة، وإنسان أوعده الله بالنار، هل يستويان؟
لذلك أيها الإخوة ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾
فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ
من هم الظالمون ؟
1 – الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ
من هم الظالمون ؟ قال :
﴿ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
أخ له أخٌ آخر، التحق بجامع، يخوِّفه، يحذّره، يتهم روّاد المساجد بتهمٍ باطلة، ما لها أصل أبداً، ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾
2 – وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا
لذلك أهل الدنيا حتى فرعون ماذا قال ؟
﴿ يَٰقَوْمِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَٰهِرِينَ فِى ٱلْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنۢ بَأْسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ
يذبِّح بني إسرائيل، يذبّح أبناءَهم، ويستحيي نساءَهم، قال:
بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا : هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ؟ أَوْ الدَّجَّالَ ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوْ السَّاعَةَ ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ
كل شيء مُعلَن يفعل عكسه، فلذلك مَن هم الظالمون ؟
3 – وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ
لأنه كفر بالآخرة استغنى عن طاعة الله، لأنه كفر بالآخرة فعل كل شيء مُحرَّم، لأنه كفر بالآخرة بنى حياته على الأخذ .
لذلك الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء عاشوا للناس، والأقوياء عاش الناس لهم، الأنبياء ملكوا القلوب، والأقوياء ملكوا الرقاب ﴿وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ﴾
آية أخرى :
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ(74) ﴾
﴿ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ(46) ﴾
بين أهل الجنة وأهل النار حجابٌ : وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ
بين أهل الجنة والنار حجاب، لكن هذا الحجاب من جهة المؤمنين حجاب رحمة، ومن جهة أهل النار حجاب عذاب، هذا الحجاب لا يمنع الرؤية، حتى تتضاعف السعادة للمؤمنين، ويتضاعف الشقاء للمجرمين .
وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ
﴿وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾
يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ
يرون أصحاب الجنة بسيماهم، سِمة الطُّهر، سِمة العفاف، سِمة النور، سِمة الجمال، سِمة الرضا، سِمة المحبة، وأنت في الدنيا، المؤمن لو لم تكلمه من أدبه، من إشراق وجهه، من تواضعه، من معاملته الطيبة، من صدقه، من أمانته، من عفافه، من إنصافه تعرفه مؤمناً، له سمات، والكذوب له سمة، والجبار، والخسيس، والدنيء تعرفه غير مسلم، له سيماء .
في الآخرة قال:
وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ
﴿ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(47) ﴾
ما صفاتُ أصحاب الأعراف :
من هم أصحاب الأعراف ؟ الله عز وجل قال :
﴿ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ(6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(7) ﴾
إلى الجنة .
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ(8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ(9) ﴾
إلى النار .
﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ(10) نَارٌ حَامِيَةٌ(11) ﴾
لكنّ أصحاب الأعراف تساوت حسناتهم وسيئاتهم، لو أنّ الحسنات غلبت لكانوا من أهل الجنة، لو أن السيئات غلبت لكانوا من أهل النار، أما أصحاب الأعراف فتساوت حسناتهم وسيئاتهم، خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، يعني في تجارته كان مستقيماً، أما في بيته وعلاقاته الاجتماعية فما كان مستقيماً، أو في بيته مستقيم أما تجارته فيها ربا، خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، مع زوجته لطيف جداً، ومع أي امرأة لطيف، ما عنده موانع، خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، لا يصوم إلّا أنه يحب الخير، خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، هؤلاء يجلسون على مكان مشرف على أهل الجنة وعلى أهل النار، فإن اتجهوا إلى أصحاب الجنة قالوا:
الشيء الثالث:
﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ
الآن في جهنم كبراء:
﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِى كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا
هناك أشخاص عاديين بجهنم، وهناك أشخاص كبراء، كانوا كبار المجرمين في الدنيا .
في الدنيا أحلاف، وتجمعات، وأحزاب، وطوائف، وتكتلات، أما في الآخرة :
﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍۢ
كل هذه التجمعات لا تغنيهم، لذلك:
أحياناً يُعاقَب إنسان، يقول لك: جاءني مئة تلفون من أجله، هناك ضغوط، وتكتلات، وتجمعات، ووساطات، وأحلاف، وأحزاب، وطوائف في الدنيا، أما في الآخرة فلا شيء من هذا القبيل ﴿جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّل مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾
﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾
﴿ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ
أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ
كنتم تحتقرون المؤمنين، كنتم تزدرونهم، كنتم تظنون أنهم محدودو التفكير، أنهم مُغفّلون، أنهم متزمّتون، أنهم ضيّقو الأفق، أنهم يتعلقون بالأوهام، بالغيبيات، بما وراء الطبيعة، بكتاب ليس من عند الله، توّهموه من عند الله .
إن الإنسان غير الملتزم أحياناً له أخ ملتزم، وأخ غير ملتزم، يقول لك: والله الملتزم أشرف وأقوى، وأنا أحبه أكثر، والثاني ليس ملتزماً، لكن والله أحتقره، لأنه عظّم المؤمن، المستقيم، الأخلاقي، هذه ميزة.
ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ
الله عز وجل أَكرمَ أهل الأعراف فقال: ﴿ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾
إذاً: هم أناس تساوت حسناتهم وسيئاتهم، حينما
مثلاً: الذي سبّب حرباً عالمية ثالثة انتهت بخمسين مليون قتيل، ومئة مليون مصاب، من هؤلاء الكُبراء، الذي أمر بإلقاء قنبلة على هيروشيما ونكزاكي، وقتل 300 ألف في كل مدينة في ثلاث ثوانٍ، هؤلاء كبراء، الذي قاد حرباً عالمية ثانية، الذي قاد حروباً خلّفت المآسي، مليون قتيل، وأربعة ملايين مُشرّد، ومليون معاق، هؤلاء الذين يتخذون قرارات، هؤلاء كبراء أهل النار، يقال لهم:
﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ
جوابا على طلبات أهل النار : إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ
انتهى التكليف، انتهى العمل الصالح، انتهى التسامح، انتهى العفو
ما صفات هؤلاء الكافرين المحرومين؟
مَن هم؟ قال:
﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً
والله يا إخوان، حضرت مؤتمراً للعبادات في واشنطن، المؤتمر غريب، عبادات فقط، لا محاضرات، ولا إلقاء كلمات، 18 ديناً في الأرض، كل دين عرض عباداته، صدقوني ولا أبالغ فقط الدين الإسلامي كان الأذان خشعت له الأبصار، وبعضهم بكى، ثم جاء طبيب فقرأ صفحة من كتاب الله من سورة آل عمران، وجاء طبيب آخر شرح هذه الصفحة، له 8 دقائق في الدين.
1 – الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا
﴿الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا﴾
ما هو اللهو واللعب ؟
ما هو اللهو؟ أن تنشغل بالخسيس عن النّفيس، عندك كتاب مُقرّر، الفحص بعد أسبوع، يُبنَى على نجاحك تعيينك بمنصب له دخل جيد، تتزوج، تشتري بيتاً، تنجب أولاداً، تركت الكتاب المقرر، وأخذت كتاب قصة إباحية، أمضيت فيها الأيام الأربعة، اشتغلت عن النفيس بالخسيس، غُصت في أعماق البحر، تركت اللؤلؤ، وجئت بالأصداف، أمضيت الوقت كله في لعب النرد، كان من الممكن أن تحضر مجلس علم، لكنك اشتغلت عن النفيس بالخسيس، هذا اللهو.
أما اللعب: إذا عملت عملاً لا جدوى منه إطلاقاً، تابعت مثلاً لعباً معيناً، تابعت شيئاً ما فيه نفعٌ ولا ضر.
فلذلك اللهو واللعب، اللهو: اشتغلت بشيء خسيس عن شيء نفيس، واللعب: لم تحقق هدفاً لا إيجابياً ولا سلبياً، يقول لك: سنمضي الوقت أو نقتل الوقت ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾
2 – وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
الدنيا كبيرة جداً عند أهل الدنيا، يعني يعبد المال من دون الله، يعبد المرأة من دون الله، قال لي واحد: لا أستطيع أن أغض بصري لو ونش لا يغيرني لا يمسكني عن امرأة، لا أقدر .
هناك قصة وقعت في الشام لموظف في سوق الحميدية، يجمع قمامة المحل ويضعها بعلبة فخمة جداً، يغلّفها بورق غالٍ جداً، يضع عليها شريطاً حريرياً لمّاعاً جداً، يضعها على الرصيف، يأتي إنسان يظن فيها مطيف ماس، يحملها، ويمضي سريعاً، يتبعه، بعد 200 متر يفك الشريط، 200 متر يفك الورق، 200 متر يفك العلبة، فتخرج قمامة المحل فيسب ويلعن، هكذا الدنيا، تكتشف الحقيقة عند الموت، المال لا قيمة له .
﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(25) ﴾
القيمة لِمَا بعد الموت، الغنى والفقر بعد العرض على الله .
فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44) ﴾
وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ
﴿الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾
خاتمة :
أيها الإخوة الكرام، هذه الآيات التي شُرحت في هذا اللقاء الطيب من أجل أن تعرف ماذا ينتظر المؤمنين يوم القيامة، يعني المؤمن حينما يتحقق اسم الله (العدل)
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين