- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (007)سورة الأعراف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس التاسع عشر من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الأربعين، وهي قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ(40) ﴾
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا
أيها الإخوة ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾
1 – الفرق بين المعجزة والإعجاز :
وفرق كبير بين المعجزة والإعجاز، المعجزة: خرقٌ للنواميس والقوانين، أما الإعجاز: إشارة مُبكِّرة لقضية علمية تُكتشَف بعد مئات السنين، فرق واضح بين الإعجاز وبين المعجزة، المعجزة البحر أصبح طريقاً يَبَساً، المعجزة يُلقَى إنسان في النار فلا يحترق، المعجزة عصا تُلقَى على الأرض .
﴿ فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ
المعجزة انشقاق القمر، هذه معجزات، هي خرقٌ للنواميس والعادات، هي شهادة الله لأنبيائه ولرسله أنّ هذا الإنسان رسول الله، أمّا الإعجاز:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ
2 – آيات الله طريق إلى الإيمان :
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾
﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ
لأن الله عز وجل لا تدركه الأبصار، إذاً: العقول من خلال خلقه تصل إليه.
وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا﴾
1 – إبليس رأسُ العاصين المستكبرين :
لذلك: هناك معاصي الاستكبار، على رأس العاصين استكباراً إبليس اللعين.
﴿ قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ
﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
2 – معصية الاستكبار والإباء إثمها أكبر :
معصية استكبار، معصية التأبّي ، هذه المعصية إثمها مليون ضعف عن إثم معصية الغلبة .
أحياناً يُغلَب الإنسانُ على أمره، تغلبه شهوته، فيفعلها، ويبكي بكاء مرّاً ندماً على فعلته، هذه معصية، وهذه معصية، لكن الأولى معصية استكبار، معصية التّأبّي، معصية التألق، بينما المعصية الثانية فهي معصية الغلبة والانكسار .
لذلك قال بعض العارفين: " رُبَّ معصية أورثت ذلّاً وانكساراً خيرٌ من طاعة أورثت عزاً واستكباراً"
(( لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر منه: العجب. ))
ما الذي أكبر من الذنب؟ قال: (العُجب العُجب)
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ
ألا أنبئكم بمعنى لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول عن معصيته إلا به، ولا قوة على طاعته إلا به، ألا تقرؤوا الفاتحة كل يوم ؟
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5) ﴾
استعن على طاعة الله بالله، ألم يقل إبراهيم أبو الأنبياء :
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ
لذلك أي إنسان يستقيم، ويأخذه العُجب باستقامته قد تزلّ قدمه، وقد يرتكب حماقة ومعصية لا يرتكبها أقلّ منه، فإذا كنت طائعاً لله فاسجد لله شكراً على أنك تطيعه.
لذلك :
(( مَنْ حضرَ معصيةً فكرِهَها ، فكأنَّما غابَ عنْها ، ومَنْ غابَ عنْها فرَضِيَها ، فكأنَّهُ حضرَها ))
لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء ﴾
معنى تفتُّح السماء :
إذا فُتحَت أمامك أبواب السماء ما معنى ذلك؟ يعني تجلّى الله على قلبك بالسكينة، والسكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها لو ملكت كل شيء، فإذا كنت في بطن حوت، وفي ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، وفي ظلمات ثلاث وتجلّى الله عليك بالسكينة فأنت في جنة، لذلك عاش السكينةَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام وهو في الغار، وعاش السكينةَ سيدُنا يونس وهو في بطن الحوت، وعاش السكينةَ سيدُنا إبراهيم وهو في النار، وعاش السكينةَ أهلُ الكهف وهم في الكهف، السكينة إذا نزّلها الله عليك سعدت بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، إن فُتحَت لك أبواب السماء نزل على قلبك السكينة، وإن فُتحَت لك أبواب السماء نزل على قلبك الأمن .
﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ
وإذا فُتحَت لك أبواب السماء آتاك الله الحكمة .
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا
وإذا فُتحَت لك أبواب السماء آتاك الله الرضا .
وإذا فُتحَت لك أبواب السماء آتاك الله التفاؤل .
إن فُتحَت لك أبواب السماء لا يضلّ عقلك، ولا تشقى نفسك .
إن فُتحَت لك أبواب السماء لا تهاب إلا الله ، ولا تخشى إلا الله، ولا تأخذك في الله لومة لائم .
إذا فُتحَت لك أبواب السماء آتاك الله بصراً نافذاً، وقولاً سديداً، وحكمة رائعة، وإدراكاً عميقاً.
إذا فُتحَت لك أبواب السماء ملكت نفسك ولا تملكك، وتحكّمت بهواك، ولم يتحكم بك.
إذا فُتحَت لك أبواب السماء قلْتَ مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا وخرجوا منها، ولم يذوقوا أطيب مات فيها، فاتتهم جنة القرب، في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة .
إذا فُتحَت لك أبواب السماء ذكرك الله وأنت تذكره ، وذكرُ الله لك أبلغ من ذكرك له .
لذلك :
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا﴾
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء﴾
إذا فُتحت لك أبواب السماء يهبك زوجة صالحة تعينك على أمر دينك، إن فُتحَت لك أبواب السماء ألقى الله محبتك في قلوب الخلق، وهذا معنى قوله تعالى :
﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء﴾
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ(46) ﴾
حُرم من جنة الدنيا، ومن جنة الآخرة .
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً(125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى(125) ﴾
أي كذلك كنت أعمى، أحيانا يخالف الإنسان القانون، المخالفة جزاؤها خمسون ليرة، يقول لك: ليست مشكلة، أحياناً هناك مخالفة بعدها إعدام، هذه مشكلة ، الله عز وجل يبين :
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾
وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ
﴿لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى﴾
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾
وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ
لماذا أجرم؟ لأنه كذّب، لمّا كذّب بآيات الله كذّب بوجود الله، كذّب بعدل الله، كذّب بالحساب، وبالموت، لمّا كذّب بالحساب بعد الموت، كذّب باليوم الآخر، كذّب بالمساءلة الإلهية، كذّب بالعذاب، فلا داعي أن يستقيم، فصار يأخذ ما ليس له، أكل أموال الناس بالباطل، وانتهك أعراضهم، وقتلهم أحياناً، كما ترون، القتل سهل، يقول لك: دمرنا البناء فمات 60 شخصاً، كيف ؟ صدر إطلاق رصاص منه، كلام كله كذب، لأنه ليس عندهم إله يحاسب، ولمّا كفر بالله، كفر باليوم الآخر فلا داعي له أن يستقيم أبداً، ولا داعي أن يخاف من الله، شيء دقيق، وترابط دقيق جداً، لمّا كذب بالآيات الدالة على عظمة الله، وعلى كماله، وعلى عدله، وعلى يوم الحساب والدينونة، لمّا كذب بالله واليوم الآخر لماذا يستقيم؟ استغنى عن طاعة الله، ووجد نفسه قوياً، إذاً : يجب أن يأخذ ما ليس له .
الجاهلية الثانية :
الآن نحن في الجاهلية الثانية، قال الله تعالى :
﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ
هذه إشارة إلى جاهلية ثانية، ففي الجاهلية الثانية القوي يسحق الضعيف الآن، والغني يأكل الفقير، والذكي يحتال على غير الذكي، والعلاقات علاقة مجتمع الغاب، ليست علاقة إنسان مع إنسان، بل علاقة مجتمع الغاب .
يعني كل إنسان يرى من حقه أن يفترس الآخرين، وكل إنسان قد يكون فريسة وضحية، هذا مجتمع الغاب، هذا مجتمع الجاهلية الثانية، هذا مجتمع يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه، ممّا يرى، ولا يستطيع أن يغير، إنْ تكلم قتلوه، وإنْ سكت استباحوه، هذا المجتمع مجتمع يلعنه الله .
دقق أيها الأخ ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾
نحن والله أيها الإخوة، نعيش مجتمعات متطورة، ولكنها متوحشة، ونحن إن شاء الله مجتمع غير متطور، لكننا متحضرون بهذا الدين، عندنا رحمة، عندنا تماسك أسري، عندنا خوف من الله .
التكذيب بآيات الله يفضي إلى الإجرام :
﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾
﴿ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ
هذا جزاء المجرمين :
فراش وثير، الناعم، الليّن بجهنم ﴿لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ﴾
في الآية: ﴿لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ﴾
﴿ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ
أحياناً ينشب حريق يتجه باتجاه معاكس لا يوجد فيه حريق، هرب الرجل من الحريق وجد أمامه حريقاً، صعد إلى الطابق الثاني وجد أمامه حريق، نزل إلى القبو فوجد الحريق، عن يمينه حريق، عن يساره حريق، هذا وصف .
﴿لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
الطرف المقابل للمجرمين : إنهم المؤمنون :
﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾
﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
1 – المؤمنون ناجون من النار مُنَعَّمون في الجنة :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ(19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ(20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ(22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ(23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ(24)﴾
﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ :
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ . ))
نظام الجنة أنّ كل شيءٍ تطلبه تراه أمامك .
﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ(35) ﴾
نظام الجنة أنك تستمتع استمتاعاً متنامياً، وهذا معنى الخلود في الجنة، فلو ذهب إنسان إلى بستان، وبقي فيه ساعتين أو ثلاثاً يملّ بعد هذا، أما إذا كان هناك تبدُّل، وتنامي لا يمل .
إذاً: هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات لم ينجوا فقط من النار، أُدخِلوا الجنة، هي النجاة من النار مكسب كبير جداً، وفوق هذا المكسب الكبير جداً دخلوا جنة عرضها السماوات والأرض ﴿لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا﴾
2 – أعظم نعيم في الآخرة النظر إلى وجه الله الكريم :
لكن ما الذي فوق الجنة ؟ فوق الجنة النظرُ إلى وجه الله الكريم .
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ(22) ﴾
متألقة .
﴿ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(23) ﴾
في بعض الآثار: أنّ أهل الجنة إذا نظروا إلى وجه الله الكريم يغيبون خمسين ألف عام من نشوة النظرة، هذه فوق:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
فوق :
﴿ وَحُورٌ عِينٌ(22) ﴾
فوق :
﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ
فوق :
﴿ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ
3 – رضوان الله على أهل الجنة :
فوق كل أوصاف الجنة هناك نظرٌ إلى وجه الله الكريم ، وفوق ذلك:﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
لمّا يرحب الله بك، ويحتفل بك .
إذًا في الجنة بساتين تجري من تحتها الأنهار، فيها: (مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ)
فوق ذلك نظر لوجه الله الكريم، فوق ذلك: ﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ﴾
يعني دخلت بيتاً مثلاً فيه طعام، فيه شراب، فيه مقبلات، فيه ورود، فيه رياحين، فيه أشياء لطيفة جداً، وصاحب البيت جميل الصورة، لم تستطع أنْ تصرف عينك عنه، وفوق ذلك قال لك: يا أهلاً وسهلاً، أخ كريم، وعزيز، ونحن بانتظارك، وقد نوّرت البيت بمجيئك، فصار هناك استمتاع مادي، ونظر إلى جمال، ثم ترحيب من صاحب البيت ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
4 – توهُّمٌ غيرُ صحيحٍ مدفوعٌ بقوله : لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا
لكن أحياناً يتوهم إنسان بوسوسة من إبليس أن هذه الأشياء صعبة، الاستقامة صعبة، الله عز وجل أراد أن يبدَّد هذا الوهم فقال: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
وجاءت هذه الجملة اعتراضية: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
5 – الإيمان مقرون بالعمل الصالح دائمًا :
يعني آمنوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات بجوارحهم، والإيمان إقرار بالقلب، وعمل بالجوارح .
وكلمة: ﴿آمَنُواْ وَعَمِلُوا﴾
مثل إنسان دخل إلى سوق يشتري مركبة، معه 700 ـ 800 ألف ليرة، يبحث في المعرض كله عن سيارة بهذا المستوى، هذه إمكانيته، لكن هناك مركبة ثمنها 8 ملايين، وهناك 24 مليوناً، هذه فكِّر فيها .
هناك متعٌ محرَّمة لا تفكر فيها أبداً، أنا أفكر في الزواج فقط، أفكر بعمل مشروع، فما دمت مؤمناً، ومعك منهج فكلّ تفكيرك وخواطرك ضمن المباح، ضمن المسموح به، ضمن المشروع، أمّا لو تطلّعت إلى ما يفعله العصاة والمجرمون طبعاً لا تستطيع، أنت فكّر بما هو مسموح لك، كن مع المؤمنين، أَحِطْ نفسك بجو إيماني، ترى أنك متألقٌ .
﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
6 – نِعَم الدنيا مصحوبةٌ بقلقين : قلق مفارقتك وقلق مفارقتها لك :
المشكلة أنّ نِعم الدنيا معها قلق عميق، أحدهم دخْله جيد، يا ترى الشركة التي أنا وكيلها في هذه البلد، هل تبقى لي أم يأتي إنسان أقوى مني فيأخذها مني؟ هناك قلق، كل نِعَم الدنيا معها قلق، معها قلقان، القلق الأول أن تفارقك هذه النعمة، وهناك أشخاص كثيرون كان أحدهم غنياً ثم افتقر، كان وكيل شركة فسُحبت هذه الوكالة منه، كان عنده ميزات ثم نُحّي عنها، ممكن، فكل نِعم الدنيا معها قلق عميق، قلق أن تفارقك هذه النعمة، و قلق آخر أن تفارقها أنت .
أحياناً يصل الإنسان إلى قمة نجاحه، ثم يأتيه هاجس الموت، بعدما وصل لهذا المستوى، يمكن أن يموت فجأة. كل شيء جمعه يذهب.
مرة حدثني صديق زاروا أخاً مريضًا، الأخ يشعر بتعب غير معقول بعد تزيين البيت زيّنه، واعتنى به، بذل مهجة فؤاده فيه، لما مرضَ مرضًا خطيراً زاره أصدقاؤه، قال لهم: ممكن أن تتزوج زوجتي بعدما أموت، ويأتي إلى هذا البيت، يأخذه على طبق من فضة ؟! .
إنّ نِعم الدنيا أيها الإخوة معها قلقان، قلق أن تفارقك، وقلق ثانٍ أنْ تفارقها، لذلك قال النبي الكريم :
(( اللَّهُمَّ مَتِّعْنا بأسْماعنا وأبْصَارِنا وَقُوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا ))
يا رب ما تفارقني هذه النعم .
7 – حظوظ الدنيا موزّعة توزيعَ ابتلاء ، وحظوظ الآخرة موزّعة توزيعَ جزاء :
أيها الإخوة، وحظوظ الدنيا موزعة توزيع ابتلاء، قد يكون الفقير أقرب إلى الله من الغني، لكنها سوف توزع في الآخرة توزيع جزاء .
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً(21) ﴾
قال: أهل الجنة :
﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلّ
1 – ليست قلوب أهل الجنة كقلوب أهل الجنة :
﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلّ﴾
2 – لولا هداية الله لن نهتدِي أبدا :
لولا أنْ هدانا الله ما كنا لنهتدي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ ، قَالُوا : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَا وَلَا أَنَا ، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ ))
يعني الجنة للتقريب: بيت ثمنه مئة مليون، كلفوك أن تأتي بثمن المفتاح فقط، أنت حينما دفعت ثمن المفتاح 20 ليرة، ليس معنى ذلك أن البيت تملّكته بقوتك، وبمالك، لكنك دفعت ثمن مفتاحه فقط، لذلك :
(( ادخلوا الجنة برحمتي ، واقتسموها بأعمالكم ))
إذاً :
﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
يعني إذا قال أب لابنه: اجتهد، ونل الدرجة الأولى، ولك هذه الدراجة الثمينة جداً، رآها في محل، هذا الابن أخذ الدرجة الأولى، وأخذ الجلاء، وتوجه مباشرة إلى البائع، وقال: أعطني هذا الجلاء، اذهب وهات ثمنها، يدفع ثمنها والدك، هذا الجلاء ليس ثمن الدراجة، هذا سببٌ وضعه أبوك من أجل أن يشتريها لك، فهذا الجلاء ليس ثمن الدراجة، هذا الجلاء سبب تملُّك الدراجة، هناك فرق بين سبب وبين ثمن.
هذا معنى: (لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ ، قَالُوا : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَا وَلَا أَنَا ، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ)
اقتسام أماكن الجنة بالأعمال :
﴿وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم،
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين