وضع داكن
01-07-2024
Logo
الدرس : 18 - سورة الأعراف - تفسير الآيات 37 - 39 ، ظلم الإنسان لنفسه
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثامن عشر من دروس سورة الأعراف، ومع الآية السابعة والثلاثين، وهي قوله تعالى :

﴿  فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ(37)﴾ 

[ سورة الأعراف ] 


أشدُّ أنواع الظلم الافتراءُ على الله : فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا


أيها الإخوة، هذه الآية تشير إلى أنّ أشد أنواع الظلم لا أنْ تبيد الشعوب، ولا أنْ تنهب الثروات، ولا أنْ تقتل الملايين، أشد أنواع الظلم، أنْ تظلم نفسك، ألّا تعرّفها بالله، أنْ تخسر الآخرة، أنْ تخسر الأبد . 

1 – فَمَنْ أَظْلَمُ 

﴿فَمَنْ أَظْلَمُ﴾  سؤال استفهام تقريري، يعني ليس على وجه الأرض إنسان أشد ظلماً لنفسه ممن خسر الآخرة، كما أنّ الآية الكريمة :

﴿  وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(33) ﴾ 

[  سورة فصلت  ] 

ليس على وجه الأرض إنسانٌ أفضل عند الله : ﴿مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ 

2 – المفتري على الله مستغنٍ عن تشريعه ، مقدِّمٌ لآرائه :

﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾  دقق، أحياناً يتصور الإنسان أنّ الدين لا يصلح لهذا العصر، تَصور تصوراً من عند نفسه، وهو وهمٌ كبير، وبناءً على هذا الوهم الكبير استغنى عن طاعة الله، أو أحياناً يقدّم آراء وتعديلات للأحكام الشرعية بحيث يتوافق الشرع مع كل سلوك غير المنضبط في الحياة، كأن يقول: هذه لا تصلح لهذا الزمان، وهذا الحجاب بدعة لم يكن من قبل، ظهر في العهد العثماني، وهذه الفرائض لا يمكن أن تكون مُطبّقة الآن، القصد منها أنّ هذا الإسلام جاء في وقت والتشريعات لذلك الوقت .

فكل إنسان يتصور الدين تصورًا خلاف حقيقته، أو يقدّم اقتراحات، أو تعديلات أو إلغاء لبعض الأحكام، أو تعديل لبعض الحكام، أو يكذّب بآيات الله فقد افترى على الله .

عندنا ثلاث حالات، إنسان تصوّر الدين أنه لا يصلح لهذا الزمان، هذا التصوّر حجبه عن حقيقة الدين، منعه أن يعبد الله، يتصور أنّ المرأة نصف المجتمع، يجب أن تكون في كل مكان، وفي أبهى زينة، هذا من حقها، رأس مالها جمالها، من حقها أن تبدي كل مفاتنها كي تشعر بثقة بالنفس، والربا ؟ 

مستحيل أن تُجمّد الأموال، لا بد من أن تُستَثمر بفائدة، ويقدم لك أن ثمة تضخمًا نقديًا، وحينما أتقاضى فائدة كبيرة جداً فأنا ألغي التضخم فقط، ويقول لك: هناك قرض استهلاكي، وقرض استثماري، والاستثماري لا علاقة له بالأحكام، كل إنسان يقدم تصوّرات للدين، لعقائد الدين، لأحكام الدين، لأوامر الدين من عند نفسه، أو يكذب بالآيات، أو يخترع، أو يتصوّر، فهذا إنسان ليس على وجه الأرض منْ هو أظلم منه لنفسه، لأنه خسر الأبد . 

﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾  لذلك الله عز وجل رتّب المعاصي والآثام ترتيباً تصاعدياً، فقال عن الإثم والعدوان، والفحشاء والمنكر، وعن الشرك، وعن الكفر، وجعل على رأس هذه المعاصي الكبيرة :

﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) ﴾ 

[  سورة البقرة ] 

3 – أوهام الناس غالبها غير صحيحة :

صدقوا أيها الإخوة أنّ أربعة أخماس ما يتوهّمه الناس عن الدين غير صحيح، يعيشون في خرافات، في عقائد ما أنزل الله بها من سلطان، إن وجدوا ضالاً قالوا: الله كاتب ذلك عليه، الله ابتلاه بالضلال، إن وجدوا شارب خمر قالوا: طاسات معدودة بأماكن محدودة، فلان لا يصلي، لم يهدِه الله بعد، ينتظر حتى تأتيه الهداية من السماء، فهناك تصورات، وآراء، وتعديلات، وتكذيب أحياناً، وبدائل غير صحيحة .

فلذلك الله عز وجل يبين أنه لن تجد على وجه الأرض إنساناً أشد ظلماً لنفسه ﴿مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾ 

يعني يكفي أن تتوهم افعل كل المعاصي والآثام، ويوم القيامة يسجد النبي تحت العرش يقول له: ارفع، قال: لا أرفع حتى تشفّعني بأمتي، يقول له: ارفع، واشفع تُشفّع، الحديث له أصل، إلا أن فهمه خاطئ، يعني افعل ما شئت والنبي يشفع لك، اقرأ القرآن :

﴿  أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ(19) ﴾ 

[  سورة الزمر  ] 

((  يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ ، سَلِينِي بما شِئْتِ لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شيئًا. )) 

[  متفق عليه  ] 

((  من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه  )) 

[  الترغيب والترهيب وهو ضعيف  ] 

4 – أخطرُ شيء العقائد الزائغة :

أخطر شيء أن تعتقد عقيدة زائغة، هذه تشلُّك، وتثبِّط عزيمتك، يكفي أن تعتقد أنك مُسيّر في كل شيء، وما لك اختيار أبداً، وهذا الذي كفر أراده الله أن يكفر، فلما جاء إلى الدنيا كفر تحقيقاً لإرادة الله في الآخرة إلى جهنم وبئس المصير .

﴿ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ  (17) ﴾ 

[  سورة سبأ  ] 

﴿  سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(48) ﴾ 

[ سورة الأنعام   ] 

 إخواننا الكرام، لابد من أن تجري مَسْحاً دقيقاً لتصوراتك عن الدين، عن القضاء والقدر، عن الاختيار، عن حقيقة الشهوة، عن حقيقة المنهج الإلهي .

5 – وجوب معرفة المعلوم من الدين بالضرورة :

لذلك طلب العلم فريضة على كل مسلم، فهناك علم يجب أن تعلمه بالضرورة، شئت أم أبيت، أحببتَ أم كرهت، ولو تحمل أعلى شهادة في العالم، العلم الذي ينبغي أن يُعلم بالضرورة يشبه معلومات عن مظلة قد تجهل شكلها، بيضوية، دائرية، مربعة، مستطيلة، قد تجهل عدد حبالها، قد تجهل لونها، قد تجهل من أيّ خيط صُنِعت حبالها، ولكنك إذا جهلت حقيقة واحدة، طريقة فتحها تنزل ميتاً، فطريقة فتح المظلة معلومة يجب أن تُعلَم بالضرورة، وفي الدين مجموعة عقائد، مجموعة أوامر، مجموعة نواهٍ، يجب أن تُعلَم بالضرورة، ومعرفتها فرض عين على كل مسلم، يعني قائد السيارة قد لا يعلم بأية طريقة صُنعت، وهذه المكابح من أية مادة صُنعت، لكن لا بد من أن يتعلم كيف يوقف السيارة، أو يرتكب حادثاً مروعاً، كيف يوقفها؟ كيف ينعقد بها يُمنةً أو يُسرةً؟ كيف يدير محركها ؟ هناك معلومات لا بد من أن تُعلم بالضرورة .

لذلك طلب العلم حتْم واجب على كل مسلم، وطلب العلم فريضة على كل مسلم، أي على كل شخص مسلم، ذكراً كان أم أنثى . 

﴿فَمَنْ أَظْلَمُ﴾  أي لن تجد على وجه الأرض إنساناً أشد ظلماً لنفسه ممن خسر الأبد بسبب تصوّر غير صحيح عن الدين . 

﴿مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾  إنّ أخطر تصوّر أن تتوهم أن أحكام الدين صالحة لعصر النبي والعصور الثلاثة التي من بعده فقط، أما هذا العصر ففيه معطيات جديدة، لا بد من الاختلاط، لا بد من إيداع المال بالبنوك، لا بد من أن نفعل ما نشاء، فكل توهُّم لا يطابق الحقيقة مرفوض، لذلك الجماعة رحمة، فإذا عاش الإنسان وحده يتصور تصوّراً مضحكاً، يتصور تصوراً مخزياً، يخترع فتاوى من عنده . 

((  الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ  )) 

[  أخرجه أحمد عن النعمان بن بشير وهو ضعيف  ] 

﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾  هناك أمثلة كثيرة جداً في كسب المال، يقول لك: لا بد من أنْ نغش، ما السبب؟ أنا عندي عيال، والناس مالهم حرام أساساً، أنا آخذ مالاً حراماً، ليس حلالاً، وهذه بلوى عامة، ماذا أفعل؟ فكل إنسان لمّا ينحرف يخترع أفكاراً مضحكة حتى يتوازن، أمّا إذا كان مع جماعة، مع مرجعية إسلامية صحيحة، مع رجل يثق بعلمه، وبوَرَعه، مع إنسان يقدم له الدليل بكل قضية، هذه محرمة، وهذا الدليل، هذه حلال، وهذا الدليل، فلذلك لا بد من طلب العلم، وطلب العلم حَتْمٌ واجبٌ على كل مسلم . 

6 – ما هي آياتُ الله ؟

﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾  ما آيات الله ؟ آيات الله الشيء المدهش، الله أكبر، ما هذه الظاهرة؟ هذه آية، قد تكون الآية آية كونية، يعني الأرض لو أُلقيت في جوف الشمس لتبخرت في ثانية واحدة، الأرض بمحيطاتها، بقطبيها، ببحارها، بجبالها، ببراكينها، بكل ما فيها تتبخر في ثانية واحدة، الشمس تستوعب مليون و300 ألف أرضاً، تصور كرة وكرة كبيرة، إذا قلنا: يجب أن تتسع هذه الكرة الكبيرة إلى مليون و300 ألف كرة صغيرة، كم ينبغي أن يكون حجم الكرة الصغيرة، أو لو عكست الآية فقلت: هذه الكرة أريد كرة تتسع لمليون و300 ألف مرة من هذه الكرة، كم حجم الشمس؟ وبينهما 156 مليون كيلومتراً، ونجم صغير في برج بعيد يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، هذه آية، الله أكبر، هذه آية، الشيء المدهش .

يعني إذا بلغك من أجل أن تصل لأقرب نجم ملتهب خمسين مليون عام بمركبة أرضية، أربع سنوات ضوئية، والنجم الذي بُعده مليار مليون سنة .

﴿  فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76) ﴾ 

[  سورة الواقعة  ] 

الله أكبر، شيء مدهش، لذلك أيها الإخوة، التكذيب بالآيات يعني أنْ لا يعبأ المرء بهذه الآيات الصارخة، الشمس والقمر من آيات الله عز وجل .

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) ﴾ 

[ سورة الشورى  ] 

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ  ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)﴾ 

[  سورة فصلت  ] 

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً  ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾ 

[ سورة الروم  ] 

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ  وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ(23) ﴾ 

[  سورة الروم  ] 

الذي عنده حاسوب يسأل البرنامج القرآني: أعطني الآيات التي تبدأ بقوله تعالى: ومن آياته، اجعلها لك منهجاً في التفكر .

فلذلك هذا الذي خسر الآخرة، وهو أشد الناس ظلماً لنفسه بسبب أنه كذب بآيات الله . 

7 – المؤمن مأخوذ بآيات الله ، وغير المؤمن مأخوذ بالاختراعات :

قد تجد الإنسان المعاصر مأخوذاً بالمركبات، يقول: هذه 500 سي سي، ما هذا الكلام ؟! هذه سرعتها 500، هذه ثمنها فرضاً مبلغ فلكي، هذه فيها كمبيوتر كامل، هذه فيها كل شيء آلي، ثم بعد ذلك يقرأ عن الجبال بحثاً فلا يعبأ به، أنا أرى أنّ المؤمن مأخوذ بآيات الله، وغير مؤمن مأخوذ بمخترعات البشر، تجده خبيراً بكل التفاصيل، بكل الأشكال، بكل خصائص المركبة، لو أنه قدم فحصاً يأخذ المرتبة الأولى، وفي الشهادات العامة يأخذ صفراً، في المركبات أو في الممثلين والممثلات عنده معلومات، لكنه في طريق غير صحيح .

لذلك : 

﴿كَذَّبَ بِآيَاتِه﴾  أي: لم يعبأ بآياته الدالة على عظمته، يعني البعوضة آية، الذبابة آية، العين آية، في الميليمتر مربع مئة مليون مستقبل ضوئي، وفي العين مادة مضادة للتجمد، هذا الماء آية، الجبال آية، البحار آية، الأسماك آية، الأطيار آية، النباتات آية، هناك نبات للأخشاب، نبات للأدوية، نبات للأصبغة، نبات للثمار، نبات نأكل جذوره، نبات نأكل أوراقه، نبات نأكل أزهاره، نبات نأكل ثماره، هناك أشجار للزينة كأنها مظلة، هناك أشجار حدودية، هناك أشجار مثمرة، لو درست موضوع النباتات لم تستطع إنهاءَه .

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) ﴾ 

[  سورة الأنعام ] 

من أوسع الآيات الدالة على عظمة الله، يعني حقل البطيخ يا ترى هذه نضجت أم لم تنضج، معقول أن تنبطح إلى جانبها، وأن تضربها لتسمع رنتها ؟! الله جعل حلزوناً تُمسِكه بإصبعيك، فإن انكسر فالبطيخة ناضجة، وإن بقي طرياً فالبطيخة لم تنضج بعد، الله جعل لك علامة، تدخل إلى حقل الطماطم أحياناً يمكن أن يكون فيه فرضاً خمسة أطنان، وهناك مئة حبة حمراء داكنة، والباقي خضراء، كأن هذه الحبات الحمراء تقول لك: تعال اقطفني، أنا نضجت، أنا مُجهَّزة كي تأكلني، أعطاك علامة، كل شيء عند النضج له لون خاص .

لما تكون مؤمناً تكون مأخوذاً بآيات الله، مأخوذاً بالوردة، ما هذه الرائحة؟ ما هذا التنوع؟ مأخوذاً بمخلوقات الله، وغير المؤمن مأخوذ بالمخترعات .

والله مرة بلغني عن شخص مُعجب بهذه المركبة المعينة إعجاباً لا حدود له، فيتمنى أن تمشي فوقه، المؤمن مأخوذ بآيات الله، فهذا كذّب بآياته، الله له آيات كونية، وله أيات قرآنية، الدليل:

﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ  قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) ﴾ 

[  سورة فصلت  ] 

هذه آيات قرآنية، وهناك آيات كونية، وهناك آيات تكوينية، الزلازل من آيات الله الدالة على عظمته، البراكين، الأمطار حينما تزداد عن حدّها المعقول تصبح نكبة كبيرة جداً، الرياح قد تقتلع مدينة بأكملها، نحن ما رأينا الأعاصير، هناك أعاصير سرعتها 1200 كيلومتراً.

﴿  لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ(28) ﴾ 

[  سورة المدثر  ] 

مرة أصاب دمشق رياح عاتية سرعتها 125 كيلومتراً، أبنية كثيرة هُدمت، جدران كثيرة وقعت، السرعة 125 كيلومتراً، وهناك أعاصير سرعتها 1200 كيلومتراً، لذلك الله عز وجل خَلْقه آيات، وكلامه آيات، وأفعاله آيات، الذي ظلم نفسه، وخسر الآخرة من شأنه، ومن صفاته أنه يكذب بآيات الله، تحدثه عن الجبال فيقول لك: أخي هذه موضوعات معروفة، ما أسعار الدولار اليوم ؟ كل شيء متعلق بالله جاهل به، كل آية تلفت النظر إلى عظمة الله، إلى قدرته، إلى حكمته، إلى رحمته، إلى جماله لا يعبأ بها .

والله أحياناً يقف الإنسان أمام فراشة فيسجد لله على الألوان الرائعة، أو أمام عصفور، أو أمام ورود معينة، تناسق ألوان مذهل .

أنا أرى أن المؤمن مأخوذ ومندهش بآيات الله الكونية، وبآيات الله التكوينية، وبآيات الله القرآنية، والذي خسر الآخرة، وكان ظالماً لنفسه أشد أنواع الظلم يكذّب بآيات الله، لا يعبأ بها. 

﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ ﴾ 

8 – أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ 

كيف؟ هو كذّب به كلياً، سؤال: إذا ركب الإنسان طائرة أراد أنْ يهبط منها وهي في أعالي الجو، طبعاً بالمظلة، هو قال: لا حاجة للمظلة، هذا قانون السقوط أنا لست مؤمناً به، أنا كافر به، هذا خرافي، فألقى بنفسه، لمّا كذّب بقانون السقوط عطّله؟ هو نافذ فيه، صدّقت به أم لم تصدّق، أكبرته أم احتقرته سيّان، القانون نافذ فيك، ينزل ميتاً، فإذا كذبت بالقرآن فإن قوانينه سارية عليك . 

﴿  مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً(18) ﴾ 

[  سورة الإسراء  ] 

هو كذب بهذا القرآن بأكمله، قال: هذا ليس كلام الله، وانكبّ على الدنيا، فنجح، صار يحمل اسماً كبيراً، أو جمّع ثروة طائلة، أنا كذبت، وأنا غني، لكن وضعك جاء في القرآن ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ﴾ 

يقول لك: يا أخي هذه أوربا، وصلوا إلى القمر، يعني صنعوا آلات كالمعجزات، طائرة بـ 860 راكباً، كأنها فندق، كل شي فيها، تحلّق على ارتفاع خمسين ألف قدم، فيها رفاه الأرض .  

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44)﴾ 

[  سورة الأنعام  ] 

هو كذّب، لكن وضعه موجود في القرآن، الله عز وجل قال :

﴿ كُلًّا نُّمِدُّ  هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) ﴾ 

[ سورة الإسراء ] 

الآية الأولى: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾ .

﴿  وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً(19)  ﴾ 

[  سورة الإسراء  ] 

﴿كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾  اطلب الدنيا تَنَلْها، لكن:

﴿ فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ۗ فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ  (200)﴾ 

[  سورة البقرة  ] 

لما ينجح الإنسان في الحياة، وهو مكذب بالقرآن يظن أن القرآن تعطل، القرآن صحيح، لكن القرآن أشار إلى هذه الحالات، إنْ أردت الدنيا فلك الدنيا، إنْ أردت الآخرة فلك الآخرة، الآن إن أحسنت إدارة الدنيا ملكتها، كما يفعل أعداؤنا، دعك من عدوانهم، انظر إلى معاملتهم لشعوبهم، يوجد ضمان صحي كامل، أكبر عملية تُجرى مجاناً، يوجد حرية حقيقية، يعني يعاملون شعوبهم معاملة تفوق حد الخيال، لمّا أحسنوا إدارة شعوبهم كانوا أقوياء، وملكوا الأرض، وفرضوا ثقافتهم وإباحيتهم على بقية الشعوب، صح الدنيا لها نظام آخر .

كيف نحن هذه الساعة هذه ساعة رقمية، وهناك ساعة بيانية بعقارب، هذه نظام، وهذه نظام، لا توازن ساعة رقمية بساعة بيانية أبداً، كل نوع له خصائص، الدنيا لها قوانين، والآخرة لها قوانين، الدنيا تصلح بالكفر والعدل، ولا تصلح بالإيمان والظلم، الآخرة تُسوّى فيها الحسابات، لا تصلح إلا بالإيمان والاستقامة والعمل الصالح، حتى ما يختل توازن الإنسان في الدنيا، الذين ملكوا الأرض كفار، ممكن لكنهم أحسنوا إدارتها، فلما أحسنوا إدارتها تفوقوا فملكوا الدنيا، عندئذٍ فرضوا كل ما يريدون على بقية الشعوب، فنحن الخطأ من عندنا، مسلم، على عيني، مؤمن، ممتاز، لكن ما لم تتفوق فلا يُحترم دينك . 


ماذا قدمت للمجتمع المسلم ؟


بصراحة المجتمع الإسلامي فيه بطالة كبيرة جداً، لا نُحترم، فيه عنوسة كبيرة جداً، العنوسة في بعض المجتمعات 50%، البطالة في بعض المجتمعات 60%، هناك بطالة مقنعة، إن أعطيت إنساناً ثلاث آلاف ليرة في الشهر فهذا بطال، لأنها لا تكفيه، يحتاج إلى 20 ألفاً كي يحقق الحد الأدنى من كرامته .

فلذلك ما لم نحل مشكلات الشباب، ما لم نهيئ مساكن للشباب، ما لم نهيئ فرص عمل للشباب، ما لم نهيئ زواجاً للشابات، ما لم نخفض نسبة العنوسة، ما لم نخفض نسبة البطالة فلا نُحترَم في العالم، ولا يُحترَم ديننا، هذه حقيقة مرة، وهي عندي أفضل ألف مرة من الوهم المريح، لا تكن إنساناً سلبياً، يا أخي الدين عظيم، البارحة صليت وبكيت، بارك الله، شيء رائع جداً، لكن ماذا قدمت لهذه الأمة ؟ ماذا قدمت ؟ قدمت شيئًا جيداً ؟ أضخم قطر إسلامي فيه 250 مليون مسلماً عن طريق التجار فقط ، لو ما رأوا من هؤلاء التجار الاستقامة، والصدق، والنزاهة، والخدمة لما أسلموا، أنت ماذا قدمت ؟ يكفي أن تكون صادقاً فأنت أكبر داعية ، يكفي أن تكون أميناً فأنت أكبر داعية ، يكفي أن تكون عفيفاً فأنت أكبر داعية، فهل قدمت شيئًا ؟

إخواننا الكرام، الحقيقية التي أتمنى أن تكون واضحة لديكم، اسأل نفسك كل يوم: ماذا قدمت للمسلمين؟ أمّا إذا كانت كل اهتمامك في مصالحك، كل اهتمامك ينصب في بيتك، ولا يعنيك من أمر الناس شيئاً فلا وزن لك عند الله .

﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا  (105) ﴾ 

[  سورة الكهف  ] 

هم :

﴿ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ  وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) ﴾ 

[  سورة الأنعام ] 

ماذا قدمت للأمة ؟ أتمنى أن تُشحَذ الهمم، أتقن عملك تكون قد قدمت شيئا للأمة.

أعرف رجلاً عبقرياً في الحواسيب الصناعية، فكل حاسوب صناعي وراءه معمل ضخم، وفيه خمسمئة عامل، وأحياناً تتعطل لوحة إدارة الحاسوب، إصلاحها مليون ليرة، وتعطيل المعمل أسبوعين تقريباً، الله وفّقه إلى إصلاح هذه اللوحة، يتقاضى عشرة آلاف على إصلاح اللوحة كل يومين، كم خدمة قدم للأمة ؟ كم معملاً تعطلت فيه هذه اللوحة ؟ كان من الممكن أن تتعطل شهراً، ويجب إرسال اللوحة إلى بلاد بعيدة جداً، والدفع قريب من مليون ليرة .

أتقنْ عملك تكن قد قدمت شيء للأمة شيئاً كبيراً جداً، أتقن دراستك، كن طبيباً لامعاً، كن صناعياً كبيراً، هيّئ فرص عمل للناس .

قال لي أخ: أنا أريد أن ألغي المعمل، أن أصفّي المعمل، قلت له: لماذا؟ قال لي: لأنه لا يوجد أرباح، المصاريف تساوي الأرباح تماماً، قلت له: كم عاملاً عندك؟ قال لي: ثمانون، قلت له: هذا أكبر ربح، أنت فاتح ثمانين بيتًا، أنت أمَّنتَ فرص عمل لثمانين أسرة، كل بيت فيه ستة أولاد وزوجة، بارك الله به، تابع عمله، وما ترك .

عندما تفهم الدين عطاء، أنت ماذا فعلت؟ طالب تفوق، تاجر، ائتِ بالبضاعة الجيدة، وليكن سعرها معتدلاً، فأنت مع النبيين، التاجر الصدوق مع النبيين، وإندونيسيا فُتحت عن طريق التجار، أنت صناعي، قدّم صناعة مُتقنة بسعر معتدل، هيئ فرص عمل للشباب .

ذهب أحدهم إلى بلاد الغرب، إلى ألمانيا بالذات، لإنشاء معمل كبير، صُعق حينما وجد أنه ليس هناك من شروط إطلاقاً، إلا تعهدين: أن يتعهد بتأمين فرص عمل، وعدم تلويث البيئة، وقدموا له كل دنم أرض بأجرة مارك واحد بالشهر، اطلب مئة دنم، الدنم بمارك، وأسس عملاً، وقدّم تعهداً بعدم تلويث البيئة، وقدّم تعهداً بتأمين فرص عمل للمواطنين، قدمهما.

إذاً: أحيانا التعقيدات تشلّ اقتصاد الأمة، يقول لك: شيء شبه مستحيل أن آخذ ترخيصاً مثلاً، هذا من تخلّف الشعوب الأخرى .

فلذلك اسأل نفسك: ماذا قدّمت لهذه الأمة، هل قدمت علماً؟ هل قدمت أولاداً عندهم وعي كبير وملتزمين؟ صاروا أطباء، صاروا قضاة، صاروا محامين، صاروا مهندسين، ما غشوا، أدّوا عملهم بالتمام والكمال .

لذلك أيها الإخوة ﴿أُوْلَـئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ﴾  الكتاب مُطبّق، آمنت به أم لم تؤمن، قوانينه مُطبّقة، آمنت بها أم لم تؤمن ﴿يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ﴾ 

إذا أتقنوا الدنيا تفوقوا فيها وملكوها .

الآية الكريمة : 

﴿  وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ(105) ﴾ 

 

[ سورة الأنبياء  ] 

قال بعضهم: الصالحون لإدارتها، الصالحون لاستغلال ثرواتها، الصالحون لتقديم الخدمات للأمة، فحينما تقول: أنا أقدم شيئاً معنى ذلك أنك مسلم حقيقي، لكن لا تقدم شيئاً أبداً فهذه مشكلة كبيرة. 


لا ينفع شيءٌ من الدنيا أمام قضاء الله : أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ


﴿حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا﴾  أنت كنت تظن أن المال إله، وأن فلاناً بيده كل شيء، بيده أن يرفعك، أو أن يخفضك، بيده أن يعزك، أو أن يذلك، أين هو ؟ 

﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ  وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (94) ﴾ 

[  سورة الأنعام  ] 


قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا


﴿قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا﴾  هنا إضلال توحيدي، الذين كان يعبدهم من دون الله في الدنيا ضلوا عنه في الآخرة، الآن الإنسان بسذاجة مضحكة يسأل شخصًا معلوماته محدودة عن قضية متعلقة بمعصية كبيرة، يقول له: ما فيها شيء، يقول لك : أفتى لي، لا تنفد .

((  وَلَعَلّ بَعْضكُمْ أَنْ يكونَ أَلْحَنَ بِحِجّتِهِ مِنْ بَعْضِ، فإن قَضَيْتُ لأِحَدٍ مِنْكُمْ بِشَيءٍ مِنْ حَقّ أَخِيهِ، فإنّما أقْطَعُ لَهُ قطعة مِنْ النّارِ  )) 

[  البخاري  ] 

لو أنك انتزعت من فم النبي عليه الصلاة والسلام فتوى، ولم تكن محقاً لا تنجو من عذاب الله .


وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ


﴿قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ﴾  كانوا كافرين بالله عز وجل، مؤمنين بهؤلاء الشركاء .

إخواننا الكرام ، الآية : 

﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾  الذين هم صالحون لإدارتها، وخدمة البشر، عندئذٍ يتملّكونها، وهذا في القرآن، فإذا تملّك إنسان الأرض، وهو ليس مؤمناً هذا ورد في القرآن .

إذاً: ﴿أُوْلَـئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ﴾ 

﴿  قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا  حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ(38) ﴾ 

[  سورة الأعراف  ] 


كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا


للتقريب: إنسان أغراه إنسان آخر أن يرتكب جريمة، وقال له: لن تُكتشَف، وأنا أضمن لك أن تعيش ببحبوحة كبيرة بهذه الثروة الطائلة، فاستجاب له، وارتكب الجريمة، وأُلقِي القبض عليه، وأُودِع في السجن، هذا الذي أغراه أيضاً دخل السجن، فالتقيا معاً، أنا متأكد بالـ100 مليون أن كلاً مِن صاحبه يلعن الآخر، لولا أنك أغريتني لما فعلت هذه الجريمة . 


قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ


الآن : 

﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ﴾  والذي قَبِل الضلال أضلّ غيره أيضاً، صار هناك ثلاث حالات، إنسان أغرى بجريمة، وإنسان ارتكبها، والذي ارتكبها أغرى إنساناً آخر بمثلها، فهناك ثلاث فئات في النار . 

﴿ ﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ﴾﴾ 

.


لِكُلٍّ ضِعْفٌ


المقلَّد له ضِعفٌ من العذاب :

قال الله عز وجل : 

﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾  لماذا ضعف؟ إن إنساناً له عمل قيادي، معلم، ارتكب خطأ على مرأى ممن معه، فالذين معه وجدوا هذا الخطأ مُستساغاً، فقلّدوه ، فهو يحمل إثم خطئه، ومَنْ قلّده، كل إنسان يمكن أن يُقلَّد عذابه مضاعف .

سيدنا عمر إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته، وقال: << إني قد أمرت الناس بكذا، ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير، إن رأوكم وقعتم وقعوا، وايم الله، لا أوتينَّ بواحد وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني >>  ، فصارت القرابة من عمر مصيبة .

﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ  ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)﴾ 

[  سورة الأحزاب  ] 

الآن معلم عقابه مرتين، خطأه وخطأ الطلاب الذين قلّدوه، الأب عقابه مرتين خطأه وخطأ أولاده، الأم عقاب مرتين، الأم متفلّتة، وابنتها أمها تفلتت مثلها، لها عقاب مضاعف، كل إنسان قيادي ولو كان عريف صف هل هناك أقل من هذه القيادة ؟ إذا أخطأ فعذابه مضاعف، أمٌّ كذبت على زوجها أمام ابنتها، لمّا ابنتها تزوجت أيضاً كذبت على زوجها، يُضاعف لها العذاب ضعفين، كل إنسان له منصب قيادي وأخطأ يتحمل خطأه وخطأ الذي قلده، فالله عز وجل قال : 

﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾  لا تغلبوا أنفسكم ، كل إنسان قُلِّد له عذاب الضعف ﴿وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ﴾ 

﴿  وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ(39)  ﴾ 

[  سورة الأعراف  ] 


في النهاية لا أحد يضل أحدا :


يعني في النهاية لا أحد يُضلّ أحداً، الذي توهمنا أن فلاناً أضله عنده استعداد، وعنده رغبة، أحياناً صف فيه خمسون طالباً، وفيه طالب سيئ جداً، يغري رفاقه بالذهاب إلى السينما، وعدم الدوام في اليوم التالي، من يستجيب له ؟ بعضهم، الذي استجاب عنده استعداد ليغيب، واستعداد ليكذب، واستعداد ليدخل إلى السينما .

لذلك لا أحد يضل أحداً . 

﴿وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ﴾  نحن لسنا محاسَبين عنكم، إنكم أردتم أن تكونوا مثلنا ﴿فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ . 


خاتمة :


أيها الإخوة الكرام، موضوع دقيق جداً، أنه أكبر خسارة على الإطلاق أن تخسر الآخرة، وأشد أنواع الظلم أن تخسر الآخرة، ظلم النفس، وأشد أنواع الحمق أن تخسر الآخرة، لذلك ما من إنسان يضل إنساناً، وكل إنسان في الظاهر قلده إنسان آخر له عذاب الضعف .


الملف مدقق 

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور