- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠16برنامج ومضات قرآنية - قناة بغداد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين.
تعريف المصيبة في الإيمان :
أيها الأخوة المشاهدون؛ الآية اليوم هي قوله تعالى في سورة البقرة:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾
الحقيقة من خلال هذه الآية الكريمة ينبغي أن نوضح للأخوة المشاهدين تعريف المصيبة في الإيمان.
المصيبة حق لأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليسعده في الدنيا والآخرة، خلقه لجنة عرضها السموات والأرض، فإذا غفل عن هذه المهمة، إذا غفل عن هذا الهدف الكبير، إذا انشغل في الدنيا، إذا غلبته شهواته على طاعة الله، الله عز وجل رب العالمين، ومعنى الربوبية التربية، فكيف يربيه؟ يسوق له شدة كأنها رسالة من الله لهذا الإنسان العاصي أن يعود إلى طاعة الله، فهذه الشدة التي يسوقها الله إليه هي تشده إلى طاعة الله عز وجل، لذلك جاءت حكمة المصيبة وفلسفتها وسبب وجودها، قال تعالى:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ﴾
والابتلاء هو الامتحان، قال تعالى:
﴿ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ ﴾
بشيء قليل من الخوف، قال تعالى:
﴿ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾
الخوف و الجوع مصائب تصيب المؤمن :
إذاً المصيبة قد تأتي لغير المؤمن، قد تأتي لغير المؤمن كمصيبة محق أو ردع، غير المؤمن مصائبه ردع فإن لم يرتدع فقطع أو قمع. أما المؤمن فمصائبه من نوع آخر وهذه الآية تتعلق بمصائب المؤمنين، قال تعالى:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ ﴾
الخوف أحياناً مقلق، والخوف لا يتناسب مع راحة الإنسان، والخوف أحياناً يبلغ درجة خطيرة جداً، فالخوف أحياناً ينتاب هذا الإنسان، إذا قصر في أداء ما عليه، وتجاوز الحدود، أو غفل أو سها عن علة وجوده، وغاية وجوده، فالخوف دواء إلهي يسوقه الله لبعض الناس، قال تعالى:
﴿ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ ﴾
والجوع أيضاً، الإنسان فطر على حاجته للطعام والشراب، فإن لم يجد ثمن الطعام والشراب عانى مما يعانيه الجائعون، قال تعالى:
﴿ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾
أنواع المصائب :
قبل قليل قلت: هناك مصائب تصيب المنحرفين، الكفار، مصائب ردع أو قمع، هناك مصائب تصيب الأنبياء، مصائب كشف، يمشي على قدميه الشريفتين ثمانين كيلو متراً، إلى الطائف كي يبلغهم رسالة الله عز وجل، يكذبونه، يسخرون منه، يغرون صبيانهم بضربه حتى تدمى قدماه، يقول جبريل: يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك:
(( إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))
هذا هو كمال الأنبياء، إذاً المصائب للأنبياء تشريف، مصائب كشف، يوجد كمال لا يعلمه إلا الله ينطوي عليه الأنبياء، في بعض المصائب تظهر هذه الكمالات، هذه حالة أما المؤمنون فمصائبهم بهذه الآية:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾
بشر الصابرين أي هناك ثمرات يانعة بعدها، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ ﴾
المصائب التي يسوقها الله لعباده من أجل سعادتهم وسلامتهم :
معنى مصيبة أنها تصيب الهدف، يكون هناك مرض، أو تقصير، أو خروج عن منهج الله، أو انحراف، تأتي هذه المصيبة لتردع الإنسان، وتقيّم اعوجاجه، وتحمله على طاعة الله عز وجل، وهذا كلام دقيق جداً، مصائب المؤمنين مصائب تطهير ورفع ودفع إلى الله عز وجل، الخوف معروف، والجوع، ونقص من الأموال، دخل قليل، قد يكون الدخل أقل من حاجات الإنسان، لكن أحياناً ينبغي على الإنسان أن يسعى لرفع دخله، إذا سعى بجهد بالغ ولم يستطع عندئذ ينبغي أن يرضى بقضاء الله وقدره، قال تعالى:
﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾
من هو الصابر؟ الصابر إنسان تماماً كالمريض الذي يجلس على كرسي طبيب الأسنان، وقد يكون قلب هذا المريض لا يتحمل المخدر، الطبيب يبلغه ذلك، الآن المريض يعاني من ألم قلع سنه، هذا الألم لماذا يصبر عليه؟ لقناعته أن هذا الألم لصالحه، فأنت إذا عرفت الله، عرفت حكمته، عرفت رحمته، عرفت أن كل المصائب التي يسوقها الله لعباده من أجل سعادتهم وسلامتهم وازدهارهم في الآخرة، عندئذ تفهم المصيبة فهماً إيمانياً، الحقيقة يوجد فهم للمصيبة غير إيماني، وهناك فهم إيماني، المؤمن من لوازم إيمانه أنه يفهم المصيبة فهماً كما أراد الله لها أن تكون، إذاً قال تعالى:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ ﴾
المصيبة تعيد المؤمن إلى الصواب :
الآن المؤمنون إذا أصابتهم مصيبة:
﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ ﴾
نحن ملك الله، قال تعالى:
﴿ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ﴾
قال بعض العلماء: وإنا إليه راجعون بهذه المصيبة. كالذي يقصر في دراسته يأتي عقاب الأب ردعاً له على هذا التقصير، بعد هذا العقاب يعود هذا الطفل أو الابن إلى الدراسة المتقنة، إذاً مستقبله المزدهر بسبب هذا التأديب الذي ساقه أبوه له.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن ننتفع بهذه الآيات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.