- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠16برنامج ومضات قرآنية - قناة بغداد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
من توهم أن الله أجبر عباده على أعمالهم فقد ألغى الدين :
أيها الأخوة الكرام؛ لازلنا في برنامج:" ومضات قرآنية "، والآية اليوم هي قوله تعالى:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
أيها الأخوة الكرام؛ حينما يتوهم متوهم أن الله أجبر عباده على الطاعة، أو أجبرهم على المعصية أو تركهم هملاً، إذا توهم متوهم هذا فقد ألغى حقيقة الدين، ألغى حقيقة الأمانة، ألغى حقيقة التكليف، ألغى حقيقة الثواب والعقاب، لذلك هؤلاء الذين أشركوا ماذا قالوا؟
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
في اللحظة الذي يتوهم متوهم أن الله أجبر عباده على أعمالهم فقد ألغي الدين، ألغيت مكانة الإنسان عند الله.
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :
الإنسان هو المخلوق الأول رتبة، الإنسان حينما عرض الله على الخلائق كلهم الأمانة من خلال قوله تعالى:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾
هو قبِل حمل الأمانة، فلما قبِل حمل الأمانة كافأه الله عز وجل، قال تعالى:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ جَميعًا مِنهُ ﴾
قال علماء التفسير: هذا التسخير هو تسخيران؛ تخير تعريف وتسخير تكريم، فكل ما في الكون ينطق بوجود الله، وبوحدانيته، وبكماله، الله عز وجل عرفنا بذاته، عرفنا بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، عرفنا بقدراته، بغناه، بقوته من خلال هذا الكون، فالكون كما يقول بعض العلماء يشف عن أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى.
وجوب أن تكون علاقة الإنسان بخالقه علاقة حبّ لا إكراه :
لذلك الله عز وجل خلق هذا الكون مظهراً لأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، فالإنسان إذا تعرف إلى الله من خلال هذا الكون، ومن خلال بعثات الأنبياء، ومن خلال الكتب المنزلة، إذا عرف الله عز وجل ينبغي أن يطيعه، باختيار منه، الله عز وجل خلقنا، وبيده مصيرنا، ونحن في قبضته، وما أراد أن تكون علاقتنا به علاقة إكراه، قال تعالى:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
أراد أن تكون العلاقة به علاقة محبوبية، كقوله تعالى:
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
أراد أن نأتيه بمحض إرادتنا، أراد أن نأتيه بمبادرة منا، أراد أن نأتيه محبين، خالق السموات والأرض ونحن في قبضته ما أراد أن تكون علاقتنا به علاقة إكراه، قال تعالى:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
لذلك مرة ثانية: في اللحظة التي يتوهم فيها المتوهم أن الإنسان مجبر على أفعاله ألغي الدين، ألغي التكليف، ألغيت الأمانة، ألغي الاختيار، ألغي العمل الصالح، لذلك الله عز وجل أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً ولم يعص مغلوباً، ولم يطع مكرهاً.
من يتبع هدى الله لا يضل عقله ولا تشقى نفسه :
حرية الحركة التي أودعها الله في الإنسان هي التي تقيّم عمله، وترفع شأنه عند الله، قال تعالى:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
ينبغي أن تأتي إلى الدين طائعاً بمبادرة منك، لكن ما تعريف الدين؟ الدين هو الشيء الذي يدان له، أنا حينما أقول لك: اثنان زائد واحد ثلاثة، تخضع لهذه الحقيقة، فالدين مجموعة حقائق، الله عز وجل من خلال هذا الدين العظيم عرفنا بالكون وحقيقته، عرفنا بالإنسان وحقيقته، عرفنا بالحياة الدنيا، الله عز وجل ما أراد أن نكون غافلين، قال تعالى:
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
أي لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، قال تعالى:
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
فالذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت.
الإنسان حرّ في حركته وهذه الحرية تثمن عمله :
إذاً كأن هذه الآية:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
تؤكد أن الإنسان مخير، أن الإنسان حرّ في حركته، هذه الحرية في حركته تثمن عمله، فإذا أجبر على عمل ما فقد هذا العمل قيمته، وهذا شيء نعيشه في الحياة الدنيا، الإنسان حينما يفعل شيئاً خوفاً من عقاب سريع تضعف قيمة هذا الشيء، وكلما اتضحت الحكمة في العبادات ضعف جانب العبودية فيها، وكلما غفل الإنسان أو ما عرف حكمة بعض الأوامر ارتفعت نسبة العبودية فيها، لذلك الله عز وجل يقول:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾
ملمح دقيق قبل أن نختم: لا يمكن أن يصح الإيمان بالله إلا إذا كفرنا بالطاغوت، نكفر بالطاغوت أولاً وبعدئذ نؤمن بالله، عندئذ يصح الإيمان، وتقطف ثماره اليانعة، وإلى لقاء آخر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.