- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠16برنامج ومضات قرآنية - قناة بغداد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
شروط النصر :
أيها الأخوة الكرام؛ لازلنا في برنامج:" ومضات قرآنية "، والآية اليوم هي قوله تعالى في سورة آل عمران:
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
الحقيقة أن هذه الآية مع آية ثانية تُعرف بأسباب النصر، وكأن هذا الموضوع دقيق جداً، والأمة العربية والإسلامية في أشدّ الحاجة إليه، الحقيقة أن النصر يحتاج إلى شرطين، كل شرط منهما لازم غير كاف، يحتاج إلى إيمان، ويحتاج إلى إعداد، فالإيمان بلا إعداد لا يكفي، والإعداد بلا إيمان لا يكفي، الصحابة الكرام في معركة بدر انتصروا، وقد وصفوا بأنهم أذلة، وقال علماء التفسير: معنى أذلة في هذه الآية المعنى السياقي أي كنتم مفتقرين إلى الله، أنت إذا افتقرت إلى الله كان الله معك، وإذا كان الله معك فمن عليك؟ أما إذا اعتددت بشيء آخر، تخلى الله عنك.
الإنسان بين حالين؛ التولي و التخلي :
كأن الإنسان بين حالتين، بين حالة التولي وحالة التخلي، إذا قال: الله، تولاه الله جل جلاله بالرحمة، بالهدى، بالإرشاد، بالدعم، بالتقوية، بالغنى، بالنصر، إذا قال: الله، تولاه الله، أما إذا قال: أنا بعلمي، أنا بنسبي، أنا بأسرتي، أنا بمالي، إذا قال: أنا، واعتمد على شيء بعيد عن أن يكون توحيدياً، تخلى الله عنه، فكأن الإنسان في كل ساعة من ساعات حياته بل في كل دقيقة بين حالتين، حالة التولي وحالة التخلي، فالصحابة أنفسهم هم قمم البشر، ومعهم سيد البشر في معركة حنين قالوا- ولعلهم قالوا في أنفسهم-: لن نغلب من قلة، دون أن يشعروا اعتدوا بكثرتهم، لن نغلب من قلة، فقال تعالى:
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
هذا الدرس، درس بدر، ودرس حنين، يحتاجه كل مؤمن كل يوم، بل كل ساعة، بل كل دقيقة، فإذا عزا سلامته وتفوقه إلى ذاته، ونسي الله عز وجل تخلى الله عنه، ومن صفات المؤمن المتفوق أنه لا يشهد عمله بل يشهد فضل الله عليه، فالمؤمن متأدب مع الله، فإذا نجح في دراسة، نجح في عمل، نجح في تجارة، نجح في دعوى، هذه الدراسة والعمل والدعوى يعزوها لفضل الله عز وجل، وهذا ليس تأدباً كما يقال، لا، هي حقيقة، إذا تخلى الله عنك فمن أنت؟ أي قطرة دم لا تزيد عن رأس دبوس إذا تجمدت في أحد أوعية الدماغ في مكان يصاب بشلل، في مكان يفقد بصره، في مكان يفقد ذاكرته، الإنسان بكلمة ينتهي، فإذا قال: أنا معتداً بنفسه، فهو أحمق، أما المؤمن فهو أولاً مع الحقيقة وثانياً متأدب مع الله عز وجل، فكلما حظي بنجاح، بشيء جيد، عزا ذلك إلى الله عز وجل، وهذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، إذاً قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ ﴾
وكأن الله ذكر السبب، قال تعالى:
﴿ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
أي مفتقرون إلى الله . لذلك ما ينبغي على كل مؤمن أنه إذا أقدم على عمل تدريسي، أو عمل صناعي، أو عمل زراعي، فقال: يا رب إني تبرأت من حولي وقوتي والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين، عندئذ يتولاه الله عز وجل، أما إذا اعتدّ بعلمه، بثقافته، بمنصبه، بوسامته، بذكائه، تخلى الله عنه.
فدائماً هذا الدرس درس بدر، ودرس حنين، نحن في أمس الحاجة إليه كل دقيقة، إن كنت مؤمناً إيماناً جيداً تعزو ما أنت فيه إلى فضل الله عز وجل، أما في ساعة الغفلة فقد تعزو هذا النجاح إلى ذاتك، الآية الكريمة:
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
لكن يقابلها:
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
الافتقار إلى الله عز وجل :
أيها الأخوة المشاهدون؛ ما الذي يمنع أنك إذا أقبلت على عمل تبرأت من حولك وقوتك واعتمدت على حول الله وقوته؟ وهذا معنى لا حول ولا قوة إلا بالله، أي لا حول عن معصيته إلا به، ولا قوة على طاعته إلا به، فالمصلي حينما يركع يقول: سبحان ربي العظيم، أي في الركوع خضوع، وفي السجود استعانة، تركع فأنت بهذا الركوع تصدق هذه الآية، وتعلن عن خضوعك له ،وفي السجود تطلب العون من الله، فأنت بين إياك نعبد وإياك نستعين.
إذاً الإنجازات الصغيرة والكبيرة تحتاج إلى شيئين؛ إلى إيمان بالله وإلى إعداد وافتقار، بينما إذا ألغي الافتقار واعتدّ الإنسان بنفسه وبقوته لن يحقق الهدف، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الآيات داعماً لنا في حياتنا، ومنهجاً لنا في حركتنا في الحياة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.