- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠16برنامج ومضات قرآنية - قناة بغداد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
الغرق في الجزئيات من أمراض المسلمين اليوم :
أيها الأخوة المشاهدون؛ لازلنا في سورة البقرة، وفي بعض الآيات التي يمكن أن تكون ومضات في القرآن الكريم، الآية اليوم هي قوله تعالى:
﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾
الحقيقة يمكن أن نقسم شؤون الدين بين أشياء تعد شكليات لا بد من أن نأخذ بها ولكنها تبقى شكليات، وبين حقائق دقيقة وعميقة هي حقيقة التدين، فكأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ﴾
أحياناً يتوهمون أن القبلة نقطة، فيختلفون في الزوايا لدرجة التنافس غير المقبول، والحقيقة أن الدين في جوهره مجموعة من القيم، فكأن الآية الكريمة تقول: ليس البر أي أن تختلفوا في الجزئيات، وأن تغرقوا في الجزئيات، وأن تكون هذه الجزئيات سبب اختلافكم، لذلك بعضهم يقول: إن من أمراض المسلمين اليوم الغرق في الجزئيات، وكأننا إذا بالغنا في هذه الجزئيات غابت عنا مقاصد الدين العظيم.
التعريف الإلهي والقرآني للبر :
لذلك قال تعالى:
﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ ﴾
الآن التعريف الإلهي والقرآني للبر، قال تعالى:
﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾
أي من آمن بالله إيماناً يحمله على طاعته، وآمن باليوم الآخر إيماناً يمنعه أن يؤذي مخلوقاً، قال تعالى:
﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ ﴾
شعر أن كل أعماله مسجلة عليه من خلال الملكين، قال تعالى:
﴿ وَالْكِتَابِ ﴾
المنهج، قال تعالى:
﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾
أعطانا كتاباً فيه الميزان، ميزان الحق والباطل، الخير والشر، ما ينبغي وما لا ينبغي، قال تعالى:
﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾
لذلك ما من ركنين أساسين من أركان الإيمان اقترنا في القرآن كالإيمان بالله واليوم الآخر، الإيمان بالله من أجل أن تطيعه، والإيمان باليوم الآخر من أجل ألا تؤذي مخلوقاً، قال تعالى:
﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾
والحقيقة الإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله لا يعد إيماناً.
(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثوراً، قيل يا رسول الله جلهم لنا؟ قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها))
الإيمان بالله هو الإيمان الذي يحمل المؤمن على طاعته، والإيمان باليوم الآخر هو الإيمان الذي يمنعك أن تؤذي مخلوقاً، قال تعالى:
﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ ﴾
كيف أن الله عز وجل أوكل ملكين يكتبان على الإنسان حسناته وسيئاته، قال تعالى:
﴿ وَالْكِتَابِ ﴾
المنهج، الله عز وجل أنزل الكتاب ليكون منهجاً لنا.
الجانب العقدي و السلوكي و الشعائري في حياة الإنسان :
الإنسان أعقد آلة في الكون تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حرصك على سلامتك، وعلى سعادتك، ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع، وهذا موقف كل إنسان يقتني آلة غالية الثمن، عظيمة النفع، معقدة التركيب، يبحث عن تعليمات الصانع ضماناً لسلامة الآلة، فلذلك قال تعالى:
﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾
الأنبياء جاؤوا بالمنهج، والملائكة سجلوا، الآن هذا الجانب العقدي آمنت بالهن، باليوم الآخر، آمنت بأحقية هذا القرآن، آمنت آمنت، جانب عقدي، اعتقادي، نظري، الآن الحركة؛ أنت كائن متحرك، الآن:
﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾
﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾
﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾
بعضهم قال: إما أنك تحب المال فإذا أنفقت المال ارتقيت عند الله، أو أنفقت المال محبة لله عز وجل، قال تعالى:
﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى ﴾
الأقربون أولى بالمعروف، قال تعالى:
﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ﴾
هذا الجانب السلوكي، يوجد جانب عقدي، وجانب سلوكي، الآن جانب شعائري، قال تعالى:
﴿ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ﴾
الفائزون هم من عرفوا حقيقة الدين :
هؤلاء الذين رضي الله عنهم، هؤلاء الذين عرفوا حقيقة الدين، هؤلاء هم الناجون، هؤلاء هم الفائزون، قال تعالى:
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ﴾
الصدق صدقان، صدق في القول، وصدق في العمل، فإذا جاء عملك موافقاً لقولك، هذا الصدق صدق الأعمال، وإذا جاء صدقك مطابقاً للحقيقة صدق الأقوال، قال تعالى:
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ﴾
صدق الأقوال وصدق الأفعال، قال تعالى:
﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾
أرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون جميعاً من هؤلاء الذين وصفوا في هذه الآية الكريمة، وإلى لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.