- ندوات تلفزيونية / ٠03برنامج دٌرر - قناة مكة
- /
- ٠2درر 2 - الحقوق
مقدمة :
الأستاذ بلال :
السلام عليكم ؛ يقول تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾
ما الذي أمر الله بوصله ؟ من هم الأرحام وما حكم صلة الأرحام ؟ ما مستويات هذه الصلة ؟ وهل تدفع زكاة الأموال للأقارب المحتاجين ؟ ما حكم الاختلاط بحجة صلة الأرحام ؟ كيف نتعامل مع الأقارب المسيئين ؟ هذه الأسئلة تجدون أجوبتها بعد قليل من خلال درة اليوم في : قيم الإسلام في التعامل مع الأقارب والأرحام .
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على سيد الأولين والآخرين محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أخوتي الكرام ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، في مستهل حلقة جديدة من برنامجكم درر ، حيث نتناول فيه مجموعة من القيم الإسلامية في التعامل بين أفراد المجتمع ، بداية يسرني أن أرحب باسمكم جميعاً بفضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم .
الدكتور راتب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم نحن اليوم مع موضوع جديد في موضوع القيم في التعامل بين الأفراد وننتقل اليوم إلى التعامل مع الأرحام والأقارب ، بداية سيدي من هم الأرحام ؟
العناية بالأقرباء أحد أكبر الأعمال الصالحة :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
الحقيقة أن الأرحام هم الأقرباء من جهة الأب ومن جهة الأم ، والأصح أن نقول مطلق القرابات ، لأن هناك تكافلاً اجتماعياً في الإسلام ، فالأقربون أولى بالمعروف ، لا بد من تكافل اجتماعي ، والاجتماعي دائرة واسعة جداً ، لكن هناك دائرة أضيق ؛ دائرة أقرباء الأب والأم معاً ، وهذا واجب إسلامي كبير ، وكأنه تضامن إسلامي ، وكأنه تكافل إسلامي ، المعاني الحديثة الآن تنطبق جميعها على صلة الأرحام ، تعاون ، تكافل ، تضامن ، عطاء ، إلى آخره، من جهة الأب ومن جهة الأم ، ودائماً التوسع في مفهوم الأرحام أفضل من تضييق الدائرة ، الحقيقة هناك قاعدة عامة نحن أحياناً نتوسع في مفهوم الزكاة لصالح الفقير ، وهنا إذا توسعنا في مفهوم الأرحام لصالح الأرحام أنفسهم ، الإنسان علة وجوده العمل الصالح ، والحقيقة الأعمال الصالحة متنوعة جداً ، والطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، أي أحد أكبر الأعمال الصالحة - الأقربون أولى بالمعروف - أن نعتني بأقاربنا من جهة الأب ، ومن جهة الأم ، هذه العناية أريد أن أشير إلى حقيقة خطيرة جداً لا ينبغي أن نتساهل في موضوع الاختلاط ، لا تعني صلة الأرحام أن يكون هناك اختلاط ، عندنا امرأة تحل لك من أولي الأرحام ، وعندنا امرأة لا تحل لك ، لا ندخل طاعة بمعصية ، هذه نقطة مهمة جداً ، أنا لا أستطيع أن أبني عملاً صالحاً على مفسدة ، فإذا فعلت هذا ضيعت العمل الصالح .
الأستاذ بلال :
﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾
الدكتور راتب :
أبداً :
﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾
العمل الصالح مقيد برضا الله عز وجل ، وهذا الرضا ما كان مطبقاً في السنة وما ابتغي به وجه الله ، كلمة ترضاه فسرها العلماء ما كان موافقاً للسنة ، وما كنت تبتغي به وجه الله، أي الإخلاص وتنفيذ سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
الأستاذ بلال :
إذاً هذا الاختلاط الذي يجري في بعض العوائل بحجة التقاليد ، ونحن تربينا معاً ، وأسرة واحدة ، ونجلس جميعاً في مجلس واحد ، وكلنا أقرباء ، هذا لا يوافق السنة .
اتباع تعليمات الله عز وجل و الانضباط بمنهجه :
الدكتور راتب :
نحن لا ننكر أن هناك عادات وتقاليد ، إلا أن هذه العادات والتقاليد ينبغي أن تنضبط مئة بالمئة بالشرع الحنيف ، فإن لم تنضبط الأولى أن يُقدَم الشرع ، لذلك قالوا : دع خيراً عليه الشر يربو . لو فرضنا عند الأقارب بنات في ريعان الشباب ، والذي يطبق هذه الطاعة لله، هذه الصلة ، جلس معهن وهناك تبذل بالثياب ، هنا صار شر ، فتنة كبيرة جداً انطلقت من خير، نقول له : دع خيراً عليه الشر يربو .
الشرع لا يحابي أحداً ، وهذا منهج الله ، والحقيقة الدقيقة الإنسان يجب أن يتبع تعليمات الجهة الصانعة ، والجهة الصانعة هي الله عز وجل ، هي الجهة الخبيرة ، قال تعالى :
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
فالله عز وجل هو الذي يعلم ما يسعدنا وما يشقينا ، ما يسلمنا وما يوقعنا ، فأنت حينما تنطلق أنك أنت كائن معقد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، ولك صانع عظيم ، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة ، فانطلاقاً من حرصك على سلامتك ، وعلى سعادتك ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع ، وأن تقف عند حدود الله ، قال تعالى
﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ﴾
حتى في كلمة ولا تقربوها معنى دقيق جداً ، أي اجعل هامشاً بينك وبين المعصية ، طبعاً المعاصي المتعلقة بالنساء محرمة ، لكن اجعل بينك وبينها هامش أمان ، إطلاق البصر تجاوزت هامش الأمان ، الاختلاط تجاوزت هامش الأمان ، أشياء كثيرة هي تجاوز لهامش الأمان ، إذاً دع بينك وبين المعصية هامش أمان ، هذا هو الورع .
(( ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ))
الأستاذ بلال :
أستاذنا الفاضل ما حكم صلة الرحم ؟ واجبة مندوبة أم مستحبة ؟
حكم صلة الرحم :
الدكتور راتب :
أية حركة يتحركها الإنسان لا بد من أن تنضوي تحت هذه العناوين ، فرض ، واجب ، سنة مؤكدة ، سنة غير مؤكدة ، مباح ، مكروه تنزيهاً ، مكروه تحريماً ، حرام ، و البطولة في فهم الدين ، أي حركة ، أي سكنة ، أي نشاط ، أي لقاء ، أي وصل ، أي قطع ، أي غضب ، أي رضا ، كل أحوال النفس لا بد من أن تنضوي تحت هذه الأحكام ، فالبطولة أن أعرف هذه الأحكام ، إذاً عندئذ تأتي الحركة صائبة .
الأستاذ بلال :
وصلة الأرحام من الواجبات ؟
الدكتور راتب :
الآن مثل بسيط للتأكيد ، أنت حينما تمشي في فلاة ، وتقرأ لوحة كتب عليها : ممنوع التجاوز حقل ألغام ، هل تشعر لثانية واحدة أن هذه اللوحة وضعت حداً لحريتك أم ضماناً لسلامتك ؟ هنا الفهم الصحيح للدين ، أنا حينما أفهم أن كل الأوامر ، وكل الواجبات ، وكل النواهي ، وكل المحرمات تنضوي تحت افعل ولا تفعل ، وهي من أجل صالحك ، فالصانع هو الخبير ، أنا حينما أفهم الدين أعرف أن هذه ليست حدوداً لحريتي بل هي ضمان لسلامتي .
الأستاذ بلال :
جزاك الله خيراً ، أستاذنا الفاضل إذاً حتى أؤكد فقط صلة الرحم من جهة الأب ومن جهة الأم وهي واجبة ؟
صلة الرحم تعاون كامل :
الدكتور راتب :
مطلق القرابة ، لكن ما دام الموضوع بحث ، هناك من يفهم أن صلة الرحم حينما يأتي العيد تسارع إلى وضع بطاقة عند أحد الأقارب ، وكأنك تتمنى ألا تجده في البيت ، عندك قائمة طويلة ، ليست هذه صلة الرحم ، الصلة أن تزوره ، وأن تتفقد شؤونه ، أن تطمئن على صحته ودخله وأولاده ، وأن تعينه إذا استطعت ، وأن تدله على الله في النهاية ، أنا
أذكر أن أحد الأخوة من أولي اليسار سمع درساً لي عن صلة الرحم
كان الموضوع غائباً عنه كلياً ، فبحث عن أقاربه ، له عدة أقارب ما سبق أن زارهم إطلاقاً ، الذي حدثني هذه القصة الشخص والذي نالته هذه الميزة زاره وجد بيته تحت الأرض ، وفيه رطوبة عالية ، والأولاد أصيبوا بالروماتيزم ، أخذ له بيتاً في الطابق الثالث باتجاه أشعة الشمس ، صلة الرحم تعاون كامل ، والتعاون حضارة، والتعاون فضيلة ، والتعاون قوة ، والتعاون رحمة ، والتعاون طاعة لله عز وجل ، فنحن نعيش في الدنيا لعمل صالح هو سبب الجنة ، لأن الجنة لها ثمن قال تعالى :
﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
والحقيقة الدقيقة جداً أن الإنسان حينما يقترب أجله ماذا يقول ؟ قال تعالى :
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِي * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾
لم يتذكر إلا العمل الصالح لأنه علة وجودنا .
الأستاذ بلال :
جزاك الله خيراً ، أستاذنا الفاضل وأحسن إليكم ، أخوتي الأفاضل مازال في حديثنا حول صلة الأرحام والأقارب شيء يسركم فتابعونا بعد فاصل قصير ..
السلام عليكم ؛ أخوتي الأكارم عدنا من جديد لنتابع حديثنا حول قيم الإسلام في التعامل مع الأقارب والأرحام ، أستاذنا الكريم قبل الفاصل بينتم أن صلة الأرحام تبدأ بالزيارة وتنتقل إلى التفقد ثم إلى المساعدة ثم إلى الدلالة على الله تعالى ، وهذا مفهوم عظيم كيف نطبقه عملياً ؟
توظيف الأعمال الصالحة في صلة الرحم :
الدكتور راتب :
والله أنا لي تطبيق طبقته ، هذا التطبيق أساسه أن يكون عندي إحصاء دقيق للأقارب ، أي البنات والأزواج والأحفاد ، هذا الإحصاء الدقيق كنت أجمع هؤلاء جميعاً الرجال طبعاً والشباب في مكان واسع ، ونجلس سهرة طويلة ، نتعرف على أحوالهم ، على مشكلاتهم ، على إيجابياتهم ، على أولادهم ، وضع الدراسة ، من خلال هذا اللقاء تتم كشف حقائق كثيرة جداً ، لقاء مطول أحياناً العادات والتقاليد توصل الأمر إلى شيء شكلي لا معنى له إطلاقاً ، نحن ألفنا في بعض البلاد الإسلامي يتراشقون بطاقات المعايدة ، عنده قائمة لثلاثين شخصاً ، لم يجده في البيت يضع له بطاقة ، لا ، اجلس معه سهرة طويلة ، جلسة طويلة ، اجلس معه ، اجمع الأقرباء المتقاربين بالسن ، تعرف حرفته ، تعرف بيته ، أولاده ، دراسة أولاده ، وضعه المادي أحياناً بشكل لطيف ،
أنت تعرف الوضع العام لمن حولك إذا أنت عندك رغبة أن تعمل عملاً صالحاً
ممكن أن ترسم خطة ، يجب أن أؤمن قسطاً جامعياً لهذا القريب ، الطفل الشاب ذكي جداً ، وأهله وضعهم المادي صعب ، نؤمن قسطاً جامعياً لهذا الشاب ، نؤمن بعثة لهذا ، فالأقارب حينما يجتمعون ، هناك قوي وضعيف ، غني وفقير ، أحدهم صاحب منصب رفيع والآخر من دهماء الناس وعامتهم ، هذا التفاوت في الأقارب ممكن أن يكون فيه تعاون كامل ، تفقد كامل ، وضع اليد على نقاط الضعف في هذه الأسرة ، أتمنى عل كل أسرة بعالمنا الإسلامي أن يكون هناك أسماء ، إحصاء معقول جداً مضبوط للرجال والشباب ، وضعهم المادي والمعاشي ، فلقاء العيد هذا نوع من صلة الرحم العالية جداً ، صار هناك تعارف ، أنت ضمن خطتك عندك عمل صالح ، عندك زكاة مال أحياناً ، ممكن أن تدفع زكاة المال بأسلوب هدية من دون أن تقول له : هذه زكاة مالي ، تدفع الزكاة بأسلوب لطيف ، هدية لابنه ، قسط جامعة ، ابنه متفوق قل له : هذا المبلغ هدية مني لجامعة ابنك ، أنت ساعدته ودفعت من مال الزكاة بشكل لطيف ، أمنت له حاجته الأساسية ، الحقيقة من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف، ومن نهى عن منكر فليكن نهيه من دون منكر .
أنا أقول : ممكن أن ندخل أعمالنا الصالحة التي هي فرض علينا والتي هي أحد أسباب وجودنا في الدنيا ، قال تعالى :
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِي * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾
وأن نوظفها في صلة الرحم .
الأستاذ بلال :
جزاك الله خيراً ، أستاذنا الفاضل أريد أن آتي ببعض الآيات التي تتعلق بالأرحام، قال تعالى يصف المؤمنين :
﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾
و قال تعالى بالمقابل يصف البعيدين المنحرفين :
﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾
ما الذي أمر الله به أن يوصل ؟
صلة الرحم من الأمور التي أمر الله بها أن توصل :
الدكتور راتب :
هذه صلة الرحم نفسها ، القريب من له غيرك ؟ أحياناً يكون هذا القريب له ابن عم وضعه المالي جيد جداً ، هذا ابن العم الغني زكاة ماله الأولى أن تذهب إلى قريبه ، من باب أولى ، هذا قوي معه قرار وله قريب يحتاج إلى دعم معنوي إداري ، فعندما يكون هناك تواصل وتعارف ، أنا أرى من باب التطلع لما هو أفضل ، كل أسرة يكون عندها تعداد دقيق لأفرادها ، لأعمارهم ، لمستوياتهم العلمية والفكرية ، للمستويات المادية والاجتماعية ، ويلتقوا من حين لآخر لقاء مثمراً فيه مودة ومحبة ، أحياناً يكون الواحد منهم لا يعرف أقرباءه إطلاقاً ، وأنا أعدها وصمة عار في حق الأمة ، يجب أن نعرف أقاربنا ، والأقربون أولى بالمعروف ، ممكن عن طريق زيارة ، ممكن أن تبدأ باتصال هاتفي ، أحياناً تخبر شخصاً يقول لك : لا أنسى لك هذا الاتصال ، اتصال هاتفي لم يكلفك شيء ، بعد ذلك زيارة ، ثم تفقد بأسلوب ذكي جداً ، وضعه المادي ، أولاده بالجامعة ما وضعهم ؟ ثم مساعدة بشكل هدية ، نعمل طرقاً كثيرة جداً نقدم هذه المساعدات على شكل هدايا ، وعلى شكل هدايا بمناسبات معينة .
أنا أرى أن هذه العبادة صلة الرحم جاء بها آيات ، نحن إذا وجدنا حديثاً شريفاً فيه دعوة لشيء نطبقه ، هنا يوجد آيات قرآنية ، وهناك تحذير بالمقابل ، فالأقربون أولى بالمعروف، الأقربون نسباً ، و هناك رأي ثان : الأقربون إيماناً ، ورأي ثالث : الأقربون فقراً ، الأقرب فقراً ، الأقرب نسباً ، الأقرب إيماناً .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الفاضل ؛ البعض يترك صلة الأرحام بحجة أن أقاربي أساؤوا إلي وكأن الصلة هي مكافأة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :
((ليس الواصلُ بالمكافئ ...))
ماذا نقول لمن يترك الصلة بحجة الإساءة من جهة الأقارب ؟
النهي عن ترك صلة الرحم بحجة الإساءة من جهة الأقارب :
الدكتور راتب :
والله أنا أقول : اصنع المعروف إلى من هو أهله ، وإلى غير أهله ، فإن أصبت أهله أصبت أهله ، وإن لم تصب أهله فأنت أهله .
أدّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك، أحياناً القريب عندما يسيء لقريبه ، ويقابله بالإحسان تنشأ مودة تفوق حدّ الخيال ، هو قطعك وأنت وصلته ، هو ابتعد عنك وأنت تقربت منه ، هو تكلم بحقك وأنت ما تكلمت إلا بالخير ، فحينما أتخلق بأخلاق الإسلام وهناك نص دقيق :" تخلقوا بأخلاق الله عز وجل " يكون العبد مرتكباً كل المعاصي والآثام ، فإذا تاب إلى الله يا رب قد تبت إليك ، يقول : يا عبدي وأنا قبلت . هذه أخلاق الله عز وجل .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الفاضل ليس هناك حجة لمن يقول : أقاربي يسيئون إلي ، ادفع بالتي هي أحسن ، أستاذنا الفاضل هنا أنتم أشرتم من خلال الحديث ولكن أريد أن أؤكد لأن بعض الناس يتوهم دعونا من الأصول والفروع ، يتوهم أن الزكاة ينبغي أن تخرج خارج الأسرة ؛ أما الأخ ، الأخت ، العم ، الخال ، فهؤلاء أولى بزكاة المال .
الفروع أولى بزكاة المال إن كانوا فقراء :
الدكتور راتب :
ممنوع للأصول ، للفروع فقط ، الأخوات والأخوة ، العمات والأعمام ، الخالات والأخوال ، أبداً بالعكس هؤلاء هم الأولى ، الآخرون أنت لهم وغيرك لهم أما هؤلاء الأقارب فمن لهم غيرك ؟ إن تخليت عنهم هناك مشكلة كبيرة جداً .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الفاضل أحياناً يدعى الإنسان إلى حفل أو إلى زفاف قريب له من أقربائه ، ولا يلبي دعوة هؤلاء بحجة المكان البعيد ، أو بحجة الفقر ، أو إلى آخره ، هذا من ناحية صلة الرحم ، ومن ناحية ثانية قد يكون هناك مخالفة شرعية في هذا الحفل، أو الزيارة ، فهل ينبغي أن يزورهم أم يترك الزيارة ويؤجلها ؟
تلبية الدعوة فرض :
الدكتور راتب :
أولاً : إذا دعي إلى حفل ، هناك حكم شرعي : الدعوة سنة ، تلبية الدعوة فرض ، هذه أول نقطة ، أما إن كان المكان بعيداً فمن قال إن الدين أموره سهلة ؟ هناك متاعب و تكليف ، ما معنى ذو كلفة ؟ أي تحتاج إلى عبء ، فمن يعيش لوحده ، ويمارس كل هواياته ، ويبتعد عن مشكلات المجتمع ، مشكلات أقاربه ، هذا ليس من بني البشر ، أما الذي يحمل همّ أمته أولاً ، وهمّ وطنه ، وهمّ عائلته الكبيرة ، وهمّ أسرته ، وهمّ بلاده ، كلما حملت هماً أكبر كنت عند الله أقرب .
أنا مرة ذكرتها دخلت إلى القطر بطائرة ، كان الطيار تلميذي وضعني في حجرة القيادة ، دخلت إلى سوريا من طرابلس رأيت بعيني هذه طرطوس وصيدا ، تقريباً أربعمئة كيلو متر ، استفدت من هذه التجربة المتواضعة أنه كلما ارتفع مقام الإنسان اتسعت رؤيته ، كلما ارتفع مقام الإنسان اتسعت همومه ، تهمه أمته ، يهمه وطنه ، يهمه أقاربه ، أبناء عمومته ، كلما ارتفع الإنسان تتسع رؤيته ، وتتسع اهتماماته .
الأستاذ بلال :
أما إذا كان الحفل مختلطاً فهذا لا يلبى لأن فيه معصية ؟
الدكتور راتب :
أنا لي هنا رأي دقيق ، لو فرضنا أن الحفل مختلط ، وهذا الذي عقد هذا الحفل لا يوجد عنده ثقافة إسلامية عالية جداً ، ظنّ أن هذا حضارة ، أنا ماذا أفعل ؟ أزوره قبل يومين ومعي هدية ، وأعبر له عن فرحي بهذه المناسبة ، وهذه هدية ، أما أنا فأعتذر عن حضور الحفل لأنه مختلط ، وأعطيه لفت نظر جيد ، أنا أتقرب إليه بهديتي ، وألبي الدعوة ، لأن التلبية فرض ، ثم أنبهه أنا أعتذر عن حضور الحفل الذي أنت خططت له لأن هذا فيه مخالفة شرعية، أعطيته درساً ولبيته قبل يوم الحفل .
خاتمة و توديع :
الأستاذ بلال :
جزاكم الله خيراً أستاذنا الكريم ، وأحسن إليكم ، لم يبق لي في نهاية هذا اللقاء الطيب إلا أن أشكر فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي على ما تفضل به في هذا اللقاء الذي طاب بحضوركم ، سائلاً المولى عز وجل أن نلتقيكم دائماً وأنتم في خير حال ، إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .