- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
إياكم والجلوس في الطرقات.....
أيها الإخوة المؤمنون؛ حديث اليوم:
(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: فَأَمَّا إِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجْلِسَ, فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ))
إياكم: أداة تحذير، وإذا وردت إياكم في القرآن الكريم, فهي تحذير من الله عز وجل، في حديث الإفك, يقول الله عز وجل:
﴿
هناك تحذير من الله عز وجل، وإذا كان التحذير من الله, فكفى به محذراً، لأن الأمر كله بيده، قد يحذرك إنسان، ولا يقوى على ما يحذرك منه، ولكن الله سبحانه وتعالى إذا حذرك, فبيده كل شيء, وإذا حذرك النبي الكريم:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾
الله سبحانه وتعالى أمرك بنص القرآن الكريم, أن تَتَّبِعَ أوامر النبي, قال تعالى:
﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ
فالنبي يقول:
لكن هل هذا التحذير على مستوى التحريم؟.
لو كان كذلك, لكان الجلوس في الطرقات كشرب الخمر.
هل هو تحريم؟ لا.
ولكن العلماء قالوا: هذا نهي, حمل على الكراهة ، أي مكروه أن تجلس في الطرقات.
من منا برأيكم يجلس في الطرقات؟.
الحقيقة علماء هذا الحديث فسروه: على أن الذي يجلس في حانوت, يطل على الطريق، وعينه على المارة يتفحصهم, فهذا حكمه كحكم من يجلس في الطريق، وهؤلاء الذين يجلسون على شرفات منازلهم المطلة على الطرق المزدحمة، ويمتعون أبصارهم بمنظر المارة ذكوراً وإناثاً، فهؤلاء ينطبق عليهم الجلوس في الطريق، وهؤلاء الذين يجلسون في مقاهي الرصيف, هؤلاء ينطبق عليهم هذا الحديث أشد الانطباق، فهذا الذي يجلس في الطريق، أو يطل عليه من شرفة، أو يقبع في حانوت, يطل على الطريق، وهدفه أن يمتع النظر برؤية الناس، والذي يجلس في مكان عام، والناس يرتدون أبهى حلل، وليسوا ورعين، ولا متدينين، ويمتع نظره بمرآهم, ينطبق عليه هذا الحديث أشد الانطباق.
هذا الذي يتنزه في الطريق مجروحة عدالته، الذي يتنزه في الطريق، والذي يتحدث عن النساء، والذي يصحب الأراذل، والذي يعلو صياحه في البيت، والذي يطلق لفرسه العنان، والذي يقود برذوناً، والذي يطفف بتمرة، والذي يأكل لقمة من حرام، والذي يأكل في الطريق ، والذي يبول في الطريق، هؤلاء جميعاً مجروحة عدالتهم.
يقولون: الجنة بلا ناس ما بتنداس، فهذه لا آية ولا حديث، بل كلام لا وزن له إطلاقاً.
فيحمل على الجلوس في الطرقات: التنزه فيها، أو أن تقف في طريق مزدحم بالنساء، أن تقبع في حانوت مطل على الطريق مزدحم بالنساء، أن تقبع في شرفة بيتك المطلة على طريق مزدحم بالمارة، أن تجلس في مقهى الرصيف، أو مكان عام يرتاده الناس غير المتدينين والمنضبطين والمحتشمين، هذا كله ينطبق على الجلوس في الطرقات, لكن هذا النهي نهي كراهة.
الإنسان أحياناً يضطر للوصول إلى طبيب عيادته في مكان مزدحم، فإذا كانت باتجاه الطبيب من دون أن يقف, أو ينظر, فهذا معذور، هناك إنسان مضطر إلى أن يذهب إلى مكتب مهندس في شارع مزدحم، وفي وقت حرج، فالله سبحانه وتعالى يعلم نيته، فهناك حاجات لا بد من قضائها، أو حالات إسعافية، وعلاجية، أو عقد صفقة، أو شراء بيت، أو بيعه, فالمكاتب يمكن أن تكون مطلة على طرق مزدحمة، فلذلك هذا النهي نهي كراهة، أن النبي الكريم بعد أن نهانا على الجلوس في الطرقات, أعطانا بعض الرخص.
قالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها.
أي نحن نضطر أحياناً كالعمل، وقضاء الحاجات، والمعالجة، وشراء، وبيع، ولقاء، لأن أصحاب النبي, كانت مجالسهم مصونة, عما لا يعنيهم من المباحات.
(( فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ ))
أيها الإخوة؛ حتى المباحات التي لا تعنيك, كان أصحاب النبي ينزهون مجالسهم عنها.
فأما إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه.
فقال عليه الصلاة والسلام:
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ.
لأنك إذا متعت بصرك بما لا يحل لك, انقطعت عن الله عز وجل، حينما تخالف أمر الله, تجد حجاباً بينك وبين الله، وأصبح دينك معلومات، ثقافة، تقرأ الكتاب فتعجب به، تسمع لهذه المحاضرة فتطرب لها، وتتحدث عن روعتها، فيمتلئ عقلك بالمعلومات, وأما الصلة بالله فهي مقطوعة، فالطريق إلى الله ليست سالكة، ما الذي جعلها هكذا؟ المعاصي وهي بريد الكفر، فالكفر هو الإعراض.
فبكل اختصار: إذا أردت أن تتصل بالله, فاستقم على أمره، تستطيع أن تحضر كل مجالس العلم، وأن تقرأ أي كتاب، أن تفعل أي شيء، أما أن تتصل بالله، وأنت تخالف أمره، فهذا من سابع المستحيلات، لأن الله عز وجل لا يصلك، ولا يسمح لا أن تتصل به، ولا يتجلى على قلبك, إلا إذا رآك مستقيماً على أمره، وآثرته على كل من سواه، إذا كانت شهوة واحدة أغلى عليك من الله, فاعلم أن الطريق إلى الله ليست سالكة، أؤكد لكم ذلك من خلال القرآن الكريم:
﴿
أي أن هذا البيت ليس لك إذا آثرته على طاعة الله عز وجل، هذا المال والتجارة والشيء الفلاني والمسكن المريح كلها ليست لك، وهذه الزوجة تطالبك بما لا يرضي الله، والبنت التي تأخذ من قلبك كل مأخذ, تطالبك بما لا يرضي الله، إذا آثرت بقولك: أبي كان هكذا، وأنا أعمل عنده، فإذا خالفتُ أمره طردني، فتربصوا، أي اقعدوا مع القاعدين، لن تصلوا إلى الله، لن يتجلى الله على قلوبكم، لن تسعدوا بقربه، ولن تشعروا بثمرات الإيمان، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ, مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ –نَبِيًّا- رَسُولاً ))
أي ما لم تذق طعم الإيمان, فلا تشعر أن هذا الدين ثمين، فكما قلت: هناك من يسمع، هناك من يطالع، من يثقف نفسه، لكن ما دام هناك مخالفات, فالحجب قائمة، يسمح الله لك أن تتعرف كل شيء, إلا أن تسعد بقربه، أن هذا يحتاج إلى أن تدع كل شهواتك التي لا ترضي الله تحت قدميك.
لذلك:
خطر في بالي, أن الله أرادك أن تتقرب إليه، إذا كنت تمشي في الطريق مع كل غض بصر، فأنت تصلي باليوم خمس مرات، لكن بغض البصر, تستطيع أن تقبل على الله في اليوم آلاف المرات، كلما مرت امرأة، وغضضت طرفك عن محاسنها، وقلت: إني أخاف الله رب العالمين، ولا أحد يحاسبك فيما فعلت، بل ربما لا يستطيع أحد, أن يشعر أنك تنظر، لذلك قال الله عز وجل:
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)﴾
كثير من المهن التي تستطيع, أن ترى دون أن تُرى، ولا الزوجة الغيورة تستطيع أن تضبط زوجها بنظرة، الطبيب مهما فعلت زوجته الغيورة، طبيب أسنان، طبيب صحة، بائع يدخل عليه النساء، لكن وهو يعلم إذا يغض بصره بحزم, يرضي الله بهذا الغض، لذلك ليس الإسلام قيوداً، لا والله، لكنه حدود سلامتك، ليس غض البصر قيد لحريتك، بل إنه معراج بك إلى الله، كلما غضضت بصرك عن امرأة لا تحل لك, تعرج بهذا الغض إلى الله عز وجل، ألا تحب أن تعرج إليه باليوم آلاف المرات؟ هذا غض البصر، من غض بصره عن محارم الله, أورثه الله حلاوة في قلبه إلى يوم يلقاه، فإذا نظرت، وسقطت من عين الله، ورسبت في الامتحان، وإذا غضضت البصر, يعني أنك نجحت في الامتحان، وارتقيت إلى الله، والذي أعطاك الله، والذي أمرك أن تغض بصرك, هو الذي يكافئك، في بيتك إن كنت عازبا أو متزوجاً، إن كنت عازبًا يأتي غض البصر, ليجعل حياتك هادئة ناعمة خالية من الاضطراب، والكبت كما يقول علماء النفس: الكبت سببه إثارة ومنع، وإذا كنت متزوجاً, ألقى الله في قلبك محبة هذه المرأة, التي هي زوجتك, فسعدت بها، وسعدت بك، إن كنت عازبًا فرغك الله لمعرفته، وبناء مستقبلك، وإن كنت متزوجاً, ألقى في قلبك, وقلب زوجتك المحبة المشتركة، والتجربة أكبر برهان، مع أن الله لا يجرب ولا يشارط، لكن طبق وانظر.
ما معنى قوله تعالى :
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)﴾
أي عندما يطبقون أمر الله دائماً, يشعرون أن الله يتجلى على قلوبهم، كما يتجلى عليهم في الصلاة، هذه صلاة من نوع آخر، صلاة فيها حقيقة الصلاة, وليس فيها حركات الصلاة، فإذا إنسان غض بصره, فدمعت عينه شعوراً: أن الله عز وجل راض عن هذه الصلاة، ولكن لا تجري على قواعد الصلاة، لذلك قال الله عز وجل:
(( اشتقت لأحبابي، قالوا: أو لسنا أحبابك؟ قال: لا أنتم أصحابي، أحبابي أناس, يأتون في آخر الزمان, القابض منهم على دينه, كالقابض على الجمر ))
لأن كل متر فيه امرأة بالطريق، أي حركة، بأي مكان عام, فيه نساء، جميع حركاتك ونشاطاتك فيها نساء، في التعامل مع الموظفين, يوجد موظفات، طلبوا منك الحضور للمدرسة, عليك أن تقابل المدرسات، دفع الهاتف موظفات، هذه مشكلة، أينما تحركت فالمرأة أمامك، والمرأة ليست كما ينبغي أن تكون، فهي كاسية عارية، مائلة مميلة، لذلك مناسبات كثيرة, ترقى بها إلى الله عز وجل.
(( قَالَ أَبُو أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيُّ, قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ, فَقُلْتُ: يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ, كَيْفَ تَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾؟ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ, لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا, سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ, وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا, وَهَوًى مُتَّبَعًا, وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً, وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ, فَعَلَيْكَ يَعْنِي بِنَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ, فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلا, يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ، وَزَادَنِي غَيْرُهُ, قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ, قَالَ: أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ))
فأقل كلمة: هل تعتقد أنها ستأكلك؟ لا, لن تأكلني، فليست وحشًا، لكن الله سيغضب علي.
يدخل إليك المشتري، ويقول لك: أريد بربع ليرة شاي، فإذا كان البائع بعيدًا عن الله يطرده، أعطه جبرًا لخاطره، قال رجل لبائع -قصة قديمة-: أريد جبنًا بفرنك، هل أحد يعطي جبنًا بفرنك؟ استحى منه, فأعطاه قطعة, قال له: جيدة، من هذه أعطن، فالتعليق، السخرية، الاستخفاف، الغيبة، المحاكاة، التقليد, الاستعلاء، والتجبر، هذا كله من الأذى.
فالنبي الكريم قال:
﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)﴾
توعدهم بالويل، فإذا وجدت أمامك مخالفة شرعية، تجاوز، تقصير، بدعة, قال له: اخصم لي لأدفع نقدي، سنتفق على السعر الفلاني، أتخصم بالمئة ستة؟ نسميه: حسمَ سماحٍ, حتى يكون شرعيًا، وأنت جالس, فأمر بالمعروف وانه عن المنكر، هذا أربى، لأن البيع انقلب إلى نقدي، والبيع لأجل أصبح أساسه، فللزمن سعر واضح، اشترى ولم ير، فلما جاءت البضاعة, ألزمه بها البائع، قل له: من اشترى، ولم ير, فله الخيار إذا رأى، هذه قاعدة في البيع بلّغه إياها.
اشترى أمامك زبون حاجة، وسأل ما سعرها؟ فأجاب: لا فرق بيننا، قال له: توقف فهذه جهالة, تفضي إلى المنازعة، الآن في مودة، وبعد لحظة, تصبح مشكلة، هو يعتقد أن الغرفة, ثمنها ثمانية وعشرين ألفاً، دفع له ثلاثين أو خمسة وثلاثين، وكلمة هذه دفعة متى، تنتهي الغرفة, قال له: ثمنها ثمانية وخمسون، قل له: ذلك من البداية.
رجل جاره نجار، وأعجبته غرفة نوم، فقال له: ابعثها لي، ما سعرها؟ لا فرق بيننا، بعث له دفعة كل جمعة، وصار هناك منازعة كبيرة بينهم، فإذا كنت في السوق، وكنت متفقهًا بالبيوع، وعلمت وجود بيعة خلاف الأصول، أو شراء خلاف الأصول، أو أخفي عيب البضاعة، ولم يبين السعر تماماً، فإذا تمكنت بأدب ولطف, من دون تدخل وتطفل، والأخ يثق بك، وتثق به, فأمر بالمعروف، وانه عن المنكر، من أمر بمعروف, فليكن أمره بمعروف بالحسنى، والتلطف دون تشهير أو فضح، ولا تنصحه أمام الزبائن، تقول له: هذا حرام، لأنه سيطردك إذا فعلت هذا.
(( قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ))
آداب عامة استنبطها العلماء تتعلق بحق الطريق:
العلماء رحمهم الله تعالى, أضافوا على هذه الآداب آداباً أخرى، أخذوها من أحاديث شريفة أخرى, من آداب الطريق:
1-إرشاد ابن السبيل:
2- تشميت العاطس:
3- إغاثة الملهوف:
اليوم: لا مشكلة إذا سقط إنسان في الطريق, وأنقذه إنسان نعمة، هناك تعديل: إذا أخذ رجل مريضًا أو مصاب, ويدخله للمستشفى, ولا مسؤولية عليه، فقط أن يعطي اسمه ورقمه، فإذا لم تكن علاقة له بالموضوع, فليس عليه شيء, كانوا سابقاً يحتجزونه, معهم حق، لكن أصبح هذا القانون منعًا لإنقاذ الناس.
4- وأعينوا على الحمولة:
5- وأعينوا المظلوم:
6- واذكروا الله كثيراً:
فجاء عالم جليل، وجمع هذه الآداب, في أربعة أبيات, مجموع هذه الآداب: أربعة عشر أدباً، فقال هذا العالم:
جَمَعْت آدَابَ مَنْ رَامَ الْجُلُوسَ عَلَى الطَّ ... رِيقِ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْخَلْقِ إنْسَانَا
أَفْشِ السَّلَامَ وَأَحْسِنْ فِي الْكَلَامِ وَشَ ... مِّتْ عَاطِسًا وَسَلَامًا زَادَ إحْسَانَا
فِي الْحَمْلِ عَاوِنْ وَمَظْلُومًا أَعِنْ ... وَأَغِثْ لَهْفَانَ وَارْشِدْ سَبِيلًا وَاهْدِ حَيْرَانَا
بِالْعُرْفِ مُرْ، وَانْهَ عَنْ نُكْرٍ وَكُفَّ ... أَذًى وَغُضَّ طَرْفًا وَأَكْثِرْ ذِكْرَ مَوْلَانَا
جمعت آداب من رام, الجلوس على الطريق, من قول خير الخلق إنساناً، هذه تقديم، أفش السلام، وأحسن في الكلام، وشمت عاطساً، وسلاماً رد إحسانه، في الحمل عاون، ومظلوماً أعن، وأغث لهفاناً، واهد سبيلاً، واهد حيراناً، بالعرف مر، وانه عن منكر، وكف أذًى، وغض طرفاً، وأكثر ذكر مولانا، أربعة عشر أدباً, ينبغي أن تمر بها, إذا كنت متبعاً لسنة النبي عليه الصلاة والسلام.
هذا الحديث نحتاجه جميعاً، لأنه حديث يشمل كل إنسان، إنسان موظف, يضطر للذهاب إلى طبيب، وفي الطريق مشاهد، فعليه أن يغض عنها البصر، أحياناً يوجد عمل يحتاج إلى إغاثة لهفان، فالمؤمن صاحب مروءة.
سيدنا موسى, عندما رأى امرأتين تذودان -لم يقل: إنه لا علاقة له- بل قال: ما خطبكما؟ -هذه المروءة- قالتا: لا نسقي حتى يصدر الرعاء, وأبونا شيخ كبير، فسقى لهما.
فهذه من المروءة, أن تسقي للضعيف، أن تعطي دورك لامرأة، أن تقوم بالمركبة العامة لامرأة مسنة أو متحجبة، هذه من المروءة، أحياناً إنسان يمثل جامعه أحسن تمثيل، فإن رأى منك عملا طيبًا, قال لك: أنت من علمك هذا التعليم؟ من أي جامع أنت؟ فيمكن لإنسان أن يجلب إنسانًا إلى المسجد، ويكون هداه على يده, بسبب معونة قدمها، وهو لا يعرفه، وعود نفسك أن تكون عامًّا، هؤلاء كلهم خلق الله, أعن أيّ ملهوف، أيّ عاجز، لا دع عملك أن يكون خاصًّا بالمؤمنين، أنت مؤمن, وهؤلاء الناس جميعاً هم عباد الله، وهم كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله، فإذا كنت مؤمناً تفعل هكذا.
لقطات من سيرة سيدنا عمر بن عبد العزيز
والآن إلى بعض مواقف سيدنا عمر بن عبد العزيز، وفي هذا الفصل صار والياً على المدينة المنورة، ففي السنة الخامسة والعشرين, اختاره الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك, ليكون والي المدينة وحاكمها.
فعل شيئًا رائعًا جداً، وأول شيء فعله: أنه اختار عشرة من أئمة العلم والورع والفضل في المدينة، وجعلهم مجلس شورى.
وأنت اختر إنسانًا تثق بعلمه، ودينه، وصلاحه، ورجاحة عقله، واسأله، سؤال الطبيب له أجرة، سؤال المحامي له أجرة، سؤال أي خبير, يلزمه ثمن أتعابه مقدماً، إلا سؤال الرجل الذي نذر نفسه لخدمة الخلق، فهذا سؤال بلا ثمن، وإذا سألته استعرت ما عنده من معلومات وخبرات, إذا كان عنده، ربنا قال:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ
مفتاح العلم السؤال، أحياناً ألحظ أخًا, وقع في ورطة كبيرة، لا يسأل، اسأل يا أخي إن كان فيها حكم شرعي، هذا الطريق مسدود، هذا خطر، هذا زلق، هنا انقطاع عن الله، أو هضم للحقوق، أو سياسة غير معقولة، أن تعامل زوجتك هذه المعاملة، اسأل، فالسؤال بلا ثمن ، والإجابة بلا مقابل أتعاب، فهذا عمل أهل العلم, فهدفهم تقديم سنة النبي الكريم, إلى كل من يسأل عنها.
بدأ باختيار عشرة من أئمة العلم والورع والفضل في المدينة, فجعلهم مجلس شورى, هم:
عبيد الله بن عبيد الله بن عتبة، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وعروة ، وأبو بكر بن خزيمة، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسليمان بن يسار، وخارج بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن حزم، وسالم بن عبد الله، وعبد الله بن عامر بن ربيعة.
أكثرهم وردوا معنا في سير التابعين إذا ذكرتم ذلك، هؤلاء أبناء أصحاب رسول الله، أبناؤهم أو التابعون.
في أول اجتماع عقده معهم قال:
إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه لي أعواناً على الحق، أناشدكم الله إن رأيتم عدواناً أو باطلاً, إلا أبلغتموني أمره، وأرشدتموني إلى الحق
لا تقطعوا أمراً في أمر خطير، أمر مصيري, قبل أن تسأل من تثق به، اسأله وافعل ما تشاء، اسأله عن حكم الشرع عما يرضي الله ويغضبه، اسأله عمّا يرضي رسول الله، فخليفة مشهود له بالفضل، ورجل من عظماء المسلمين، جعل هؤلاء مستشاريه، العلماء الذين كانوا لصلاحهم وتورعهم وترفعهم, يتجنبون الولاة والأمراء، ولا يحملون لأكثرهم مودة, راحوا يهبون إجلالهم الصادق لابن عبد العزيز, حتى ﺇن سعيد بن المسيب, وهو يومئذٍ من أعظم علماء المسلمين كافة، والذي يرفض طوال عمره, أن يسعى لزيارة أمير أو خليفة، بل وكان يرفض استقبال الأمراء ومجالستهم، هذا العالم الورع الكبير, نراه اليوم يخف في جلال إلى دار الإمارة مرات ومرات, ليلقى عمر بن عبد العزيز، ويجالسه، ويحادثه، فإذا تواضعت لأهل العلم أحبوك، وقدموك, وقدموا لك كل شيء, فابن المسيب من أكبر علماء المدينة، وكان يرفض الذهاب والاستقبال، ومع ذلك عندما رأى ورع هذا الوالي, وتدينه, وتواضعه, وحرصه على إقامة أمر الله, سعى إليه مرات ومرات، ماذا فعل هذا الأمير الشاب؟ نشر بين الناس العدل, والأمن، وأذاقهم حلاوة الرحمة, وسكينة النفس.
في هذا العام, ولاه الخليفة إمارة الحج، ولم يكد موكبه يبلغ مكة المكرمة, حتى ألفى أهلها في قحط وعسر ومشقة, فما كان منه إلا أن دعا صفوة العلماء والصالحين, ومن شاء من عامة الناس أن يتبعهم، ثم خرج بهم إلى فضاء مكة، ثم وقف عمر بن عبد العزيز, يدعو الله، ويتضرع إليه بعد أن صلى بهم صلاة الاستسقاء، فإذا بشيء يشبه المعجزات، إذ لم يغادر مكانه, حتى هطل المطر غزيراً على غير موعد، ومن غير ميقات، ولم يصدق الناس أبصارهم, التي راحت تحدق في سماء زرقاء ناصعة صافية, ليس فيها مزعة من سحاب, وشهدت مكة في عامها هذا خصوبة نادرة.
في تقدير المؤلف: أن هذه الظاهرة, نقلته نقلة نوعية من حال إلى حال, كأنه شعر أن الله راضٍ عنه، أو كأنه تأييد إلا هي له, انتقل نقلة فجائية بعد هذه الحادثة, وأحياناً تسمى أيام الله، فربنا عز وجل عندما يكرمك, يكون محدق بك خطر, تدعوه بإخلاص, فيكشفه عنك, هذا يوم من أيام الله، أحياناً يخرق لك العادات إكراماً لك، أو يشفى ابنك من دون سبب, بعد أن أجمع الأطباء على أن مرضه خطير, أو تعود لك زوجتك إلى أخلاق لا تعهدها منها إطلاقاً, ما الذي حدث؟ والله صعب تفسير هذا، يكون الله عز وجل, جعلها لك يوماً من أيامه، وإكراماً لك.
فسيدنا عمر بن عبد العزيز, هذا الإكرام ما ضاع معه، أرجو أن لا يضيع معكم الإكرام، إذا ربك أكرمك بزوجة صالحة، أنقذك من ورطة، أكرمك بعمل مريح، كان شبح مرض, وإذا بالتحليل سليم، كان لديك مرض مستعصٍ، والله شفاك من دون سبب، هذه كرامة لك، وهي من آيات الله، وتعريف لك أن الله يحبك، فينبغي أن تكون على العهد, هذه من آيات الله لهذا الأمير.
لكنه كان أميراً، والإنسان في تطور، أنت قبل عشر سنوات غير اليوم، ويجب أن ترى فرقًا واضحًا جداً في مستواك النفسي، بأنك كنت تمزح، واليوم تركت هذا، كان لك أصدقاء تأنس بهم، اليوم كرهتهم، لأنهم غير نمط, فأنت يلزمك مؤمن راق, تعيش معه، كنت تسهر اليوم فتركتها، كان لك أساليب بالتعامل مع الناس وتركتها، كان لك مواقف فيها تجبر, واليوم تركتها، كان لك أصحاب لا ترضى عنهم, اليوم تركتهم.
إذاً: هناك تطور، فربنا حليم, ينقلك درجة درجة, مثل الشمس, تأمل بها, تجدها ثابتة، تلهّ عنها ربع ساعة, تجدها انتقلت لمكان آخر, وأوضح غروب للشمس على البحر, تأمل بها, تجدها ثابتة، ويكون بقي لها ربع ساعة لتغيب، فأنت تنتقل من حال لحال، ويجب أن تلاحظ الفرق بين حالك اليوم وحالك قبل سنة، بصلاتك, وعبادتك, وإقبالك, ووجهتك, وعملك, وإخلاصك, وتوبتك.
أيها الإخوة؛ فيبدو أن سيدنا عمر بن عبد العزيز في الإمارة, كان له ميل للمظهر الحسن, رآه أحد الزهاد, يشتري ثوباً رافهاً بثمن غالٍ, فقال له:
أو لا كان لك, أن تضع ثمنه بجيوب الفقراء؟ -فلم يغضب، ولم يستنكف- بل أجابه: وهل رأيتني أهملت الفقراء؟
فهو ما أهملهم، وما أهمل نفسه، يوجد أرقى من ذلك, لكن الإمارة لن تشغله عن تجويد فضائله, وتنمية تقاه, فعكف على العبادة عكوفاً مثابراً، هذه الأحوال الطيبة في الإنسان؛ من عباداته, وإقباله, وذكره، وتلاوته للقرآن, أو قيامه لليل، تجد وجهه منيرًا، الجلوس معه مؤنس، هذا من إقباله على الله عز وجل، فهو أمير المعمعة، وفي عمل يحتاج لوقت كبير، ما أهمل عبادته.
قال:
صلى وراءه أنس بن مالك صاحب النبي، ثم قال: والله ما صليت وراء إمامٍ, أشبه بصلاة رسول الله, من هذا الرجل
وهو أمير, فلا مانع أنه لو كان لك عمل مهم بالحياة, أنه لا يوجد فيك دين, لا، من قال لك ذلك؟ الله أكرمك بعمل مهم، هل هناك تناقض؟ لا.
قال:
وقف أبو النضر المديني, يخاطب علماء المدينة يوماً, فقال وهو يشير صوب عمر بن عبد العزيز: إنه والله أعلمكم العالم الجليل مجاهد بن جبر, الذي عرض القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة, والذي كان من الأئمة المعدودين, يقول عن عمر بن عبد العزيز: أتينا عمر ليعلمه، فو الله ما رجعنا من عنده, حتى تعلمنا منه
هذا العالم الجليل.
الإمام الليث المشهور قال:
ما التمسنا علم شيءٍ, إلا وجدنا عمر بن عبد العزيز, أعلم الناس بأصله وفرعه، وما كان العلماء عنده إلا تلاميذ, أنعم بهذا الوالي العالم
أيها الإخوة؛ حصلت بينه وبين الوليد بن عبد الملك مشادة فعزله، وحينما عزله, عاد إلى الشام، وجعلها موطناً له، ماذا فعل وقت فراغ؟.
قال:
وفور رجوعه إلى الشام, وجد جيش الدولة, يتحرك للقاء جيش الإمبراطورية الرومانية الشرقية, التي كانت دائمة التحرش بالمسلمين، فامتطى عمر سلاحه، وحمل نيته الصالحة، وأخذ مكانه بين المقاتلين جندياً عادياً, يرجو غفر المؤمنين، أو عقب الشهداء الصالحين
الوقت ثمين جداً، ترك الولاية أصبح لديه فراغ.
هذا السؤال لنا جميعاً: أنت عندك فراغ, فاقرأ كتابًا، تعلم قضية، اخدم الناس، افعل أعمالا طيبة، النبي الكريم قال:
فالقتال في الحرب جهاد أصغر، إلى الجهاد الأكبر، جهاد النفس والهوى، ارفع مستوى عبادتك، احفظ القرآن, وتعلم تجويده, وعلومه, ولغته، هذا عمل طيب، انقل للناس معنى الحديث، أو انقل معنى هذه الآية، رد ملهوفهم أو أغثه، هناك أعمال طيبة كثيرة, لا تجلس بلا عمل، الوقت أثمن ما في الحياة، وفي درس قادم إن شاء الله نتحدث عنه خليفة.
و الحمد لله رب العالمين