- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (019) سورة مريم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
تربية الأولاد من الأعمال المستمرة إلى يوم القيامة :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ الآيات الأولى من سورة مريم ، وهي قوله تعالى :
﴿ كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5)﴾
(( عنْ أَبـِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُـولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ ، إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ . ))
من يبذل جهده في تعليم أولاده فهو الرابح دائماً :
دائماً الإنسان ليس من شأنه أن يعيش في عصره فقط ، وأن يتقوقع في زمانه ، عليه أن ينظر إلى مستقبل الدعوة ، فإذا الإنسان له دعوة اقتداء بهذا النبي الكريم عليه أن يهيئ من يرثه من بعده في هذه الدعوة ، إذا أب عرف الله عز وجل عليه أن يربي أولاده تربية يكونون خلفاء من بعده ، مرةً حضرت تأبيناً لعالم جليل بهذه البلدة الطيبة ، طبعاً كان التأبين في أكبر جامع في دمشق ، والخطباء أشادوا بهذا العالم الخطيب ، لكن فوجئنا ونحن في التعزية أن ابن هذا العالم وقف بيننا خطيباً ، وألقى خطبةً لا تقل عن خطبة والده ، وكان في التعزية وزير الأوقاف ، فقدم بشرى لذوي المتوفى أن ابنه أصبح خطيباً من بعده في نفس الجامع ، بقيت هذه الصورة في ذهني ، معنى ذلك أن هذا العالم لم يمت ، هذا الرجل كان له ولدان يخطبان في دمشق ، طلبا العلم ، فكل جهدك الذي تبذله في تعليم أولادك استثمار لك ، إذا تركت ولداً صالحاً يدعو الله من بعدك ، أو تركت ولداً يمشي على سيرتك ، يقفو أثرك ، فهذه من نعم الله الكبرى ، فهذا القرآن الذي يتلى علينا كل يوم ليس القصد أن نستمتع بقصة سيدنا زكريا ، لا ، القصد أن نقتدي بهذا النبي الكريم ، فأنت على مستوى داعية ، على مستوى عالم ، لو أنت تاجر ، ولك معاملة إسلامية ، متميزة ، يجب أن تربي ابنك على هذه المعاملة نفسها ، حتى يكون الأمر مستمراً ، لذلك يجب هذا الحديث أن يكون في أذهاننا :
(( عنْ أَبـِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُـولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ ، إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ . ))
تربية الأولاد تربية إسلامية أعظم عمل على الإطلاق :
لا أبـالغ إذا قلت لكم : إن أعظم عـمل على الإطلاق أن تربي ابنك تربية إسلامية ، أن تجعله عالماً ، أن تجعله طالب علم شرعي ، أن تطمح أن يكون هذا الابن داعية إلى الله عز وجل ، لأن أكثر الناس يريده طبيباً ، في شارع واحد بالجسر يوجد أربعة وستون طبيب أسـنان ، يريده مهندساً ، لمـاذا لا نتمنى أن يكون ابننا عالماً شرعياً ؟ داعية إلى الله عز وجل ؟ لماذا كلية الطب تستقطب الأذكياء فقط ولا تستقطب الشريعة الأذكياء ؟ لماذا ؟ لماذا نريد صلاح أمورنا وأولادنا ولا نتمنى لهم أن يكونوا طلاب علم شرعي ؟ لماذا ؟ هذا خطأ كبير في المجتمع الإسلامي ، يجب على كل أب أن يكون طموحه الأول أن يكون ابنه عالماً ، عالم يدعو إلى الله عز وجل ، كل أعماله إلى يوم القيامة في صحيفته ، بشكل عام الآن العلم ، يوجد علم نادر جداً له دخل جيد ، أما بقية الفروع فلا تسمن ولا تغني من جوع ، شخص خطب فتاة ، ماذا يعمل الشاب ؟ قالت لها : مهندس ، قالت لها : وأبوه ؟ قالت لها : أيضاً مهندس ، فأجابتها : من يصرف عليك ؟! أي ممكن الإنسان أن يكون معه أعلى شهادة لكن لا يوجد عمل ، العمل الوظيفي انتهى ، ما بقي غير العمل الآخر ، إذاً العلم وحده لا يكفي ، مادام لا يكفي فعلّمه علماً شرعياً ، مادام العلم لا يسمن ولا يغني من جوع إذاً علمه علماً شرعياً ، واقتد بهذا النبي الكريم .
الله تعالى يحب من يدعوه بقلب مخلص صادق :
شيء آخر : " إذ نادى ربه نداء خفيا "
﴿ ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين (55) ﴾
فسر بعضهم " المعتدين " هؤلاء الذين يدعون الله بصوت عالٍ ، بصخبٍ ، بضجيج ، هذا عدوان في الدعاء ، يقول عليه الصلاة والسلام : " إنكم لا تخاطبون أصم "
الحرص البالغ على تربية الأولاد :
أول نقطة أعتقد أن أعظم عمل على الإطلاق أن تربي ابنك تربية صحيحة ، أن تجعله عالماً ، أو أن تجعله داعية ، أو أن تجعله طالب علم شرعي ، لأن كل أعماله في صحيفتك وأنت لا تدري ، الله عز وجل قال :
﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين (21)﴾
أعماله كلها في صحيفة الأب ، والذي يربي أولاده تربية إسلامية لا يموت ، بمعنى أنه لو مات كان ابنه خليفة له من بعده لذلك الحرص البالغ على تربية الأولاد .
العدوان على الدعاء :
الشيء الثاني : يوجد ثلاثة عدوانات على الدعاء
المعنى الثاني : إذا رفعت الصوت بالدعاء هذا عدوان على مقام الألوهية ، إنك لو خاطبته سراً سمعك .
العدوان الثالث : أن تدعوه من دون تضرع ولا تذلل
قرة العين جزاء تربية الأولاد في الدنيا قبل الآخرة :
لذلك النقطة الثانية بالدرس : عليك أن تربي أولادك التربية الإسلامية حتى تكون أعمالهم كلها في صحيفتك .
من أجلّ الأعمال أن تلتفت إلى ابنك ، إلى أخلاقه ، إلى حفظه للقرآن ، أن تأتي به إلى المسجد ، أن تعلمه على إنفاق المال ، أن تدربه ، هذا الذي يرضي الله عز وجل .
لذلك قال عليه الصلاة والسلام : " خير كسب الرجل ولده "
﴿ والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما (74)﴾
لا يصدق شعور الأب إذا رأى ابنه في طاعة الله ، إذا رأى ابنه يتعلم ، إذا رأى ابنه يتكلم كلاماً صحيحاً ، شيء لا يوصف ، هذا يحتاج إلى جهد ، كل شيء يأتي من كل شيء ، أما كل شيء من لا شيء فلا يأتي .
والحمد لله رب العالمين