- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (019) سورة مريم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
حبّ الدنيا رأس كل خطيئة :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ في آخر قصة السيدة مريم الصديقة قوله تعالى :
﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمِْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38)﴾
ما معنى أسمع بهم وأبصر ؟ وما هي هذه الصيغة ؟ هل هي فعل ؟ اسم ؟ هذه صيغة من صيغ التعجب القياسية .
في اللغة العربية تقول : ما أعدل القاضي ! الصيغة الأولى ، وأعدل به ! ما أغنى هذا الرجل ! ما أعظم هذا الرجل ! وأعظّم به ! فأفعل به صيغة من صيغ التعجب في اللغة العربية ، فربنا سبحانه وتعالى يقول : هذا الخلاف الذي بينهم في الدنيا خلاف ليس سببه نقص العلم ، ولكن سببه البغي والحسد ، لذلك الإنسان حينما ينقطع عن الدنيا ، لو إنسان له دخل كبير من طريق ربوي لا يحتمل أبداً أن يكون الربا محرماً ، يقول لك : لا ، هذا الربا الذي تقول عنه ربا القروض ، أما هذا فربا الاستثمار ، ليس محرماً أبداً ، لا يوجد عنده إمكانية ليقبل كلامك ، ما الذي أعماه عن الحقيقة ؟ الشهوة ، المنفعة ، المال ، فإذا الإنسان تلبس بالشهوات يعمى عن الحقائق ، أما حينما يموت ، وتذهب عنه الشهوات ، يصبح على مستوى عالٍ جداً من الفهم ، والرؤية ، والسمع قال الله :
﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمِْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)﴾
في هذا اليوم ، حينما تنقطع الشهوات ، وتنقطع المصالح ، وتفنى الدنيا ، لا مال ، ولا شهوات ، ولا نساء ، ولا مناصب ، قال عندئذٍ :
﴿ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ
أي ما أشد سمعهم ! وما أشد بصرهم ! لكن لا يوجد عمل ، بعد فوات الأوان ، عندما يكون هناك أمل لا يوجد سمع وبصر ، وهو في الدنيا أبواب التوبة مفتحة أمامه ، لكن لا يوجد رؤية صحيحة ، ولا إصغاء للحق .
﴿ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)﴾
حبك للشيء يعمي ويصم ، حبّ الدنيا رأس كل خطيئة ، الذي يعمي الإنسان عن الحقيقة في الدنيا شهواته ، ومصالحه ، ونزواته ، وما هو فيه من نعيم مؤقت ، أما إذا انقطعت الدنيا ، وزالت الشهوات ، يصبح الإنسان في أعلى مستوى من السمع والبصر .
﴿ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38)﴾
هذه الآية تذكرني بآية وردت في البقرة ، على اتصال شديد بين المعنيين ، هذه الآية في البقرة يقول الله عز وجل :
﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً
أي كانوا على الفطرة ، لا يوجد خلاف إطلاقاً .
﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
العقل والحواس طريقا الإنسان لكشف ما حوله :
الإنسان أيها الأخوة آتاه الله عقلاً ، آتاه الله حواساً ؛ كي يكشف ما حوله من مرئيات ، ومسموعات ، وروائح ، وحاجات ، فإذا أراد أن يعرف المحيط المادي الخارجي ، سبيله الحواس الخمس ، وهذه المعرفة معرفة من نوع اليقين الحسي ، أما إذا أراد أن يعرف الله ، والله لا تدركه الأبصار ، فلا سبيل إلا للتفكر في خلق السماوات والأرض عن طريق العقل ، فمن خلاله يصل إلى الحقائق ، عن طريق اليقين العقلي ، لكن مهما كان ذكياً وعاقلاً ، ومهما أعمل فكره في خلق السماوات والأرض ، هناك حقائق لا يمكن أن يعرفها ، إلا أن يبلغها ، هذا هو اليقين الإخباري ، فعقلك يقول لك : هذا الكون لابد له من صانع ، شي جميل ، من هو الصانع ؟ يأتي الوحي ويقول :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)﴾
لماذا خلق الإنسان ؟ الوحي يقول لك لماذا خلق .
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾
ما أثمن شيء في الحياة الدنيا ؟ العمل الصالح .
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (46)﴾
يوجد أشياء حسية ، وأشياء عقلية ، وأشياء إخبارية ،.
أنواع الخلاف بين البشر :
1 ـ الخلاف الطبيعي :
الله عز وجل بعث الأنبياء والمرسلين ليعطونا الحقائق التي يعجز فكرنا عن الوصول إليها ، ليحدثونا عن ذات الله ، عن كمالاته ، عن أسمائه ، ليحدثونا عن أصل العالم ، عن الماضي السحيق ، ليحدثونا عن المستقبل ، عن الجنة والنار ، عن المخلوقات الغائبة عنا الجن والملائكة ، هذه كلها بالوحي ، لذلك كان الناس أمةً واحدة ، من جبلة واحدة ، وفطرة واحدة ، وخصائص واحدة ، ورغبات واحدة ، وميول واحدة ، لكن هناك حقائق لابد منها .
﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ
هذا أول خلاف ، هذا خلاف نقص المعلومات ، إذا لم يكن هناك معلومات ، نختلف ، نتكهن ، كل واحد يخطر بباله شيء ، قد يكون صحيحاً ، قد يكون غير صحيح ، مثلاً لو كان اليوم 29 رمضان ، وسمعنا العصر صوتاً ، يا ترى ثبتوها ؟ يقول لك : لا ، عملوا طريقاً بالجبل ، لا يوجد شيء دقيق ، لا يوجد خبر إلا هذا الصوت ، يا ترى غداً العيد أم هذا انفجار بفتح طريق ؟ نقص المعلومات يساوي خلافاً ، أول خلاف نشأ بين البشر ، أنه لا يوجد عندهم معلومات ، معلوماتهم ناقصة في دينهم ، فجاء الأنبياء ، وجاؤوا بهذه المعلومات الصحيحة ، الدقيقة ، القاطعة ، هذا الخلاف معقول ، سببه نقص المعلومات ، خلاف حيرة .
2 ـ الخلاف القذر :
لكن يوجد خلاف ثان قذر ، قال :
﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ
بعد أن جاءت الكتب ، وجاء الأنبياء ، ونزل الوحي ، وجاء القرآن ، يوجد خلاف ثان ، الخلاف الأول خلاف طبيعي ، خلاف نقص معلومات خلاف عجز .
أما الخلاف الثاني فهو خلاف قذر ، خلاف حسد .
﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ
هذا خلاف قذر ، هذا خلاف حسد ، خلاف تسابق على حطام الدنيا ، خلاف مناصب ، خلاف زعامة ، هذا الخلاف يسبب الطعن ، وأنت غلط ، وأنا على صواب ، هذا الخلاف بعد أن جاء القرآن ، القرآن واحد ، والسنة واحدة ، والهدف واحد ، ولا يوجد أي مبرر للخلاف ، ومع ذلك هناك خلافات لا يعلمها إلا الله بسبب الحسد .
﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ
3 ـ خلاف التنافس :
الآن خلاف شريف ، يوجد خلاف طبيعي ، خلاف الحيرة ، وخلاف قذر ، خلاف الحسد ، وخلاف شريف ، خلاف التنافس . النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا استيقظ في الليل يدعُو بهذا الدعاء:
(( عن أَبي سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ ، قَالَتْ : كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ ، افْتَتَحَ صَلاتَهُ اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ))
وأنت بالحق ، وأنت في حقل الدين ، وأنت في دائرة الحق يا ترى أيهما أولى أن أصلي أم أن أطلب العلم ؟ أصلي صلاة نافلة أم أطلب العلم ؟ دخلت لمسجد فيه مجلس علم ، أجلس لأستمع أم أصلي عشر ركعات ؟ يوجد خلاف ، يا ترى أؤلف كتباً أم أدعُو إلى الله شفهياً ؟ يا ترى أذكر الله أم لا أعمل شيئاً إطلاقاً ؟ يا ترى أحافظ على طهارة قلبي أم أخدم الناس ؟ وأنت بالحق يوجد متراجحات ، يوجد عمل فاضل ، وعمل أفضل ، عمل حسن ، وعمل أحسن .
أول خلاف خلاف حيرة ، طبيعي ، الخلاف الثاني قذر ، خلاف حسد ، الخلاف الثالث خلاف تنافس ، مثل شخص يسكن ببيت أربعمائة متر ، مليء بالأثاث ، والأجهزة ، والأدوات ، أعطي أمر بالمغادرة خلال أربع وعشرين ساعة ، معه يحمل فقط متراً مكعباً ، ماذا يختار من البيت ؟ يأخذ أغلى الأجهزة ، وأقلها حجماً ، يأخذ الألماس ، الذهب ، إذا كان هناك جهاز صغير كمبيوتر يأخذه ، لا يأخذ أريكة عبارة عن متر مربع ، يكون أحمق ، يأخذ أثمن شيء ، وأغلى شيء ، عندما يعيش الإنسان عمراً قصيراً ممكن أن يقضي كل عمره بالتجويد ، والتجويد لبنة ببناء من مئة طابق ، التجويد ضروري ، لكنه جزء صغير من الدين ، ممكن أن تقضي كل حياتك بالمواريث فقط ، يجب أن تختار الشيء الثمين ، تختار معرفة الله عز وجل ، تتحرك ، تعمل شيئاً ، الآن أنت مؤمن ، أنت مع المؤمنين بالحقل الديني ، أيضاً هنا يوجد متراجحات ، يوجد عمل أجره قليل ، وعمل أجره كبير ، وعمل مادي ، شخص ميسور هذه مئة ألف ، هذه مئتا ألف ، لكنه ليس مستقيماً ، ظن نفسه بلغ الأوج ، لا لم تبلغ الأوج ، الله يريد نفسك ، يريد إخلاصك ، يريد طاعتك ، فهذا خلاف تنافس ، وأنت في الدين أن تصل إلى أعلى شيء بالدين ، إلى معرفة الله ، إلى العمل من أجل الله ، ألم يقل الله :
﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)﴾
وهناك أصحاب اليمين ، قال له : يا سيدي كم الزكاة ؟ قال له : عندنا أم عندكم ؟ قال له : عجيبة كم دين يوجد ؟ أعرف أنه دين واحد ، قال له : عندكم اثنان ونصف بالمئة ، أما عندنا فالعبد وماله لسيده ، يقول لك : أخي ساعة لك وساعة لربك ، هذا عند عامة الناس ، أما عند المؤمنين الصادقين فكل وقته لله عز وجل ، الخلاف الثالث خلاف تنافس ، أول خلاف ، خلاف حيرة ، ثاني خلاف ، خلاف حسد ، الخلاف الثالث ، خلاف تنافس .
الآية الآن :
﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً
على الفطرة ، ممكن بعقولهم أن يصلوا إلى الله ، لكن عقولهم مهما كانت عظيمة لا تمكنهم من معرفة كل الحقائق ، لابد من وحي .
﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ
خلاف حيرة ، تكهن .
﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ
أما يكون هناك اختلاف بعد ما جاءت البينات ، بعد أن أنزل القرآن ، يكون في خلاف ؟ القرآن قطع في كل شيء ، وفصل كل شيء ، ونختلف بعدها أيضاً ( وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ)
﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ
ضمن الحق ، يجب أن تجمع بين أن تتزود بالعلم كغذاء لعقلك ، وأن تتزود بالذكر كغذاء لقلبك ، وأن تنضبط بالشرع كتقويم لسلوكك .
على الإنسان أن يجمع بين العلم والذكر والانضباط والعمل الصالح :
الدين فيه كليات ثلاثة ، فيه جانب عقلي ، وجانب قلبي ، وجانب سلوكي ، يجب أن تجمع بين العلم والذكر والانضباط والعمل الصالح ، فإذا الإنسان دخل في حقل المؤمنين يجب أن يبحث عن الشيء المجدي ، الآن يوجد إنسان يغوص يأتي بأصداف ، وإنسان يغوص يأتي بلؤلؤ ، أنت غصت وغصت خذ اللؤلؤ ، الشخص انضم للدين ، وآمن بالآخرة ، لا تجعل عملك صغيراً ، مادياً ، اجعل عملك كبيراً ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول :عن عمر بن الخطاب :
(( لو وزن إيمان أبي بإيمان أهل الأرض لرجح بهم . ))
هنا الإنسان عندما يصل إلى الله عز وجل ، إلى شيء من معرفته يشعر بتفوق ، التفوق :
﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)﴾
هذه الآية ، صار عندنا ثلاثة اختلافات ، خلاف بين الناس بسبب الجهل ، خلاف طبيعي ، وخلاف بسبب الحسد ، خلاف قذر ، وخلاف بسبب التنافس ، هذا خلاف مقدس ، نسأل الله أن يجعلنا من النمط الثالث أن نختلف لكن على الأحسن ، الله عز وجل قال :
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)﴾
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾
اجعل فرحك ، وتنافسك ، وعملك للأفضل ، تنافس مع إخوانك لا على جمع الدرهم والدينار ، على بلوغ مراتب العلم ، على التفوق بالعلم ، والاستقامة ، وخدمة الخلق ، والدعوة إلى الله .
والحمد لله رب العالمين