- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (019) سورة مريم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الدعاء مخ العبادة :
أيها الأخوة الكرام ؛ لا زلنا في قصة سيدنا زكريا عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، ودائماً أقول لكم : إن قصص القرآن الكريم ليس القصد منها أن نقف على أخبار السابقين من الأنبياء والمرسلين ، أن نستنبط من هذه القصص قواعد نسعد بها في حياتنا الدنيا ، سيدنا زكريا يقول :
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) ﴾
هذه الآية تكفي ، " ولم أكن بدعائك رب شقيا "
صورة منتزعة من الواقع ، أحياناً الإنسان يحمل بيده أشياء ثقيلة في أيام الشتاء الباردة ، ويرتدي ثياباً غليظة ، فلو سأله طفل صغير : كم الساعة ؟ يضطر أن يضع الحاجة على الأرض ، وأن يرفع بيده اليمنى كمه الأيسر ، ويقول له : الساعة السابعة يا بني ، ألا يستحي رجل وقور من طفل صغير ألا يرد عليه ؟ الله عز وجل يقول :
﴿ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (60)﴾
ما أمرنا أن ندعوه إلا ليستجيب لنا ، لذلك : " ولم أكن بدعائك رب شقيا "
يوجد نقطة مهمة ، ماذا يوجد مصيبة كبيرة تفوق حد الخيال ؟ إنسان يجد نفسه فجأةً في بطن حوت ، في ظلمة بطن الحوت ، وفي ظلمة الليل ، وفي ظلمة البحر ، سيدنا يونس .
﴿ وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين (86) فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين(87)﴾
ثلاث ظلمات ، " فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فاستجبنا له ونجيناه من الغم "
الله تعالى قادر على كل شيء :
النقطة الثانية :
﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5)﴾
الملك تكون زوجته عاقراً لا يدع طبيباً بالعالم ، لا يوجد أمل ، هناك ملوك يحبون زوجاتهم ، وزوجته عاقر ، علم البشر كله ليس فيه حل لهذه القضية ، فما طلب شيئاً سهلاً ، قال:
﴿ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً (8)﴾
الإنسان أيها الأخوة من رحمة الله بالبشر أن المرأة عندها بيوض محدودة ، كذا ألف بيضة ، كذا مئة ألف بيضة ، هذه تنتهي في سن اليأس ، في 40 ـ 45 ـ 48 ـ 52 ـ نقول : دخلت المرأة سن اليأس ، لم يعد هناك إنجاب ، لو كانت هي منجبة يوجد عندها سن اليأس ، السبب أن البيوض محدودة ، تصور امرأة عمرها 90 سنة وحامل ، غير معقول ؟ أما الرجل فينجب بالتسعين ، أو في الثمانين ، انظر إلى حكمة ربنا عز وجل ، أن الرجل قدرته على الإنجاب مستمرة حتى الموت ، بينما المرأة قدرتها على الحمل محدودة إلى سن اليأس ، هذا من رحمة الله بالإنسان ، هو كان كبيراً في السن ، وامرأته عاقر .
﴿ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9)﴾
" قال كذلك "
متابعة الله عباده وحرصه على تزكيتهم وهدايتهم :
﴿ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً (11) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً (12) وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً (13) وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً (15)﴾
وهذا الكلام لكل مؤمن طبق أمر الله بقوة ، ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ، " خذ الكتاب بقوة "
أحياناً يبعثون شخصاً درس باختصاص نادر ، يقول لك : هذا كلف الدولة ثلاثمئة مليون ، وكل واحد من المؤمنين مكلف الآلاف ، ملايين الإجراءات التي تسوقه إلى باب الله عز وجل ، كل أفعال الله هدفها أن تسوق المؤمن إلى باب الله ، " وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا "
تربية أولادنا التربية الصالحة أكبر مهماتنا بالحياة :
لذلك أخواننا الكرام ؛ لو تفوقتم في الدنيا ، لو تفوقتم في كسب المال ، في نيل الشهادات العليا ، ولم تهتموا بأولادكم ، الإنسان يشقى بشقاء أولاده ، أي أحد أكبر مهماتنا بالحياة تربية أولادنا التربية الصالحة ، وشعور الأب حينما يرى ابنه في طاعة الله ، ليس جباراً ولا عصياً ، هذا الشعور لا يقدر بثمن ، لا يعرفه إلا الأب الذي رأى أبناءه كذلك ، فهذه القصة نستفيد منها في ضرورة العناية بأولادنا ، نستفيد منها في خطورة الدعاء في حياتنا ، " ولم أكن بدعائك رب شقيا "
الشيء الثالث : ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط
المصائب إعلام من الله للإنسان أنه أخطأ :
الشيء الأخير : لولا رحمة الله بنا ، وحنانه علينا ، وحرصه على هدايتنا ، لما كنا كذلك ، لكن كل واحد مكلف آلاف وملايين الأفعال الإلهية التي ساقته إلى بابه ، قصص كثيرة جداً ، يغلط الإنسان غلطة الله يعاقبه عليها ، ما من عثرة ، ولا اختلاج عرق ، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم ، وما يعفو الله أكثر
﴿ ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عَلِيمٌ (11)﴾
ربنا عز وجل إذا أرسل مصيبة يلقي في روعك أن هذه من أجل كذا ، هذا إلهام ، وفي طريق ثان ، توافق المصيبة مع الذنب يشعر أنها من أجل ذلك ، إما توافق ، أو لا ، شخص لم يدفع زكاة ماله ، الله أتلف له مال بقدر الزكاة ، هذا إعلام له ، إنسان نظر إلى الحرام دخل إلى بيته فشقي بزوجته ، دخل الشيطان إلى البيت ، من كلمة لكلمة أرسلها إلى بيت أهلها ، أهلها علموا بما فعل ، ثم طلقها ، ثم ندم عنده أولاد ، من أين بدأت المشكلة ؟ من إطلاق البصر للحرام ، أحياناً يكون العقاب من جنس الذنب ، هذا إعلام من الله ، وأحياناً الله يلقي في روعك أن هذه من أجل كذا ، هذا معنى : " وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ، وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا "
الابن الصالح فضل من الله عز وجل :
إذا شخص عنده ابن صالح لا يقل : أنا ربيته ، أنا اعتنيت فيه ، الله قال :
﴿ ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين (27)﴾
"وهبنا"
والحمد لله رب العالمين