وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 6 - سورة مريم - تفسير الآيات 41 - 46 ، الأدب في الإسلام
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

 

من يستقم على أمر الله يقذف الله في قلبه نوراً يريه حقائق الأشياء :


في الإسلام كما تعلمون عقائد ، وعبادات ، ومعاملات ، وأخلاق ، هناك عقائد إسلامية ، وهناك عبادات ، صوم ، صلاة ، حج ، زكاة ، وهناك معاملات أحكام البيوع ، أحكام الزواج ، أحكام الطلاق ، وهناك أخلاق إسلامية .

في قصة سيدنا إبراهيم التي وردت في سورة مريم الصديقة إشارات لطيفة إلى بعض الأخلاق التي ينبغي أن يتخلق بها الإنسان تجاه أبيه ، والله سبحانه وتعالى يقول :

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً (41)﴾

[ سورة مريم ]

صديق صيغة مبالغة على وزن فعيل ، أي كثير الصدق ، والتصديق ، الإنسان متى يصدق ؟ كلكم ترون أن هذا كأس ماء ، إذا قلت لكم : هذا كأس ماء ، تقولون : صدقت ، لأنكم تشاهدونني ، فالذي يرى يصدق ، والأعمى لا يصدق ، ربنا عز وجل يقول :

﴿ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72)﴾

[  سورة الإسراء ]

﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)﴾

[  سورة الحج ]

 الإنسان حينما يستقيم على أمر الله ، ويتصل بالله ، يقذف الله في قلبه نوراً يريه حقائق الأشياء ، فإذا هو مبصر ، إذا قيل له الحقيقة الفلانية ، يقول : صح ، وأنت أحياناً أثناء الحديث مع شخص إذا ذكرت شيئاً هو يعرفه تماماً يقول لك : صح ، أو بالعشرة .

 

أنواع اليقين :


اليقين ثلاثة أنواع : علم اليقين ، وحق اليقين ، وعين اليقين .

علم اليقين استنتاجي ، نحن عندنا علم يقين قطعاً أن في هذا المسجد كهرباء ، والدليل تألق المصابيح ، وتكبير الصوت ، هذا علم اليقين .

أما الإنسان إذا مسك الكهرباء وانتفض بدنه فهذا أبلغ من علم اليقين ، هذا اسمه حق اليقين .

عين اليقين أبلغ ، الأوضح من ذلك ، لو رأيت دخاناً وراء جدار ، تقول : لا دخان بلا نار ، هذا علم اليقين ، التفت وراء الجدار ، رأيت النار ، هذا حق اليقين ، لو لمست النار بيدك وشعرت بوهجها هذا عين اليقين .

إذا الإنسان عنده يقين ، وسمع حقيقة نظرية يقول لك : صدقت ، فلماذا صدق هذا النبي الكريم ؟ لأنه رأى ، فالإنسان إذا بلغ الرؤيا هي مرتبة عالية جداً ، هذه سماها النبي مرتبة الإحسان ، أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .

 

الشيطان يمثل الشهوة والغريزة والنزوة والرحمن يمثل القيم الرفيعة والمبادئ :


عندنا إسلام ، وإيمان ، وإحسان :

﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42)﴾

[ سورة مريم ]

إذا أنت ساكت الله يعلم ، فإذا تكلمت الله يسمع ، هل يكفي أن يعلم الله وأن يسمع ؟ الآن الله يستجيب ، فعّال ، قدير ، إذاً هو يعلم ، ويسمع ، ويستجيب ، (يَا أَبَتِ لِمَ) ، جاء الاعتراض على شكل استفهام ، وألطف اعتراض أن يأتي على شكل استفهام ، لو أن إنساناً أمامك أخطأ خطأ فاحشاً ، تقول له : أخطأت ، لم فعلت كذا ؟ الاعتراض على شكل استفهام لطيف جداً ، هذا من الأدب .

﴿ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42)﴾

[ سورة مريم ]

الآن سيدنا إبراهيم عالم ، وأبوه جاهل ، لو قال له : يا أبت أنت جاهل ، انظر إلى الأدب .

﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً (43)﴾

[ سورة مريم ]

أحياناً الإنسان يقال له : أنت لا تفهم ، هذه فيها وقاحة ، أنا عندي معلومات يمكن أنت لم تصلك ، أي أنا أعرف وأنت لا تعرف ، لكن بين أن تقول له : أنت جاهل ، صار هذا سباباً ، أما إذا قلت له : لقد بلغني من الحقائق ما لم تصلك ، أي أنا أعلم وأنت لا تعلم لكن بشكل لطيف . 

﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً (43)﴾

[  سورة مريم ]

أول أمر اعترض على عبادة غير الله عن طريق الاستفهام الإنكاري ، والآن قال له :

﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي   أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)﴾

[ سورة مريم ]

هو لو جاءك لكنت مثلي ، لكن هذا العلم لم يأتك ، أيضاً يوجد تلطف ثالث . 

﴿ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً (44)﴾

[ سورة مريم ]

الإنسان إما أن يعبد الله ، وإما أن يعبد الشيطان ، إما أن يعبد الله ، وإما أن يعبد شهوته ، حينما يعبد الشيطان ، الشيطان يأمرك بماذا ؟ بالفحشاء والمنكر ، الشيطان يمثل الشهوة ، والغريزة ، والنزوة ، والرحمن يمثل القيم الرفيعة والمبادئ .

 

التأدب أثناء الدعوة إلى الله :


﴿ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً (45)﴾

[ سورة مريم ]

في هذه الآية إشارة دقيقة ، الإنسان أحياناً الله يؤدبه ليصلحه ، التأديب فيه مغامرة ، قد ينتكس وهو يؤدب ، أحياناً أنت قصدك تربي ابنك أحياناً أثناء العلاج بالتأديب ينتكس ، الإنسان عندما يرتكب الأخطاء الفاحشة ، ويعتدي على حقوق الآخرين ، يستحق المعالجة والتأديب ، هناك احتمال ينتكس .

﴿ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً (45)﴾

[ سورة مريم ]

المس كما تعلمون أقل مساحة ، وأقل وقت ، وأقل زمن ، أحياناً الإنسان يمس المكواة ، يضع لعاباً على رأس إصبعه ، يدوس أصغر مساحة على الإطلاق ، بأقصر زمن ، هذا المس ، فربنا عز وجل إذا مس الإنسان بعذاب لا يحتمل ، الآن الكريزات لا يطول زمنها ، لكن الإنسان يخرج من جلده ، كريزة الرمل صعبة جداً ، أي الآلام التي يسوقها ربنا للإنسان وإن كان لدقائق لا تحتمل ، قلع الضرس من دون تخدير صعب جداً ، أثناء قطع العصب يقول لك : أحسست برأسي قد انقلع ، هذا المس ، إذاً كيف العذاب المستمر إذا المس بهذا الشكل ؟

﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً (46)﴾

[ سورة مريم ]

كل الرقة ، وكل اللطف ، وكل الأدب بكلام سيدنا إبراهيم ، لذلك أحد العلماء قال لأحد تلاميذه : يا بني نحن إلى أدبك أحوج منا إلى علمك ، المؤمن له آداب رفيعة جداً ، مرة شخص سأل عم النبي اللهم صلِّ عليه : أيكما أكبر أنت أم هو ؟ قال : هو أكبر مني ، وأنا ولدت قبله ، كلما الإنسان ارتقى في مراتب الإيمان يمتلك أدباً رفيعاً ، سيدنا يوسف قال : 

﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾

[ سورة يوسف : 100  ]

هو وضعوه في الجب ، أخوته ، أيهما أخطر الجب أم السجن ؟ الجب ، فيه موت محقق ، أما السجن فلا يوجد فيه موت ، أي الطعام مضمون والشراب مضمون ، لكن يوجد أسر حرية ، لماذا قال : 

﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾

[ سورة يوسف : 100  ]

ولم يقل من الجب ؟ لو قال : من الجب لذكر أخوته بجريمتهم ، لئلا يخجلهم  ترك الجب وقال :

﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾

[ سورة يوسف : 100  ]

سيدنا عمر يمشي في الطريق في الليل ، رأى أناساً يضرمون ناراً ، قال : السلام عليكم يا أهل الضوء ، ولم يقل : السلام عليكم يا أهل النار ، تأدباً ، لو تتبعت أقوال الصحابة ، أقوال الأنبياء ، لوجدت في أدبهم العجب العجاب ، الإنسان كلما ارتقى بالإيمان يصير كلامه مهذباً ، النبي اللهم صلِّ عليه شاهد أحد قريباته ترتدي ثياباً شفافة ، قال : يا بنيتي إن هذه الثياب تصف حجم عظامك . انتقى كلمة لا تثير الشهوة أبداً ، كلمة عظم لا تثير الشهوة ، لكن كلمة أخرى تثير الشهوة ، الله عز وجل قال :

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)﴾

[ سورة المؤمنون ]

فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ، كل انحرافات الجنس بهذه الآية .  

﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)﴾

[ سورة المؤمنون ]

قال لك : 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)﴾

[ سورة النساء ]

فقط مع الطفل لا أشعر بشيء ، قال تعالى : 

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)﴾

[  سورة الأعراف ]

لو تتبعت الآيات التي تصف النكاح في القرآن كنايات لطيفة جداً ، فالإنسان يتعلم من القرآن ، من الأنبياء ، من أقوال النبي عليه الصلاة والسلام ، من أقوال الصحابة ، الأدب الرفيع . 

 

الإسلام أدب ولطف ومودة :


﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42)﴾

[ سورة مريم ]

اعتراض على شكل استفهام :

﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً (45)﴾

[ سورة مريم ]

فظاظة ، هذا شأن الكفر ، وهذا شأن البعد عن الله عز وجل ، يوجد قسوة ، الله عز وجل قال :

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

[  سورة آل عمران ]

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) انظر هذا الآية ما أجملها ، أي بسبب رحمة استقرت في قلبك يا محمد ، كنت ليناً لهم ، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك ، وأحبوك ، وتعلقوا بك ، وهاموا بك حباً ، وفدوك بأرواحهم .

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

[  سورة آل عمران ]

لو لم تستقر هذه الرحمة في قلبك من لوازم البعد عن الله الفظاظة ، والقسوة ، كلام قاس ، تصرف أرعن ، تعليقات لاذعة ، سخرية مرة ، هجوم عنيف . 

﴿  فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾  

[ سورة آل عمران ]

أي الإنسان إما أنه موصول بالله ، يوجد رحمة بقلبه ، هذه الرحمة من لوازمها لين الجانب ، فلان لين العريكة ، يألف ويؤلف ، تجد شخصاً يقطر أدباً .

أحد الصحابة الكرام لما رأى موقع بدر ، الموقع لم يعجبه ، فجاء النبي ، أنا أقول هذا الصحابي معجون بالأدب ، قال : يا رسول الله ! هذا الموقع هو وحي أوحاه الله إليك أم هو الرأي والمكيدة ؟ أي إذا كان وحياً لن يتكلم بكلمة ، النبي الكريم طبيعي ، لا يوجد به تكلف ، قال له : بل هو الرأي والمكيدة ، فقال : يا رسول الله ليس بموقع ، بكل بساطة ، بكل عفوية ، النبي أعطى أمراً تحول الجيش إلى الموقع الذي رآه الخباب بن المنذر ، وقف النبي الموقف الكامل لمن أدى إليه النصيحة إلى يوم القيامة ، فكل عالم ، وكل أمير من بعده ، إذا إنسان قدم لك نصيحة بإخلاص ، أصغ له واشكره عليها ، واستجب له ، انظر إلى الأدب ، هذا الموقع وحياً أوحاه الله إليك أم هو الرأي والمكيدة ؟ فلذلك كلما ارتقيت بسلم الإيمان  يرتقي أسلوبك بالكلام ، تختار أجمل كلمة ، وألطف عبارة ، وتعليق لطيف ، ولفت نظر لطيفة .

سيدنا الحسن والحسين فيما يروى شاهدا إنساناً كبيراً في السن كان يتوضأ ويخطئ في الوضوء ، طلبا منه أن ينظر إلى وضوئهما ليرى أيهما اصح؟ قال : والله أنا مخطئ ولستم أنتم ، ممكن أن تفهم إنساناً كل شيء بلطف ، بأسلوب لطيف ، من دون عنف ، من دون قسوة ، من دون جرح ، من دون استعلاء ، من دون كبر ، من دون أن تشعره أنك أفهم منه .

﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً (43)﴾

[ سورة مريم ]

أنا عندي معلومات لو أنت عرفتها تقف كموقف ، هي معناها أنت جاهل وأنا عالم ، لكن بشكل لطيف جداً .

﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً (43)﴾

[ سورة مريم ]

معنى هذا أن الأدب يمثل ربع الدين ، عقائد ، عبادات ، معاملات ، آداب ، فالمؤمن يطمح إلى آداب مجالس العلم .

النبي الكريم ما رئي ماداً رجليه قط في حياته ، ولا بين أصحابه ، برئ من الكبر من حمل حاجته بيده ، سيدنا الصديق ينزل من على ناقته لأن زمامها وقع منه ، وأصحابه حوله ، نزل من على الناقة ، وتناول زمام الناقة ، فعجبوا ، قالوا : يا خليفة رسول الله ، نكفيك ذلك ؟ قال : لا ! أمرني حبيبي ألا أسأل الناس شيئاً .

النبي الكريم مع أصحابه في سفر ، عالجوا شاة ليأكلوها ، قال أحدهم : عليّ ذبحها ، وقال الثاني : عليّ سلخها ، وقال الثالث : عليّ طبخها ، فقال عليه الصلاة والسلام : وعليّ جمع الحطب ، قالوا : نكفيك ذلك ، قال : أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه ، هذه هي السنة.

سيدنا الصديق لما جَيَشَ جيش أسامة ، أراد أن يستبقي عمر بن الخطاب ، سيدنا الصديق علم خليفة المسلمين ، سيدنا عمر عملاق الإسلام ، وهذا القائد عمره 17 عاماً ، طفل ، لم يقل لسيدنا عمر : ابق أنت عندنا ، أبو حفص ابق عندنا ، لا ، ما عمل هذا ، استأذن أسامة لأنه يوجد تسلسل ، أتأذن لي بعمر ؟ ما هذا ! خليفة المسلمين يستأذن شاباً عمره 17 عاماً في عمر حتى يعطيه مكانته ، سيدنا أسامة راكب الناقة ، وهو قائد الجيش ، وسيدنا الصديق يمشي على الأرض ، فسيدنا أسامة ما تحمل ، قال له : والله يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن ، قال : لو والله لا نزلت ولا ركبت ، وما عليّ أن تغبر قدماي ساعة في سبيل الله .

سيدنا الصديق كان يحلب شياه جيرانه ، فلما صار خليفة ، دخل على جيرانه الحزن ، غير معقول أن يستمر بهذه الخدمة ، صار خليفة المسلمين ، في اليوم الثاني طرق باب جيرانه ، الأم قالت لابنتها : افتحي الباب يا بنية ، طرق الباب ، قالت : من الطارق يا بنية ؟ قالت : جاء حالب الشاة يا أمي ، جاء يحلب الشياه ، سيدنا الصديق خليفة المسلمين ، الإسلام كله أدب ، كله لطف ، كله مودة ، أعمال العنف ، والفظاظة ، والغلظة ، والنصيحة بقسوة هذا ليس من الدين في شيء ، شعار المؤمن :

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

[ سورة آل عمران ]

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور