- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
تمهيد :
أيها الإخوة المؤمنون؛ لا زلنا مع الحديث النبوي الشريف، والحديث القدسي الذي بدأنا تفسيره في الدرس الماضي، مطلعه: أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال:
(( يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي ، وجعلتُه بينكم محرَّما ، فلا تَظَالموا ، يا عبادي ، كُلُّكم ضالّ إلا مَنْ هَدَيتُه ، فاسْتَهدُوني أهْدِكم..... ))
الفضاء الخارجي الأصل فيه الظلام، والنور في الفضاء الخارجي مخلوق، فإذا ترك الإنسان نفسه على سجيَّتها, من دون أن يتعلم، من دون أن يتفقه، من دون أن يتأمل، من دون أن يبحث عن الهدى, فهو ضال، فالإنسان على الفطرة.
لو الإنسان مثلاً مارس حياته المادية؛ من طعام، وشراب، ونكاح، وعمل، وكسب للمال، وإنفاق للمال، هذا المستوى لا يزيد عن مستوى البهيمية، طعام, وشراب, ومتعة، أما حينما يبحث الإنسان عن الحقيقة، ارتقى من المستوى المادي الحيواني إلى المستوى الإنساني، حينما تبحث عن الحقيقة، حينما تبحث عن عقيدةٍ صحيحة مطابقة للواقع، فالإنسان من دون عقيدة، من دون هدى, يعيش حياة مادية، لا تزيد على كسب للمال وإنفاق له؛ في الطعام والشراب, والمتعة.
فالإنسان وفق هذا الحديث:
﴿
الحق واحد لا يتعدد، بينما الباطل متعدد, قال تعالى:
﴿
عندنا سموات, وأرض، عندنا كون مادي, ومجرات، وأرض، وجبال، وبحار، وأنهار، وإنسان، وحيوان، ونبات، وجماد، هذا الكون المادي له نور، ما هو النور؟ أي هذا نافع، هذا ضار، هذا يزول، هذا لا يزول، هذا خير، هذا شر، هذا يُسْعِد، هذا يشقي.
الإنسان أحياناً يدخل معملا، يا ترى هذه الآلة خطيرة؟ لها استعمال خاص؟ هذه الآلة مركبة على تيار معين؟ هذه الآلة فيها قطع؟ فإذا لم ينتبه الإنسان ليده قد تقطع، فالمعمل ضخم ، لكن أحياناً يكون صاحب المعمل معه تعليمات دقيقة جداً، أو نشرة، هذه النشرة بمثابة النور, الذي يضيء للإنسان طريقة استعمال هذه الآلات.
لو دخلنا على مخبر فيه قوارير، في هذه القوارير مواد، يا ترى هذه المادة سامة؟ هذه المادة ذات طابع انفجاري؟ هذه المادة مع الماء تتفاعل تفاعل خطير مثل الصوديوم؟ هذه المادة ساكنة؟ هذه المادة ليس لها مفعول قوي؟ هذه المادة رخيصة؟ هذه المادة غالية؟ لو إنسان أعطاك هذه المعلومات حول هذه القوارير، هذه المعلومات كأنها نور، لو كتب لك على هذه القوارير معلومات تفصيلية، أو لو قال لك: هذه المعلومات شفهياً، فكأنه أضاء لك الطريق.
فربنا عز وجل خلق الكون، فإذا أراد الإنسان أن يتصل بالمرأة وفق الشرع الإلهي, الذي يضمن لك حقك وحقها وحق الأولاد، فأنت ترتاح بهذا الاتصال، هذا الزواج، فلو حدث اتصال بعيداً عن هذا المنهج، هذا الاتصال يسبب لها التعاسة والشقاء، تصبح بَغِيًّا، وأنت تحس أن الناحية الإنسانية ضعيفة فيك، لأنك تسببت بانهيار امرأة.
فهناك آلام نفسية لا حدود لها, تتأتى من اتصالك بهذه المرأة اتصالا بعيدًا عن الشرع الذي أنزله الله عز وجل، فهذا الشرع الذي بين لك علاقتك بالمرأة، يجب أن تكون وفق الزواج، بين لك علاقتك بالمال، يجب أن تكون وفق الكسب المشروع، بين لك علاقتك مع نفسك، نفسك لها حق عليك، فهذه الشرائع بمثابة النور، فربنا عز وجل قال:
إذا اشترى شخص آلة معقدة، هل في الأرض جهةٌ أولى من الجهة الصانعة بإعطائك تعليمات التشغيل؟.
لو اشترى سيارة، وأحب أن يسأل عن بعض الملابسات، هل يسأل جهة تصنع قنابل مثلاً؟ ليس لها علاقة بهذه، يسأل خبيرًا بهذه السيارة، والخبير بنى خبرته من متابعة حركاتها وسكناتها وفق تصميم المصنع، فدائماً الجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة المؤهلة بإعطاء التعليمات في تشغيل السيارة.
يا عبادي كُلُّكم ضالّ إلا مَنْ هَدَيتُه فاسْتَهدُوني أهْدِكم....
أنت آلة معقدة، لا يوجد إلا جهة وحيدة مؤهلة, أن تعطيك التعليمات الدقيقة في تحركاتك على سطح الأرض؛ افعل ولا تفعل، الله سبحانه، هذا صحيح، هذا غلط، فربنا عز وجل لما قال:
أحيانا الإنسان يكتفي بعقله، فهؤلاء الأجانب أوصلهم عقلهم إلى الشقاء، ارتقى بهم رقياً مادياً لا حدود له، لكن بالمقابل على حساب حياتهم النفسية، وعلى حساب أسرهم، وعلى حساب مستقبل حياتهم، فالمستقبل إلى جهنم أحياناً، والحياة الاجتماعية متفسِّخة، والحياة الأسرية أيضاً منهارة في التقدم المادي، والإنسان استغنى عن الله عز وجل، حتى إن ربنا عز وجل لما قال:
﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)﴾
حتى أهل الدنيا إذا كانوا بعيدين عن الله عز وجل، حتى أهل الدنيا لا يعرفون حقيقة الدنيا، لا يعرفون حقيقة السعادة، يسعدون بظاهرها، يسعدون بما فيها من أشياء مادية، والأشياء المادية في الحياة الدنيا لا تشكل كل السعادة، كما قال سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام:
هناك علاقات نفسية وطمأنينة، وإرضاء للضمير إن صح التعبير، وتوازن نفسي، وصحة نفسية، هذه الأشياء الأساسية في حياة الإنسان غفل الأجانب عنها، أتقنوا حياتهم المادية ، أتقنوا معيشتهم، أتقنوا جسدهم، أعطوه كل حقوقه على حساب نفوسهم، فبذلك الإنسان ضال ما لم يهتد بنور الله عز وجل، ونور الله هو هذا القرآن.
لما ربنا عز وجل يقول في الحديث القدسي:
لو أنك وحَّدت الله عز وجل، وعملت وفق الهدى الذي أنزله الله عز وجل, أن أمر العباد موكول إلى رب العباد، تلاشى الحقد، انتهى الحسد، تنتهي الضغينة، ينتهي النفاق، ينتهي الخوف، ينتهي القلق، فالأجانب اهتموا بالجسد، ولكن أهملوا النفس، والنفس شيء ثمين جداً، ربنا عز وجل قال:
﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً
ربنا عز وجل في كتابه الكريم يقول
فلو أنك التقيت مع إنسان بعيد عن الله عز وجل؛ قد يكون مظهره أنيقًا جداً، قد يعيش حياة في أعلى درجة من الرفاه، لكن لو حادثته, لوجدت أن في قلبه سعيراً، في قلبه؛ من القلق والخوف، من الحسد والضغينة، من الشعور بالإعياء، فطبعاً البعد عن الله عز وجل يسبب عمى، فيتحرك حركة عشوائية، يرى أن الناس كلهم ينتظرون أن يقع، يتربصون به الدوائر، يريد أن يكيل لكل إنسان، فالحياة النفسية المضطربة المبنية على الحسد، على الخوف، على القلق، هذه الشقاء، هذه جهنم الدنيا، لذلك قال ربنا عز وجل:
أحب أن أؤكد للإخوان؛ أن ربنا عز وجل لا يوجد عنده حرمان، لما أنت تنوي طاعة الله عز وجل الله لا يحرمك شيئاً، لكن سوف ينظم لك حياتك، ما مِن شهوة أودعها بقلبك، أودعها بنفسك, إلا جعل لها قناة نظيفة تفرغ من خلالها، ربنا عز وجل لم يكلف الإنسان فوق طاقته، ربنا عز وجل قال:
﴿
لم يكلفك أن تصلي مئة ركعة، ولا أن تصوم ستة أشهر، ولا كلفك أن تدفع كل مالك، ولا نصفه، العبادات كلها معقولة، وقتها قليل، حجمها قليل، لطيفة، تجعل لك نشاط، تجعل لك ثقة بنفسك، تجعل لك قرب من الله عز وجل، فهذه
لذلك:
لذلك قال العلماء: تمام النعمة الهدى، يمكن أن نمثل للهدى بواحد، ونمثل للمال بصفر أمامه، صار الواحد والصفر عشرة، ونمثل للزوجة بصفر ثان صاروا مئة، نمثل للأولاد بصفر صاروا ألفًا، نمثل الدخل صفر رابع، نمثل المركبة، نمثل البيت، فاسحب الواحد من أمام الأصفار، ثم انظر, تجدها أصفارًا كلها
﴿
الخالق وحده هو الذي يجب أن تعبده، فالإنسان في فرز كامل، الناس رجلان؛ إما أنه مهتد إلى الله عز وجل، فهو الذي حقق الهدف من وجوده، وإما أنه بعيد عن نور الله, فهو الذي لم يعرف الهدف من وجوده.
كُلُّكم ضالّ إلا مَنْ هَدَيتُه فاسْتَهدُوني أهْدِكم....
فعل استهدى؛ على وزن استفعل، استعلم، استغفر، استرحم، استودع، فيه معنى الطلب، يعني اطلبوا الهدى من الله وحده، لا كتاب يهديك ، ولا نظام وضعي يهديك، لا جهة في الأرض تهديك، ولا نظرية تهديك، أي شيء أرضي يبقى أرضيًّا، أما الذي يهديك فهو الذي خلق السموات والأرض، كما أنه خلق السموات والأرض, فهو نور السموات والأرض، هو الخالق، هذه الناحية المادية من خلقها؟ الله سبحانه وتعالى، بعد أن خلق السموات والأرض, هو وحده نور السموات والأرض، لذلك:
هذا الحديث دقيق جداً، الهدى محصور بالله عز وجل، لا يوجد هدى أرضي، فلان قرأ كتابًا, مؤلفه دارون فاهتدى، مستحيل، فلان قرأ النظرية الفلانية فاهتدى، فلان تشبعت أفكاره بالمبدأ الفلاني فاهتدى، لا، لا يوجد هدى أرضي
إذا قال شخص: الأستاذ رسبني، ما معنى هذا الكلام؟ فعلاً الأستاذ رسبه، لكن لماذا؟ لأنه لم يدرس، فلما ربنا عز وجل في القرآن الكريم ينسب الإضلال إلى ذاته، إذا قال لك:
﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ
فهذا كما علماء التوحيد: هو الإضلال الجزائي، المبني على الضلال الاختياري، يؤكد ذلك قوله تعالى:
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ
فكلكم ضال، ما معنى ضال؟ أي أنه رفض الهدى، أو ما بحث عن الحقيقة فهو ضال ، قرأ، درس، علَّم، ألَّف، أخذ شهادات عليا، دخله كبير، طالع، له آراء معينة، ما دام معلوماته أرضية فهو في ضلال، إلى أن يقتبس الحقيقة من رب السموات والأرض، كما قال الله عز وجل:
﴿
إذا اقتبس الحقيقة من رب السموات والأرض اهتدى، فإذا اهتدى عرف نفسه، المؤمن يعرف نفسه، يعرف قدره عند ربه، الله عز وجل كرم الإنسان .
في نقطة مهمة جداً: أن ربنا عز وجل سخر السموات والأرض جميعاً للإنسان، فلما يكون الإنسان في ضلال, لم يعرف قدر نفسه، لا يعرف من هو، يقول لك: الحياة كلها عذاب ، والله الموت أشرف، مَن يقول لك: الحياة كلها عذاب, هذا ما عرف ربه، بالتالي ما عرف نفسه، ما عرف أنه خلق ليسعد في الدنيا والآخرة، يظن أنه خلق ليُعذب، لأنه بعيد عن المنهج.
فهذا القول بالحديث القدسي
فالإنسان إذا أطلقته تفسّح، وإذا قيّدته قهرته، لما يهتدي بهدى الله عز وجل صعَّدت له ميوله؛ صار إنسانًا راقيًا، صار المخلوق الأول، صار الإنسان الكامل، لكن هناك جهات تقهره، وجهات تفلته، الذين فلتوه أشقوه، والذين قهروه أشقوه، أما الإسلام فقد رفع من قدر الإنسان، عرفه بقدره، عرفه بمهمته، عرفه أنه مكرم، أن الكون كله خلق من أجله. لذلك
إذا اعتقد الشخص, أن الإنسان بدأ في الأرض, على شكل قرد مثلاً، هذه ضلالة، لأن الهدى الإلهي يقول: إن الإنسانية بدأت بسيدنا آدم، لكن ليس لك حق في أن تأخذ النظرية بشكل سريع، تعلم، اقرأ, تجد النظرية فيها ثغرات كبيرة جداً، والنظرية ليست من الكذب العلمي، بل من الكذب الأخلاقي، فقد كان هناك رغبة جامحة لدى علماء القرون السابقة في تحطيم الكنيسة، وكان أفضل طريقة لتحطيم الكنيسة؛ اختراع نظرية تتناقض مع بدء الخليقة، فالكنيسة بدأت على أساس من الجهل.
أما الإسلام فقد رفع من شأن العلم، ما ينطبق على بعض الأديان لا ينطبق على الإسلام، فأخطر شيء بالإنسان نصف العلم، لا هو عالم فيفيد من علمه، ولا هو جاهل فيتعلم ، خطير جداً، قرأ كلمتين فشك في الدين، فإذا قرأت نظرية، أو قرأت شيئًا، أو رأيت نظامًا معينًا اجتماعيًا يتناقض مع الدين، هذا النظام باطل قطعاً، لا بد أن تعرف, أن الذي خلق السموات والأرض, هو الذي وحده الذي ينير لها السبيل، هو وحده الذي يسعدها، وأية معلومات، أية أفكار، أية نظريات، أية مذاهب نابعةٌ من الأرض ليست هدىً، إنما هي ضلال ، طبعاً قد يكون لها بريق، قد يكون لها شيء يجذب، أحياناً بعض المبادئ تجذب الناس، ليس لأنها على حق, لكن لأن فيها تحقيق للشهوات.
فأعداؤنا اليهود, عملوا مزارع, ليس فيها نظام الأسرة، كيوبتس، استقطبوا شباب العالم، على ماذا بنوها؟ على الإباحية بنوها، فهل هذا النظام حق؟ لا, باطل، الحق نظام الأسرة، لكن باعتبار هذا النظام, يغري الشباب اليهود بالعالم, يأتون على الأرض المغتصبة، فصار الإغراء إغراءً ماديًا، إغراء شهوانيًا، ما هذا الحق؟ الإنسان لا أب له، فطبعاً اليهود لهم مصلحة، هذا لماذا له أب؟ حتى إذا قتل لا يعلنون عنه، يقولون لك: قتل واحد، يكون الموتى مئة، قتل واحد، الأبناء بالكيوبتس، ليس لهم آباء بالأساس، فيا ترى هذا النظام صحيح؟ لا، فهذا خطأ، لأنه مبني على الإباحية.
فكل نظام اجتماعي، كل فكرة، كل مذهب، كل نظرية منبعها أرضي, هذه ضلال قطعي
الخالق يقول:
أي العنصر التوضيحي التفسيري الذي منبعه من الله عز وجل، العنصر المادي, الله خلقه، الله خلق الجبال، خلق مجرات، خلق نجومًا، خلق كواكب، خلق بحارًا، خلق أسماكًا، يوجد مليون نوع سمك، آلاف أنواع الطيور، أنواع الأزهار، أنواع الأطيار، المذكرة التوضيحية لهذا الكون, من أين يجب أن تكون؟ من الله عز وجل.
أي جهة مؤهلة, تبين لك أن هذا الكون, خلق لأجلك، نوَّعت الأثمار إكراماً لك، خلقت الجمال لتعرفني، خلقت لك من نفسك زوجة كي تشكرني، جعلت ابنك من نسلك, كي تعرف كيف خلقت؟ أنت لم تر كيف خلقت؟ لكنك رأيت نفسك شابًا، واعيًا، طويلا، ذكيًا، معك شهادة ، معك مال، لما تنجب ولدًا، كأن ربنا عز وجل عرفك: كيف خلقت أنت؟ من نقطة ماء لا ترى بالعين، تولد ضعيفًا لا تقوى على التكلم، لا تقوى على أن تبين ما في نفسك.
مرة طفل صغير, بكى بكاء مستمرًا، ساعة، ساعتين، ثلاثا، يطعمونه فيبكي، بعد ذلك ظهر, أن في جسمه مسمارا صغيرا، الطفل ضعيف، لو كان كبيرًا يقول: هناك شيء يؤلمني هنا، انتهت العملية, قال تعالى:
﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾
فلو كان الإنسان يريد تلقي عقيدته ومبادئه، وإن صح التعبير المذكرة التوضيحية, لخلق الكون من جهة أرضية، فهذا ضلال قطعاً، إلا أن تكون هذه المذكرة التوضيحية، إلا أن يكون تفسير الكون ممن خلق الكون، كما قلنا: آلة معقدة جداً، بعثوها لك من غير نشرة، الآلة ثمنها بالملايين، وعليها دخل كبير جداً، فيها أجهزة لتحليل الدم، كل كبسة زر, يظهر فيها سبعة وعشرون تحليلا، لو كان كل تحليل ألف ليرة، معناها كل كبسة زر ألف ليرة، لو عندك ألف زبون، يصير دخلك مليونًا، هذه الآلة معقدة جداً، لكن لا يوجد معها تعليمات، فهل تفكر أن تسأل عن تشغيلها إنسانًا غير الجهة الصانعة؟ هذا السؤال.
لو كان عندك كمبيوتر معقد جداً، وله فوائد كبيرة جداً، وعليه طلب شديد، والزبائن تقف بالدور، وأنت هلكت حتى اشتريته، أخذت إجازة ورخصة، واشتركتم مع بعضكم برأس مال، لكي تربحوا باليوم مليونًا، وهذا الكمبيوتر ليس معه نشرة، واستعماله معقد، فهل تفكر أن تسأل جهة بالأرض غير الجهة الصانعة؟ لا تقدر، لو سألت ميكانيكيًا؟ لا تسأله, ماذا يفهم هذا في ذاك؟ لك جار خضري: هل تسأله عنه؟ لا تسأله، لا تسأل إلا الجهة الصانعة.
هذا الحديث معناه
فلا يدور ذهنك بسؤال مخلوق في الأرض, إلا الجهة الصانعة بهذه الآلة، وأنت أعقد آلة في الكون، فلما تتجه إلى إنسان كافر, له نظرية معينة، تقرأها لكي تهتدي؟ مسكين، ضلال في ضلال، كلام منمَّق، كلام يغري، كلام يرضي الشهوات.
الأفكار متى تروج؟ إذا كان معها دغدغة للعواطف والشهوات، إذا كان فيها ترتيب معين, يبيح للإنسان أن يمارس شهواته كلها من دون قيد أو شرط، فالإنسان يقبل بهذا المبدأ، ليس لأنه حق، بل على أنه مغرٍ، هذا قبول مصلحي، وليس قبولا موضوعيًا للفكرة، لذلك:
الله عز وجل توعد من أخذ أموال الناس، إن كان يريد إتلافها أتلفه الله، والدليل الوقاع، كل إنسان كسب مال حرام, تأتيه ضربات تحطمه تحطيم، تدمره، تهلكه هو والمال، فمن أين جاء الغلط؟ لأنه لم يستهد الله عز وجل، استهدى الناس، أخي أنت عندك أولاد, ماذا تفعل؟ إذا لم تغش لا تعش، هذا من استهداه؟ استهدى إنسان ضال، لو استهدى الواحد الديان لقال له: استقم على أمري, قال تعالى:
﴿
لو أن هذا الإنسان استهدى الله عز وجل لما غش الناس، بارك الله له في ماله، ورزقه رزقاً حسناً، ومتعه بصحته وأهله وأولاده، لما استهدى رفيقه، قال له: أنت مضطر، الناس كلهم يغشون، ماذا تفعل؟ أخي الناس مالها حرام، إذا لم تغشهم لا يشترون منك، مَن قال لك ذلك؟.
أنت لما تستقيم, يرفع الله شأنك، يوسع رزقك، يكرمك، يسعدك، فهذا السؤال بكل حركة من حركاتك اليومية، هل استهديت الله عز وجل؟ لما غضبت من زوجتك، طردتها إلى بيت أهلها، أنت بهذا لم تستهد الله، استهديت الشيطان، فهداك أن تطردها، لما طردتها إلى بيت أهلها، وكان الخلاف على كلمة قالتها لك، لها أخوات، لها خالات، لها عمات، عمموا المشكلة, يليق بكِ أحسن منه، ماذا تريدين منه؟ اتركيه، راجعيه، وهو أيضاً: أنا لا أخضع، لا أرجع، بعد شهرين طلق، عنده ثلاثة أولاد, أصبحوا بالطريق، من استهدى هذا الزوج؟ الشيطان، لو أنه استهدى الرحمن لأفلح, قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ
انتهى الأمر، الذي خلقك قال لك: افعل هكذا، أما فاخرجي إلى بيت أهلك، هذه ليست واردة إطلاقاً، تناقشها، أعرض عنها، لا مانع، أدبها، لا مانع، أقنعها، لا مانع، أما اذهبي إلى بيت أهلك, فهذه ليست واردة إطلاقاً، فبزواجك، بأولادك، ببيعك، بشرائك، مع جيرانك، مع نفسك، إذا استهديت الله عز وجل تسعد، والدليل:
﴿
هذه مطْلقة، ببيعك بشرائك هكذا أقوم، لذلك قال ربنا عز وجل:
أحياناً مسمار داخل الحذاء، وأنت متضايق منه، لا تجد واحدًا يصلحه: يا رب، يا رب أعن، ضاعت مفاتيحك: اللهم يا جامع الناس، هل هناك أتفه من ضياع مفاتيحك بالبيت؟ أين المفاتيح؟ لا تجدها، تكون تحت البشكير، تبحث عنهم خمس ساعات، تقيمه وتقول: اللهم يا جامع الناس، رأساً تجد المفاتيح، فاستهدوني في الأشياء الصغيرة، والأشياء الكبيرة، في المعضلات.
جاءك خاطبون لابنتك، هذا عنده بيت، هذا ليس عنده بيت، الذي عنده بيت, دينه رقيق قليلاً، وهذا دينه قوي، ولكن ليس عنده بيت، والله شيء يحير، ماذا تفعل بهذه الحالة؟ فاستهدوني أهدكم، اسأل الله عز وجل أن يهديك إلى قرار صحيح، لا تقع بغلط، هناك دعاء الاستخارة
زوجتك مصرة على هذا الشيء، لا تتراجع عنه، وأنت رأيته غلطًا، طبعاً العنف سهل، تقول لها: ما أعجبك! فاذهبي إلى بيت أهلك، هذه سهلة، لكن عندك أولاد، وركبت رأسها: يا رب اهدن، ماذا افعل؟ اهدن إلى موقف حكيم.
أحياناً يتشاجر أولادك بالبيت، أو أخوك مع ابنك، وأنت جعلتهم في المحل معاً، ماذا تفعل؟ فاستهدوني أهدكم، إذا كان الشخص بعيدًا عن الله, يخبط خبط عشواء، أحياناً يغلط، يتورط، يتحامق، إذا كان مع الله عز وجل يهديه، عود نفسك في كل قضية, قل له: يا رب ماذا أفعل؟.
والله الذي لا إله إلا هو لا تلبث أن تهدي إلى الطريق الصحيح، الرب سبحانه معك ، وهو الذي قال:
هذا الحديث دقيق، فهل أنا آخذه على معنى واسع كثير على الهدى الكلي؟ آخذه على الأشياء الجزئية
مرة طبيب, معتز بنفسه كثيرًا، في أثناء عملية الولادة, أزال الرحم، وقطع الأمعاء، لو ما أخذ المريضة على المستشفى, لسحبوا منه الشهادة، أراد تخليص الجنين, فقطع الرحم، وقطع الأمعاء، ويقتل المريضة، لما يتعزّ الإنسان بنفسه, يكله الله عز وجل إلى نفسه، يتحامق ، يقولون: غلطة الكبير كبيرة
دخلت إلى إنسان: يا رب اهدن، تلقي درسًا، يا رب أعن، تحكّم مريضًا: يا رب ألهمن التشخيص الصحيح، والدواء الصحيح، أنت محام: يا رب ألهمن المذكرة الصحيحة، هذا الرجل مظلوم، أما أن تقول: أنا محام معي شهادة، من كذا سنة، قضايا أخذتها، وخصومي أقوياء، لا، بل قل: يا رب اهدن، كلما تواضعت لله يرفعك، كلما تذللت له يعزك، كلما أعلنت ضعفك أمامه, يعطيك العلم, والخبرة, والموقف الصحيح, والحكمة، فاستهدوني أهدكم.
(( يا عبادي, إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم ))
في الأشياء الصغيرة, والكبيرة، في علاقاتك، في بيعك، في شرائك، في حركاتك، في زواجك، في شركاتك، بأي حركة يومية.
أحياناً يفحص الإنسان سيارته قبل أن يسافر، ويقول: فحصتها فحصًا كاملا، تقف به في مكان صعب، أين الفحص الكامل؟ إذا كان الرجل مؤمنًا يقول: يا رب تسلم، كلمة يا رب تسلم، الله يسلم، فاستهدوني، يعني كن معي دائماً، لا تنسني يا عبدي, قال تعالى:
﴿ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ
إن شاء في الدرس القادم, نتابع هذا الحديث القدسي، هذا حديث أساسي:
(( كلكم جائع إلا من أطعمته, فاستطعموني أطعمكم ))
ليس هناك ذكي في التجارة، أحياناً الذكي بالتجارة يفلس، هناك تاجر موفق، وتاجر غير موفق، فالإنسان يطلب من الله التوفيق، لأن الله عز وجل قال:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ
صور من مواقف عمر بن الخطاب.
الآن إلى سيرة سيدنا عمر رضي الله عنه.
هذا الفصل عن سيدنا عمر متعلق بالشورى.
الآية الأولى:
ربنا عز وجل وصف المؤمنين فقال:
﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ
فإذا أنت كنت مؤمناً، وعشت مع إخوانك المؤمنين، ليس لك حق أن تستبد برأيك، إذا كان لك شريكان مؤمنان، ليس لك حق في أنْ تستبد برأيك، إذا كنت تعيش مع إخوانك في مسجد، ليس لك حق في أن تستبد برأيك، إذا كنت عضو بلجنة, ليس لك حق في أن تستبد برأيك، لأنك إذا كنت مؤمن حقاً, يجب أن تنطبق عليك هذه الآية:
الآية الثانية:
ربنا عز وجل, يأمر سيدنا رسول الله, وهو قمة البشر في العلم، وفي الحكمة, وفي الفهم، ويوحى إليه، والملائكة معه، هذا النبي العظيم على عِظَمِ شأنه، وعلى جلال قدره، وعلى تفوقه، وعلى أنه الشخصية الأولى في الكون، ربنا عز وجل وجَّه له أمر، وأمر الله يقتضي الوجوب, فقال له:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ
لو سألت هذا التاجر المؤمن: ماذا أفعل؟ طلب مني بضاعة بمئة ألف, اسأل عنه أولاً ، خذ عنوانه، واسأل عنه، فلما يستشير الإنسان, يستعير عقول الرجال، كل مصلحة لها خبراء ، فيها أتقياء، وفيها خبراء بكل مصلحة، فيها خبراء وأتقياء، فإذا كنت أنت موفق, تسأل التقي الخبير، إن سألت خبيرًا غير تقي سيغشك، وإن سألت تقيًا غير خبير لا يعرف، اسأل الخبير التقي، تعوّد بكل حياتك, أن يكون لك مستشارون، ابحث عن طبيب مؤمن، مع زوجتك قرحة ، إن سألت طبيبًا غير مؤمن عن صيامها, يقول لك: تفطر، يريد كثرة مِن المفطرين، لكي يستأنس، لأنه هو مفطر، اسأل طبيبًا مؤمنًا، بكل قضية اسأل، تريد أن تشتري بيتًا, اسأل واحدًا، يكون البيت مرهونًا، عليه إشارة حجز، تدفع ثمنه كاملاً، تأتي آخر السنة, فلا تعطى لك موافقة بنائه، فاستشر.
فربنا عز وجل, أمر النبي عليه الصلاة والسلام, وهو سيد الخلق, وحبيب الحق, أمره أن يستشير استشارة حقيقية، إياك أن تظن أنها استشارة شكلية، لا, حقيقية, قال تعالى:
فهذا الفصل كيف كان سيدنا عمر، وهو في قمة مجده وسلطانه، وهو خليفة المسلمين ، وأمير المؤمنين, كان يستشير، وكان يرحب بالنقد، لذلك إذا مدحك واحد, تجلس في مكانك، إذا انتقدك رفعك، إذا انتقدك أزعجك، لما يزعجك, فهذا الذي انتقدك فيه تدعه، فإذا تركته ارتقيت، كلما تلقيت نقدًا ارتفعت، كلما تلقيت نقدًا بنَّاء من إنسان مخلص, تحاشيت الغلط وارتفعت، إذا عوّدتَ نفسك على المدح، يمدحك الناس باستمرار, ينزلونك بالمدح، تبرك ولا تتقدم، لذلك حينما يرفض الإنسان النقد ينتهي.
سيدنا عمر كان يقول:
موضوع الشورى موضوع أساسي في الإسلام، استشر الكبير والصغير، القريب والبعيد، وبعدئذٍ اتخذ قرارك.
سيدنا عمر كان يقول:
طبعاً الإنسان الذكي, يعرف أنه هذا الطرف, يرغب بهذا الاتجاه، فالإنسان أحياناً يستشير شخصًا، إذا كان شخصًا مخيفًا، يسمع إجابات توافق هواه، فيصدق أن هذا الكلام صحيح، سيدنا عمر نبه أصحابه، وقال لهم:
نفى التملق، لا تقل لي كلامًا أرضى به، قل الحق ولو كان مراً، لو تعوّدنا كلنا أن نكون صادقين مع أنفسنا، ونتكلم كلمة الحق، وألا يأخذنا بالحق لومة لائم, لكنا في حال غير هذا الحال.
لو كان الإنسان مع زوجته وأولاده صريحًا، أحياناً الإنسان يلحق المظاهر، تكون حالته المادية أقل من الوسط، يريد أن يظهر بمظهر الأغنياء، يتحطم من أجل وليمة واحدة, يظل مكسورًا بالدين شهرين أو ثلاثًا، اسأل أهل الخبرة، لا ترض بالمظاهر الفارغة، لا تقولوا الرأي الذي تظنونه يوافق هواي، وقولوا الرأي الذي تحسبونه يوافق الحق، هكذا أعطى سيدنا عمر التوجيه.
مرة دعا فريقاً من الأنصار المشهود لهم بالحنكة ونضج التجربة، فتح لهم باب المناقشة، وخشي عمر أن يجامله أحدٌ في رأيه بوصفه أمير المؤمنين، فقال لهم:
مصيبة ألمت بعمر واستبرأها حذيفة بن اليمان.
دخل عليه مرة سيدنا حذيفة بن اليمان, رآه مهموماً باكي العين، فقال له:
مالك يا أمير المؤمنين؟.
فقال له عمر: إني أخاف أن أخطئ, فلا يردني أحد منكم تعظيماً لي.
أخاف أن أخطئ، وأحدكم لا يردني، يبقى ساكتًا، تعظيماً لي وتوقيراً.
سيدنا عمر بن عبد العزيز الله رضي عنه, عيّن أحد كبار العلماء مستشار له، اسمه عمر أيضاً، قال له:
يا عمر, كن إلى جانبي، وانظر ماذا أفعل؟ فإن رأيتني ضللت, فأمسكني من تلابيبي، وهزني هزاً شديداً، وقل لي: اتقِ الله يا عمر فإنك ستموت.
هذه الأمانة.
فأجابه سيدنا حذيفة قال له: والله لو رأيناك خرجت عن الحق لرددناك إليه.
فعندئذٍ استبشر سيدنا عمر, وقال: الحمد لله الذي جعل لي أصحاباً يقومونني إذا اعوججت.
موقفه وهو على المنبر.
مرة صعد المنبر وقال:
يا معشر المسلمين, ماذا تقولون, لو ملت برأسي إلى الدنيا هكذا؟.
فيشق الصفوف رجل ويقول: وهو يلوِّح بذراعه, كأنها حسام ممشوق إذاً: نقول لك بالسيف هكذا.
فيسأله عمر: إياي تعني بقولك؟!.
قال: نعم إياك أعني بقولي.
عندئذٍ فرح سيدنا عمر وقال: رحمك الله، والحمد لله الذي جعل فيكم من يقوِّم عوجي.
يا ترى هذه المواقف زعزعتْ من مكانته؟.
يا ترى صار بنظرهم صغيرًا؟.
لا والله صار كبيرًا.
الفصل كله حول هذا الموضوع، حول أن تستشير الناس، أن تستمع إلى النقد، أن تقبل الشخص الذي ينتقدك، لكن لا ينبغي أن يكون نقدًا مبنيًا على الحقد، مبنيًا على الإصلاح، مبنيًا على الإخلاص.
من مواقفه أيضاً على منبر الإسلام.
مرة صعد المنبر, ليحدث المسلمين بأمر جليل، فيبدأ خطبته بحمد الله، وبقوله:
اسمعوا يرحمكم الله.
ولكن أحد المسلمين ينهض قائماً ويقول: والله لا نسمع، والله لا نسمع.
فيسأله عمر في لهفة: ولمَ يا سلمان؟.
فيجيب سلمان: ميَّزت نفسك علينا في الدنيا، أعطيت كلاً منا بردة واحدة، وأخذت أنت بردتين.
كان رضي الله عنه طويلًا، لا تكفي البردة، سيدنا عمر لما قال له هذا الكلام، فيجيل الخليفة بصره في صفوف الناس، ثم يقول: أين عبد الله بن عمر؟.
فوجده فينهض ابنه عبد الله ويقول: ها أنذا يا أمير المؤمنين.
فيسأله عمر على الملأ: من صاحب البردة الثانية يا عبد الله؟.
فيقول عبد الله فيقول: أنا يا أمير المؤمنين، الثانية لي.
ويخاطب عمر سلمان, والناس معه, ويقول: إنني كما تعلمون رجل طويل، ولقد جاء بردتي قصيرة، فأعطاني عبد الله بردته، فأطلت بها بردته.
فيقول سلمان وفي عينه دموع الغبطة: الحمد لله, والآن قل فنسمع، الآن نسمع لك.
مقولة حق قالها عمر بن الخطاب.
مرة وهو على المنبر يخطب بالناس فقال:
أيها الناس: لا تزيد مهور النساء على أربعين أوقية، فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال.
امرأة قالت له: ما ذاك لك؟.
فيسألها: ولمَ؟.
فتجيبه بأن الله تعالى يقول:
يبقى بقدره العالي، وعظمته، هو عملاق الإسلام, هذا التراجع السريع, لم يضعضع من مكانته، لم ينقص من قدره، الإنسان مع الحق حيث دار.
موقفه مع خالد بن الوليد.
مرة سيدنا عمر, عزل سيدنا خالدًا، سيدنا خالد سيف الله، ورسول الله سماه: سيف الله، وأبلى في المعارك بلاء حسن، خاض مئة معركة، وما انهزم في واحدة، وبالرغم من ذلك عزله، فجاءه وقال له:
يا أمير المؤمنين لمَ عزلتني؟.
قال له: والله إني أحبك.
قال له مرة ثانية: لمَ عزلتني؟.
قال له: والله إني أحبك.
قال له مرة ثالثة: لم عزلتني؟.
قال له: والله ما عزلتك يا ابن الوليد إلا مخافة أن يفتتن الناس بك، لكثرة ما أبليت في سبيل الله.
خفت على عقيدة الناس، الله ينصر، ولست أنت، فحتى أبرهن للناس, أنه ولو عزلتك فالنصر مستمر، ما دمتم مؤمنين فالنصر مستمر، أنقذ التوحيد بهذا العزل.
هناك أناس يفسرونها تفسيرًا آخر، على أنه كان في عداوة سابقة معه في الجاهلية، وانتقم منه، الصحابة فوق ذلك، وأعلى من ذلك.
رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة.
سيدنا عمر, تلميذ نجيب لرسول الله.
سيدنا رسول الله, جاءه أعرابي من أهل البادية، وتهجم عليه، وقال له بين أصحابه, وهو يخاطب سيدنا رسول الله:
أعطن، فليس المال مالك ولا مال أبيك.
كان قاسيًا.
مَن بدا جفا.
النبي ابتسم، وقال له: صدقت إنه مال الله.
معك حق.
سيدنا رسول الله علم أصحابه التواضع، علم أصحابه الحلم، علم أصحابه إذا كان الواحد فظًّا, فامتصه امتصاصًا، لا تمحقه، قال له: هذا المال ليس المال مالك، ولا مال أبي، فابتسم النبي عليه الصلاة والسلام فقال: صدقت إنه مال الله.
قال له بدوي مرة:
اعدل يا محمد.
هذه المرة غضب، وكان إذا غضب, ظهر عرق في جبينه.
قال له: ويحك من يعدل إن لم أعدل؟.
هل هناك إنسان مؤهل للعدل أكثر مني؟ ويحك من يعدل إن لم أعدل؟.
سيدنا عمر لم يتحمل الأعرابي, رآه تهجم على رسول الله، وتطاول، لا بد أن يتأدب، فهمّ.
قال له: دعه يا عمر إن لصاحب الحق مقالا.
تكون موظفًا مرتاحًا، والغرفة مكيفة، يدخل مواطن عليك، تجده يغضب، تقول له: اخرج، صار له ثمانية أيام مع المعاملة الإدارية، وبعد ذلك ضاعت المعاملة، غضب، قل له: طول بالك، والله معك حق، لا تقس الناس على نفسك، أنت مرتاح، ليس عندك مشكلة، غرفتك مكيفة، هذا صاحب الحاجة أرعن، صاحب الحاجة أعمى، قال له: دعه يا عمر إن لصاحب الحق مقالا.
له حق يتكلم، إذا كنت موظفًا بأي مكان, فهذا الذي أمامك, إنسان له مطالب، فيجب أن تلبيها له.
و الحمد لله رب العالمين