- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
تمهيد :
أيها الإخوة الكرام؛ في هذا الدرس أحاول أن أضع يدي على مشكلة, يعاني منها كل إنسان.
الحقيقة: أن الحالة النفسيَّة للإنسان أساسية جداً في معاملة الله له، هذا يؤكِّده قول الله عزَّ وجل:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
فالإنسان أحياناً: يجد الطريق مغلقًا، والأمور معسَّرة، والمسعى مخفِقًا، والعقبات كؤودًا، ينبغي أن يسأل: لماذا؟ ولا سيما وأن الله عزَّ وجل يقول:
﴿
أي: أن هناك شيء داخلي هو سبب هذا التعسير, شيء داخلي هو سبب هذا الإخفاق, شيء داخلي هو سبب هذا المسعى غير الموفَّق, الله عزَّ وجل بيده كل شيء، وخلقنا ليسعدنا، فلماذا هذه المشكلات؟.
أيها الإخوة؛ الحالة النفسية التي أساسها العقيدة الصحيحة, موطن خطير في علاقتك مع الله، حينما يعتز الإنسان بنفسه يؤدبه الله عزَّ وجل، حينما يستكبر يذله الله عزَّ وجل، حينما يعزو النجاح إلى ذاته يفشِّله الله عزَّ وجل، هذه أمور خطيرة جداً.
كنت أقول لكم دائماً: إن الإنسان قد يخطئ, ولكن هناك خطأ لا يُغفر، خطأ الكبر لا يغفر، خطأ العُجب لا يغفر، لأنه حجاب،
الحديث:
(( عن أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَالذي نَفسي بيدهِ ، لَو لَم تُذنِبُوا لَذَهَبَ الله بكُمْ ، وَلَجَاءَ بقوم يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ، فَيَغْفِرُ لهم - وزاد رزين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو لم تُذْنِبوا لَخَشيِتُ عليكم ما هُوَ أَشدّ منه، وهو العُجْبُ ))
والإنسان من ضعفه, أنه إذا نجح، إذا قوي، إذا اغتنى، إذا نال شهادة، إذا أثنى عليه الناس, فقد يغتر.
الشاهد من هذه القصص: العجب.
حدثني أخ: واللهِ أحبه وأقدِّره.
القصة الأولى:
قال لي: دخلت إلى تعزية.
هو يقطن في بعض الأقبية التي حول دمشق, لكن دخل إلى تعزية, يبدو أن الحاضرين من علية القوم، مستواهم رفيع، وهو يظن نفسه غير معروف، فإذا بصاحب العزاء يقدِّمه لإلقاء كلمة.
فقال: تهيَّبت هذا الموقف تهيُّباً شديداً، وأحجمت، ثم توكلت على الله، ودعوت الله عزَّ وجل, أن يلهمني الصواب.
قال لي: وقفت, فإذا بي أتكلَّم بكلام, أنا لا أستطيعه؛ كلام دقيق، عميق، مدلَّل، لغة فصيحة، طلاقة، سيولة، انسياب.
قال لي: أدهشت الحاضرين.
قال لي: والله أنا لا أصدق أن أقول هذا الكلام، أنا حينما دعيت لإلقاء كلمة وجلت، وخفت، وظننت أني لا أستطيع، ودعوت الله عزَّ وجل أن يوفقني، فاستجاب الله لي وأمدني.
قال لي: وجدت نفسي في وضع جيد جداً.
سألته في اليوم الثاني حتى يدعوني لإلقاء كلمة ثانية، جاء في اليوم التالي.
قال لي: أنا أنتظر أن يقال لي: تفضَّل واخطب، يبدو أنه قيل له: تفضل، أخذت مكاني، ورفعت اللاقط، وتهيَّأت لألقي كلمة كالماضية.
قال لي: يا خيبة الأمل.
قال لي: كلام لا معنى له، متناقض، غير متماسك، الأدلَّة ضعيفة، الآيات أخطأت فيها، الأحاديث نسيتها.
قال لي: شعرت بالخزي.
وقال لي واحد: ليتك لم تقل هذه الكلمة، لأنك هبطت.
هذا الشيء طبيعي، باليوم الأول افتقر إلى الله فأمدَّه الله، في اليوم الثاني صدَّق أنه خطيب كبير، فلمَّا تصدَّى لإلقاء هذه الكلمة، واستغنى دون أن يشعر عن الله، استغنى عن الله, فتخلَّى الله عنه.
أرأيت إلى هذه القصة؟ هذه تتكرَّر مع كل إنسان كل يوم عشر مرات، لكن ليس بإلقاء كلمة، بل بشكل أو بآخر؛ بتجارتك، بصناعتك، بوظيفتك، باختصاصك، بخدماتك.
القصة الثانية:
أخ كريم والله أحبه وأقدره.
قال لي: أنا لي اختصاص نادر في البلد، دُعيت إلى إصلاح آلة فطلبت مبلغًا، فرآه صاحب العمل كبيراً.
قال لي: ساومني وأطال المساومة حتى أضجرني.
فقلت له: أنا لست بحاجةٍ إليك، أنت بحاجةٍ إلي، فإن شئت هذا المبلغ.
قال لي: انصاع.
قال لي: أنا بالعادة أصلح الآلة بربع ساعة، نصف ساعة، ساعة، جلسنا أول يوم، أول ساعة، الثانية، الثالثة، الرابعة، الخامسة، أقسم بالله ثماني ساعات والطريق مسدود، والأجر لا على الساعات بل على الإنجاز، الأجر الذي طلبه على إصلاح الآلة فقط.
جئت اليوم الثاني وأول ساعة، الثانية، الثالثة، الرابعة، الخامسة، السادسة، السابعة، الثامنة, والطريق مسدود.
اليوم الثالث ثماني ساعات والطريق مسدود.
اليوم الرابع الطريق مسدود.
الخامس الطريق مسدود.
السادس.
أقسم بالله -وهو عندي صادق- ثمانية أيام، وكل يوم ثماني ساعات، والطريق مغلق.
قال لي: انتبهت أنّ ثمة شيئًا، فاستأذن صاحب العمل, أن آخذ إجازة يومٍ لأراجع نفسي مع الله.
قال لي: جلست وبقيت أتذكَّر ما الكلمة التي قلتها, وفيها استكبار، فيها اعتزاز، فيها استغناء؟.
قال لي: تذكَّرت كلمتي أني أنا لست بحاجتك، بل أنت بحاجتي، فإن أعجبك هذا الرقم فأنا جاهز، فاستغفر الله، وكأنه تصدَّق.
قال لي: باليوم التاسع, والله بربع ساعة, حُلَّت المشكلة.
إذا ظهر السبب بطل العجب.
أنا أضع يدي على مشكلة؛ لماذا هناك تعسير وهناك تيسير؟.
لماذا هناك طلاقة لسان ولماذا هناك حبس لسان؟.
لماذا في أمور هناك تنساب انسيابًا براحة وأمور تتعسَّر؟.
وصعب جداً أن يشعر الإنسان أنه محارب.
أحياناً: يشعر الإنسان أن الله يحاربه، يطرق الباب مغلقًا، هذا مغلق، هذا مغلق، هذا مغلق.
فيا أيها الإخوة؛ أردت أن يكون هذا الدرس, حل لهذه المشكلة.
لماذا أفقد ملكاتي؟ ولماذا يضاف إلى ملكاتي ملكات لا أملكها؟ لماذا أفقد شجاعتي؟ ولماذا أكون شجاعاً كأنني فارس؟ لماذا أفقد حكمتي؟ ولماذا أكون حكيماً كأنني إنسان مجرِّب؟.
ساعة يكون حكيم وساعة يكون غير حكيم، ساعة يكون شجاع وساعة يكون جباناً، ساعة يكون طليق اللسان، وساعة يكون عَييّ اللسان، العوامل؛ إذا ظهر السبب بطل العجب.
القصة الثالثة:
مرَّة أخ اصطلح مع الله من قريب، والإنسان إذا اصطلح مع الله في الفترة الأولى, له إن جاز التعبير شهر عسل، الإنسان يشعر بأحوال لا توصف؛ يبكي في الصلاة، يشعر بنفسه خلاف الناس جميعاً.
قال لي: في أعلى درجة من درجات تألُّقي مع الله، أنا اصطلحت معه من وقت قريب، وكأن الحقائق كُشِفت لي، ورأيت الناس في بُعد عن الله, وفي ضياع، وأنا اهتديت لله عزَّ وجل، والحقيقة عرفتها، وشعرت بسعادة لا توصف، وشعرت بزخم روحي كبير.
قال لي: فجأةً بدأت عيني تخطف النظر إلى الفتيات، وهذه عنده كبيرة جداً.
النتيجة: جاءني إلى البيت -كان بيتي بالعفيف- قال لي: أنا يا أستاذ أطلق بصري في الحرام.
قلت له: أعوذ بالله.
قال لي: والله.
قلت له: تب إلى الله.
قال لي: أكثر من عشرين مرَّة تبت ورجعت.
سبحان الله! كأن الله ضعّف مقاومته لهذا الشيء، وأصبح يبكي، أنا والله وقتها ما رأيت جوابًا، الحالة نادرة، فتب.
قال لي: لا أستطيع.
أنت تركت أشياء أهم من هذه بكثير، فلماذا ضعفت مقاومتك هنا؟.
في الزيارة الثانية: حدَّثني عن علاقته مع والده، فوالده إنسان ليس كما ينبغي أن يكون الإنسان، وليس إنسانًا سيئًا إطلاقاً، وأبوه باع بيته، وسكَّن أولاده خارج دمشق، وسكن معهم، هذه بطولة أن يكون الإنسان ساكنًا بالمدينة، في أرقى أحيائها، يبيع هذا البيت، ويسكن في طرف المدينة إكرامًا لأولاده.
قال لي: أنا كنت أتهم والدي بالكفر والفسق, -وهذه رعونة من رعونات الشباب-, لأنه يقعد مع خالاتي مثلاً، فكنت أتهمه بأنه فاسق، فيبدو أنه شعر باعتزاز، وأنه غير أبيه، لم يكتف أن شعوره الداخلي أنه عير أبوه, بل سلَّط لسانه على والديه، وانتقص من قدرهما، وانتقدهما على انحرافهما، وبالغ في ذلك، فالله عزَّ وجل أدَّبه، كيف أدَّبه؟ ضعَّف له مقاومته.
أيها الإخوة؛ والله ليس هناك آية أحس فيها أدب مع الله، وفيها عبوديَّة لله, كقوله تعالى:
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ
فإذا الله عزَّ وجل لم يحفظك، ولم يقو لك مقاومتك، وأعانك على غض البصر, قال تعالى:
أنا سأطلب منك موقف، ولكنه محرج، هل أنت غير مصدق أن في الجنة حور عين؟.
الحور العين في الجنة شيء لا يوصف، معقول من إنسان يضحي بهذه السعادة الأبديَّة، في كل شيء بالجنَّة, من أجل نظرة عابرة لامرأة فاجرة، أيعقل هذا؟ ألم يقل أحد الصحابة لزوجتــه:
أنواع الافتقار إلى الله.
أيها الإخوة؛ النقطة في هذا الدرس:
أنك حينما تعتز باستقامتك، حينما تعتز بعلمك الشرعي، صار ذلك حجابًا عن الله عزَّ وجل، هذا الافتقار.
الحقيقة يوم الجمعة ذكرت: أنه
هذا الافتقار القهري والقسري لا ينجو منه أحدٌ على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة، كلنا مفتقرون إلى الله؛ بالتنفس، بالماء، بالهواء، بالطعام، بالشراب، بالدفء، بالمأوى، بالزوجة، بالولد، بالحرفة، بالمال, مفتقرون إلى الله، أما الافتقار القهري فهذا لا ثواب له، ولا عقاب عليه، ولا يمدح صاحبه، ولا يُذم، لأنه قهري، وليس معنياً في موضوعنا.
يا أيها الإخوة؛ الافتقار القسري والقهري لا ينجو منه أحد، كل واحد منا بحاجة إلى الهواء، وإلى الماء، وإلى الطعام، وإلى المأوى، وإلى اللباس، وإلى المال، وإلى الزوجة، وإلى الأولاد، مقهورون جميعاً.
أيها الأخ الكريم؛ دقِّق: الافتقار الاختياري عين الغنى، الافتقار الاختياري عين القوة، الافتقار الاختياري عين العلم، الافتقار الاختياري عين التوفيق، الافتقار الاختياري عين النصر، الافتقار الاختياري عين العلو، فلذلك الناس يتفاوتون بافتقارهم.
ببدر الصحابة افتقروا, قال تعالى:
﴿
بحنين ما افتقروا، فجمعهم الكبير كان حجاباً لهم عن الله عزَّ وجل، قالوا:
﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ
أيها الإخوة؛ فأنا أريد أن تترجم هذه المعلومات إلى واقع, كيف أقول لإنسان: لا بدَّ من أن نبيِّن لك هذا الشيء، قال لي: ما هو السبب؟ قلت: لأنه ثبت في الحديث.
(( عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ, فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ, فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً, ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ, فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا, حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ, مَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ, فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكُمَا, إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ, فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ, وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا ))
فأنت بيِّن، النبي بيَّن، وانطلاقاً من هذا الموقف النبوي الشريف, أنا سأبيِّن لك، القصَّة أساسها كذا، وكذا، وكذا، فأنت بيِّن، والبيان يطرد الشيطان.
فنحن نبني على قصة آلاف المواقف, نبني على تصرُّف نبوي شريف آلاف الاستنباطات.
الآن: كل واحد منا بعمله، في بيته، يقول لك: أنا زوج, أحياناً: تقهره زوجته لأنه قال: أنا زوج.
أما إذا كان دخل إلى بيته مفتقر لله عزَّ وجل, وقال: يا رب ألهمني الصواب، ثبِّت خطاي، ألهمني الحكمة، ألهمني أن أقول كلمة تنفع أهلي -مثلاً- الله يلهمه الصدق، يجعل له هيبة في البيت، هذه الهيبة من طاعته لله عزَّ وجل.
الآيات والأحاديث التي تدل على تحريم التَّكبر والخيلاء والعُجب
إخواننا الكرام؛ في كتاب رياض الصالحين, من كلام سيد المرسلين, عليه أتم الصلاة والتسليم، عُقد فيه بابٌ سمَّاه المؤلِّف -رحمه الله تعالى- باب:
تحريم الكبر والإعجاب.
وكعادة الإمام النووي رحمه الله تعالى, يفتتح أبواب كتابه ببعض الآيات الكريمة.
الآية الأولى:
أيها الإخوة؛ قال تعالى:
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)﴾
الإنسان إذا أراد العلو, حُرِمَ الدار الآخرة, قال تعالى:
أيها الأخ الكريم؛ أنت دقِّق الآن: أي شيء تفعله من أجل انتزاع إعجاب الآخرين، من أجل أن يمدحوك، من أجل أن تستعلي عليهم, ابتعد عنه، كن متواضعاً، التواضع صفة العلماء، التواضع صفة الكُرماء، صفة الحُلماء، صفة الموصولين بالله عزَّ وجل.
أحد الأعراب, جذب النبي من ثوبه, حتى أثَّر على رقبته الشريفة, وقال له: أعطني من مال الله, فهو ليس مالك ولا مال أبيك، فقال عليه الصلاة والسلام: صدق, إنه مال الله.
فحينما تفكِّر في العلو والكبر، الآن: أنت دقق, كم شيء يفعله الناس من أجل أن يستعلوا؟ والله ينفقون الملايين من أجل العلو في الأرض، والله عزَّ وجل يقول:
الآية الثانية:
وقال تعالى:
﴿
ثمة كلمة أحفظها تعجبني:
من يضحك أولاً يضحك قليلاً, ويبكي كثيراً، ومن يضحك آخراً, يضحك كثيراً وطويلاً، والدليل: قول الله عزَّ وجل؛ أن المؤمن:
﴿ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9)﴾
﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)﴾
هذه الآية الثانية.
الآية الثالثة:
قال تعالى:
﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)﴾
أي: أن العبادة يفسدها الكبر.
الحديث الأول:
(( عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِداً مِنْهُمَا أَلْقَيْتُهُ فِي النَّارِ ))
أيها الأخ الكريم؛ فكن متواضعاً، وكن مفتقراً، لكن هذا الشيء, لا يأتي هكذا ببساطة.
قبل يومين, أقمنا احتفالاً بتخرج طلاَّب المعهد، فالمتفوقون نالوا جوائز، وهناك طفل ما نال جائزة، لأنه مقصِّر, فسأل: أين تباع الجوائز؟ قال: أشتري جائزة، وأقدمها لأهلي، فهناك أشياء لا تُباع، من أين يأتيك التواضع؟ يأتي من السعي الحثيث، من معرفة الله.
فإذا واحد عنده -تقريباً- آلة تريكو، موديل ستة وثلاثين، لون واحد، في النهار تصنع كنزة واحدة يدوية، لم ير غيرها بحياته، يقول لك: هذه أعظم آلة بالعالم، أما لو رأى آلة لموديل حديث، تعمل مئة كنزة باليوم، وشكَّار، وكمبيوتر، يتواضع ساعتها، يتواضع إذا رأى العظمة، كل إنسان أفقه ضيق تجده متكبِّر، عايش في أوهام.
لماذا قال الإمام الشافعي: من لم يعهد منه سفرٌ, لم يعهد منه علمٌ؟.
يتحجَّم الإنسان إذا عرف الله، يصير صغيرًا، إذا عرف الله, يرى نفسه لا شيء, صدق القائل:
إذا كنت في كل حالٍ معي فعن حمل زادي أنا في غنى
في كثير من الأبيات, يقولها العارفون بالله:
وما لي سوى فقري إليك وسيلةٌ فبالافتقار إليك فقري أدفع
فإذا الإنسان افتقر إلى الله, فافتقاره إلى الله عين الغنى، وعين القوة، وهناك شواهد.
سمعت وقرأت عن شواهد لا تعد ولا تحصى، إنسان يقوى ويتفوَّق، يصيبه الغرور فيسقط، فالبطولة: أن تصل إلى القمة، وأن تبقى فيها.
حينما تشهد أن هذا من فضل الله عليك، فعلى قدر ما تستطيع, لا تكن حظوظك التي أكرمك الله بها حجاباً بينك وبين الله, قال تعالى:
﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)﴾
طبعاً: بعد هذا, قال:
﴿
﴿
طبعاً: هذه شواهد صارخة، أما بحياتنا اليوميَّة في آلاف الشواهد غير الصارخة، كأن علَّق أمله بإنسان، فالله ألهم هذا الإنسان يتخلَّى عنه، لأن صار في شرك.
أنت يلفت نظرك رجلٌ غني متواضع، السبب: الغنى مظنة كبر، فإذا وجدت غنيًّا متواضع تفاجأ، أو يلفت نظرك غني متواضع، الحقيقة: الغني إذا تواضع يحبه الله عزَّ وجل
الحديث الثاني:
النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح يقول:
(( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ, وَلا يَدْخُلُ النَّارَ, يَعْنِي: مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ, قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي حَسَنًا وَنَعْلِي حَسَنَةً, قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْجَمَالَ, وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الْحَقَّ وَغَمَصَ النَّاسَ ))
في رواية:
بطر الحق: أي دفعه ورده على قائله، وغمط الناس: أي احتقارهم.
القصة الرابعة:
مرَّة أخ توسَّط لي, أن أقنع أبًا بتزويج ابنته، عنده بنت تجاوزت الثالثة والثلاثين، وجاءها خاطب ممتاز، الأب متعنِّت لا يزوج، فذهبت له، من خمس كلمات, وجدت أن لا أمل ، قلت له: النبي يقول:
(( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ ))
قال لي: لا أقبل، لم تعد هناك لغة مشتركة بيننا، أعرض عليك كلام النبي عليه الصلاة والسلام, الذي لا ينطق عن الهوى، فكل إنسان تعطيه آية أو حديثًا, ويرفض أن ينصاع لها، انتهى، هذا إنسان مستكبر، يرفض أن ينصاع لكلام خالق الكون،
أيها الإخوة؛ كان عليه الصلاة والسلام, كل صحابي جليل يمدحه.
(( فعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله أبا بكر, زوجني ابنته ))
وما نفعني مال في الإسلام, ما نفعني مال أبي بكر، ما ساءني قط
سيدنا عمر:
(( لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ))
سيدنا أبو عبيدة:
(( إن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ))
سيدنا خالد:
(( سَيْفَ اللَّهِ الْمَغْمُودَ ))
سيدنا حمزة:
(( أسد الله ))
كل صحابي أعطاه النبي حقه، ما غمط أحد، هناك أشخاص بالعكس, لا يمكن أن ينطق بكلمة مديح لإنسان، الأضواء كلها يسلِّطها على ذاته، في الحلقات الدينية تجد الأضواء فقط مسلَّطة على إنسان واحد، أما كل من حوله فلا شيء، بالتعتيم الكامل، هذا سلوك غير نبوي، ليس هذا من السنة، يجب أن تنزل الناس منازلهم.
فكلمة المديح للمؤمن يربو بها إيمانه، أما لغير المؤمن قد يغتر بها، لذلك النبي مرة: أثنى على من يمدح، ومرَّة ذمَّ من يمدح, كأنه في تعارض، لا، لا يوجد تعارض, بل أنت عندك حكمة، هذا الإنسان مؤمن إذا مدحته بما فيه, ربا الإيمان في قلبه، أما إذا مدحت إنسان ضعيف الإيمان, يصدِّق أنه هو فعلاً هكذا.
الحديث الثالث:
ويقول عليه الصلاة والسلام, في الحديث الصحيح المتَّفق عليه:
(( لا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا ))
فأحياناً: في سلوك فيه بطر.
القصة الخامسة:
حدَّثني أخ: والله أصدقه.
فقال لي: كنت ببلد بالخليج, –لم يسمها لي-, فهناك الولائم لها دور كبير.
قال لي: أقيمت وليمة, يمكن كمية اللحم التي فيها, تطعم أقل شيء خمسمئة إنسان، والمدعوون عشرة أشخاص فقط، أكلوا واحد بالألف، ثم صاحب الدعوة, غسَّل يديه فوق الطعام، فهذا الذي رأى هذا المنظر, كاد يخرج من جلده.
قال له: لا أحد يأكل بعدي، هذا بطر.
بينما يجوز في بعض البلاد, في عادات طيبة، إذا إنسان دخل لمطعم, وأكل، وزاد منه قطعة لحم, يلفُّ له، ويُعطى، يأكله في البيت، هذا شيء طيب، زاد أكل، فالمطعم يلقيه في القمامة، لا، لكن المطعم لفَّه لي, وأعطاني إياه, أنا آكله مساءً هذا الطعام.
فالكبر والعياذ بالله, يحجب عن الله عزَّ وجل،
الحديث الرابع:
أيها الإخوة؛ يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لا يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ, حَتَّى يُكْتَبَ فِي الْجَبَّارِينَ, فَيُصِيبُهُ مَا أَصَابَهُمْ ))
أنت لاحظ نبتة مرنة, الرياح تهزُّها، فإذا سكنت تستقيم، تهزها فتستقيم، أما الشجرة العملاقة, تأتيها رياحٌ عاصفة, فتقلعها من جذورها.
فربنا عزَّ وجل يحاسب المؤمن كهذه النبتة، أي بين مدٍ وجزر، بينما الإنسان البعيد عن الله, يعامل كما تعامل هذه الشجرة العملاقة، إعصارٌ واحد يقتلعها من جذورها.
الله عزَّ وجل يبطش بالمتكبِّر بطشة واحدة فينهيه، يرخي له الحبل، ثم يبش به فقط، أما المؤمن فيعالجه كل يوم.
بصراحة: يا إخوان, إذا الله عزَّ وجل تفضَّل علينا وأكرمنا, أنه تابعنا على كل أخطائنا, هذه نعمةٌ كبرى.
أيها الأخ الكريم؛ إياك أن تتألَّم إذا تابعك الله، معنى هذا: أن فيك خير، معنى هذا: في أمل كبير بالنجاة، أما إذا في انحراف وفي إمداد, هنا المشكلة.
أيها الإخوة؛ والشيء بالشيء يذكر، إذا الإنسان في عنده مشكلة, لا يظن أنها لا تُحل، هذا ظن فيه وهم.
القصة السادسة:
زارني أخ عقب صلاة الجمعة فقال لي: أنا أموري كلها منتظمة إلا شيء واحد: هو أنني أدخِّن، قال لي: لا أستطيع أن أتركه إطلاقاً، قال لي: صار جزءًا من دمي، وإذا تركته يصير معي حالات عصبية؛ ضيق ووضع غير طبيعي، فإذا دخَّنت أرتاح، قال لي: هذه لا أقدر عليها.
قلت له: والله الذي لا إله إلا هو, إنك واهم وهم كبير، وبإمكانك أن تتركه، وأن تعيش حياة رائعة، والقضية بسيطة.
نحن في لنا أخ, كان يدخِّن باليوم ثلاث علب أو أربعًا، ليس هناك إنسان حوله, يصدق أنه يدع الدخان، فلما استعان بالله, تركه وانتهى الأمر، ولا يفكِّر أن يقترب منه.
فهذا الأخ قال لي: لا يوجد إمكان.
فإذا كان للواحد عنده عادات سيئة، عنده شهوات مستحكمة فيه، له صفات كبر -من نوع درسنا-, ولا يقدر إلا أن يظهر دائماً مثل الطاووس، فلها حل.
قلت له: والله أنت واهم.
قال لي: كيف؟.
قلت له: سأروي لك قصَّة سمعتها, والله قصة مؤثِّرة جداً, وهي تعد دليل رياضي طبعه هكذا، لا يمكن أن يغمض له جفن, إذا كان في غرفة النوافذ فيها مغلقة؛ صيفًا، شتاءً، خريفًا، ربيعًا، صقيعًا, تحت الصفر خمس درجات، لا يمكن أن يغمض له جفن, إذا كان بغرفة نوافذها مغلقة، رياضي كبير، لاعب كرة من الطراز الأول.
مرَّة أجريت مباراة في فنلندا، في فنلندا أقل درجة حرارة, سُجِّلت تسعة وستين تحت الصفر، عنده مباراة بهذا البلد، وفي الشتاء، والفندق خمس نجوم، ولأن هذا الفندق بهذه المنطقة الباردة جداً, لا توجد نوافذ مفتوحة إطلاقاً، النوافذ مغلقة، لا يوجد قضية فتح، لأن البللور مع إطار النافذة ثابت، لا يُفتح إطلاقاً بالفندق، فجاء ورأى الغرفة، فلا يمكن له أن ينام ، ولا يمكن أن ينام ولا يغفل، والمباراة ثاني يوم، يجب أن يكون مرتاحًا، قابل مدير الفندق وقال له: لا إمكان غير هذا، ابحث عن فندق آخر، هل أخرب الفندق من أجلك؟ البناء مصمَّم ما فيه فتح.
هذا الرياضي لم يجد حلاًّ، جاءته فكرة شيطانية، قال: أنا أكسر هذا البللور في الليل، وأدفع ثاني يوم الغرامة، يبدو أنه أطفأ المصباح, ومسك الحذاء, ضرب, نزل البللور على الأرض، فنام نومًا مريحًا, مثل عادته, ما دام خرق النافذة وفتحت، دخل الهواء، فنام، استيقظ صباحاً, ففوجئ أنه كسر منظرًا طبيعيًّا، البللور مغلق، كسر منظرًا طبيعيًّا، ما كسر البللور.
معنى هذا: أنه يعيش في وهم، هذه القصة نموذجية.
أربعة أخماس تشبثك بالشيء وهم، فمن الممكن تترك الدخان بكل بساطة، ممكن تترك أي عادة سيئة، أي سهرة مختلطة، أي لقاء، إذا أنت طلبت من الله التوبة الصحيحة, يعينك الله عزَّ وجل، فهذا يعيش في وهم عشرين سنة، نام نومًا مريحًا, على أساس أن النافذة مكسورة، فوجد أنه كسر منظرً طبيعيًا، ونزل البللور، ظنَّ أنها النافذة ونام.
فيا أيها الإخوة؛ راقب عاداتك، راقب كل تصرفاتك إذا فيها كبير، أنا لا أقدر، هذا كلام العوام: لا أقدر، لماذا لا تقدر؟ الله كلِّفك بالاستقامة، لو أنك لا تستطيع ما كان كلَّفك، صار التكليف ليس له معنى، كأن الله كلَّفك ما لا تستطيع، لا, إنك تقدر، كل إنسان يقول: لا أقدر، فهو إنسان جاهل, يرد قوله تعالى:
﴿
الخاتمة.
إخواننا الكرام؛ أُنهي هذا الدرس بكلمة:
هل تصدِّق أن ثمن الجنة هو كلمة واحدة؟ ما هي الكلمة؟ قال تعالى:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)﴾
اقرأ القرآن, جاءت ثلاث آيات أو أربع, قال تعالى:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)﴾
فأنا دائماً أقول: تجد الشخص لئيمًا، متكبِّرًا، كذَّابًا، محتالاً، منافقًا، فما هذا النفاق, والاحتيال، والكذب؟ هذه أعراض مرض واحد: هو الإعْراض, احفظها، هذه أعراض الإعراض؛ تعرض, تظهر كل المشكلات، تقبل, تزول كل العيوب والأمراض.
فنحن علاجنا أن نكون مع الله، سلامتنا في الصلح مع الله، سعادتنا في الإقبال على الله، أمننا في الاعتماد على الله، مستقبلنا في محبة الله، هذا هو الدين، الدين هو الله، أن تقبل عليه، وأن تحبه، وأن تطيعه، وأن تعظِّم شعائره، وأن تعظِّم تشريعه، وأن تجلَّ المؤمنين، هذا هو الدين.
فيا أيها الإخوة؛ هذا الباب الكبر في رياض الصالحين مهم جداً،
والحمد لله رب العالمين