- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
تمهيد :
لا زلنا في رياض الصالحين، من كلام سيد المرسلين، عليه أتم الصلاة والتسليم، وننتقل اليوم إلى باب جديد، وهو:
باب تحريم العقوق وقطيعة الرحم.
يقول الله عز وجل:
﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)﴾
صلة الرحم تزيد في الرزق، صلة الرحم تزيد في العمر، بمعنى فسره الفقهاء: أن العمر بمضمونه وبأعماله، لا بفترته وزمانه، فصلة الرحم تكسب العمر غنى, يظهر أثره يوم القيامة.
فلذلك: الرحم مَن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)﴾
أمرَ الله أن توصل الرحم، وهم يقطعونها، وقال تعالى:
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24)﴾
وقال تعالى:
﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (31)﴾
قطيعة الرحم وعقوق الوالدين من الكبائر.
النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل: من أعظم النساء حقاً على الرجل؟ قال: أمه، فلما سئل: من أعظم الرجال حقاً على المرأة؟ قال: زوجها.
الحديث:
(( عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: زوجها، قلت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال: أمه ))
(( عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ لَا يَسْكُتُ ))
من أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ: عقوق الوالدين.
هذه شهادة زور لا أفعلها.
أحد إخواننا الكرام؛ أراد أن ينشئ لابنه عملاً في مصر، أسس له معملاً بسيطاً، فهذا الابن رُبّي تربية إيمانية، في أحد الأيام وهو راكب سيارته, يبدو أنه كان متعباً تعباً شديداً, اصطدم بسيارة ثانية، السيارة الثانية فيها إنسان, يزيد عمره على التسعين، من الصدمة توفاه الله، فمعه هاتف خلوي، اتصل بالمعمل، بموظفي المعمل، هكذا حصل، ماذا أفعل؟ فقالوا: دعك في مكانك، وسنأتيك، بعد فترة بسيطة, جاء موظفو المعمل، وتوجهوا جميعاً إلى مخفر الشرطة، هؤلاء الموظفون توجهوا مباشرة إلى مخفر الشرطة، وفعلوا شيئاً، وجاؤوا إلى مكان الحادث، قال: فلما وصلت إلى مخفر الشرطة، سألني الضابط: ماذا حدث؟ فذكرت له الذي حدث، لم يتكلم ولا كلمة، قال: اكتب ووقع على الضبط، الضبط بخلاف ما وقع، أنت بريء مئة في المئة، لست مداناً إطلاقاً، قال: ولكن هذا الذي كتبته لم يحدث، أنا تسببت في موته، وكنت متعباً، ليس هو الذي صدمني، أنا الذي صدمته، قال له: عجيب! لم يكن في حياتي إنسان, أردت أن أخلصه، وأراد أن يوقع نفسه، قال: هذه شهادة زور، لا أفعله، وأنا أدفع علي من تبعات.
أرأيت إلى الإيمان؟ هذا الضابط صعق، هل من الممكن لإنسان كتب لك ضبطاً، وخلصتك نهائياً، وتذهب إلى البيت، وأنت تريد أن تجعل نفسك متسبباً في موت إنسان؟ قال له: هكذا، القصة طويلة، دفع الدية كاملة، وعيّن أولاده في المعمل، وأعطاه مكافأة، وصار صديق العائلة، لاستقامته، شهادة الزور تقلب الحق باطلاً، والباطل حقاً
شهادة الزور من الكبائر.
حدثني شخص أن عنده مشكلة، وله شاهد، فقال الشاهد: أريد خمسة آلاف، واشهد لك بما تريد، ثم فجأة قال له: أريد عشرة، قال له: قد قلت: أريد خمسة، قال: هناك حلف يمين على المصحف، سيحلف على المصحف كذباً، قال: عشرة، المجتمع الذي يشهد شهادة الزور هذا لا شأن له عند الله عز وجل.
هناك قصص كثيرة جداً، حينما يشهد الإنسان شهادة الحق.
كلمة الحق تسعد صاحبها إلى أبد الآبدين.
حدثني شخص، هو أخ من الحجاز، قال لي: في موسم الحج دية المقتول بالسيارة مئتا ألف ريال، وديته في غير موسم الحج مئة ألف، قال: كنت راكباً سيارتي، طبعا الطريق أوتوستراد، في طريق فرعي, ظهرت سيارة شاحنة صغيرة، لما رآني وقف، فلما وقف تابعت سيري، لما تابعت سيري خرج، فحدث حادث، وراح ضحيته ثلاثة قتلى، قال لي: الدية ستمئة ألف ريال، جاءت الشرطة، هذا البدوي السائق قال: الحق علي، هو قصر سرعته لما رآني، فلما رآني وقفت, تابع سيره، وأنا أخطأت وخرجت، بهذه الشهادة ألغيت عنه كل الديات، هذه شهادة حق.
أحياناً: يشهد الإنسان شهادة حق, قال: والله هذا البدوي كبر في عيني، أكرمه إكراماً كبيراً، إنسان يستطيع أن يبتز منك ستمئة ألف ريال، تقريباً ثمانية ملايين ليرة سورية، ولكن هو قانع قناعة تامة, أن الحق عليه، لا علاقة له، فالإنسان حينما يقول كلمة الحق, يسعد بها إلى أبد الآبدين.
قصة إسلام سيدنا نعيم.
مرة صحابي جليل, اسمه نعيم بن مسعود, جاء ليقاتل النبي صلى الله عليه وسلم في معركة الخندق، هو من زعماء غطفان، جلس في خيمته، صار بينه وبين نفسه حوار، وهذا الحوار سبب سعادته الأبدية، قال:
ما الذي جاء بك يا نعيم؟ لك عقل راجح، أيعقل أن تقاتل هذا الرجل، لم يسفك دماً، ولم يغتصب عرضاً، ولم يأخذ مالاً، وأصحابه كذلك؟ علام تقاتله؟ ماذا فعل حتى تقاتله؟.
حوار بينه وبين نفسه.
يقول: إنه أمضى نصف الليل وهو يحاور نفسه، أيليق برجل له عقل كعقلك, أن يقاتل هذا الرجل.
قال: فنهض، وتوجه إلى معسكر المسلمين، والتقى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: نعم.
قال: جئت مسلماً، جئت لأشهد أنه لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.
فرح به النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: مرني يا رسول الله, ماذا أفعل؟ قال: أنت واحد خذّل عنا.
هل تصدقون أن الإسلام بقي له ساعات حتى ينتهي نهائياً؟.
فهذا الصحابي الجليل, ذهب على اليهود، وتكلم كلاماً ذكياً جداً، وذهب إلى قريش، وتكلم كلاماً طيباً، ووقع الشقاق بين قريش واليهود، وأرسل الله رياحاً عاصفة, قلبت قدورهم، وأطفأت نيرانهم، واقتلعت خيامهم، وانتهت المعركة بانصراف المشركين عن المسلمين، وكفى الله المؤمنين القتال.
صار نعيم صحابياً جليلاً، صار سيّدًا، لأنه فكر، وكل واحد منا أحيانا يمشي مع التيار، الناس فعلوا هذا يفعله، ركّبوا هذا الصحن فيركبّه، لبس نساؤهم ثياباً فاضحة, يقول: هكذا الموضة، مع التيار، وهناك إنسان يفكر، أنا مسلم، هذه زوجتي، وسأحاسَب عنها، هذه ابنتي، وسأحاسب عنها، هذا لا يجوز, وهذا يجوز، بهذا التفكير السديد يسعد ويرقى عند الله عز وجل.
اليمين الغموس من الكبائر.
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ, وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ, وَقَتْلُ النَّفْسِ, وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ ))
اليمين الغموس ليس لها كفارة، لأنها تغمس صاحبها في النار، من حلف يمينا ليقتطع بها حق أخ مسلم، فيمينه يمين غموس، ولا كفارة له، هناك يمين لغو، ويمين منعقدة، ويمين غموس، اليمين الغموس تحلفها, لتقتطع بها حق أخ مسلم.
فالكبائر كما قال صلى الله عليه وسلم:
من الكبائر شتم الرجل والديه.
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مِنْ الْكَبَائِرِ: شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ ))
كل إنسان يسيء إلى الآخرين، يتسبب في مسبة والده، وهذا اسمه: سد الذرائع، قال تعالى:
﴿
أحياناً: المجنون يستفزه إنسان فيسب الدين، أنت السبب، ما دام مجنوناً، وكلما استفززته سبّ الله، وسبّ الدين, فكأنك أنت الذي سببت، وهذا يفعله معظم الناس، إنسان مختل يستفزونه، يعلمون بالضبط ما الذي يثيره, يستفزونه، فإذا به يشتم الأنبياء، ويشتم الإله، وهكذا، وفي رواية أخرى:
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ, أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ, قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, َكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ, فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ, فيسب أمه ))
من الكبائر قطع الرحم.
(( عَنْ أبي محمد بن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ, أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ
قَالَ سُفْيَانُ في روايته: يَعْنِي قَاطِعَ رَحِمٍ ))
وهذا الشيء واقع، لك أخت متزوجة من زوج فقير، هي خارج اهتمامك، لا بد أن تزورك من حين لآخر، حينما تلبي دعوة أهل الدنيا، حينما تلبي دعوة الأغنياء والأقوياء، هذا من الدنيا، أما حينما تصل رحمك، تزور أختك، أختك تسكن في التلّ، اذهب إلى زيارتها يوم الجمعة, خذ معك أكلة طيبة، واذهب لزيارتها، تعتز بك، تفتخر أمام زوجها، تجبر خاطرها، أجمل شيء الأسر المتماسكة، ليست البطولة أن تزور أختك دائماً, إذا كان زوجها غنياً، البطولة أن تصل الإنسان الفقير، الإنسان الذي في الدرجة السفلى في المجتمع، هذا زيارته و صلته, ترفع من شأنه.
الخلاصة:
(( عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ, أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ))
أيها الإخوة؛ قال تعالى:
الذنب مهما كان صغيراً, إذا أصررت عليه, انقلب كبيراً، ولا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار.
والصغيرة إذا حرفت مقودك درجة سنتيمتر واحد هذه الصغيرة، إصلاحها سهل، ولكن لو ثبتّ الانحراف, تهوي إلى الوادي، كالكبيرة تماماً، الكبيرة حرف المقود تسعين درجة، فجأة يصير في الوادي، أما الصغيرة فحرفها سنتيمترًا واحداً، ثبّتناه, نصير بعد فترة في الوادي، فالصغائر إذا أصررت عليها انقلبت إلى كبائر، لذلك: إذا ارتكب الإنسان معصية, مهما بدت صغيرة، وأراد أن يستمر عليها، هذه المعصية الصغيرة هي عند الله كبيرة، وكلما صغر الذنب في نفسك كبر عند الله، وكلما استعظمت الذنب صغر عند الله.
والحمد لله رب العالمين