- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
تمهيد :
أيها الإخوة الكرام؛ عقد الإمام النووي رحمه الله تعالى, في كتاب الصالحين باباً سماه:
وكما قلت لكم دائماً: إني أحاول بفضل الله تعالى, أن أعالج المشكلات التي تتفشى بين المسلمين.
1- مشكلة المزاح الرخيص.
2- مشكلة المزاح الجنسي.
3- مشكلة الكناية عن العورات.
4- مشكلة الكلام المبطن.
هذا شيء شائع بين المسلمين، ويظن المسلم أنه بهذا يضحك من في المجلس أو أنه يضحكه، وفاته أن هذا يتفاوت مع السلوك القويم، يتناقض مع سنة رسول الله، يتناقض مع طهر الإنسان، يتناقض مع عفته، قضية الفحش، قضية المزاح المتعلق بالعورات، المزاح المتعلق بالعلاقة بين المرأة والرجل، المزاح المتعلق بالقسم الأسفل من الإنسان، هذا المزاح لا يمكن أن يتفق مع أخلاق المؤمن, الإيمان عفة عن المطامح، عفة عن المحارم، الإيمان لسان نظيف.
يروون: أن رجلاً له خصوم, هددهم أن يدوسهم بحذائه, فقال خصومه: نرضى أن نداس بحذائك، لأنه أنظف من لسانك.
لا يوجد شيء يصغر الإنسان عند الله وعند المؤمنين كبذاءة اللسان، كالفحش، كتسمية العورات، كالمزاح المبطن، كالمزاح الذي يحمر الوجه منه.
أنا لا أتكلم من فراغ, ذهب أحدهم في رحلة إلى القطر الشقيق لبنان، ورفاقه هم أصحاب محلات, أكثرهم يحملون شهادات عليا من دمشق إلى بيروت, مزاح جنسي، معقول!؟ هؤلاء هم المسلمون.
حدثني أخ كان في مؤتمر أوروبي، قال: الطاولة التي فيها مسلمون في أثناء الطعام كله مزاح جنسي، أنت مسلم ألا تستحي من الله؟ ألا تستحي من حولك؟ لولا أن هذه الظاهرة متفشية ما جعلت لها درساً، لكنها متفشية، مؤلمة.
أنا والله لا أصدق أن إنساناً يرتاد بيوت الله، ولـه اتصال بالله، وله حياء من الله, وعنده ما يسمى بالخجل, أن يجري على لسانه مزاحاً جنسياً رخيصاً.
وأنا أقول لكم هذا الكلام، ولا أعلم أن أحداً من أخوتنا الكرام يفعل هذا، لكن من باب التحذير، حتى يوجد شيء أكاد أقوله لكم: لا يجوز أن تضحك إذا تكلم أمامك بطرفة جنسية، الضحك تشجيع، ينبغي أن تنقبض، ينبغي أن تأخذ موقفًا، ينبغي أن تعلن عن انزعاجك، ألا ترى أنك تجلس مع مؤمن ثلاثين سنة، أربعين سنة, لا تسمع منه كلمة واحدة بذيئة، ولا كلمة واحدة فيها ذكر للعورات، ولا كلمة مبطنة؟.
معظم الناس دائماً يبطن، يحضر ضمير الغائب, ويقصد به عورة الرجل، أي فعل عادي ميكانيكي يلغمه، هذا لا يجوز, المؤمن بريء، المؤمن طاهر، فحينما الإنسان تسول له نفسه, أن يمزح مزاحاً رخيصاً.
مرة كنت في الحج, سمعت من بعض المسلمين مزاح, يندى له الجبين، وهم في الحرم بمكة، أنا لا أتكلم من هواء, أتكلم من واقع، هذا الذي يتوهم أنه بالمزاح الجنسي يضحك الحاضرين، إن الشيطان يوسوس له ذلك، نحن معنا سنة، معنا منهج رسول الله, ولا يمكن أن تكون مؤمناً, إلا إذا كنت متبعاً لمنهج رسول الله, قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)﴾
حديث: ليس المؤمن بطعان ولا لعان.........
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ, وَلا بِلَعَّانٍ, وَلا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ, وَقَالَ ابْنُ سَابِقٍ: مَرَّةً بِالطَّعَّانِ وَلا بِاللَّعَّانِ ))
شرح مفردات الحديث:
ما دمنا قد قرأنا الحديث, لا بد من أن نقف عند كلمة الطعان.
لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ...
لو فرضنا أنك راقبت هاتف مؤمن، وسجلت له حديث شهر، أنا مؤمن ومتأكد أنه لن تستمع إلى كلمة يستحي منها، دون أن يعلم سجل مكالمات، هو مؤمن، وأهله، لن تجد كلمة واحدة يستحي بها، لا يوجد عنده ازدواجية، لا يوجد عنده شيء, يقال في مكان, لا يقال في مكان، الازدواجية نفاق داخله كخارجه، خلوته كجلوته، سره كعلانيته، لا يوجد عنده شيء معلن وشيء غير معلن، لا يوجد موقف رسمي, كلماته بالمثاقيل، وموقف آخر كلامه بذيء، أما عند معظم الناس فهكذا، له جلسات وحديث لا يرضي الله عز وجل
الرسول عليه الصلاة والسلام رأى فتاة من قريباته, ترتدي ثياباً, ليست تحجب الجسم, رقيقة، قال:
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ, أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ, وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ, وَلا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حتى يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ))
يقول لك رجل: أنا من هذا الجامع، الحقيقة: الانتماء للمسجد ليس انتماء إلى مكان، انتماء إلى أخلاق المسجد.
أنا لا أتصور إنساناً, يرتاد المساجد, وله مزاح جنسي، لا أتصور إنساناً له صلة بالله ويتكلم بالعورات، لا أعتقد إنساناً يقتدي بسنة رسول الله, له كلام ملغوم، يكني معظم الناس, وأنا متأكد من هذه الكلمة؛ في أعمالهم, في دوائرهم, في الأسواق التجارية, في الرحلات، دائماً كلام ملغوم ويضحكون، وشيء ممتع بالنسبة لهم، ويوجد أطفال وصغار وكبار.
أنت تعطي الطفل تنبيهًا مبكرًا لنواحي هو في غنى عنها، وتعطي الفتاة تنبيها مبكرا جداً في موضوعات, كثير هي في غنى عنها, فلذلك:
لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ, وَلا بِلَعَّانٍ, وَلا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ....
ولا تنس أنك إذا تحدثت حديثاً لا يرضى الله عنه، والذي فيه بقية حياء يخجل، والله في كلمات لو سمعتها بشريط, لامتقع لونك من شدة الخجل، تلقى في المجالس العامة، في محل تجاري، في دائرة، في سوق، في سيارة، في رحلة, وهو مرتاح جداً.
يوجد رجل أنيق جداً, تكلم كلاماً بذيئاً جداً، فقال له أحدهم: إما أن تلبس مثل كلامك، أو تتكلم مثل لباسك، هذا الكلام لا يناسبه هذه الأناقة، فإذا كان كلامك بهذا الشكل, فالبس لباسًا يتناسب مع كلامك.
دائماً المؤمن بالمعنى الدارج, مغسول ألف مرة، نظيف، دروس العلم تهذب يا أخوان.
أنا كنت أقول كلمة: لا تعرف قيمتك حتى تجلس مع رجل من سنك لا يرتاد دروس العلم، من كلمتين تكشفه, لا يوجد أدب, لا يوجد حياء, ولا خجل أبداً، لا يراعي أن هناك صغار في الجلسة، الطفل يجب أن يحافظ على حيائه، على طهارته، شيء مبكر أن ينتبه الطفل عليه، هذا الذي ذهب رحلة, وبكل الرحلة, يمزح مزاحاً بذيئاً جداً, ومعه ابنه، وابنه صغير جداً، فقلنا له: هذا لا يجوز، فقال: دعه يعرف مبكراً، بالعكس أنت تنبه الطفل إلى موضوعات, هو في غنى عنها, وبينه وبينها مسافات طويلة جداً.
يا أيها الإخوة الكرام؛ هذا الذي أتمناه: أن يكون مطبقًا في حياتنا، ولا أبالغ تجلس مع مؤمن سنة وسنتين, وعشرًا وعشرين, وخمسين، لا يمكن أن تسمع منه كلمة بذيئة، ويوجد أناس يقولون: لا حياء في الدين، الدين كله حياء، واقتدِ بالنبي عليه الصلاة والسلام في التعبير اللطيف.
الأدب والأحياء من خلال القرآن:
أيها الإخوة؛ يقول تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ
هذه يسمعها مليون شخص، هذا هو كلام القرآن الكريم:
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)﴾
كل الانحرافات دخلت وراء هذه الآية، يوجد علاقة مصممة من قبل خالق الكون, علاقة سوية بين الرجل وزوجته فقط، هذه مسموح بها، وهذه نظيفة، ولا تنس أنه لا يجوز للزوج ولا للزوجة إطلاقاً, أن يتحدثا بهذه الموضوعات، حتى ولو لكبار، هذا سر لله عز وجل ، قال تعالى:
﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً (21)﴾
أقدس عقد على الإطلاق, عقد الزواج، العلاقات حميمة جداً، هذه العلاقات لا ينبغي أن تذكر، ترى ما الذي حدث في جلسات رسمية؟ في أكثر من جلسة, أينما تجلس مع أناس يعملون في الحقل الديني، الله يقويك، وهو يقصد شيئا ثانيا، هذا الكلام ليس جميلاً، هذا شغل الناس الشاغل، وهذه البرامج والفضائيات ترسخ هذا الشعور، سيصبح الإنسان كتلة تبحث عن الجنس، فكلمة موحدة للعصر، عصر الجنس، أما عصر الصحابة فهو عصر البطولات، وعصر المؤمنين عصر البطولات، وكل واحد له ذوق، وهذا الذوق الإيماني الرفيع لا يقبل هذا المزاح إطلاقاً.
يوجد كتب تدرس في الجامعات, في قسم اللغة الإنكليزية، في قسم اللغة العربية، في قسم الاجتماعيات، العورات بأسمائها دون حياء، دون خجل، فعندما الإنسان ينحرف, يدفع الثمن باهظاً.
عندهم حجة لا تقف على قدميها، الإنسان يجب أن يكون واقعياً، يمكن أن تكون واقعياً، وتعبر عن الواقع بأسلوب لطيف.
يوجد كلمة دقيقة: أن الأدب من حقه, أن يعالج قضايا اجتماعية متعلقة بالسقوط الجنسي، ولكن على نحو تنفر من الرذيلة لا على نحو تحبها، وأكثر الأعمال الفنية تعرض الرذيلة على نحو تشتاق إليها، وتحبها، وتكبر أبطالها.
إن مجتمعا بأكمله يمكن أن يسقط إذا كان هذا هو الأدب السائد، هذا يسمونه الأدب المكشوف، هذا الأدب المكشوف, مشكلة كبيرة جداً، إذا الناس تعلقوا بهذا الأدب انتهى المجتمع، هذا في اللغة التركية أدب سيس، ليس أدباً، وخطأ كبير أن تقول: هذا أدب.
لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ, وَلا بِلَعَّانٍ, وَلا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ....
(( عَنْ أَنَسٍ, أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلا شَانَهُ, وَمَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ ))
الإنسان لماذا تصعد ميوله؟ ولماذا تستقيم حركاته وسكناته؟ من أجل أن يلقى الله, وهو عنه راض، الله عز وجل كامل لا ترقى عنده إلا بالكمال، في الأرض يوجد نظام آخر، أنت يمكن أن تكون موظفاً عند تاجر كبير درجة أولى، ورغم بذاءة اللسان لا سمح الله، ورغم الانحراف الأخلاقي, لكن عندك غلة كبيرة جداً، فصاحب المحل يحبك كثيراً، لا لأنك أنت مهذب, لا لأنك بائع جيد.
عندما يبني الإنسان علاقات الولاء على مصالحه, فهذه مشكلة كبيرة جداً، علاقات الولاء تبنى على أساس الكمال، في الحقل الديني علاقات الولاء تبنى على أساس الكمال لا على أساس المصالح، أما على أساس المصلحة, صاحب محل تجاري, عنده صانع منحرف جداً، بذيء جداً، لكن بائع درجة أولى تجده يحبه، ويوده، في أمور الدين لن تستطيع أن ترقى عند الله إلا باستقامتك، عظمة الدين، قد ترقى عند كل الناس بما عندك من إمكانات، بقدراتك، أما عند الله بكمالك ترقى، فرق كبير أن ترقى عند الله بكمالك، وبين أن ترقى عند أهل الدنيا بقدراتك.
الحياء والاستحياء من الدين.
يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم, رأى رجل يغتسل عرياناً أمام الناس, فقال:
(( خذ إجارتك لا حاجة لنا بك، إنني أراك لا تستحي من الله ))
حدثني طالب, ذهب إلى جامعة, في الدول الشرقية، في موسكو, أضخم جامعة هي جامعة موسكو، دخل إلى دورات المياه، فقال: شيء عجيب، صالون مساحته خمسون متراً بعشرين متراً، يوجد به مئة مرحاض، الناس مع بعضهم لا يوجد تكليف، هل من المعقول أن يقضي إنسان حاجة أمام إنسان؟ هكذا، عندما يخلع الإنسان قناع الحياء لم يعد إنساناً، كائن يتحرك لقضاء شهوة، أو تحقيق شهوة، أما الإنسان مهذب.
(( مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلا شَانَهُ, وَمَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ ))
طبعاً هذا الحديث يذكرنا بحديث آخر.
(( عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ, وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ ))
الحياء والرفق يرفعان الشيء، وعدم الحياء, والفحش, والعنف.
لاحظ الشاردون عن الله والعصاة: تتميز أفعالهم بالفحش وبالقسوة.
كلامه فاحش، وأفعاله قاسية، المؤمن كلامه منضبط, أفعاله لطيفة رحيمة.
منهج الأنبياء والتربية الصحيحة.
أيها الإخوة؛ ما قولك أن ابناً ينشأ في أسرة, الأب مزاحه رخيص؟ وأكبر معلم هو الأب والأم، ولن تستطيع أن تقنع أولادك بشيء, إن لم تكن أنت قدوة لهم، فالكلمات الفاحشة من الأب، واللعن، والسباب, هذا يكسب الأولاد هذه الصفات، فأقرب طريق إلى تربية الأولاد أن تكون أنت القدوة، ويلاحظ البيت الهادئ، الأولاد هادئون، الأب المنضبط، الأولاد منضبطون، قلما تجد ابناً نشأ في أسرة منضبطة في الكلام، منضبطة في السلوك، والشاب منحرف، ويستقي من أمه وأبيه .
حدثونا بالجامعة, أنه أجروا تجارب على أم, ترضع ابنها بقسوة، حينما يكبر الابن, ينشأ قاسي الطباع .
يوجد شيء يغيب عن الناس، أخطر سن في التربية, من الرابعة إلى السابعة، العادات والتقاليد والمبادئ, هذه تترسب في أعماق الإنسان .
مرة قلت لكم: لي قريب كان في أمريكا, جاء زيارة في الصيف، عنده طفل صغير عمره خمس سنوات، ويظهر أنه عمل صخباً في البيت، فقالت له جدته: اركن آخذك نزهة، فركن، في المساء لم تأخذه، فقال لها: أنت كاذبة، طبعاً يوجد فيها وقاحة، ولكن يجب ألا تكذب عليه، لا تعلم ابنك الكذب، لا تقل له: إذا طرق الباب, أنا لست هنا، فيقول ابنه: قال أبي إنه ليس هنا، كن قوياً وجريئاً، اعتذر عن استقباله، لأنه لا يوجد موعد مسبق .
يوجد قضية في اللغة, كلمة غدا، أي ذهب إلى عمله باكراً، وكلمة راح, أي عاد إلى بيته .
لو طرق باب إنسان، فقال له: الوالد موجود، فقال له: الآن راح، فقال له: سلم عليه، الطفل لم يكذب، يعني الآن جاء، فقال العلماء: هذا كذب في الفقه، أما في اللغة فقد صدق، ولكن العبرة ماذا فهم هذا الإنسان؟ فهم أنه ليس في البيت، الغدو الذهاب والرواح العودة، على كلٍ؛ الكذب على ما فهم, لا على معنى اللغة المعجمي.
أيها الإخوة؛ والإنسان قدر إمكانه إن لم يستطع, أن يفي بعهده أن لا يعد، أفضل ألف مرة أن لا تعد من أن تعد وتخلف، وهذا شيء دقيق في التربية وفي التعامل .
أيام صاحب محل تجاري, يأتيه موظف, فيقول له: سوف أشاركك إن شاء الله، ما هذه الكلمة أشاركك؟ دخل بعالم، وسوف يصبح صاحب محل، ويعمل ليل نهار، ويضحي، ويقدم كل شيء، وصاحب المحل تكلم كلاماً لا معنى له، ولا يقصد شيئا إطلاقاً، متى الانفجار؟ حينما يكتشف الموظف أن كلام صاحب المحل غير صحيح، يسموه إحباطاً، والإحباط شيء متعب جداً، فلذلك كلما كان إيمان الإنسان قوياً, يقتصد بالوعود، لا تعد، عد الشيء الذي بإمكانك أن تنفذه.
الأنبياء بماذا جاؤوا؟ الآن يوجد دول، عندها صواريخ نووية, يفجرون آسيا بقنابل نووية، يوجد مخترعات، كمبيوتر، محطات فضائية، شيء مذهل، الأنبياء بماذا جاؤوا؟ هل أحضروا مطبعة ملونة؟ قمراً صناعياً؟ جاؤوا بكلمة، كلمة صادقة، الأنبياء الذين قلبوا وجه التاريخ، الذين رسخوا القيم في المجتمعات البشرية, جاؤوا بالكلمة، والكلمة أخطر سلاح، الكلمة الصادقة، والآن: الناس عندما كفروا بالكلمة، لأن هناك من تكلم ولم يصدق.
الإنسان فيه صفة، من أخطر الصفات: المصداقية، أن تكون صادقاً فيما تقول، المصداقية هي التي ترفعك عند الله وعند الناس، والإنسان إذا تكلم ولم يفعل فقد مصداقيته، فقد مكانته .
المبالغة مرض العصر.
يوجد شيء آخر، يوجد مرض اجتماعي, أساسه الكلام, وهو منتشر ومتفش بين الناس، ولا سيما الشباب، هو المبالغة، كل شيء له حجم، هذه العلبة لها حجم, إذا أعطيتها حجماً قدر الجامع, فهذه مبالغة، لها أطوال؛ طول، وعرض، وارتفاع، طبعاً يوجد إنسان يقلل، ويوجد إنسان يبالغ، والموقفان غير صحيحين، حتى على مستوى المهن كلها، طبيب مثلاً، طبيب سياسته يكبر الوهم، ترى مريضاً يقع في إشكالات كبيرة من الوهم، يتصور إذا كبر الوهم, هذا الإنسان يبقى عنده، طبيب آخر يسهل كثيراً إلى درجة, أن المريض لا يلتزم بالتعليمات، كلاهما غلط.
مرض اليوم: المبالغة، العلم هو الوصف المطابق للواقع مع الدليل، لا ترقى عند الناس إلا بالموضوعية.
قال لي رجل: يوجد عندنا قيمة واحدة, هي قيمة أخلاقية، وفي الوقت نفسه قيمة علمية يلتقي العلم مع الأخلاق، إذا غضب من إنسان, يعريه من كل فضيلة، وإذا أحب إنساناً يصبغ عليه كل فضيلة.
هذه تحدث في الزواج, خاطب عنده أخلاق، فهم، نسب، حسب، ذكاء، الخطبة لا تتم، صار بذيئاً، صار يقع في الساعة، تنشأ أمراض ليس لها أصل وانحرافات، والله يعلم بماضيه، وأمه منحرفة على مهل, لأن الخطبة لم تتم، هذا خطأ كبير المبالغة.
لا تكن إنسانا كامل إلا بالموضوعية، الموضوعية نقطة لقاء بين العلم والأخلاق، الموضوعية قيمة علمية، والموضوعية قيمة أخلاقية، يعني أن تصف الشيء بحجمه، تلاحظ بعض المسلمين أو بعض المؤمنين غير الناضجين يبالغون، إذا أحب إنسانا جعله نبياً، وإذا كره إنساناً أفكاره لا كما يحب كفّره، التكفير سهل، من كفر مسلماً فقد كفر، عد إلى المليون قبل أن تقول: فلان كافر، لا نكفر أهل القبلة، إنسان يتجه نحو القبلة, هذا إنسان كافر؟ إنسان يشهد أنه لا إله إلا الله, كافر؟ إنسان يصلي الصلوات الخمس, كافر؟ أما يمكن أن يختلف معك في الرأي, لا يوجد مشكلة، الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد علاقة الود بين المؤمنين، لذلك:
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ -قَالَهَا ثَلاثًا- ))
أنا لا أقول إن إنساناً ينجو من المبالغة، لكن بقدر إمكانك, حاول أن تكون موضوعياً بوصف الأشخاص، والإنسان إذا كره شخصاً, يهدر له كرامته كلها، ينسى كل فضائله.
تصور إنساناً صحابياً, ارتكب خيانة عظمى، أرسل كتاب إلى قريش, إن محمداً سيغزوكم، فخذوا حذركم، بربك أليست هذه خيانة عظمى, في كل النظم, في العالم القديم والجديد؟ سيدنا عمر تألم أشد الألم، وقال:
يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال له النبي عليه الصلاة والسلام: لا يا عمر، إنه شهد بدراً.
سيدنا عمر نظر إلى الخيانة العظمى، أما النبي فنظر إلى سابقته الفضلى.
سأله النبي لمَ فعلت هذا يا حاطب؟ قال: والله ما كفرت، ولا ارتددت، ولكن أنا لست لصيقاً بقريش، أردت بهذا أن تكون لي عندهم يد أحمي بها أهلي وولدي، فاغفر لي هذا يا رسول الله، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال:
أنت تستطيع إذا عاداك رجل، وسئلت عنه أن تتكلم عن فضائله, تكون بطلاً، خصم لدود، أكثر الناس يجعله مجرماً، إذا كان إنساناً تحبه, تتعامى عن كل رذائله، هذا الموقف غير إسلامي، غير صحيح، المبالغة موقف غير إسلامي وغير علمي.
الموضوعية.
أيها الإخوة؛
لا تبالغ، أعط الإنسان حقه وحجمه، تقرأ كتاب من فلتات العصر، كتاب عادي، اللهم صل عليه, عندما رأى زيد الخير, قال:
الآن بالبيع والشراء، بضاعتك تبالغ بميزاتها لدرجة أنك تحلف أيماناً، وأفضل نوع، ولا يوجد منها، وهي بضاعة عادية، فيها عدد من العيوب كبير جداً، تتوهم أنك إذا مدحت البضاعة تباع، لا يوجد إنسان غبي، أعط الحجم الحقيقي للبضاعة، هذا بالبيع والشراء لا تبالغ.
الآن: يأتي إنسان معه بضاعة ثانية, ليست من عنده، قال لي بائع: يشتري ظروف بذور من خصومه، يأتي إنسان يريد بذرة ليس عنده، يقول البائع: ماذا تريد؟ النوع الفلاني، يقول له: خذه مجاناً، هذا ليس له قيمة، ويلقيه على الأرض، حتى يصغر البضاعة المنافسة له ، موقف غير أخلاقي، وغير علمي، الرزاق هو الله عز وجل.
يوجد بعض الأساليب في الدعاية, ترفع البضاعة على حساب بضاعة ثانية، والآن ممنوعة، تمدح بضاعة، وتذم بضاعة منافسة، وعلى مستوى رسمي ممنوع هذا، أنت امدح بضاعتك، أما أن تسوء بضاعة الآخرين فهذا غلط.
الصدق أساس النجاح, لا تعتمد الكذب إطلاقاً, ولا المبالغة، المبالغة نوع من الكذب، ولكن ليس كذبا مئة بالمئة، تكبير حجم، دائماً الإنسان من ضعف إيمانه, يصغر أشياء، ويكبر أشياء، هذا معنى قوله تعالى:
أريد أن أشتري ستائر، فدخلت إلى محل وقلت له: أريد ستائر لغرفة ضيوف، عرضها ثلاثة أمتار، عمل لي محاضرة، وقال لي: أستاذ لكي تكون جميلة جداً, يجب أن تأخذ عرض الحائط, ضرب اثنين زائد متر، فتكون جميلة جداً، فاخترت نوعاً من القماش، فقاسه، فكان أقل بمتر من ضعف عرض الحائط، فقال لي: هذا المطرز على الفرد أجمل بكثير، أعطاني قاعدة معاكسة فوراً, ينطق عن الهوى.
كن موضوعياً في بيعك، في شرائك، في وصفك، في تقييمك.
أحدهم ينتمي لمسجد يبالغ مبالغات غير معقولة، ويصغر أي مسجد آخر، هذا سلوك غير علمي، وغير إسلامي، وغير أخلاقي، أعط كل ذي حق حقه.
النبي رأى صهره مع الأسرى, جاء ليقاتله، قال:
محور الدرس:
الأولى طبعاً, فيها انحراف خطير.
أما الثانية فيها مباعدة عن الموضوعية والعلم، والمبالغة تعمل تشويشاً وتصورات خاطئة، وتعمل صدمات، وحينما تكتشف أن الواقع أقل مما قيل لك, تقع في إحباط في السفر، في الدخل، في البضاعة، في التجارة، في المعاملات الاجتماعية.
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الْبَلِيغَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ الْبَقَرَةُ ))
يوجد أناس متقعرون، فصيح فصاحة زائدة عن الحد، فصاحة فيها مبالغة، فصاحة فيها تشدق، فصاحة فيها نوع من التصنع، الإنسان يكون طبيعياً.
(( عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ, فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَالَ لَهُ: هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ, إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ ))
كن طبيعياً محبوباً جداً، لا كهنوت، ولا أساليب هيمنة، لا تقدم ولا تأخر، النبي كان واحداً من أصحابه.
دخل رجل على رسول الله, فقال: أيكم محمد؟ لم يعرفه, أين جالس؟ ليس له أي ميزة، في رواية: قد أصبت، وفي رواية: ذاك الوضيء.
كان مع أصحابه فقال:
علي ذبحها، وعلي سلخها، وعلي طبخها ، فقال عليه الصلاة والسلام: وعلي جمع الحطب
في معركة بدر قال:
في الخندق: حفر مع أصحابه، حفر بيده في الخندق، في بدر صاحباه يركبان، وهو يمشي، ليس معقولا سيد الأمة، جاءته شاة ليأكلها في الخندق, أطعم منها أصحابه جميعاً.
ما لم يقتد العلماء والدعاة برسول الله فلن يفلحوا، دققوا لن يفلحوا، ولن تنجح دعوتهم ، وسيبتعد الناس عنهم, يجب أن تطبق السنة لمعاملة النبي لأصحابه.
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الْبَلِيغَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ الْبَقَرَةُ ))
يوجد في أحكام تجويد تصنع غير مقبول، ائت بالأحكام كلها، وأعط للحروف مخارجها، والمدود حقها, من دون مبالغة, من دون تقعر، من دون تصنع، وكأنك تنسى معاني كتاب الله, حينما تركز فقط على الأحكام.
حسن الخلق.
(( عَنْ جَابِرٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ, وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ, أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقًا ))
ذهب حسن الخلق بكل شيء، قال أحد العلماء:
(( عَنْ جَابِرٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ, وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ, أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقًا, وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ, الثَّرْثَارُونَ, وَالْمُتَشَدِّقُونَ, وَالْمُتَفَيْهِقُونَ, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ, فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: الْمُتَكَبِّرُونَ ))
تكلف, الإنسان أحياناً يجلس، ويوجد من هو أعلى منه بكثير، عنده رغبة أن يعرض عضلاته، يعرض ثقافته، تراه يقحم نفسه إقحاماً غير لائق، يوجد شخص أعلى منك, اسكت، كلما كان الإنسان عنده أدب، يدع الكلام لمن هو أعلم, أما يقتحم، يطرح موضوعاً ليس متمكناً منه، يأتي برأي بلا دليل، يأتي بحجة واهية.
أحياناً تسمع العجب العجاب، وشيء مضحك، فلذلك المتفيقه متكلف الفقه، المتشدق الذي يتقعر بالكلام، الثرثار، كان كلامه فصلاً, لا نزراً, ولا هذراً، البلاغة في الإيجاز، أبلغ كلامٍ كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لا يوجد فيه إطناب ممل، ولا إيجاز مخل.
يوجد شخص تسحب الكلمة منه سحباً، وشخص ثرثار يهلكك في الكلام، البلاغة بين الإيجاز المخل، والإطناب الممل.
(( عَنْ جَابِرٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقًا, وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ, وَالْمُتَشَدِّقُونَ, وَالْمُتَفَيْهِقُونَ, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ, فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: الْمُتَكَبِّرُونَ ))
الخلاصة:
إخواننا الكرام؛ الإنسان يحب البساطة، وقالوا: البساطة نصف الجمال، إذا كنت بسيطاً في لبسك، بسيطاً في كلامك، عبارتك بسيطة، حركاتك معتدلة، لا يوجد تصنع، لا يوجد تكلف ، لا يوجد تقعر، لا استعلاء، لا يوجد حركات غير طبيعية، تصبح محبوباً، كن طبيعياً عفوياً ، والعظماء دائماً عفويون.
كملخص إلى هذا الدرس:
أولاً: البذاءة والفحش، والمزاح الرخيص، والمزاح الجنسي، والكلام المذموم، والكناية عن العورات، والمبالغة، هذه كلها تتناقض مع أخلاق المؤمن
(( عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قَالَ: لا جَلَبَ، وَلا جَنَبَ، وَلا شِغَارَ فِي الإسْلامِ، وَمَنِ انْتَهَبَ نُهْبَةً فَلَيْسَ مِنَّا ))
أيها الإخوة؛ هذه أخلاق المؤمن، هوية المؤمن سلوكه، قد تجد في الهوية أنا فلان، والدي مسلم، ووالدتي مسلمة، أما الهوية الحقيقية هذا السمت الحسن، وهذا الانضباط في اللسان، ولولا أنني وضعت يدي على حالات كثيرة جداً في المجتمعات الإسلامية, من حيث الفحش والبذاءة، وينتمي إلى المسلمين، ويصلي, ما جعلت هذا الدرس حول هذا الموضوع.
فأرجو الله سبحانه وتعالى أن ينقلب هذا الدرس إلى انضباط، أن ينقلب إلى سلوك، أن ينقلب إلى تهذيب، أن ينقلب إلى هوية صارخة، المؤمن مضرب المثل بأخلاقه العالية، والأخلاق هي الإيمان, ومن زاد عليك بالخلق, زاد عليك بالإيمان، والأخلاقي يوجد أكثر من عشرة أحاديث صحيحة، الأخلاقية أكمل شيء في الإيمان، أكمل شيء في الإسلام، الأخلاق السيئة تفسد العمل, كما يفسد الخل العسل, هكذا.
فأرجو الله سبحانه وتعالى, أن نتخلق بأخلاق رسول الله، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ:
الصحابة الكرام على علو قدرهم، سيدنا الصديق له جيران عجائز, كان يحلب لهم الشياه، فلما صار خليفة, ليس من المعقول أن يتابع لهم العمل، مستحيل، فجيرانه تألموا في صبيحة اليوم الأول لتسلمه منصب الخلافة، يعني أعلى منصب في العالم الإسلامي، طرق باب أحد العجائز، قالت لابنتها:
هل من المعقول: إنسان يدخل على النبي, يقول:
هذه أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، المؤمنون إذا طبقوها سعدوا، الدعاة إذا طبقوها سعدوا، والإنسان ينجح ويعلو في عين الناس بقدر متابعته للنبي، ويصغر ويخفق بقدر ابتعاده عن سنة النبي، والإنسان مخير، وبإمكانه أن يدرس كلماته, لا تتكلم كلاما ارتجاليا، لا تحاول أن تضحك من في المجلس، هذه الرغبة الجامحة دعك منها، لا تحاول أن تضحكهم على حساب إنسان أو على حساب طرفة جنسية رخيصة، أو على حساب تعليق، أو على حساب محاكاة، أو على حساب الطعن، أو على حساب غمز، أو على حساب همز، هذا كله محرم في الإسلام.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ:
احذر لسانك أيها الإنســـــان لا يلدغنــــــــك إنه ثعبـــــان
كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان
الإنسان أحياناً يدمر نفسه بكلمة غير لائقة، من دون دراسة, والإنسان كلما علا شأنه في المجتمع, يحاسب على حركاته، وسكناته، وعلى كلمة، وعلى كلمة قالها, لم يقصد منها ما أراد، لذلك: قال عليه الصلاة والسلام:
أول مرحلة تتصنع الكمال، بعد ذلك ينقلب الكمال طبيعةً فيك, إنما الكرم بالتكرم، الأدق من ذلك: ثمن الحلم التحلم، ثمن الكرم التكرم، أنت حينما تتصنع الكرم تغدو كريماً، أنت حينما تتصنع الحلم تغدو حليماً، حينما تتصنع الكلمة اللطيفة الراقية تغدو مهذب الكلام، والشيء المهذب راق جداً.
و الحمد لله رب العالمين