- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
تمهيد :
أيها الإخوة المؤمنون؛ بابٌ جديد من أبواب رياض الصالحين، إنه باب الشفاعة، قال الله تعالى:
﴿
الشفع هو الزوج، والوتر هو الفرد، وشَفِعَ بمعنى قرن، وهذه الآية أصلٌ في أن أيَّة حركةٍ من حركات الإنسان, تؤدي إلى جمعٍ بين شيئين، إن كان هذا الجمع على خير، فلهذا الذي جمع على خير نصيبٌ وافرٌ من هذا الجمع، وإن كان هذا الجمع انتهى إلى شر، فهناك وزرٌ يتحمله من كان سبباً في هذا الجمع.
وربما كانت هذه الآية من أدق الآيات التي تحدد الطريق الصحيح في علاقات الإنسان الاجتماعية، أنت لو جمعت بين اثنين على خير، فأي خيرٍ من هذا الجمع لك منه نصيب، لو دللت إنساناً على الحق، فكل الخير الذي سيصدر عن هذا الإنسان، وعن ذريته إلى يوم القيامة لك منه نصيب، لو دللته على هدى، لو دللته على عملٍ صالح، لو دللته على ترك معصيةٍ أو مخالفة، أية دلالةٍ تدل بها إنساناً، كأنك تشفع بينه وبين هذه الدلالة، بينه وبين هذا الهدى، بينه وبين هذا الحق، أي لقاءٍ بين اثنين, كنت سبباً في زواجٍ ميمون، قيل: من مشى بتزويج رجلٍ بامرأةٍ, كان له بكلٍ خطوةٍ خطاها, وبكل كلمةٍ قالها: عبادة سنةٍ, قام ليلها, وصام نهارها.
جمعت بين أخوين، جمعت بين شريكين، دللت هذا الإنسان ليشارك هذا الإنسان، الأول مؤمن, والثاني مؤمن، فحصل الخير العميم من هذه الشركة، لك منها نصيب، دللت إنساناً على الدعاء، فكل الفضائل التي تأتيه من الدعاء، لك منه تصيب، دللته على التوكُّل، دللته على الافتقار إلى الله عزَّ وجل، دللته على الطاعة، دللته على أفعال الخير، أي شفاعةٍ بين شيئين, أي جمعٍ بين شيئين، ولو أن الأول من بني البشر, والثاني من نوعٍ آخر، جمعت بين هذا الإنسان وبين الدعاء، بينه وبين التوكل، بينه وبين الطاعة، بينه وبين شريكٍ آخر، جمعت بين زوجين، وفَّقت بين أسرتين، أية شفاعةٍ حسنة لك منها نصيب، وأية شفاعةٍ سيئة عليك منها وزر, قال تعالى:
﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ
دللته على طريقةٍ في التعامل مع الناس، وقع من خلالها بمعصية الله عزَّ وجل، عليك من هذه الشفاعة وزر، وإثم، وحِمْل.
فانتبه أيها الأخ الكريم؛ اجعل حركاتك وسكناتك وفق الخير، لأنك إن دللت على الخير, فأنت كفاعل الخير، أحياناً قد يجتمع رجالٌ ونساء بدعوةٍ منك، وأنت لا تدري أن هذا الجمع, قد أوقعهم في مخالفةٍ للشرع، لو أنك جمعت بين كل أصهارك وبين زوجاتهم على مائدةٍ واحدة، فنظر هذا الصهر إلى زوجة عديله، أو إلى أخت زوجته، لو أنه نشأ فسادٌ، أو نشأت تمنِّيات، أو نشأت محاورات، أو نشأت نظرات، هذا الذي جمع بين هؤلاء جميعاً على مائدةٍ واحدة؛ باسم الكرم، وباسم الألفة، وباسم المحبَّة، وباسم لمِّ الشمل, وجمع الشتات، إنه شفع شفاعةً سيئة، فعليه وزر هذه الشفاعة, قال تعالى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا) نصحت إنساناً ليفعل شيئاً, أدى به الأمر إلى معصية الله، وأنت لا تدري، على هذا الذي نصح وزرٌ ثقيل، هذه الآية في سورة النساء, رقمها خمسٌ وثمانون, قال تعالى:
قبل أن تنطق، قبل أن تنصح، قبل أن توجه، قبل أن تدعو، قبل أن تجمع، قبل أن تفعل، انظر إلى هذه الآية، ما الكسب الذي تكسبه من هذا اللقاء؟ من هذا الجمع؟ من هذه الدلالة؟ وما الوزر الذي تتحمله فيما لو نتج عن هذه الشفاعة معصية، أو مخالفة، أو فتنة، أو بُعد، أو شقاق، أو ما شاكل ذلك؟.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشفعوا تؤجروا.
من عادة الإمام النووي رحمه الله تعالى، في كتاب رياض الصالحين: أن يصدر الباب بآيةٍ كريمة متعلقةٍ بالموضوع، أما الحديث الشريف:
(( عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ, أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ, قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ ))
(( عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا))
النبي عليه الصلاة والسلام قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ
وقلت لكم من قبل: أن حجمك عند الله بحجم عملك، أن حجمك عند الله بحجم تضحياتك وبذْلك، فطالب الحاجة قد يحتاج إلى مساعدة، إذا كنت مؤمناً حقاً فلا تضن عليه بهذه المساعدة، قد تستخدم جاهك، قد تستخدم خبرتك، قد تستخدم مالك، قد تستخدم وقتك، قد تستخدم عضلاتك.
اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا, وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ.
أنت عليك أن تبذل قصارى جهدك، ولكن الأمر بيد الله، لأن الله عزَّ وجل يقول للنبي عليه الصلاة والسلام:
﴿
قد تبذل كل ما في وسعك, من أجل أن تنفع أخاك فلا تستطيع، لأن الحكمة عندئذٍ التي أرادها الله عزَّ وجل, أن يبقى هذا الإنسان في هذه الحاجة، ولا تقضى له، أنت عليك أن تفعل الذي أمرك به النبي, وعلى الله الباقي، ليس عليك تحقيق هذه الحاجة، بل عليك أن تسعى إليها، فإما أن يقَدِّرها الله على يديك، وإما ألا يفعل، وفي كل حالٍ: هناك حكمةٌ بالغة من أفعال الله عزَّ وجل.
﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا
الأنصار رضي الله عنهم, حينما هاجر إليهم إخوانهم المهاجرون، قال أحدهم لأخيه الذي آخاه النبي معه: لي بستانان خذ أحدهما، هكذا، ولكن بعض الصحابة الكرام, وقف الموقف الأمثل، فقال له: بارك الله لك في مالك، ولكن دلني على السوق، كلاهما وقف الموقف الأمثل، الأنصاري وقف موقف البذل والعطاء والمؤاثرة، والمهاجر وقف موقف التعفف، وانطلق إلى العمل، وهذا أمثل موقف, يقفه المؤمن من أخيه المؤمن، على كلٍ؛ لا تنسوا هذا الحديث الشريف:
﴿
حينما تنطلق إلى مساعدة أخيك، في علم الله أن هذه المساعدة قد تنجح، وربما لا تنجح ، إن نجحت فهذا هو الخير، وإن لم تنجح فهذا هو الخير، إن أمر المؤمن كله خير، فأنت عليك أن تسعى، وليس عليك إدراك النجاح، عليك أن تنطلق، وليس عليك أن تحقق الهدف، هذا على الله عزَّ وجل، وهذا متروكٌ لحكمة الله، ولعلمه، ولعدالته.
(( وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ, كَانَ عَبْدًا, يُقَالُ لَهُ: مُغِيثٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ, يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي, وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ: يَا عَبَّاسُ, أَلَا تَعْجَبْ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ, وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا!؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ رَاجَعْتِهِ, فَإِنَّهُ أَبُو وَلَدِكِ, قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَتَأْمُرُنِي؟ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا شَفِيعٌ, قَالَتْ: فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ ))
هذان الحديثان في هذا الباب, يؤكدان على أن كل إنسانٍ أعماله، بل آثار أعماله مسجلةً عليه، ويوم القيامة يقرأ الإنسان سجل أعماله، انظر كيف أفسدت هذه العلاقة؟ انظر كيف فرَّقت بين الزوجين؟ انظر كيف دللت هذا على فعل السوء؟ انظر، انظر، فإذا يتحمل أوزاراً, لا طاقة له بتحمُّلها، فالإنسان قبل أن يشفع بين اثنين، قبل أن يجمع بين اثنين، قبل أن يوجِّه، قبل أن يدل، قبل أن يدعو، عليه أن ينتبه إلى أن الشفاعة الحسنة له منها نصيب، بينما الشفاعة السيئة عليه منها كفلٌ، ووزرٌ، وحمل، الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿
تسمع كلام الناس من الصباح, وحتى النوم، لو دققت فيه، لو وزنته بميزانٍ دقيق, قد تجده لغواً، قد تجده سخفاً، قد تجده كلاماً فارغاً، قد تجده مديحاً، قد تجده افتخاراً، قد تجده استعلاءً، قد تجده إفساداً، قد تجده باطلاً, قال تعالى:
إذاً باب الشفاعة بابٌ واسعٌ جداً.
أحياناً: لو أن الله سبحانه وتعالى آتاك علماً، أو آتاك فضلاً، أو آتاك حكمةً، أو آتاك فهماً لكتاب الله، أو آتاك فهماً لحديث رسول الله، أو آتاك حالاً تَسْعَد به, كيف تشفع بين الناس في الدنيا؟ قد تلتقي مع إنسان، قد تُحسن إليه، قد تعينه على أمر دنياه، قد تعلِّمه، قد تقدم له خدمةً جليلة من أجل أن يحبك، هذه شفاعةٌ، إن شفعت له في الدنيا فقد تشفع له في الآخرة، يعني كأنك وضعت خبرتك، وعلمك، وأحوالك، وطهارتك، ومبادئك، وقيَمَك, في خدمة هذا الإنسان، هذا معنىً آخر من معاني الشفاعة.
يعني أنت إذا أردت أن تهدي الناس إلى الله عزَّ وجل، يجب أن تشفع لهم في الدنيا حتى تقبل شفاعتك لهم في الآخرة، يعني علمتهم، دللتهم على الله عزَّ وجل, قال تعالى:
الإصلاح بين الناس.
وقال تعالى:
﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً
دخلنا في بابٍ آخر؛ هو الإصلاح بين الناس، أية مشكلةٍ، أي خصومةٍ، أي شقاقٍ، أي مأساةٍ، أي تباعدٍ، أي جفاءٍ, هذا لا ينبغي أن يتفاقم، لا ينبغي أن يتفجَّر، لا ينبغي أن نزيده تأججاً، الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن يكون الصلح رائدنا، قال تعالى:
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا
جعل الله التوفيق بين الزوجين, ثمنه أن تريد الإصلاح، لا أن تريد التفريق, قال تعالى:
هذه الأحاديث هي من صلب الدين، الناس في آخر الزمان, تقلَّص عندهم الدين حتى أصبح ركعاتٍ يصلونها جوفاء، وبعض الأفعال يؤدُّونها من دون علمٍ, ومن دون فهم، أما أن يكون الدين نظاماً شاملاً، دستوراً واسعاً, يغطي كل نشاط الإنسان، فهذا فهمٌ فهمه الصحابة الكرام، المسلم يجب أن تحبه، لأنه متقيدٌ بكتاب الله وسنة رسوله، أما أن تفهم الدين صلاةً, وصياماً، وحركاتٍ جوفاء، وتنسى أنك مأمور بالاستقامة بلسانك، وبقلبك، وبجوارحك، هذا كله من ضعف فهم الإسلام في آخر الزمان.
إصلاح ذات البين.
والآية الكريمة في سورة الأنفال:
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ
هذه الآية لها ثلاثة معان:
المعنى الأول:
أن تصلح نفسك، يا ترى بهذه النفس في ضغينة، في حسد، في كِبر، في بُعد عن الله، هل تشتهي هذه النفس شيئاً حرمه الله؟ هل تستمتع بمعصية؟ هل تستمتع بمخالفة؟ هل تركن إلى الذين ظلموا؟ هل تجلس معهم ساعاتٍ طويلة, وأنت في غاية الانسجام؟ هذه نفسٌ مريضة, قال تعالى:
الله قال:
(( طهَّرت منظر الخلق سنين، أفلا طهرت منظري ساعة؟! ))
كل إنسان يحاول أن يكون مظهره مقبول، مظهر بيته، مظهر مدخل بيته، لباسه، مركبته، يعني ثيابه، يحب أن يكون مظهره مقبول، فالله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي:
المعنى الأول:
المعنى الثاني:
أصلح كل علاقةٍ بينك وبين الناس,
المعنى الثالث:
أصلح كل علاقة بين اثنين، ولو لم تكن أنت طرفاً فيها، أصلح كل علاقة بين اثنين.
وقال تعالى في سورة الحجرات:
﴿
يعني مثلاً: أخ بالجامع يتألم من أخ، أنت أحياناً ليس له حق أن يغضب منه، أو له حق، تتلقى الخبر من دون أن يكون, في لك فاعلية، أو لك نشاط إيجابي، لكن في أخ آخر مستواه أرقى، في مشكلة بين فلان وفلان، أجمع بينهما على خير، أدفع المذنب إلى الاعتذار من الذي أساء إليه، إذا تمكَّنت من إصلاح ذات البين، فهذا عمل جليل، هذا البناء الشامخ فيه لبنة غير موجودة، فأحاول أن أسدها.
فأحياناً لقاء يحل مشكلة، أحياناً اعتذار لطيف, يذهب ما في الصدر من غل، أحياناً أسأت لأخيك قدم له هدية، هذه الهدية تذهب -كما قال عليه السلام- بوحر الصدر، تكلمت بحقه كلمة نابية، فوصلت إليه، صار هناك جفوة، فربنا عز وجل قال:
(( مَنْ عَامَلَ النَّاسَ فَلَمْ يَظْلِمْهُمْ، وَحَدَّثَهُمْ فَلَمْ يَكْذِبْهُمْ، وَوَعَدَهُمْ فَلَمْ يُخْلِفْهُمْ ; فَهُوَ مِمَّنْ كَمُلَتْ مُرُوءَتُهُ، وَظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ، وَوَجَبَتْ أُخُوَّتُهُ، وَحَرُمَتْ غِيْبَتُهُ ))
أما أن تتساهل بالغيبة، فهذا ليس من الدين شيء، هذه الأوامر الصريحة بالقرآن الكريم، وهذه النواهي كأن الله لم يأمر بها، وكأن الله لم ينه عنها، أنت تصلي، وتصوم، وتحج, وتزكي فقط، هذا الدين؟ هذه كما قال عنها النبي عليه الصلاة والسلام:
الحديث:
(( عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ: شهادةِ أن لا إله إلا الله ، وأنَّ محمداً عبْدُهُ ورسولُهُ ، وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزّكاةِ ، وحَجِّ البيت ، وصومِ رمضان))
هذه دعائم الإسلام، وليست هي الإسلام، هل تسمي دعامات البناء بناء؟ الدعامات شيء, والبناء شيء آخر.
إذاً: هذه الآية يجب أن تكون لنا شعاراً:
ثلاثة خطوط:
1- أصلح نفسك بالتوبة، أصلحها بالإقبال على الله، أصلحها بالاستقامة على أمر الله، أصلحها بفعل الخيرات، هذه واحدة.
2- الآن: أصلح كل علاقة، لا تجعل علاقة مشوشة، لا تترك علاقة مضطربة، لا تترك حقدًا بينك وبين أخ، لا تترك هناك شحناء، في خصومة، في ذمة عالقة، في خلاف مالي، في خلاف على شيء من متاع الدنيا، اترك كل علاقة واضحة، إذا خلصت من إصلاح نفسك، ومن إصلاح العلاقات بينك وبين الآخرين.
3- عندئذٍ ربما تنتقل إلى مرحلة ثالثة، وهي الإصلاح بين الناس، وهذا أعظم عمل، أن تكون مصدر خير للناس.
هذا الباب: باب الشفاعة، باب دقيق جداً في التعامل، فالإسلام كما قال سيدنا عمر:
شيء آخر جاءني سؤال فقهي في الدرس الماضي:
هل تجوز الصلاة بعد صلاة فريضة العصر، وبعد صلاة فريضة الفجر، وبعد صلاة الوتر؟.
الحقيقة: أن الصلاة بعد طلوع الشمس, ليس هناك صلاة، أو بعد صلاة الفجر, ليس هناك صلاة، إلى أن تطلع الشمس، عندئذٍ تصلي الضحى، الصلاة بعد الفجر, ليس هناك لا سنة, ولا قضاء, ولا أي شيء آخر، حتى لو أردت أن تقضي سنة الفجر, وهي من السنن المؤكدة، تقضيها بعد طلوع الشمس، يحرم أن تصلي، والشمس تطلع إلى أن ترتفع، ويحرم أن تصلي, والشمس في كبد السماء, إلى أن تزول، ويحرم أن تصلي, والشمس تغرب إلى أن يذهب قرصها تحت الأفق، في ثلاثة أوقات.
ولا قضاء للصلاة بعد صلاة فريضة الفجر، ولا بعد فريضة العصر، ولا بعد صلاة الوتر، لأنه كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام, جعل صلاة الوتر آخر صلاة.
على كلٍ؛ أما تحية المسجد -كما جاء في السؤال- فهناك خلاف فيها: هل تصلى في وقت الكراهة؟ يعني إذا دخلت إلى المسجد قبيل المغرب، هل تصلي تحية المسجد؟ الأرجح: ألا تصلى تحية المسجد في وقت الكراهة.
أهمية دراسة ومعرفة السيرة النبوية.
ما هي الحكمة الربانية من هذا العرض التي قدمته قريش للنبي للتنازل عن دعوته, وما موقف النبي من هذا العرض, وماذا نستفيد من هذا الموقف بشكل مجمل؟.
وقد وعدتكم في الدرس الماضي, أن أبدأ موضوعاً في السيرة، الحقيقة: أنا قبل سنتين عالجت سيرة النبي عليه الصلاة والسلام من زاوية الشمائل، أما هذه المرة فسوف تعالج إن شاء الله تعالى من باب آخر، فنأخذ مواقف النبي عليه الصلاة والسلام مَوقفاً موقفاً، وما علاقتنا بهذا الموقف؟.
الجهر بالدعوة.
كلكم يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما جهر بالدعوة، وقد أمره الله سبحانه وتعالى أن يجهر بالدعوة، حيث قال له:
﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)﴾
حينما جهر بالدعوة, رأت قريش أن النبي عليه الصلاة والسلام سب آلهتها، وسفَّه أحلامها، وعاب دينها، رأت فيما بينها وبين زعمائها, أن يعرضوا على النبي عليه الصلاة والسلام، لعله يريد مالاً، عرضوا عليه أن يجعلوه أغنى أغنيائها، ولعله يريد مُلكاً، فعرضوا عليه ألا يقطعوا أمراً دونه، أي يملِّكوه عليهم، ولعله إنما يريد متعةً، فعرضوا عليه أن يزوجوه من أجمل فتيات قريش.
الحقيقة هذا العرض فيه حكمة بالغة، ما الحكمة من هذا العرض البالغ؟.
هو أن النبي عليه الصلاة والسلام هو رسول الله، وهو مبرأ من كل هذه الأهداف الأرضية، هو فوق هذه الأهداف الأرضية، فوق أن يبتغي من هذه الرسالة ملكاً، وفوق أن يبتغي من هذه الرسالة مالاً ، وفوق أن يبتغي من هذه الرسالة متعةً، ولكن حينما ينطلق أعداء الإسلام للنيل من النبي عليه الصلاة والسلام، ماذا يقولون؟ يقولون: إنما أراد من هذه الدعوة, أن يملك رقاب العرب، أو يقولون: إنما أراد حظوظه من الدنيا، أو يقولون: إنما أراد أن يكون سيداً عليهم، حينما جاءت هذه العروض الثلاثة من زعماء قريش للنبي عليه الصلاة والسلام، ورفضها جميعاً، وقال قولته الشهيرة:
والله يا عم, لو وضعوا الشمس في يميني, والقمر في شمالي, على أن أترك هذا الأمر, ما تركته, حتى يظهره الله أو أهلك دونه
أيها الإخوة؛ لا أعتقد أن في هذا المسجد, أو في العالم الإسلامي واحدًا, ما سمع بهذا الخبر، أن النبي عليه الصلاة والسلام, حينما عرضت عليه قريش, أن يكون أغنى أغنيائها، أو أن يكون سيداً فيها وملكاً، أو أن يكون زوجاً لأجمل فتاة في قريش، كيف وقف النبي هذا الموقف؟.
أردت من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم, أن تكون دليلاً لنا، أن تكون مناراً لنا، نبراساً، مشعلاً وضَّاءً، يعني: أنت أيها الأخ الكريم، أيها المؤمن، هل عندك في حياتك أشياء لا تساوم عليها أبداً؟ في بحياتك فوق المساومة، فوق المرونة، فوق الأخذ والعطاء، هذه لا أفعلها ورب الكعبة، ولو أطبقت السموات على الأرض, هذا هو الفرق بين كبار المؤمنين وبين صغارهم، فهل أنت مستعدٌ أن تنسحب من شركةٍ ذات أرباح طائلة, لأن كسب المال حرامٌ؟ عندك استعداد، دخل كبير أن تضعه تحت قدمك، لأن في هذا الدخل شبهة, لماذا وقف النبي هذا الموقف؟ لماذا قال:
إنه يعلمنا أنه يجب أن تكون صاحب مبدأ، يجب أن تكون شهوات الدنيا تحت قدمك من أجل مبدئك، يجب ألا تساوم على أمر دينك، موضوع الدين لا يساوم عليه، ليس هناك أنصاف حلول، بالمبادئ لا توجد مساومات، هذه حرام، لا أفعلها، لا أفعلها، ولو غضب الناس، ولو قالوا عني ما يقولون، ولو اتهمونني بأنني بعيدٌ عن أساليب اللباقة والكياسة الاجتماعية، أنا لا أدخل أمام نساءٍ كاسيات عاريات لأجلس أمام خطيبتي، لا أفعل هذا، هذا خلاف الدين، ولو أن الناس انتقدوني، وقالوا: لعل فيه عيباً خطيراً، لا، يجب أنت كمؤمن, لا توجد مساومات بالموضوع إطلاقاً، يجب أن تكون في حياتك أشياء لا تقبل المساومة، لا تقبل نصف الحل، لا تقبل القيل والقال، هذا الشيء لا أفعله، ولو ضحَّيت من أجله بمال الدنيا، فإذا قرأت سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، لماذا أنت تقرأها إذاً؟ أتقرأ هذه السيرة للتسلية؟ أتقرأها لأخذ العلم؟ أتقرأها لجمع الحقائق؟ لا والله ، يجب أن تقرأها ليكون النبي عليه الصلاة والسلام قدوة لك في هذا الموضوع، عرضوا عليه المال فأبى، عرضوا عليه المُلك فأبى، عرضوا عليه أن يكون زوجاً لأجمل فتاة في قريش فأبى، قال:
فهذه اللقطة من السيرة:
يجب أن تسأل نفسك، هذه لا أستطيع أن أفعلها، هكذا تريد الزوجة، والله لست مستعداً أن أدخل في مشكلة معها، يا أخي سددوا وقاربوا، هذه معصية، ما هذه سددوا وقاربوا؟! هذه معصية صريحة، أما إذا كنت مؤمناً كما أراد النبي عليه الصلاة والسلام، وكما كان لك قدوة حسنة, قال له:
استنباطات من موقف النبي عليه الصلاة.
أول استنباط من هذا الموقف المشرف الذي وقفه النبي عليه الصلاة والسلام:
أن تكون أنت أيها المؤمن صاحب مبدأ، وصاحب المبدأ لا يقبل أنصاف الحلول، هذا حلال أم حرام؟ حرام، إذاً لا أقبله، يجب أن تضع تحت قدمك أقوال الناس، وسمعتك الاجتماعية، واتهاماتهم لك, بأنك غير لبق، غير مرن، لا يوجد عندك كياسة، كما قال بعض الأدباء: صاروا يسمون التملُّق أدباً، واللكنة فصاحةً، وأكل الحقوق كياسة.
فبعصور التخلف الاجتماعي, يصبح النفاق لباقة، يصبح الكفر ذكاءً، يصبح أكل المال الحرام شطارةً، في مثل هذه المجتمعات, يجب أن تظهر دينك: أنا هذا الشيء لا أفعله, ولا أقبل به.
إذا قرأت سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، وأردت أن تكون مؤمناً حقاً، وأردت أن تقتفي أثر النبي عليه الصلاة والسلام، وأن تجعله قدوة لك، هذا موقفك، كان النبي عليه الصلاة والسلام رجل مبدأ، وأنت كمؤمن يجب أن تكون رجل مبدأ، فأحياناً بعملك التجاري, تضطر إلى أن تضحي بمالٍ كبير من أجل سلامة استقامتك، فإذا كنت مؤمناً حقاً، والله الألف والمليون, واحد عند المؤمن، لأن هذا لا يرضي الله.
أحياناً بعلاقاتك الزوجية أو الاجتماعية، تضطر إلى أن تقف موقف مشرِّف، ربما غضب منه الغاضبون، وربما يلوكون هذه القصة بألسنتهم، فليفعلوا ما يشاؤون، أما هذا الذي يستطيع يرضي الناس كلهم فهو منافق، كأن سمعته أغلى عنده من رضاء الله عز وجل، لذلك يحرص على مصالحه قبل كل شيء، يحرص على سمعته قبل كل شيء، يسدد، يقارب، يتساهل بهذه، هذه لها عنده تخريج، وهذه لها عنده عذر، وهذه نأخذ رأي فلان الفلاني بذلك، وهو على مصالحه قائم, وعليها حريص، ويقرأ سيرة النبي، ولا يقف هذا الموقف البطولي.
طبعاً: لا يعني هذا أن تلقي بنفسك في التهلكة، ليس هذا أريد، ولكن إذا كان مبدؤك الذي تحرص عليه, يحول بينك وبين ربح جزيل، يعني يدخل عليك شبهة، فإذا رضيت بهذا الربح الجزيل مع الشبهة والمخالفة، فأنت لم تقف موقف النبي عليه الصلاة والسلام.
أعيد عليكم هذا السؤال: هل في حياتنا نحن أشياء ثابتة، مقدسة، لا يمكن أن ننال منها، ولا أن نساوم عليها؟ إذا فعلنا ذلك, فقد اقتفينا أثر النبي عليه الصلاة والسلام، هذا أول استنباط.
الاستنباط الثاني أن النبي عليه الصلاة والسلام، حينما عرضوا عليه الملك, لماذا لم يقبل؟.
أنا في الدرس الماضي قلت لكم: سيرة النبي عليه الصلاة والسلام من حيث الأحداث تعرفونها جميعاً، فلا جدوى من أن نعيد على أسماعكم, ما جرى في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنه الذي أريد من درس السيرة: أن نأخذ موقفاً من مواقف النبي عليه الصلاة والسلام, ونعمق فهمه، ونستنبط منه الدلالات، والعبر، والحقائق، والتوجيهات.
فالآن سؤال آخر: النبي عليه الصلاة والسلام لماذا حينما عرضت عليه قريش أن يكون ملكاً عليها، لِمَ لَمْ يقبل, ويضمر في نفسه: أنه من خلال هذا الملك, يقيم دين الله عز وجل؟.
الحقيقة الموضوع دقيق جداً: وهذا هو الفرق العظيم بين الإسلام وبين غيره من الأديان، أو وبين غيره من المذاهب.
في الإسلام لا يمكن أن نصل إلى الهدف النبيل إلا بوسيلةٍ نبيلة، الهدف النبيل له وسيلةٌ من جنسه، الهدف النبيل لا بد من أن نسلك له طريقاً نبيلاً شريفاً، أما أن نسلك إلى الهدف العظيم طريقاً فيه مخاتلة، أو فيه مخادعة، أو فيه موقف غير أخلاقي، هذا يرفضه الإسلام أشد الرفض.
ففي الإسلام الغايات النبيلة, لا تبرر الوسائل غير النبيلة، فلو أن النبي عليه الصلاة والسلام قَبِلَ المُلك, ليكف الدعوة إلى الله، وهو في نفسه, أضمر أن يقبل هذا المُلك, ليقيم دين الله، هذا صار موقفًا فيه احتيال، أو هذا الموقف فيه مخاتلة، هذا الموقف لا يليق بالنبي عليه الصلاة والسلام.
فلذلك: وهذا عندنا نحن في هذا العصر, لا ينبغي أن تسلك لهدف نبيل وسيلة غير نبيلة، الهدف النبيل له طريقٌ نبيل، الهدف الشريف له طريق شريف، الهدف المشروع له وسيلة مشروعة، هذه نقطة دقيقة جداً.
هناك أناس يصلون إلى أهدافهم التي يدَّعون أنها نبيلة, من خلال أساليب ملتوية، فيها احتيال، أو فيها إيهام، أو فيها كذب، أو فيها نفاق، هذا مرفوض أشد الرفض، لو أن النبي عليه الصلاة والسلام نوى في قلبه, أنه يقبل المُلك من قريش, من أجل أن يقيم دين الله عز وجل، وهم حينما وادعوه وسالموه، وعرضوا عليه المُلك، وملكوه عليهم, من أجل أن يكف عن هذه الدعوة، ثم فوجئوا بأنه دعا إلى الله, بعد أن صار ملكاً عليهم، ما الفرق بينه وبين المخادع إذاً؟ ما الفرق بين الصادق المخلص وبين الكاذب المخادع؟ إن الوسيلة غير المشروعة, لو قبلت تحت اسم الحِكمة واسم الغايات تبرر الوسائل، لاجتمع الشريف مع غير الشريف، ولو اجتمع الصادق مع غير الصادق، إذاً: هذه نقطة مضيئة ثانية من موقف النبي عليه الصلاة والسلام.
كن أنت صريحاً، أحياناً بالعلاقات التجارية يكون في خطأ بالحساب، أخي أنا لي حساب ما دفعه، هذا الأسلوب باسترجاع المال, أسلوب غير شريف، بَلِّغه أنه قد وقع خطأ بالحساب، وأنا لي عندك هذا المبلغ، فسوف آخذه مكان هذا المبلغ، بلغه، فإذا وافق فكان بها، أما أن تسلك لأخذ حقك أسلوب المخاتلة، والخطأ بالحساب، وما عنده علم، فهذا طبعاً أيضاً غير مقبول في الشرع.
بالمناسبة: الموضوع ما أردت أن أصل إلى كل أبعاده، لو أن لك حقاً ثابتاً، أي ما في خلاف إطلاقاً، وقد امتنع امتناعاً كلياً عن أن يدفعه إليك، وقد صار بيدك مال له، يجب أن تأخذه، ويجب أن تبلغه .
الاستنباط الثالث من أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ
فهذه القصة لو أنها لم تقع، لاستطاع بعض أعداء الدين, أن ينالوا من النبي عليه الصلاة والسلام، إنما أراد بهذه الدعوة أن يتملَّكهم، أن يملك رقابهم، أن يستعلي عليهم، لا، هذا العرض جاء من الله عز وجل، عن طريق زعماء قريش، لماذا جاء هذا العرض؟ ولماذا كان هذا الضيق؟ ولماذا كانت تلك المعارضة؟ ولماذا كانت هذه المأساة؟ من أجل أن يظهر شرف النبي عليه الصلاة والسلام.
فأنت أحياناً قد تصاب بضائقة مالية، وأنت في هذه الضائقة المالية, يأتيك عرضٌ مغرٍ ، لكن فيه شبهة، فترفضه، رفض هذا العرض, وأنت في ضائقة مالية؛ يظهر عفتك، ويظهر ورعك، ويظهر شرفك، لا قيمة لهذا الامتحان, لو لم تكن في ضائقة مالية، ولا قيمة لهذا العرض, لو لم تكن في ضائقة مالية، وهذه القصة كان من الممكن ألا تكون، ولكنها كانت لتعرف نفسك، وليعرفك الناس، لذلك:
الخلاصة.
أيها الإخوة؛ فصار عندنا في هذا الموقف ثلاثة أسباب:
أن النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن وقف هذا الموقف, من هذه العروض المغرية، لا يستطيع أعداؤه حتى آخر الزمان, أن ينالوا من طهر نفسه، ومن نبل قصده، ومن نزاهة روحه، هذه العروض جاءت فرفضها.
أن النبي عليه الصلاة والسلام في حياته أشياء لا تقبل المساومة، وليكن ما يكون، فإذا كنت مؤمناً حقاً, فاقتف أثر النبي في هذا الموقف.
أن النبي عليه الصلاة والسلام, أراد أن يقف هذا الموقف, ليكون درساً لنا في المستقبل.
فأنت لا تفعل إلا كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، فالإنسان في حياته اليومية قبل أن يقدم، قبل أن يفعل، قبل أن يقف، قبل أن يتكلم، قبل أن يوافق، قبل أن يرفض، ليضع هذا الموقف النبيل نصب عينيه.
طبعاً: كل شيء تفعله أو تقوله مسجل عليك، هذا الموقف وقفه النبي قبل ألف وأربعمئة عام تقريباً، ولا يزال يتلى في كل مجلس علم، ولا يزال يذكر، ولا تزال هذه السيرة عطرة.
وأنت أيها المؤمن, إذا وقفت موقفًا أخلاقيًّا، أولادك، وأولاد أولادك، والناس من بعدك إلى مئات السنين, يقولون: جدنا فعل كذا وكذا، كان هذا موقفه، فإما أن تقف موقفاً يكون ذا ذكرٍ عطر، وإما أن تقف موقفاً آخر, يستحي منه الأحفاد والأبناء.
و الحمد لله رب العالمين