- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
تمهيد :
أيها الإخوة الكرام:
قد يتساءل المرء: مصائب تتلو مصائب، كوارث تتلو كوارث، قصف وتدمير، مجاعات وهلاك، أمراض وبيلة.
قد يسأل سائل: لماذا هذه المصائب؟ لماذا هذا الضغط؟ لماذا هذه الأمراض والأوجاع؟.
أيها الإخوة العبرة:
أن تتقن تفسير ما يجري، لأنك إن أتقنت تفسير ما يجري توازنت، أما إذا فهمت هذا الذي تراه فهماً غير صحيح, فربما انعكس على عقيدتك, سوء ظن بالله عز وجل, قال تعالى:
﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ
هذه المصائب التي تطغى على بعض الشعوب أو على معظمها، هناك ضيق اقتصادي، ونقص في المياه، ونقص في الدخول، وأمراض وبيلة تستشري، وترتفع نسبها ارتفاعاً بسلسلة انفجارية، وهناك حروب, ومن يموت جوعاً وبرداً.
فقد يسأل سائل: لماذا هكذا؟ ما تفسير ذلك؟.
أيها الإخوة الكرام؛ طبعاً هذه التساؤلات, سقتها لكم تمهيداً, لباب في كتاب رياض الصالحين, من كلام سيد المرسلين, عليه أتم الصلاة والتسليم، عقده الإمام النووي رحمه الله تعالى، وسماه:
يجب أن تخاف كي لا تخاف، فإما أن تأمن فتخاف، وإما أن تخاف فتأمن، الذي يخاف من الله عز وجل يأمن، والذي يأمن مكر الله, يخيفه الله عز وجل.
كيفية الخروج من المعالجات والعقوبات الإلهية: بالشكر والإيمان.
بادئ ذي بدء, اجعل هذه الآية, شعاراً لك في حياتك:
﴿
الكون مسخر تسخيرين قال:
﴿
هذا الكون مسخر تسخيرين:
لمجرد أن تعرف الله، وأن تشكره على نعمه بعمل صالح, يكون ثمناً لجنة إلى الأبد, تتوقف المعالجة, قال تعالى:
أحياناً يزور أخ في المستشفى فيقول: شيء لا يحتمل.
جناح الخثرات في الدماغ، أكثر الناس فقدوا الحركة, شلت حركتهم.
جناح تشمع الكبد، جناح الفشل الكلوي, جناح أمراض القلب، جناح أمراض الأورام الخبيثة.
تأتي إلى مكان آخر شعوب تنزح، أطفال يموتون في الطريق، قصف متتال، موارد ضيقة، ما تفسير ذلك؟ قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
كلما رأيت شيئاً مؤلماً, لا تنس هذه الآية:
حقيقة الشر المطلق.
أيها الإخوة الكرام؛ سأقول لكم هذه الحقيقة: الشر المطلق؛ أي أن الشر بالشر يتناقض مع وجود الله، إما أن تؤمن أن لهذا الكون إلهاً، يوجد شر نسبي بالنسبة إليك، الشر النسبي موظف للخير المطلق، إن آمنت أن لهذا الكون إلهاً, يجب أن تنفي عن كون الله عز وجل الشر المطلق، لا تنس هذه الآية:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)﴾
تذكر هذه الآية:
﴿
الفساد من كسب البشر، ومن فعل الله عز وجل، لا يكون إلا الخير، الخير المطلق، فعل الله كله خير، ولكن ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، كان من الممكن أن يظهر الفساد في البر والبحر, والله عز وجل لا يذيق هؤلاء الذين فسدوا بعض ما عملوا، ممكن أن تنتشر الإباحية في العالم، وينتشر الزنا في العالم، وينتشر الشذوذ في العالم, دون أن يظهر مرض الإيدز، ممكن, هذا المرض لو أنه لم يظهر, لتفاقمت هذه الإباحية إلى درجة عمت القارات كلها.
قرأت عن شرق آسيا, شيء لا يصدق, يكاد يكون الدخل الأول من طريق الدعارة في آسيا, تجارة الرقيق الأبيض أغلى تجارة وأربحها، والفتيات يؤخذون من القرى, ليتدربن على فنون الانحراف, ويبعن في سوق الرقيق الأبيض, قال تعالى:
أنا قبل عامين, أعدت خطبة إذاعية عن مرض الإيدز، وحصلت وقتها على أدق إحصاء، وربما كان عدد المصابين في العالم سبعة وثلاثين مليون مصابٍ, وهذا المرض يتطور بنسب.
لدينا نسب عددية اثنان، أربعة، ستة، ثمانية، عشرة .... وسلسلة الأولى اسمها حسابية ، والثانية هندسية.
الآن: السلسلة الثالثة اسمها: سلسلة انفجارية, حسابية, هندسية.
فأنا معلوماتي الدقيقة التي استقيتها من منظمة الصحة العالمية, أنه في عام 2000, توجد سبعة وثلاثون مليون إصابة إيدز في العالم.
كنت في أميركا قبل سنة تقريباً أو قبل ثمانية أشهر, فوجئت أن عدد المصابين بالإيدز قبل ثمانية أشهر, ثمانية وخمسون مليونًا في العالم, دقق:
والآن: هذه المحطات الفضائية, هناك انعكاسات في بلدتنا الطيبة خطيرة جداً, وقد يكون أجهل الناس في بلدتهم أهل البلد، أكثر إخواننا المؤمنين رواد مساجد، من بيوتهم إلى أعمالهم، وهم بعيدون عما يجري من فساد، لكن الفساد الذي ينتشر من خلال هذه المحطات الفضائية المنحرفة, يكاد لا يصدق.
مرة سمعت, أن برنامجاً تلفزيونياً في أميركا, جرى حول الزنا، فجاءت الهواتف إلى هذا البرنامج, لتؤكد أن ثلاثة وثلاثين بالمئة, من حالات الزنا في أميركا زنا محارم، بين الأخ وأخته، والأب وابنته، وربما لا تصدقون أن هذا المرض الوبيل, وصل إلى بلدنا.
يوجد حالات زنا محارم كثيرة جداً، بسبب هذه المحطات التي نستقبلها، والتي جعلت الأرض كلها كانوا يقولون: إنها قرية، ثم قالوا: إنه بيت.
الآن: هذه المحطات, جعلت الأرض كلها غرفة واحدة, فالفساد ينتشر, الخبرات تنتقل.
شيء أنا ذكرته قبل أسبوعين في الخطبة: أن أشد أنواع التأثير السلبي هو على الأطفال، لأن الطفل يتلقى نماذج للسلوك، وأساليب للحياة، كلها تتناقض مع قيمنا, وديننا، وإسلامنا، وتستطيع هذه المحطات, أن تفعل في الصغار، ما لا تستطيع المدرسة, مهما ارتقت، والأسرة مهما ارتقت, أن تفعله في الصغار, الذي يبنيه الأب، والذي تبنيه المدرسة, تهدمه هذه الصحون، فنحن أمام خطر، هذا الفساد, قال تعالى:
المصائب ليس لها إلا تفسير واحد: الخروج عن منهج الله عز وجل.
ذكرت لكم مرة, أنه من الممكن, إذا كان لنا جيران, عانوا من حرب أهلية, دامت أكثر من سبعة عشر عاماً, أكلت الأخضر واليابس، هذه الحرب الأهلية التي جرت, يمكن أن تفسر تفسيرًا دوليًا، مراكز قوى في العالم, تحركت فحطمت مركزًا ماليًا كبيرًا، وممكن أن تفسر تفسيرًا عربيًا، وممكن أن تفسر تفسيرًا طائفيًا، وممكن أن تفسر تفسيرَ طرفة أصابتها عين، وممكن أن تفسر تفسيرًا قرآنيًا، وهذا هو الصحيح، وهو الحق, وهو التفسير المعتمد، هذا الذي ينبغي أن نؤمن به, قال تعالى:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)﴾
هل تصدقون أن الذين يدفعون زكاة أموالهم من بين أصحاب الدخل الكبير، من بين أصحاب الأنصبة التي تجب عليهم, لا يزيدون على خمسة بالمئة؟ ولو دُفعت زكاة أموالهم, ما رأيت فقيراً واحداً.
سمعت مرة أرقامًا من الصعب تصديقها، لو أن زكاة الأموال دُفعت في بلد ما, لغطت كل حاجات الفقراء، فالزكاة لا تدفع، الصلوات لا تؤدى، الانحراف يستشري، المعصية يتباهى بها، الاختلاط على قدم وساق، قيام الليل حتى الساعة الخامسة في قنوات المجاري، لا في المساجد، فهذا الفساد المستشري يتبعه ضغط، وحينما يهون أمر الله عز وجل على الناس, يهونون على الله عز وجل, واسألوا الله السلام؛ فأينما ذهبت. قال تعالى:
مثلاً: أحياناً يكون الإنسان جالسًا على المائدة، يسمع الأخبار، يقال: سقطت طائرة تقل ثلاثمئة راكب، وقد مات كل ركابها، هذا خبر تستمع إليه، وأنت تأكل، فرق كبير بين أن تستمع إلى هذا الخبر، وأنت في البيت على الأرض مستقر، وأمامك زوجتك وأولادك، وبين أن تكون أحد ركاب هذه الطائرة, مسافة كبيرة جداً.
أحد إخواننا كان يعمل مضيفاً، قال:
دخلت الطائرة في غيمة مكهربة في سماء باريس ، هذه الغيمة المكهربة أتلفت مقدمة الطائرة، وجهاز الرادار، وبللور غرفة القيادة، والطائرة كانت على وشك السقوط، لولا أن الله عز وجل تداركها بالرحمة فنزلت سالمة، وهذه الطائرة سورية, فيصف هذا المضيف, ما رأى بعينه من الركاب، هذا يضرب رأسه، وهذا يصرخ بويله، وهذا ينادي زوجته، وهذا يندب حظه، وهذا ينادي أولاده، قال لي: منظر فظيع، تمنى ربان الطائرة, أن يبلغ الركاب كلمات, بأنهم هاجوا, وماجوا, وخرجوا من أماكنهم، والطائرة في خطر شديد، فأمر مضيف الطائرة, أن يكلف أحد الركاب, أن يبلغ الركاب شيئاً، قال: ما وجدت رجلا يسمعني، الجميع في غيبوبة، قال: ثم عثرت على رجل متماسك وهادئ، فقال: هذا مناسب جداً، فانطلقت إليه, لأكلفه أن يبلغ الركاب رسالة ربان الطائرة، فإذا هو مغمى عليه.
فيا أيها الإخوة؛ أردت من هذا الدرس, أن يكون تفسيرًا إسلاميًا، تفسيرًا قرآنيًا، تفسيرًا دينيًا، تفسيرًا إلهيًا لما يجري.
أيها الإخوة؛ توجد آلام أساسها: مرض، وفقر, وقهر, وحروب أهلية, وزلازل, وفيضانات, وشح مياه، معدل أمطار دمشق حتى الآن تسعة وثلاثون مترًا, وانتهى الشتاء، المعدل في حده الأدنى مئتان واثنا عشر، حتى الآن تسعة وثمانون ميليمترًا, وكأس الماء هذا, نرجو أن نشربه طوال العام, قال تعالى:
المعالجة الإلهية.
فيا أيها الإخوة الكرام؛ الإله واحد، وسنّته واحدة، كل إنسان شارد مقصر, لا بد من أن يعالجه الله عز وجل، لكن مرة هنا، مرة هنا، مرة في أوروبا، مرة في الخليج، مرة في الكويت ، ومرة في لبنان، مرة في آسيا ...
حدثني أخ قال: عشرْ الحجاج السنة من آسيا, لم يأتوا من شدة الفقر, أصيبوا بأزمات اقتصادية طاحنة، هذه مصيبة.
فأنا لا أريد أن أملأ الدرس بالمآسي, والتشاؤم, والخوف, والقلق، ولكن أريد أن أبين: أن الله عز وجل لا يمكن أن يسوق لعباده عذاباً إلا بسبب، لقول الله عز وجل:
أنت الأخ الكريم؛ إذا جاءك ما لا ترضاه, فاتهم نفسك, إياك أن تحابي نفسك، إياك أن تقول هذه ترقية، لا, قل: هذا عقاب لشيء فعلته، لذلك هناك قاعدة: المؤمن الكامل إذا ألم به مكروه يتهم نفسه، فإذا ألم بأخيه مكروه يحسن الظن به.
يوجد آية ثانية, قال تعالى:
﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا
أيعقل أن نجازي غير الكفور؟ قال تعالى:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)﴾
أنا لا أذكر هذا, إلا من باب التوضيح، أحد خطباء دمشق الذين أحترمهم, ذهب إلى بلد في أوروبا، هو أصله من هناك، بلد إسلامي في شرق أوروبا، قال: خطبت في أضخم مسجد في ألمانيا، أقسم لي بالله من فمه إلي, من دون وسيط, قال: والله امتلأ المسجد بالمصلين، وألقيت خطبة مؤثرة جداً، الذي لا يصدق أن معظم المصلين في جيوبهم زجاجات خمر، يشربونها في أثناء سماع الخطبة, من شدة التأثر بهذا الخطيب.
هذا ما كان في ألمانيا، فيجب ألاّ تتهم الله عز وجل، ويجب نتألم نحن، والله نتمنى أن ينتصروا، وأن يعودوا إلى يلدهم، نتمنى لكل بلد إسلامي, أن يكون في أعلى درجة من البحبوحة, والأمن, والاستقرار؛ ولكن:
أيها الإخوة؛ دقق في هذه الآية:
ذكرت مثل من يومين:
قال ابن لأبيه: يا والدي العزيز, لا أحب الدراسة, قال: كما تتمنى, لمجرد أن قال هذا الابن كلمة واحدة، وافقه الأب أن يترك المدرسة, هذا بعد حين, كل أصدقائه بمراتب عالية، وشهادات عالية، وتزوجوا, وذو مركبات, ومكانة، هو فقير مشرد، ليس عنده بيت أو مصلحة، مهان، فنقم على والده.
اسمحوا لي أسوق لكم الحوار, عندما صار الولد عمره خمسة وثلاثين عاما، وليس بيده شيء، لا يملك شيئًا من حطام الدنيا، ومهمل وفي الدرجة الدنيا، وكل أصدقائه بالمدرسة أصبحوا شخصيات لامعة، فقال لأبيه: يا أبت لمَ لمْ تصفعني عندما قلت لك: إنني لا أريد المدرسة؟ لمَ لمْ تضربني؟ لمَ لمْ تقنعني؟ لمَ لمْ تضغط علي؟ أنت سببت شقائي بهذا التساهل.
وتأكدوا: أن كل إنسان ينحرف, يسوق الله عز وجل له شدة، ويعود بها إلى الله، هذه الشدة هي نعمة من نعم الله الباطلة.
هناك طائفتان من النعم؛ طائفة النعم الظاهرة، وطائفة النعم الباطنة، عندما يتدخل ربنا عز وجل, بأن يصحو عبده مما هو فيه، لذلك ربنا عز وجل قال:
﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ
فضيلة الخوف.
الإمام النووي رحمه الله تعالى, من عادته في كتاب رياض الصالحين, أنه يصدّر كتابه أو بابه بآيات قرآنية، ماذا تفهمون من قوله تعالى:
اسمحوا لي بهذه الكلمة: أي إنسان قوي في فترة معينة, بإمكانه أن يفعل ما يريد، هذا الإنسان إن لم يدخل خوف الله في حساباته, فهو أكبر أحمق وغبي, قال تعالى:
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما, أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, كان يدعو: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَمن تَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَمن فُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَمن جَمِيعِ سَخَطِكَ ))
فجأة, الإنسان يكون راسمًا خِططًا لعشرين سنة، نقطة دم في الدماغ تجمدت، خثرة بالدماغ شُلَّ، دخل بخط آخر، تمييع الدم، يلزمه معالجة فيزيائية، وتمرينات شاقة، ساعتان كل يوم، والحركة ضعيفة جداً، وكلها خثرة دم, لا تزيد على رأس الدبوس, تجمدت في شرايين الدماغ, قال تعالى:
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾
قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ
لو أن الله قال: تطمئن القلوب بذكر الله، وقد تطمئن بغير ذكر الله، أما عندما قال ربنا عز وجل:
مرة استفدت من قضية: إنسان أقام تعهد في وزارة من وزارات الدولة, فلما استلموا المشروع منه, خصم المهندسون الذين تسلموا المشروع خمسمئة ألف ليرة، لوجود نقص ومواد, كانت من الدرجة الثانية، فأقام دعوى، من هو الحكم؟ بدفتر السلوك على المتعهد, أن يستخدم المواد من أفضلِها, فاحتكموا لمجمع اللغة العربية، ما معنى كلمة من أفضلِها؟ ليس معنى من أفضلِها أفضَلها، مادة جيدة، لكن لا تعني هذه العبارة, أنها أفضل ما في السوق، فلما جاءت فتوى مجمع اللغة العربية أن (من) لا تعني الأفضلية المطلقة، تعني الأفضلية النسبية، ما معنى كلمة من؟ إذا كان كلام البشر دفتر شروط, عادوا إلى معنى كلمة (من), وإلى الأفضلية النسبية والمطلقة، والمحكمة حكمت للمتعهد, أن يسترد المبلغ المخصوم عليه، فكيف بالقرآن الكريم، وهو كلام خالق الأكوان؟ يجب أن تقف عند كل حرف من حروفه، الله عز وجل قال:
الآية الثانية:
قال تعالى:
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾
وما تسمعونه من أخبار, تفسير لهذه الآية، خمسمئة ألف طفل, يموتون كل عام من الجوع في بلد, وأطفال كثر ماتوا، وأيديهم في أيدي آبائهم من شدة البرد، ودفنوا في الطريق, سماع الخبر شيء، ومعاينته شيء آخر.
العوام لهم كلمة: إذا عدّ الرجل العصي غير إذا كان يأكلها, فنحن نعد العصي، ونرى القصف، أما الذين يتحملون, هذا شيء لا يحتمل, قال تعالى:
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا
التأديب الإلهي:
أنا أقول كلمة: عندما تعرف الله عز وجل وتطيعه, قطعت أربعة أخماس المسافة.
تعبير آخر أوضح: عندما تفهم على الله، هذه مقابلها هذه.
أنت كأب، ممكن أن تؤدب ابنك تأديبًا شديدًا، وتبقى ساكتاً, لا تبين له السبب، هذا اسمه تشفٍّ.
التربية شيء، والتشفي شيء آخر.
إذا ضرب إنسان ابنه ضربًا مبرّحًا، ولم يتكلم ولا كلمة, هذا يعني أنه تشفٍّ، وليس أبًا, ضربته لهذا السبب، الأب العادي لا يؤدب إلا ويبين السبب، فكيف بخالق الأكوان يسوق للإنسان المصيبة، ويعطي فروعه السبب؟ هذه من أجل كذا.
قال لي رجل: شخص يلوذ بي, يريد أن يعمر ملحقاً صغيراً لابنه، كلما عمره يهدم، فجاء ووسّطه، ويبدو أن هناك معرفة مع المكلف بالمراقبة، قال: يسرها، قال: مساء طُرِق الباب, وضع مبلغ من المال جيد, قال: عندما علمت, أرغيت، وأزبدت، وغضبت، وتكلمت بحقه كلاما قاسياً، أنا خدمته لله، أنا لا آخذ شيئاً.
قال: في اليوم الثاني خفّ غضبي قليلاً، طبعاً في اليوم الأول نوى أن يرده له، في اليوم الثاني خف غضبه، في اليوم الثالث لم يعد هناك مشكلة، في اليوم الرابع قبل به، في اليوم الخامس صرفه.
قال: دخل لص إلى البيت, أخذ أربعة أضعاف المبلغ, فقالت له زوجته: أشكو هذا للشرطة، فقال: أنا أعرف ما الذي فعلته؟ لماذا تصل لمستوى تفهم فيه على الله؟ هذه مقابل هذه.
وصدقوني أيها الإخوة؛ الله عز وجل يلقي في الروع دائماً، قال: أعطني أربع قطع، قال: أنا لا أبيع مفرق باعتزاز، صاحب معمل، يبيع ثلاثمائة دزينة، ما هذا! أربع قطع؟ ليس عندي مفرق، فخرج هذا مكسور الخاطر.
قال: والله ثلاثة وثلاثون يوم, لم يدخل المحل زبون واحد.
لنا أخ, يبيع بكميات ضخمة جداً بعض الحاجات، أرقام فلكية.
قالت له امرأة: أريد قطعة واحدة، فغضب أيضاً، وأرغى، وأزبد أيضاً.
توقف البيع عنده شهراً كاملاً.
قال: الآن تحل الدزينة، وتبيعها قطعة واحدة، أدباً مع الله، الله يؤدب الإنسان على مخالفات، وعلى تقصير، وعلى اعتزاز، وعلى شرك خفي، ويعلق الأمل بغير الله، فيلهم الله عز وجل هذا الشخص بالتخلي عنك، هكذا فعل الله عز وجل، البطولة فقط أن تفهم عليه، هذه من أجل هذه, وهذه من أجل هذه، يجب أن تعلم علم اليقين: أنه لا يقع شيء إلا بعدل مطلق، وبحكمة مطلقة ، ورحمة مطلقة، ولكن عقلنا قاصر عن إدراك هذا المطلق, يجب أن تسلم، قال تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)﴾
هذا كلام الله عز وجل, قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)﴾
لا ملجأ منه إلا إليه، قال تعالى:
﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)﴾
قد تقع عين الابن على أمه، أو عين الأم على ابنها يوم القيامة فتعرفه، تقول له: يا بني! لقد جعلت لك صدري سقاءً، وبطني وعاءً، وحجري وطاءً، فهل من حسنة يعود علي خيرها اليوم؟ يقول: ليتني أستطيع ذلك يا أمي, إنما أشكو مما أنت منه تشكين، فبكى النبي عليه الصلاة والسلام.
أحياناً: يساق إنسان إلى السجن, يأتيه مئة هاتف، أما بالآخرة فلا يوجد هاتف, قال تعالى:
﴿
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)﴾
حقيقة بلاغية:
إخواننا الكرام حقيقة مهمة جداً:
كل صفات النساء لا تؤنث، تبقى مذكرة.
تقول: امرأة طالق، وامرأة بكر، وامرأة ثيّب، وامرأة عانس.
كل صفات النساء, تبقى مذكرة لا تؤنث.
أما كل صفة تشترك فيها المرأة مع الرجل, تُذكر وتؤنث:
مدرسة ومدرس، عاملة وعامل، حاملة وحامل.
ما معنى حاملة؟ على ظهرها.
في بطنها؟ تنفرد بها؟ نقول: امرأة حامل، أي في بطنها.
حاملة على ظهرها.
امرأة مرضعة، وامرأة مرضع.
إذا قلنا: مرضع، ابنها يلتقم ثديها.
أما إذا قلنا: امرأة مرضعة، ابنها على يديها.
لأن الأب يستطيع أن يضع الابن على يديه, قال تعالى:
محور هذا الدرس:
يجب أن نخاف كي نطمئن، فإذا اطمأننا اطمئناناً ساذجاً نخاف، لأن حال المؤمن يجب أن يكون بين الخوف والرجاء، وكل إنسان لم يدخل في حسابه خوفه من الله, إنسان غبي, وأحمق, وشقي, قال تعالى:
﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26)﴾
كنا خائفين، فاستحققنا الطمأنينة هذا اليوم، لو كنا غير خائفين, لخفنا هذا اليوم.
حديث اليوم: لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين.....
ورد في بعض الأحاديث القدسية:
(( عن الحسن رحمه الله: عن النبي صلى الله عليه وسلم - رفعه - قال: لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين ، وإن أخفته في الدنيا أمنته في الآخرة ، وإن أمنته في الدنيا أخفته في الآخرة ))
(( عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ, أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, حَتَّى يُسْأَلَ عن أربع: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ ما عمل به؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ؟ ))
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) ثم قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ أَخْبَارَهَا, أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أو أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، تَقُولَ: عملت كذا وَكَذَا، في يوم كَذَا وكذا، فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا ))
﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) ﴾
يومئذ تنقل الأرض كل ما فعله العباد على ظهرها.
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يقول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ))
معنى أدلج: سار في أول الليل
(( عَن عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تُحْشَرُونَ حُفَاةً, عُرَاةً, غُرْلا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ فَقَالَ: الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاك ))
الآن: إذا ساقوا رجل إلى الإعدام، ووجد فتاة ترتدي ثيابا فاضحة يتأثر, ذاهب للإعدام، بالأصل لا يرى شيئا، الأمر أفظع من أن يعنيهم ذلك، هذا يوم الخوف، لذلك: العاقل، والذكي، والبطل، والفالح، والناجح، والقوي، والموفق, هو الذي يعد لهذا اليوم عدته، وهو الذي إذا بكى كل من حوله, ضحك وحده عند الموت.
هناك أناس صالحون, يتوفاهم الله عز وجل، كيف كان مستوى الجنازة ومستوى التعزية؟ وكيف كان الأمر بعده؟ هو دخل الجنة, قال تعالى:
﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)﴾
وهناك إنسان مهما احتفلنا، ومهما كانت الجنازة محترمة، وذبح الذبائح، وأُطعم الفقراء, إذا لم يكن وضعه مع الله جيد, هذا لا ينفعه إطلاقاً.
أروي قصة: رئيس المنافقين, كان يجلس إلى جنب النبي، كتفه بكتفه، وهو على فراش الموت, طلب قميص النبي, ألبسه النبي القميص بيديه, فلما مات، قال:
(( تُحْشَرُونَ حُفَاةً, عُرَاةً, غُرْلا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ فَقَالَ: الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ ))
آخر حديث:
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, عَنْ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ, فَخَطَبَ فَقَالَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ والنار، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ))
خلاصة القول:
أيها الإخوة؛ الآن الملخص: يجب أن تخاف إلى درجة, ألا تيئس من رحمة الله، ويجب أن ترجو رحمة الله إلى درجة, ألا تنسى بعض الطاعات، أحياناً الرجاء ينقلك إلى البحبوحة، وإلى التساهل في الطاعة، وأحياناً أخرى الخوف الشديد ينقلك إلى اليأس، فالتوازن ضروري جداً بين الرجاء والخوف، يريد رجاء لا ينقل إلى التساهل، ويريد خوفاً لا ينقل إلى اليأس، يجب أن تعبد الله خوفاً وطمعاً، رجاءً وخشية، رغباً ورهباً.
وأنت كأب, ممكن أن تكون سهل، والقضية سهلة، ممكن أن تكون عنيف جداً, والقضية سهلة، ولكن بطولتك كأب أو مرب, ألا يعرف من حولك قوي, وشديد, ورحيم, وليّن, في آن واحد، ألا تيئّسهم من رحمتك، وألا تطمعهم في فضلك، بين الطمع واليأس.
هذا باب الخوف إن شاء الله, إن أحيانا الله في الدرس القادم في باب الرجاء، إذا جمعنا الدرسين معاً نتوازن, اليوم خوف، إن شاء الله في درس قادم نتحدث عن الرجاء، يجب أن نرجو رحمة الله، وأن نخاف عقابه.
ورد في بعض الأحاديث القدسية.
(( عن ابن عباس, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن داود عليه السلام قال فيما يخاطب ربه عز وجل: يا رب، أي عبادك أحب إليك أحبه بحبك؟ قال: يا داود, أحب عبادي إلي, نقي القلب، نقي الكفين، لا يأتي إلى أحد سوءا، ولا يمشي بالنميمة، تزول الجبال ولا يزول، أحبني وأحب من يحبني، وحببني إلى عبادي، قال: يا رب, إنك لتعلم إني أحبك وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى عبادك؟ قال: ذكرهم بآلائي, وبلائي, ونعمائي ))
العلماء قالوا:
إذا دخل أحد إلى مستشفى, يجد شيئا مخيفا، أمراضا وبيلة، هذا مشلول، هذا معه أزمة قلبية, هذا معه تشمع كبد، هذا معه فشل كلوي، ولو دخل الإسعاف, لوجد شيئاً أصعب، حوادث سير، ودهساً، وتكسير جمجمة، وقطع عمود فقري، وبتر يد، وبتر رجل، هذا بلاء الله عز وجل، أي إنسان فقد حريته عشرين سنة فرضاً بساعة غضب، أو أسرة مشردة، أو فقر مدقع، وأحياناً تجد إنسانا في بحبوحة، وفي مكانة علية، وصحة طيبة، وأولاده أبرار، وزوجته صالحة، ومنزله واسع، ومركبه وطيء، ورزقه في بلده، وله عمل صالح كبير، رجل يطمعك برحمة الله، والآخر يخوفك، أنت بحاجة للخوف والطمع في آن واحد.
في الجسم هرمون التجلط، وهرمون التمييع، لو أطبقنا هرمون التمييع وحده, أصبح الدم سائل, لدرجة ينزف دمه كله من نقرة دبوس, ولو سمحنا لهرمون التجلط وحده, أصبح الدم وحل بالأوعية، يموت الإنسان فوراً, الإنسان يموت فوراً من تميع الدم, وتجلط الدم، أما هذان الهرمونان يفرزان مفرزاتهما بحكمة بالغة في توازن، ليس هو مانعاً لدرجة النزف، وليس هو لزجاً لدرجة التجمد، والحياة تحتاج إلى توازن، والإسلام متوازن ووسطي ومعتدل، والإنسان الناجح معتدل, لا يوجد عنده تطرف, ولا إفراط, ولا تفريط، ولا مبالغة, ولا تقصير ، ولا إجحاف, ولا تثيب، هذا الموقف المعتدل هو الكامل، والفضيلة وسط بين طرفين.
والحمد لله رب العالمين