- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
تمهيد :
أيها الإخوة الكرام؛ الإمام النووي رحمه الله تعالى, عقد في كتابه رياض الصالحين بابًا, حول التفكير في عظيم مخلوقات الله تعالى، وفناء الدنيا, وأهوال الآخرة، وسائر أمورهما، وتقصير النفس, وتهذيبها, وحملها على الاستقامة.
الحقيقة أيها الإخوة؛ أن في الدين شقّين:
1- معرفة الله.
2- معرفة منهجه.
معرفة منهجه: هناك تفوق في العالم الإسلامي في كل مكان في معرفة منهج الله.
كتب الشريعة، أحكام الزواج، أحكام الطلاق، أحكام الميراث، علماء كبار، مؤلفات ضخمة، ومحاضرات متنوعة.
معرفة الله: لكن الشق الأول، وهو معرفة الله عز وجل, هناك تقصير في هذا الشأن.
السبب :
هو أن الإنسان إذا عرف الآمر، وعرف الأمر بعده, تفانى في طاعة الآمر.
أما إذا عرف الأمر ولم يعرف الآمر, تفنن في التفلت من أمره.
وليس هناك تفسير لتقصير المسلمين في طاعة الله, إلا أن جانب معرفتهم بالله ضعيف جدا، بينما معرفتهم بالشرع واضحة.
هل هناك في العالم الإسلامي واحد لا يعرف أن الربا حرام، والغش حرام، والاحتكار حرام، والاحتيال حرام؟ ومع ذلك أناس كثيرون جداً, غارقون إلى قمة رؤوسهم في المعاصي المالية، والمعاصي الاجتماعية، وهم يعلمون علم اليقين أنها محرمة.
ما السبب؟ لأن معرفتهم بالآمر ضعيفة جداً, والإنسان كما تعلمون: قيمة الأمر من قيمة الآمر.
مثال:
لو كنت في ثكنة, وجاءك الأمر من صاحب سبع نجوم، طبعاً غير الثمانية، غير النجمة، غير النجمتين، غير الثلاث، غير لواء، كلما ارتفعت الرتبة, يصير الأمر عظيماً، ويكون تنفيذه فوريًّا، فكلما عظم عندك الآمر عظم الأمر، فإذا وجدت إنسانا مقصرا في طاعة الله, معنى ذلك: أن جانب معرفة الله عنده ضعيف عنده.
آيات التفكر:
الآية الأولى:
أيها الإخوة؛ قال تعالى:
﴿
دقق في الآية:
قال سيدنا معاذ:
كل الحديث عن أسعار الدولار، عن البيوت، وعن البضائع، وعن القوانين, والأنظمة، وعن السماح بالاستيراد، وعن كساد البضاعة، وعن ضعف الأسواق، وعن ارتفاع المصروف، وعن قلة الدخل، وعن السوق البائرة، والبضاعة الكاسدة، هذا عند التجار، وعند الأطباء زيد وعبيد، وفلان أجرى عملية ليس لها لزوم، وفلان طبيب نصح المريض بإجراء العملية، والعملية كانت مؤذية، ادخل إلى المحامين, مهنتهم القضايا, والدعاوى، والقضاة، والمدرسين, والمدير, والبرامج، والساعات, والتعويضات القليلة، كل سِلك، وكل مهنة لها هموم، فلما يكون كل حديث الإنسان في الدنيا, ابتعد عن جوهر الحياة، قال تعالى:
إخواننا الكرام؛ الحديث عن الله، الحديث عن الدنيا يفرق، خمسة أشخاص في جلسة، واحد موظف، والأربعة تجار، يقول أحدهم: أنا عملت الصفقة الفلانية, ربحت بالمئة مئة، والله سافرت إلى المحل الفلاني، فندق، الليلة بثمانية آلاف، ولكن والله شعرنا بسرور، هذا الذي دخله محدود, ما الذي حدث معه؟ حطمته، فإذا تحدثنا عن الدنيا فإنها تفرِّق، أما إذا تحدثنا عن الله عز وجل تجتمع القلوب، لذلك:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا, فَتَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ, إِلَّا تَفَرَّقُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ, وَكَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ حَسْرَةً عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))
أيها الإخوة؛ نصيحة لوجه الله، إياك أن تجلس مجلسا دون أن تذكر الله.
(( من أكثر من ذكر الله, برئ من النفاق ))
أذكر آية، الشيء الذي أتمناه: أن أحدنا حضر خطباً بعدد حياته، من الصف الثاني أخذه أبوه إلى الجامع، كل جمعة فيها خطبة، في السنة خمسون خطبة، في عشر سنوات خمسمائة خطبة، في عشرين سنة ألف خطبة، ما علق بذهنك آية مشروحة شرحا جيدا، أو حديث شريف صحيح؟.
فإذا تعلم الإنسان، ولم يحاول أن يحفظ، ولم يحاول أن يثبت، كأنه ما تعلم شيئا، كل ما ليس في القرطاس ضاع، يبقى مع الهواء، أما المؤمن إذا سمع آية, كتب رقمها وسورتها، ذهب إلى البيت راجعها وسجلها عنده، سمع حديثا سجله، جلس جلسة له يذكره.
مشكلتنا: أن السماع سهل، ولا يحتاج إلى مجهود، أما التثبت وتقييد المعلومات فيحتاج إلى جهد، فالمعلومة التي سمعتها, إن لم تقيدها, فلا قيمة لها.
(( فعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: قَيِّدُوا هَذَا الْعِلْمَ بِالْكِتَابِ ))
طبعا نحن كتابنا هذا، رياض الصالحين، إذا كان عند كل أخ, فالأمر سهل، تحدثنا عن باب التفكر عن عظيم مخلوقات الله عز وجل، يقرأ الآية, يتذكر كل ما قيل حولها، يقرأ الآية الثانية, يتذكر كل ما قيل حولها.
أنا حرصت أن يكون الكتاب منهجيا بين أيدينا، دعته ابنته إلى طعام الغداء، كيف يا بنيتي؟ الحمد لله، رأيت الحرَّ قد هجم، نعم يا أبي، بعد الحر، وبعد حالها, وحال أبنائها، كلهم بخير، تكلم كلمة جديدة، اذكر آية قرآنية، أو حديثا شريفاً، اجعل الجلسة روحانية، اجعل الجلسة لله عز وجل، والمؤمن أينما جلس، إذا دعي إلى وليمة، دعي إلى عقد قران، دعي إلى حفلة، دعي إلى سهرة، زار والدته، أو أخوته، أو أصهاره، عنده شيء يقوله، لذلك:
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ))
اذكر آية عن رسول الله، اذكر حديثاً، فلا بد للإنسان أن يتعلم، ويحفظ، حتى إذا تكلم, كانت الذخيرة معه, قال تعالى:
﴿ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) ﴾
من هو المجنون؟ الذي لم يعرف هذه الدعوة، لأنه:
﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)﴾
أيها الإخوة؛ الآن بمقاييس البشر:
الذكي, المتفوق, الشاطر الذي معه المال، الذي حصل بيتا فخما، الذي عنده مركبة جيدة، عنده دخل كبير، عنده وكالة حصرية، عنده مكانة اجتماعية.
أما عند الله عز وجل:
كنا في عرفات، ذكرت لكم في خطبة: قد تجدون في العالم فنادق جميلة جدا، من ذوات الخمس نجوم، ورواد هذه الفنادق, جالسون في الشرفات, يتمتعون بالنسمات اللطيفة، والمناظر الجميلة، والجبال الخضراء، والبحيرات، وأطايب الطعام، لكنهم إذا كانوا في سخط الله، وأنتم في عرفات مع هذا الحر الشديد، ومع هذه الوعثاء، ومع هذا العج, وهذا الثج، كنتم في رضوان الله، من هم السعداء؟.
هؤلاء الذين وقفوا في عرفات.
العبرة بالحقائق لا بالصور، العبرة بالنهايات، العبرة بمن يضحك آخرا، قال تعالى:
﴿ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35)﴾
﴿ إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (13)﴾
أما المؤمن:
﴿ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9)﴾
ينقلب: أي في النهاية، العبرة من يضحك آخراً، من يفرح آخراً، هذه البطولة.
وكنت أقول دائماً: الإنسان العاقل يعيش المستقبل، والأقل عقلا يعيش الحاضر، والغبي يعيش الماضي، فإذا عشنا المستقبل, فأخطر حدث في المستقبل مغادرة الدنيا، والمغادرة سريعة جدا، وقد تأتي فجائية، إذًا: أعقل العقلاء هو الذي استعد لهذه المغادرة الطارئة.
الآية الثانية في هذا الباب:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾
البارحة في خطبة الجمعة, ذكرت أن مرصداً عملاقاً, يعمل بالأشعة تحت الحمراء, اكتشف وجود سحابة في الكون، هذه السحابة يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة في أربع وعشرين ساعة، فيها من الماء العذب ما يكفي لملء محيطات الأرض الخمسة, الأرض ستين مرة في أربع وعشرين ساعة، هذا من باب قوله تعالى:
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)﴾
فالذين يقولون: هناك شح في المياه في العالم, فهذا تقنين تأديب لا تقنين عجز، فإذا فكرت في خلق السموات والأرض عرفت الحقيقة.
آيات الله في الإنسان:
مرة قلت لإخوتنا الكرام؛ أنفُك فيه عشرون مليون نهاية عصبية، وكل نهاية عصبية فيها سبعة أهداب، وكل هدب مغطى بمادة مخاطية، تتفاعل مع الرائحة، ومن هذا التفاعل ينشأ شكل هندسي، مربع، مثلث، شكل مفتاح، هذه الرائحة ذات الشكل الهندسي, تصل إلى الدماغ، هذا رمز، وفي الدماغ ملف للروائح، الملف فيه عشرة آلاف رائحة، هذا الشكل الهندسي يعرض على هذا الملف بندا بندا، فحينما تطابق تقول: هذه رائحة الياسمين، تعرفها ياسمينًا, عند التطابق بين هذا الشكل, والملف الذي في الدماغ، قال تعالى:
﴿
مرة ذكر أحد الأطباء: أن مركز الذاكرة في الإنسان كحبة العدس، هذه الحبة تتسع لستين مليار صورة.
ومرة شاهدت إنساناً في بلد, أنا فيه أول مرة، هذا الإنسان كأني أعرفه، ما كنت أتذكر أين شاهدته، ثم تذكرت أن ابنه كان طالبا عندي، وأن ملامح الأب كملامح الابن، قلت: أنا علمت ثلاثين سنة، كل سنة هناك شعبتان، كل شعبة فيها حوالي خمسين طالباً، أربعمئة طالب على ثلاثين سنة، فهل من المعقول أن هذه الصورة انطبعت؟ رأيت ملامح وجه الأب تشبه ملامح وجه الابن.
هذه الذاكرة، ستون مليار صورة في ذاكرة الإنسان، المتوسط يعيش خمسين سنة تقريباً، فهذه ستون ملياراً، وحجمها كحجم حبة العدس.
يقولون الآن: هارد فيه غيغا في الكمبيوتر، الهارد له وزن, وحجم كحجم الكف تقريبا، إذا قلنا: فيه غيغا، أي فيه مليار، لكن حجمه كبير، أما حبة العدس، هذه الصور المرتبة، الشيء المهم قريبة، الأقل أهمية وسطى، غير المهمة بعيدة، لذلك:
إخواننا الكرام؛ بعض العلماء يرى: أن أرقى عبادة على الإطلاق هي عبادة التفكر، لأنك كلما تفكرت في مخلوقاته, ازددت تعظيما لله عز وجل، وكلما ازددت تعظيما له, ازددت خشوعا له, وطاعة له، فأقرب عبادة تعرفك بالله عزوجل التفكر، في القرآن الكريم هناك من الربع إلى الثلث, آيات كلها في التفكر.
آية ثالثة، قال تعالى:
﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)﴾
آيات الله في الحيوان:
من منا يصدق: أن عين الجمل ميكروسكوب وتيليسكوب في آن واحد، تريه البعيد قريباً، والصغير كبيراً، وعين الجمل, لها جفن شفاف, يمنع دخول الغبار في الصحراء، والجمل يمكن أن يعيش أشهراً بلا ماء، بلا طعام، بلا ماء، تصميم جسمه يمكن أن يأخذ الماء من الخلايا، الخلية فيها ماء، ممكن أن يعيش الجمل أشهراً بلا ماء، لأنه سفينة الصحراء.
والآن: في العالم جيوش, تستخدم الجمال في الصحراء، ليس هناك وسيلة مضمونة وراقية في الصحراء إلا الجمال، قال تعالى:
التفكُّر عبادة ربانية وضرورة دعوية.
قال تعالى:
﴿
﴿
﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)﴾
أيها الإخوة؛ قال تعالى:
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29) وَحَدَائِقَ غُلْباً (30) وَفَاكِهَةً وَأَبّاً (31) مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)﴾
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)﴾
هناك أشياء في الجسم دقيقة جداً؛ المثانة مثلاً فيها عضلات، لولا العضلات لكان إخراج ما في هذه المثانة, يحتاج إلى ساعات، لا بد من تنفيس، إذا كان هناك مستودع للماء الساخن, من دون أنبوب هوائي, لا ينزل الماء، إذًا: حكمة هذه المثانة التي فيها البول, فيها عضلات، فإفراغها سريع جداً، لكن لولا المثانة التي ينزل فيها كل عشرين ثانية نقطتا بول، نقطة بنقطة، ولم يكن هناك هذا المستودع, كان لا بد من فوط، ليس هناك حل ثان، نزول مستمر، فبهذه المثانة كرامتك محفوظة، تلقي محاضرة، تركب سيارة، تركب طائرة، كل عشرين ثانية, تنزل نقطتان في المستودع، صارت لتراً ونصفاً, تشعر بحاجة إلى إفراغ المثانة، هذه من نعم الله العظمى.
لذلك: كان عليه الصلاة و السلام, إذا خرج من الخلاء يدعو....
(( فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي ))
وكان يقول أيضاً:
(( الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى في قوته، وأذهب عني أذاه ))
الطعام فيه لذة، وفيه قوة، وفيه فضلات، فالفضلات خرجت، والقوة استفدت منها، واللذة تمتعت بها.
الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى في قوته، وأذهب عني أذاه
ومن هذه الأحاديث المتعلقة بهذا الباب:
(( عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ, أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم َقالَ: الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ, وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ, وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا, وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ))
دانَها حاسبها، دانها يعني ضبطها، فالعاقل هو المنضبط، حضارة الشرق مبنية على ضبط الذات، وحضارة الغرب مبنية على استغلال الطبيعة.
أحد زعماء بريطانيا تشرشل له كلمة، قال: ملكنا العالم ولم نملك أنفسنا، أما المسلم فضبط نفسه، وضبطُ النفس ثمن الجنة.
هناك شهوات، التفلت طريق إلى النار، الاستجابة للغرائز طريق إلى النار، هناك في حياة الإنسان ممنوعات، ومحرمات، ومكروهات، ما دام هناك خطوط حمراء وضبط, فهذا ثمن الجنة، قال تعالى:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾
﴿
أي ما بقي لكم من النساء الزوجة، وما بقي لكم من المال الكسب الحلال، وما بقي لكم من رفعة الشأن, أن تتفوق في معرفة الله.
الإنسان يغنّي, فيصير مشهوراً جداً، أو يمثّل، أو يرتكب جريمة, فيظهر اسمه على أول صفحة، فهناك طريق إلى الشهرة، وأشهر مخلوق من هو؟ إبليس، معروف في كل لغات العالم، فلا يتألم الواحد إن لم يكن مشهوراً.
(( فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ, لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))
هذا الباب، الباب التاسع: التفكير في عظيم مخلوقات الله تعالى، وفناء الدنيا, وأهوال الآخرة، وسائر أمورهما, وتقصير النفس, وتهذيبها, وحملها على الاستقامة.
و الحمد لله رب العالمين